Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

زهرة النرجس
زهرة النرجس
زهرة النرجس
Ebook914 pages6 hours

زهرة النرجس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

لا يملأ أبداً كأسٌ واحِد بعسَلٍ وخمر هـذ ا الأمر علينا أن نفهمه من يحب لا يطلب من محب أمراً عجاباً إلى متى هـذ ا الأمر نجهله سافَر تاركاً وراءه حياةً بريئة ابتسم.. غداً سيعود وكلِّ صباحٍ جميل أين رماه القدر بحزنٍ تساءل خيال.. أعاده إلى الوقت الجميل هـل اخترنا ما نحن عليه، أم إنه مكتوبٌ من قبل لا شيء قدرٌ كتب أم ترك لنا الاختيار.. ماذا وأين نريد أن نكون
Languageالعربية
Release dateJun 30, 2021
ISBN9789948844396
زهرة النرجس

Related to زهرة النرجس

Related ebooks

Related categories

Reviews for زهرة النرجس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    زهرة النرجس - عيسى البلوشي

    زهرة النرجس

    عيسى البلوشي

    Austin Macauley Publishers

    زهرة النرجس

    الإهـــــــــــــداء

    حقوق النشر ©

    شكر وتقدير

    مِن نسيج الخيال

    صباحٌ علقم

    صباحٌ سُكَّر

    يوم الجُرأة

    (عذبة) وجاريتها

    الإيفاء بالقسم

    الكيد المُنقلب

    ما قبل اللعب

    وقت المرح

    طبيب القرية

    في طريق العودة إلى البيت

    حديث الصاحبين

    في المسجد

    الشيخ (فلاح) المرحلة الأولى

    الشيخ (فلاح) المرحلة الثانية

    الشيخ (فلاح) المرحلة الثالثة

    الشيخ (فلاح) المرحلة الأخيرة

    ما بعد القصَّة

    مساءٌ جميل

    ما بعد الاستيقاظ

    صباح لا سُكَّر

    صباحٌ جديد بسُكَّر

    نقطة بداية التغيُّر

    السؤال والبحث عن الحل

    إصرار بلا تعقُّل

    ابن حكيم القرية

    حكيم القرية

    استغلال الوقت

    الحكيم والمعلومات عن الزَّهرة

    ما بعد الخروج

    بلاء العشق

    طفوح الكيل

    تاجر الأقمشة

    التجهيز لأجْل السفر

    وقت الغداء

    مصالحة قبل المغادرة

    اللحظة المنتظَرة

    في وسط القرية

    إلى اللقاء.. قريباً

    ما بعد الخروج مِن القرية

    ماذا الآن؟

    الرجل الغريب

    صِدق وأمانة الغريب

    إلى الجزيرة

    ما بعدَ الوصول إلى الشاطئ

    الرحَّالة المُسِنُّون

    تنبيهات أم صُدَف

    العجوز

    رُبَّان السَّفينة

    ما قبل الرحلة

    بداية الرحلة

    في وسط البَحر

    العقل الباطن

    ما لا يُعقَل!

    بداية العَناء

    وقت الليل

    إنْ لم يكن اليوم فغداً

    مُحاوَلة لأجل الهرَب

    (ناهور) و(صخر)

    زيارة غير حميدة

    صباحٌ أسود

    في خيمة الطبيب

    الأقدار

    لماذا؟ لماذا؟

    تداخُل الأفكار

    اختبار أم خطيئة؟

    لا يصح إلا الصحيح

    خطة لأجل التقرُّب

    (ياقوت) والحارس

    هذا أنت وهذا أنا

    المحظور

    النَّفس الضَّعيفة

    مع بقيَّة العَبيد

    في المحبس

    إلى الوجهة

    فرصة لأجل الهرب

    ما بعد الاعتداء

    الاقتراب مِن الوجهة

    أضغاثُ أحْلام

    الجنُّ الرحَّالة

    الحرَس الجُدد

    اختفاء الجَميع

    إلى السفينة الرَّاسية

    السفينة

    وقت التَّجديف

    في البَحر

    قصَّة حياة (حديد)

    استباق المعضِلة

    القراصِنة

    حديث اللَّيل

    الفعل المنكَر

    أرض الخُلود

    شاطئ أرض الخلود

    سوق النخاسة

    ما قبل البيع

    وقت البيع

    ما بعدَ البيع

    تاجِرة الرَّقيق

    رغبة التاجرة

    إلى قَصر (دارين)

    الصديق الجَديد

    أمل الخروج مِن المحبس

    المحاولة الثانية لأجل الهرب

    ما قبلَ الوصول إلى القَصر

    في ساحة القصر

    إلى الزنزانة

    في الزنزانة

    الزائرون

    فساد القوَّة

    الهروب مِن الزنزانة

    ما بعدَ الهرب

    في الحانة

    سُدىً

    إلى الحريَّة أم العبوديَّة؟

    الأمل

    إلى المأوى

    داخل القرية المهجورة

    بئر القرية

    البيت الآمِن

    داخل البيت الآمِن

    جدال فيما لا يُعقَل

    الفضول وما يفعل!

    العائلة الفقيرة

    الحديث في أمر القصَّة

    (الأسود ابن آسيا)

    حقيقة القرية

    القرية المهجورة

    المعضلة الغريبة المفاجِئة

    كشْف سِرِّ الحالة

    الحلُّ لإبطال التعويذة

    لأجل الصديق

    آناء الليل

    (ياقوت) والأحداث

    الاقتراب مِن القرية

    تغيُّر الوجهة

    الخروج مِن الغرفة

    لحظة وداع

    الزيارة المفاجِئة

    الوجه الآخر

    الرجل المُقَنَّع

    ذوات الوجهيْن

    بعثرة أمل النجاة

    عجيب الفعل

    التضليل

    جن القرية المهجورة

    سرُّ التجوال

    أداة المُهمَّة

    مِن أرض الذهب

    السَّاحرة

    ما بعد الخروج مِن القرية

    الكائن الغريب

    استراحة (الأسود ابن آسيا)

    ما لمْ يخطُر على البال!

    إلى الأمل

    (حديد) والقرية المهجورة

    البيت الآمِن

    الظِل المُشتعل

    لا شيء دون مُقابل

    زهرة النَّرجس

    أقدار

    الفتى (سلطان)

    ما بعد الدفن

    بيت الربَّان

    وقت الاستراحة

    إلى الشاطئ لأجل الرحلة

    (ياقوت) و(مرجان)

    قرار (حديد)

    قرية (سلطان)

    (عذبة)

    لأجلِك أخي

    الإهـــــــــــــداء

    لكلِّ مَن غرسَ في نفسه نرجساً، ولكلِّ مَن أغراه النرجس.

    حقوق النشر ©

    عيسى البلوشي (2021)

    يمتلك عيسى البلوشي الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948844402 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948844396 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-9269432

    التصنيف العمري: 17 +

    تم تصنيف الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقاً لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    الطبعة الأولى (2021)

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    +971 655 95 202

    شكر وتقدير

    إلى كلِّ مَن وقف بجانبي.. إلى زوجتي وأبنائي

    هل اخترنا ما نحن عليه، أمْ أنه مكتوبٌ مِن قبل لا شيء؟

    قدرٌ كُتب أمْ تركَ لنا الاختيار.. ماذا وأين نريد أنْ نكون؟

    لَا يُمْلَأ أَبَــــــداً كَأْسٌ وَاحِــد بِعَسَلٍ وَخَمْـــــــــرٍ

    هَـــــــــــذَا الْأَمْـــر عـــــــَـــــلَيْنَا أَنْ نَفْهَمــــــه

    مَنْ يُحـــــــِب لَا يَطْلُب مِنْ مُحِبٍّ أَمْراً عُـجَاباً

    إِلَى مـَــــــــتَى هَــــــذَا الْأَمْــــــرُ نَجْهَلـــــــــه

    ســـــــَــــافَرَ تــَـــــارِكاً وَرَاءَهُ حَيَـــاةً بَرِيـــئَة

    ابْتَســــِـــــــمْ.. غَداً سَيَعُودُ وَكُلُّ صَبَاحٍ جَمِيل

    أَيْنَ رَمَــــــــــــــاهُ الْقَــدَر بِحُزْنٍ تَسَــــــاءَل

    خَيَــــــــــــال.. أَعَـــادَهُ إِلَى الْوَقْتِ الْجَمِيــل

    مِن نسيج الخيال

    كثيرٌ مِن القرى اختفَت مع مرور الزمن، ولمْ يعرف التاريخ أسماءً لها إلا القليل منها فقط، كالمعروفة قديماً بحضارة أُمّ النار، وفي الوقت الحالي بـ أمِّ النار التابعة لإمارة أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.

    أوصَت أرملة ابنَها اليافعَ وهي على فراش الموت أنْ يعتني بأخيه ذي السنتين مِن العمر، فعاهد (صالح) أُمَّه بالاعتناء به كابن، وبعد موت الأُم أكمَل الأخوان حياتهما يرتزقان ممَّا ورثاه أباً عن جد صناعة السيوف، وكان أيضاً مكان مصدر رزقهما في البيت الذي يعيشان فيه.

    كان لدى (سلطان) أصدقاءٌ كُثر، ولم يكن أحد قريباً منه بقدْر (سيف) الذي لم يُخفِ عنه سرّاً، كما أنه مِن الصغر أيضاً رأى فتياتٍ كثيرات، ولم تدخل قلبه إلا ابنةُ أحد أثرياء القرية، وكلما كبر (سلطان) زاد تعلُّقه بها حتى أوصله التعلُّق حدَّ العشق.. عشقٌ مِن طرفٍ واحد.

    صباحٌ علقم

    بينما كان (صالح) منشغلاً في صناعة سيف لأحد العملاء في الغرفة الخاصَّة لصناعة السيوف، نادى لمراتٍ عدَّة على أخيه النائم في غرفته لتأخُّره في النوم، وبعد ثوانٍ مِن الانتظار صاح غاضباً، فاستيقظ (سلطان) مفزوعاً، وردَّ بصوتٍ عالٍ قائلاً إنه مستيقظ؛ لئلَّا يدخل عليه الغرفة.

    خرج مِن غرفته على عجَل؛ حتى لا يواجه توبيخاً مِن أخيه، وبعدما غسل وجهه في الخارج، دخل غرفة العمل، وسلَّم عليه مبتسماً؛ ليقلِّل مِن ضيقه عليه، وباشَرَ عمله المعتاد صناعة السيوف، ثم أطلع أخاه على ما فعل حيال ما أمرَه بالأمس، وطمأنه أنه سلَّم جميع السيوف لأصحابها.

    ظلَّ (صالح) يعمل مِن دون أنْ يبادله الحديث، ثم سأل أخاه لمَ تأخَّر البارحة في العودة إلى البيت؟ موضِّحاً أنَّ السيوف لم تكن كثيرة، وبيوت العملاء ليست بعيدة! فأخبره (سلطان) أنه لم يجد الأكثر في بيوتهم، ولم يكن أمامه خيار إلا أنْ ينتظر عودتهم حتى لا يغضبوا؛ لأنهما لم يسلِّماهم الأسلحة في موعدها.

    أثار (صالح) دهشة أخيه بسؤاله إنْ كان يعلم بأنه يخبر العملاء عن موعد تسليم السيوف قبل البدء بصناعتها، أم أنه لا يعلم، فتساءل الآخر لمَ يسأل عن أمرٍ كلاهما يعرفانه، ثم أجاب بأنه يعلم، وتعجَّب مِن توقّف أخيه عن العمل والنظر إليه ضائقاً، فأخذ يفكر إنْ كان قد قال شيئاً خطأً!

    رأى أخاه عاد إلى العمل يسأل إنْ يذكر أمْ لا أنه نبَّه عليه بألا ينتظر مَن لا يلتزم بموعد استلام سيفه، فردَّ وقد عرف سبب ضيقه عليه، أنه لم يتعمَّد مخالفة أمره بانتظار المتخلِّفين، فطلب منه (صالح) أنْ يفسِّر له عدم مخالفته أمره، منوِّهاً بأنه فعلها بانتظارهم حتى وقتٍ متأخِّر.

    أقسم (سلطان) أنه انتظر بحُسْن نية، وليس مخالفةً لأمره، وأنه خمَّن أنَّ البعض قد اضطر إلى الخروج مِن بيوتهم لأمرٍ طارئ، ولم يجدوا فرصة للعودة وقت الموعد لاستلام سيوفهم، وارتعد خوفاً مِن وقوف أخيه أمامه وجهاً لوجه يصيح غاضباً بأنه لا شأن له فيما يصادف الناس مِن ظروف وأحوال!

    ردَّ (صالح) بأنَّ مَن يخرج مِن بيته متجاهلاً الموعد، عليه أنْ يأتي إليهما ليستلم سيفه، لا أنْ ينتظر هو عند بيته حتى وقتٍ متأخِّر من الليل لا يعرف إنْ كان سيعود أمْ لا! فطأطأ (سلطان) رأسه أسفاً لإدراكه أنَّ أخاه مصيب في كلامه، ثم سمعه يأمره بألا يكرر ما فعل، فوعده بذلك.

    عاد (صالح) إلى العمل ضائقاً ولا حديث، وبعد حين سأل عن أجرة ما صنعا هل استلمها مِن الجميع؟ فردَّ (سلطان) بالإيجاب، وأنه أتى إلى غرفته ليعطيه الأموال، وعند رؤيته نائماً لم يشأ إزعاجه، فوضعها في غرفته على أنْ يعطيها له في الصباح، فأثنى (صالح) على ما فعل.

    أمر أخاه بترك ما بيده ووضْع الأموال في غرفته، فخرج (سلطان) مِن عنده ضائقاً؛ كيف يكون الصبح جميلاً إنْ كان يبدأ بسماع الصراخ؟! وفور دخوله غرفته حمل النقود وخرج، ثم دخل غرفة أخيه، ووضع الأموال في صندوقٍ خاص لجمع المدَّخرات، وعلى الفور خرج مِن الغرفة.

    توقَّف مستغرباً مِن نوم أخيه دون انتظار عودته كعادته ليطمئن عليه، ثم ربما لم يكن نائماً، إنما تظاهر ليعاتبه في الصباح لئلَّا يعيد الكَرَّة مرةً أخرى التأخُّر، فتحرَّكَ عائداً إليه موقناً بأنه مثلما خمَّن، ولحظة دخوله عليه سمعه يقول أنَّ إفطاره جاهز، ويطلب منه التعجيل في الأكل.

    أخبر (صالح) أخاه بأنَّ لديهم اليوم عملاً كثيراً، ونوَّه أنَّ غرفة الطعام مهمَلة منذ يوميْن؛ فاعتذر (سلطان) لما بَدَرَ منه، ووعده بأنه سينظِّف الغرفة بعد انتهائه مِن الإفطار، ثم خرج مِن غرفة العمل مستأذناً في الخروج.

    صباحٌ سُكَّر

    دخل (سلطان) غرفة الطعام ضائقاً ممَّا سمع مِن أخيه عمل كثير، ثم تساءل إنْ كان سيسمح له اليوم باللعب مع الفتية، أم سيبقى معه لينهيا العمل الكثير، ومِن دون إدراك راح نظره نحو النافذة، فانشرح صدره مبتسماً بعد الضيق؛ لرؤية مَن يعشق تمازح جاريتها وهما تدخلان السوق.

    لفت انتباهه مصادفة وقوفُ فتيات بالقرب منها، فبقي ينظر إليهنَّ لحسنهنَّ، ثم أقسم مبتسماً أنْ لا فتاة إلا (عذبة)؛ لعدم وجود فراغ في قلبه الذي يملؤه اسمها، ثم أعاد النظر نحو المعشوقة غير مبالٍ للفتيات ولا لحسنهنَّ، ورأى الاثنتين ابتعدتا عن ناظريْه، فالتصق بالنافذة لئلَّا يفقد أثرها.

    ظلَّ ينظر إليها فرحاً حتى وقفتا عند أحد العطَّارين، ثم فزع لسماعه صوت فتح باب الغرفة بقوة، فالتفت خائفاً لتذكُّره طلب أخيه الاستعجال في الأكل يفكر بما يردُّ عليه إنْ سأله عن أسباب وقوفه عند النافذة تاركاً الإفطار دون أكل، وقد نبَّه عليه أنْ ينهي بسرعة.

    حَمِدَ الله مطمئنَّ النفس أنَّ الداخل هو صاحبه وليس أخاه، ثم أعاد النظر نحوها، فتحرك (سيف) نحوه يغنِّي، ثم وقف بجانبه مُتَّكِئاً على الحائط ينظر إليه دون النظر نحو الخارج، ويسأله أيضاً فيمَ وقوفه بجوار النافذة؟ وهو يعلم السبب! فأخذ يحدِّق فيه تارة، وتارةً أُخرى ينظر نحو (عذبة).

    ابتسم (سلطان) لعدم تمالك نفسه مِن تصرُّف صاحبه، ثم سأله عمَّ به دون النظر إليه لمبالغته في التحديق فيه، فسأله (سيف) السؤال ذاته: ما بكَ أنت؟ فأجاب (سلطان) بأنه ليس به شيء، متظاهراً باللامبالاة للسؤال، ولأنه أيضاً يعلم أنه يقصد التحديق في (عذبة).

    بقي (سيف) ينظر إليه فرحاً لرؤيتها:

    - يا لك مِن مجنون! لم أرَ عاشقاً مثلك!

    أعطاه زهرة كعادته، يسأل لمَ كلما نظر إليها ينظر وكأنه أول مرة يراها؟ و(سلطان) مستمرٌ في النظر مبتسماً دون ردّ، ثم سمعه يُلقي شِعراً لأحد شعراء القرية، فانشرح صدره مِن الوصف:

    خرجتُ مِن البيــــــــتِ في الصبــــــــــــاحِ

    فرأيـتُ زهـــــــــــــــرةً واقفة أمــــامية

    رائحة حنَّة كفِّها مِـن بعيدٍ فــــــــــواح

    كم أنــــــــتِ فـــــــــــــاتنة أيتها الشرقيــة

    كحلُ عيـــــــــــنيها الطريةِ رميٌ ســـــدَّاح

    ســـــهمٌ ظــــــــالم.. أصــــــــــــابني في النــــاصية

    كلُّ قلبٍ عنيد له للانجذابِ مــــفتاح

    فمَا مفتــــــــــاحُ قلبِ مَن مِن القلبِ دانية

    صـــــدّها لي كيــــــــف جعلت القلــــبَ لاح

    انظري إليَّ.. نظرةً فـــــــــقط يا قـــــــاسية

    بضيقٍ سأل (سيف) صاحبه إلى متى لا يدرك حجم الفرق الذي بينه وبينها؟ فضاق (سلطان) لمعرفته قصد السؤال، فهي ابنة ثري، وهو مجرَّد حدَّادٍ بسيط! فنظر إليه غاضباً يسأل: لماذا دائماً يعيد الحديث المزعج كلما رآه ينظر إليها وهو يعلم أنه يزعجه؟ أم أنه يتعمَّد مضايقته لا أكثر؟

    نفى (سيف) من أنْ يكون كما يظن، وأنه فقط يذكِّره بمَن يكون هو ومَن تكون (عذبة)، وأنه ليأخذ الأمر بتعقُّل، فردَّ (سلطان) وقد ازداد ضيقاً أنه يعي مَن تكون (عذبة)، ولا يحتاج للتذكير، ثم أعاد النظر نحوها يتمتم أنه كلما رآه ينظر إليها أفسد لحظتَه بالكلام فيما يضايق.

    ضحك (سيف) مِن كلامه، ثم تحدَّث عن الأثرياء أنهم لا يتزاوجون إلا فيما بينهم، ثم إنَّ الفقراء للفقراء؛ ذلك ليراجع (سلطان) نفسه حيالَ رغبته بالزواج مِن (عذبة)، وإذا به يراه التفت نحوه ينظر إليه غاضباً، فتظاهر بعدم فهم نظراته، يسأل ما له غاضباً؟ وهل قال شيئاً خطأ؟

    طلب (سلطان) مِن صاحبه ألا يراوغ، وأنهما صديقان منذ الصغر، ويفهمان بعضهما، وحذَّره ألا يعيد ما قال ترْك فكرة الزواج، وأنه إنْ أعادها فسيرى ما لا يحب، ثم أعاد النظر نحوها، فابتعد الآخر عن النافذة، وقد عرف ما سيواجه إنْ لم يتوقَّف عن الحديث عنها العراك.

    حيال طريقة تفكيره، سأله إنْ كان لا يفهم، أمْ أنه لا يريد أنْ يفهم الفرق الذي بينه وبينها؟ ثم التفتَ نحو (سلطان)، وتفاجأ مِن وقوفه أمامه ثائراً غاضباً، يسأل ألن يتوقَّف عن الحديث عنها؟ فعرف (سيف) أنه إنْ نطق بكلمة أخرى في أمر ترْك الزواج فإنَّ يومه أسود ممَّا سيرى منه العراك!

    رفع كلتا يديْه ضاحكاً، يرجوه ألا يغضب، واعداً إيَّاه بعدم التحدث في أمر ترك الزواج، فحذَّره (سلطان) بألا يعيد ما قال! ثم تحرَّك نحو النافذة، فأراد (سيف) التحدث معه لقضاء بعض الوقت، ورآه يحدِّق فيها، فتساءل عمّا يفعل، وهل يخرج أمْ ينتظر قليلاً حتى يتفرغ له ليتحدثا؟!

    نظر مِن حوله يفكر بما يُسلّي نفسه بعدما قرر الانتظار، ثم جلس على الأرض، وبدأ يأكل من الإفطار الموجود، ويغنِّي بلمز قاصداً صاحبه لوقوفه ينظر دون حراك وكأنهُ صنم، و(سلطان) ينظر نحو (عذبة)، وفي الوقت نفسه مبتسماً بما يسمع مِن صاحبه لمعرفته أنه المقصود!

    ابتسم (سيف) يسأل، ألم يتعب مِن الوقوف ينظر؟ وإلى متى سيبقى واقفاً؟ ولمَّا رآه لا يُحرِّك ساكناً طلب منه مشاركته الإفطار، موضِّحاً أنه خيرٌ له مِن مراقبتها. وفي هذه اللحظة رأى (سلطان) العطَّار حمل كرسيَّه الخاص، ووضعه أمام (عذبة)، وفور جلوسها بدأ يُخرِج ما لم يكن معروضاً للبيع!

    عرض أفضلَ ما لديه مِن عطور، وأخذ يمدح بضاعته، ويتملَّق بضحك، فابتسم (سلطان) على ما يفعل؛ حيثُ يعلم أنه لأجل التقرُّب منها كم أنتَ مسكين.. قد حاول معها مَن هم أفضل منك، ولم يفلحوا أبداً!.

    ظلَّتْ (عذبة) تُجرِّب العطور واحداً تلو الآخر غيرَ مبالية بتملُّق العطَّار، ولاحظ (سلطان) ملامح الغيرة على وجوه من هن بقربها مِن الفتيات اللاتي يشترينَ عطوراً مِن بقية المحال، ثم لبطء خطوات المارِّين بجانبها مِن الرجال، ينظرون إليها وكأنهم ينتظرون منها إشارة ليتحدثوا معها، فأعاد نظره نحو (عذبة) يتساءل: أيُّ عقابٍ هي؟ لا ترحم بحسنها رجالاً ولا نساء!

    تَأَوَّهَ مغمض العينين مِن رؤية وجهها باتجاهه، صانعاً لنفسه موقفاً مِن خياله.. تنظر إليه مبتسمة، ثم تسأل أيّ أنواع العطور يحب ذلك لتتعطر لأجله كلما دخلتِ السوق؟

    يوم الجُرأة

    حمد اللهَ (سيف) على نعمة الطعام فور الانتهاء مِن الأكل، ونظر إلى صاحبه مبتسماً يتساءل متى ينتهي مِن التحديق؟ ثم نهض لإدراكه أنه لن ينتهي، ووقف بجانبه أمام النافذة، وبقي لثوانٍ ينظر إليه وإلى (عذبة) دون تحريك الرأس ولا حديث، ثم بدأ يحسُّ بالتعب من إثر الوقوف.

    استغرب مِن قدرة صاحبه على الوقوف كل تلك الفترة دون أنْ يحسَّ بالتعب أو الملل، ثم ربما يحسُّ بالتعب ويتصبَّر حبّاً فيها! وتضايق لتساؤله إلى متى سيبقى متردداً لا يقدِّم لها الزهرة التي يجلبها له كل يوم؟ ثم فكَّر فيما يفعل ليقتل تردده ليعطيها الزهرة، ثم يُخرِج لها ما في قلبه.

    فكَّر في حيلٍ كثيرة لإنجاح ما يريد، ولم يجد فكرة أفضل مِن إثارة غضبه لتنفيذ ما لم يتمكن مِن فعله لسنين لمعرفته صاحبه أنه يأخذ الكلام بعناد إنْ كان فيه تحدٍّ! فسأله مبتسماً إنْ كان اليوم سيمضي كبقية الأيام؟ ففهم (سلطان) قصده؛ إنه يعتقد أنه لن يتجرأ اليوم أيضاً على إعطائها الزهرة.

    أبدى (سيف) لا مبالاة متعمِّداً ليثير غضبه؛ أنه كل يوم يسمع منه أنه سيعطيها الزهرة، ولا يرى منه فعلاً، ورأى أنه لم يتأثر مِن كلامه، فأعاد نظره نحو (عذبة) في حين ثار (سلطان) غضباً مِن كلامه، ولم يُبدها له متمالكاً نفسه لئلَّا يستغلها فيما بعد، ويتلاعب بأعصابه مستمتعاً.

    ابتعد (سيف) عن النافذة يضحك باستهزاء، ثم أخبره أنه ماهرٌ في التحديق فيها ولا شيء آخر، وما إن التفت إلى الخلف حتى رآه واقفاً أمامه ينظر إليه نظرة التحدي، فعرف أنه نجح في إثارة غضبه، وتظاهَر بعدم فهم النظرة، فسأل ما له ينظر إليه؟ وهل ما قاله ليس واقعاً؟

    أقسم له (سلطان) غاضباً أنه الآن سيعطيها الزهرة، وسيطلبها للزواج، وأنه بنفسه سيكون شاهداً على ما سيفعل، ثم تحرَّك عائداً إلى مكانه أمام النافذة، ورأى (عذبة) تحركتْ مِن عند العطَّار، فظل ينظر متردداً في إعطائها الزهرة إلى أنْ شارفتْ على الخروج مِن السوق.

    وقف (سيف) بجانبه، ورأى ما يرى وضحك، أنَّ زهرة اليوم المسكينة ستُرمَى أيضاً كبقية الأزهار! فتغيَّرت ملامح وجه (سلطان) ضائقاً يتساءل إنْ كانت الزهرة ستُرمى اليوم؟ ثم أخذ نفَساً عميقاً مغمض العينين يُقوِّي قلبه، وفجأة خرج مِن البيت مهرولاً يُقْسم أنَّ الزهرة لن تُرمى هذه المرة.

    جحظتْ عينا (سيف) مندهشاً غير مصدق أنَّ صاحبه تجرَّأ وخرج، فأسرع إلى النافذة ليرى ما سيحدث، وظل ينظر نحو (عذبة) هل سيفعلها (سلطان)؟ أم أنه راوغ بالخروج؟ وفرح بأنه كان جاداً في قسمه مِن رؤيته واقفاً أمامها، فبقي ينتظر هل سيفعل الثانية؟ ثم حمد الله لتقديمه الزهرة لها.

    بقيَتْ (عذبة) تنظر في تعجُّب من جرأته إنْ كانت تعرفه، لكنها لم تعرفه، ثم سألتْه ضائقة مَن يكون؟ فأخبرها بأنه (سلطان) الحدَّاد، ثم أشار إلى البيت أنهُ بيته وبيت أخيه، ولمَّا سُئِل لمَ يعطيها الزهرة بقي ينظر إليها فرحاً، ثم وصفها بالفاتنة، وأنه معجبٌ بها، فنظرتْ إلى الجارية مبتسمة.

    أخذتْ منه الزهرة شاكرة، وتحركتْ مع الجارية لتخرجا مِن السوق.

    (عذبة) وجاريتها

    بعد ابتعاد الاثنتين بمسافة قليلة، سألتْ (عذبة) جاريتها: ألم تستغرب مِن فعل (سلطان)؟ فردَّتِ الأخرى أنها اندهشتْ ممَّا فعل، وإنْ لم تكن جاريتها منذ سنين لظنَّتْ أنها تعرفه، ولمَّا سألتْ (عذبة) عن رأيها فيما فعل، أجابتها الجارية أنَّ ما فعل لم يتجرأ أيُّ فتًى على فِعله.

    رأتِ الجارية مولاتها مبتسمة، فسألتها هل أعجبت به؛ اعتقاداً منها أنها كذلك لسؤالها عمَّا فعل؟ فالكثير مِن فتية القرية فعلوا أفعالاً مشابهة ليتقربوا منها، فلم تتحدث عنهم، ولا حتى سألتْ، ثم أبدتْ رأيها فيه بوصفها إياه بالوسيم القوي، وسألتْ أليس وصفها له صحيحاً؟

    نظرتْ إليها (عذبة) مستهزئة على ما وصفتْ، ثم بغرورٍ أخبرتْها أنها لم تعجب بأبناء الأثرياء الوسماء يوماً، فهل ستعجب بحدَّادٍ فقير؟ فبقيتِ الجارية تفكر في (سلطان) لمَّا أيقنتْ أن مولاتها غير مهتمة لأمره، ثم سألتْ عمَّا ستفعل إنْ تعوَّد إهداءَها زهرةً كلما رآها في السوق؟

    بلا مبالاةٍ نظرتْ إليها أنه ما الضير إنْ تعوَّد على إهدائها زهرة؟ ثم ليفعلها! فليست بخاسرة شيئاً، ثم بابتسامة هل هي خاسرة؟ فلفتتِ الجارية انتباهها أنه فتىً جريء، وقد يتمادى إلى ما هو أكثر مِن زهرة! ففكرت (عذبة) في كلامها؛ ذلك لأنها لم تعهد منها ما قالت حيال الفتية.

    تساءلتْ بتخوُّف عمَّا يكون أكثر مِن زهرة؟ ثم طلبَت منها أنْ تُفصح عمَّا يدور بعقلها، وما إنْ أطلعتْها الجارية على مخاوفها حتى جحظتْ عينا (عذبة) ممَّا عرفتْ منها، ثم سألتْ: وهل ستصل به الجرأة أنْ يأتي إلى غرفتها ليلاً؟ فأوضحتِ الجارية أنها رأت جرأته، وسألتها هل تستبعد ذلك مِن جريء؟!

    بتخوُّفٍ تحدثتِ الجارية مع مولاتَها ماذا هي بفاعلة إنْ فوجئتْ به في غرفتها ليلاً؟ وماذا إنْ رآه البعض يدخل مخدعها؟ وماذا سيظنُّ الناس فيها؟ وكيف سيكون حال أهلها وأقربائها ومَن يعرفونها إنْ أذيع في القرية أنَّ شاباً يأتي إليها ليلاً خلسة؟! فتصبَّب جبين (عذبة) عرقاً مِن شدة الخوف.

    نصحتْها الجارية أنَّ الفتاة ليست كالفتى يفعل ما يفعل طوال حياته مِن منكر، وبمجرد التظاهر بالتعقل فإنَّ الناس تتناسى، وأنَّ الفتاة إنْ تلطختْ سُمعتها مرَّة فإنها ستبقى سيئة لبقية حياتها، ثم قد يتعامل الناس معها على أن ما أذيع عنها تهمة ملفقة، إلا إنها في أنفسهم ستبقى سيئة.

    أضافتْ أنَّ الأمر لن يقتصر على هذا، بل ستطارد التهمة أبناءَها وأحفادها أيضاً! فطلبتْ (عذبة) نصحها فيما تفعل بشأن (سلطان) لئلَّا يحدث ما أخبرتْها، فنصحتْها الجارية بإبعاده عنها، ولمَّا سألتْ (عذبة) ماذا عليها فعله لتُبعده عنها، بقيت الجارية تفكر ولم تصل إلى أيِّ فكرة.

    ردَّتِ الجارية أنهما في البيت ستفكران في طريقة لتبعداه، على ألَّا يحسَّ الآن بما تنويان، و(سلطان) بقي ينظر إليها يتساءل: هل أُعجبتْ به أم لا؟ ثم إنْ أُعجبتْ فإنها سوف تلتفت نحوه، فالتفتتْ (عذبة) تنظر إنْ كان لا يزال مكانه أم انصرف، ورأته واقفاً مكانه ينظر إليها.

    نظرتْ نحو الجارية مبتسمة أنه لا يزال واقفاً مكانه، فردَّتِ الجارية مبتسمةً أنه بما إنها نظرتْ إليه فحتماً سيظنُّ الآن بأنها أغرمتْ به، فضحكتا مكملتَين سيرهما و(سلطان) شعر بارتياح لتأكُّده أنها أُعجبتْ به.

    الإيفاء بالقسم

    دخل (سلطان) البيت على عجل، لا تسعه الدنيا فرحاً؛ لتحدُّثه مع (عذبة)، ثم وقف أمام باب غرفة الطعام يفكر في صاحبه كيف سيكون رد فعله؟ لإيقانه أنه مِن النافذة رأى كل شيء، ثم دخل عليه هادئاً في خطواته ليبين أنَّ ما فعل لم يكن بأمرٍ عظيم، ورآه ينظر إليه مبتسماً باندهاش.

    ازداد فرحاً لما رأى على وجه صاحبه وكأنَّ في نفسه أسئلة حيال ما فعل كيف تجرأتَ؟ هل تحدثتَ معها؟ ماذا قلتَ لها لتودِّع مبتسمة؟ إلخ إلخ، وأراد ضمَّه لفرحته، إلا إنه تمالك نفسه لئلَّا يستغلها ضده فيما بعد، فيبقى دائماً يردِّد على مسامعه أنه لم يصدق أنها تحدثتْ معه!

    عن رأيه فيما فعل سأله، وعن الزهرة إنْ رآها رُمِيَتِ اليوم كبقية الأزهار؟ فأقسم (سيف) أنه لم يكن يتوقَّع بأنه سيفعلها، وسأله كيف أتته الجرأة على فعلها؟ فمشى (سلطان) أمامه بتفاخر مرفوع الصدر لإيفائه بما أقسم أنه اليوم سيعطيها الزهرة، ثم وقف أمام النافذة ينظر نحو الخارج.

    للمرة الثانية سأل عن رأيه فيما فعل، ليسمع مدحاً، فردَّ (سيف) بأنه عاجزٌ عن الكلام، وأنه لو كان مكانه لما استطاع فِعل ما فَعل، ففرح (سلطان) للمدح، ثم بزغتْ عيناه مِن سؤاله: ألم يخف مِن أنْ يراه أحد أقربائها ويشتكيه لأخيه؟ فنظر نحو صاحبه، ثم أجاب بأنه لم ينتبه لهذا.

    ظل الاثنان ينظر كلٌّ منهما إلى الآخر، هل سيسمعان طرق الباب؟ ثم التصقا بالنافذة، وبقيا ينظران نحو الخارج إنْ كان أحد أقربائها يقترب مِن البيت؟ وفرحا أنَّ الله ستر! ثم تحدَّث (سيف) في أمر الزواج، هل عرضه عليها؟ فتغيَّرت ملامح وجه (سلطان) منصدماً: كيف فاته هذا الأمر وهو المهم؟!

    تساءل كيف سيكون ردُّ فعل صاحبه إنْ أخبره أنه لم يطلبها للزواج، قطعاً سيستهزئ به ضاحكاً بأنه لا يزال لا يملك الجرأة ليخبرها، ثم إنْ أخبره أنه نسي فهل سيصدِّق؟ وماذا عن قسمه أنه سيخبرها؟ وإذا بدأ (سيف) بالضحك فكيف يُسكِته؟ ثم تساءل ضائقاً: فيمَ تفاخر؟!

    فكر في عذر ليقنع به صاحبه لعدم طلبها للزواج؛ ليحفظ ماء وجهه، وتوتَّر لسماعه يعيد عليه السؤال ذاته: هل عرضتَّ عليها الزواج؟ ثم التفت نحوه مبتسماً لتوصُّله إلى عذر، فقد أخبره واثقَ النفس أنَّ في أمور العشق تكون في المقابلة الأولى إهداء زهرة، وفي الثانية يُخرِج المرء ما في قلبه.

    راح فكر كليهما في أمر ينظران إلى بعض، فـ(سلطان) متعجِّب مما قال، كيف خرجتْ منه؟! و(سيف) متفاجئ هل هذا صاحبه الذي يعرفه؟! وفكَّر في أمره أنه مِن لقاءٍ واحد نطق بكلامٍ جميل، فماذا سيكون إنْ كثرت لقاءاته بها؟! ثم أقسم فرحاً أنه يوماً ما سيكون حكيماً وشاعراً أيضاً.

    عن الثانية سأل إنْ يقصد بها إخبارها بأمر الزواج، فأومأ (سلطان) فرحاً ليس إجابةً عن السؤال، بل لنجاح الفكرة أنه لم يشكَّ فيما قدَّم مِن عذر، وما إنْ سُئل متى سيُخرِج لها ما في قلبه حتى راح بفكره نحو (عذبة) صانعاً لنفسه خيالاً كما يحب عندما يلقاها في المرة القادمة.

    يهديها زهرة فتأخذها مبتسمة تشمُّها، فلا يرى إلا عينيْها العسليتين المكحَّلتين يطلبها للزواج، فتبزغ عيناها فرحاً، ثم تدور حول نفسها رافعةً كلتا يديها نحو السماء ضاحكة، ثم تنظر إليه تدعوه باسمةً ليراقصها، ثم تقف أمامه، أنها أُعجبتْ به مِن اللقاء الأول، وكم تمنَّتْ لو أنه صارحها بحبِّه.

    عرف (سيف) مِن رؤيته فرحاً دون ردٍّ أنه سارحٌ بفكره في (عذبة)، فتركه ليأخذ راحته، إلا إنه استغرب ممَّا سمع أنه في الغد سيُخرِج لها ما هو مدفونٌ في قلبه منذ سنين، فسأله هل سيتجرأ ويخبرها بما يرغب بهذه السرعة؟ مُذكِّراً أنه لم يُعطِها الزهرة إلا بعد شهورٍ طوال مِن التردد.

    قال إنه انتظر كثيراً، ولا طاقة له بالانتظار أكثر، فقال (سيف) إنه سينتظر صباحَ الغد بفائق الصبر؛ ليرى إنْ كان سيتجرَّأ ويطلبها للزواج، فطلب منه (سلطان) الانتظار ليرى ما هو فاعل، ولمَّا رآه يؤكد أنه سينتظر، تساءل لمَ هو مُصِرٌّ على انتظار الغد؟ ثم أحسَّ بأنه يحمل في جعبته شيئاً.

    أحسَّ بأنه يراه ضعيفاً، فسأله هل يشك فيما هو عازمٌ عليه؟ ورأى صاحبه مبتسماً، فأيقن أنه مهما وعد، وحاول إقناعه بأنه سيفعلها فإنه لن يصدق بسبب تردُّده الدائم في فعله، وقطع عهداً في نفسه لمعرفته أنَّ الفعل يُبرهن أكثر مِن القول إنْ لم يعرِض عليها الزواج في الغد فإنه لن يتحدث معها.

    تحرَّك (سيف) مستأذناً للذهاب إلى البيت، وهو يُخبره أنهما سيلتقيان في المسجد وقت العصر، ثم توقَّف عند الباب مستغرباً لما سمع مِن (سلطان) أنه لن يستطيع اللعب معهم اليوم، وسأله عن السبب، ثم هل يحس بأنه ليس على ما يرام ظناً أنه مريض؟ فبقي الآخر صامتاً لضيقٍ في نفسه.

    أطلَع صاحبه أسفاً على ما أخبره أخوه العمل الكثير، فسأله (سيف) ضائقاً: لِمَ لا يؤجل أخوه العملَ إلى ما بعد المغرب وهو يعلم أنهم كل يوم يلعبون بعد صلاة العصر؟ ثم إنهما طوال حياتهما يعملان، فماذا سيحدث إنْ تأخرا يوماً عن العمل أو يوميْن؟ فزاد ضيق (سلطان)، ولكنه ظلَّ صامتاً.

    بابتسامة سأل (سيف) صاحبَه: هل يستطيع ألا يحضر اليوم لأجل اللعب؟ ثم غمز وانصرف، و(سلطان) بقي على ضيقه يتساءل: لمَ عليهما إنهاء العمل اليوم؟ ولمَ لا يؤجله أخوه إلى ما بعد المغرب؟!

    الكيد المُنقلب

    ظلَّ (سلطان) فرحاً يفكر في الموقف الذي حدث، ثم تساءل إنْ كانت ابتسامتها إعجاباً به لإعطائها الزهرة؟ ثم فكر في نظراتها وضحكها مع الجارية أثناء الخروج مِن السوق، والتحدث معها، ثم النظر نحوه والضحك مرةً أخرى، فابتسم لأنها – على ما يبدو – أُغرمَتْ به، وأنَّ حديثهما كان عنه.

    خرجتْ منه آهةً يتساءل: متى يأتي الغد ليراها؟ وراح نظره نحو الأكل، فبقي ينظر مبتسماً سارحاً بفكره في (عذبة)، ثم بزغتْ عيناه أنَّ (سيفاً) لم يُبقِ له شيئاً ليأكله، فخرج مِن الغرفة ثائراً غاضباً عليه يقسم بمعاقبته، وباشر عمله دون حديث فور دخوله الغرفة على أخيه.

    بينما (صالح) مستمرٌّ في العمل سأل أخاه هل نظَّف غرفة الطعام؟ ثم مازحاً إنْ كان قد رمى ما فيها خارج البيت أم تركه في زاوية الغرفة كما يفعل دائماً؟ وتعجَّب مِن طريقة ردِّه عليه رميتُ كلَّ شيء في الخارج! فتساءل إنْ لم يعجب بالإفطار الذي أعدَّه، ثم سأله عمَّا به، ولمَ هو ضائق على هذا النحو؟!

    خطَّط (سلطان) في إثارة غضب أخيه على صاحبه ليوبّخه عندما يأتي في المرة القادمة، لمراودته فكرة الانتقام منه لما فعل، وتساءل ماذا يقول؟ ولعدم إيجاده كلاماً مناسباً فقد أخبره بما فعل (سيف)، وسمعه يسأل أين كان هو و(سيف) يأكل؟ فأجابه بأنه كان معه في الغرفة.

    استغرب مِن توقُّف أخيه عن العمل والنظر إليه، ثم طلبه بإعادة ما قال عن سبب ضيقه، فتساءل: لِمَ يريد سماع ما أخبره ولم يطمئن لمَ في جعبته؟ ثم بزغتْ عيناه خوفاً مِن المأزق الذي وضع نفسه لمعرفته لِمَ يريد إعادة ما قال؛ ذلك إنه كادَ ليوبخ صاحبه، وإذا بالكيد ينقلب عليه.

    ضاق مستمراً في العمل مِن عدم تحكُّمه بغضبه حبّاً في الانتقام مِن (سيف)، وأنه لو فكَّر لأحسَن التخطيط، ولما وضع نفسَه في هذا الموقف السيئ، ثم نظر إلى أخيه مِن طرف عينه دون التفات إنْ كان لا يزال ينظر إليه، وينتظر منه رداً أيضاً لما طلب منه شرح سبب الضيق.

    أحسَّ بأنه ينتظر، فتساءل بمَ يرد عليه عمَّا كان يفعل في الغرفة و(سيف) يأكل مِن إفطاره؟ وسمعا صوتَ طرْقٍ على الباب، فسأل (صالح): هل سمع رجلاً ينادي؟ أمْ أنه تخيّل؟ فردَّ (سلطان) أنه سمع بالفعل طرقاتٍ على الباب، وما إنْ تحرَّك أخوه إلى المنادِي حتى أسرع في التفكير كيف يُخرِج نفسه مِن المأزق.

    عاد (صالح) إلى أخيه بعد دقائقٍ قلائل، وأعاد عليه كلامه مستهزئاً أنه كان في الغرفة وصاحبه أكل مِن إفطاره دون أنْ ينتبه له، وسأل إنْ كان قد قال غير ذلك؟ فابتسم (سلطان) يفكر فيه حتماً، أحسَّ بأنه اصطنع الضيق ليكيد بصاحبه ليوبَّخ، ولهذا يحاول جرَّه في الكلام ليعترف له.

    قدَّم عُذراً واثقَ النفس بأنه كان ينظِّف الغرفة، ولم ينتبه لـ(سيف)، فصاح أخوه غاضباً: لمَ بدأ بالتنظيف قبل الأكل؟ فغضب (سلطان) في نفسه ضائقاً على حماقته! ماذا قال؟! فماذا إنْ ذهب أخوه ليتفقد الغرفة ورآها غير نظيفة وقد أخبره بأنه نظفها ورمى ما فيها خارج البيت؟!

    عاد (صالح) إلى العمل لرؤية أخيه صامتاً لمعرفته إياه أنه دائماً يتصرف بحمق، ولا يملك رداً على ما فعل، وأخذ الآخر يباشر العمل يفكر في تقليل ضيقه لأمريْن: الأول أنْ يسمح له بإعداد فطورٍ آخر، والثاني أنْ ينظف الغرفة قبل أنْ يدخلها مصادفة، فتحدث الكارثة عندما يكتشف أنه كذب عليه!

    عن الطارق سأل مبتسماً: مَن كان؟ وماذا يريد؟ ثم أضاف ضاحكاً متملقاً أنه قطعاً يريد أنْ يُصنَع له سيف، وتضايق أنَّ الخطة لم تُجْدِ نفعاً لما سمع مِن أخيه بأنه سيخبره لاحقاً مَن كان وماذا يريد، وهو لا يزال غاضباً، فتساءل ماذا يقول له ليقلل مِن ضيقه؟ وفجأة تذكَّر جدَّه القاطن بعيداً!

    تحدث عنه أنه قد مرَّ وقتٌ طويل دون أنْ يزورا جدهما، وأنه حتماً مشتاقٌ إليهما، ثم سأله: ألم يشتق له؟ بقي (صالح) صامتاً يعمل، ثم ردَّ أنَّ لديهما عملاً كثيراً، وأنهما سيزورانه في وقتٍ قريب، فأُحبط (سلطان) لإيقانه أنه لا مجال للتخطيط ولا حتى لإفطارٍ آخر أيضاً إلا وقت الغداء.

    ظلَّ يعمل بضيق لإيقانه بأنَّ قلب أخيه لن يرقَّ ليسمح له بإعداد إفطارٍ ثانٍ، وذلك لما يسمع منه كلما أخطأ في أمر تحمَّلْ خطأك، ثم أتتْه فكرة التظاهر بالتعب، فتساءل هل ستجدِي نفعاً معه؟ وتراجع خوفاً مِن أنْ يحرمه اللعب لأيام عقاباً له؛ لإحساسه بأنه سوف يكتشف مكره.

    تذكَّر فجأة أمرَ اللعب، فتساءل إنْ كان سيسمح له بالخروج ليلعب مع الفتية أمْ لن يفعل لما لديهما اليوم مِن عملٍ كثير؟ واحتار هل يسأله الآن عن الأمر، أمْ بعد أنْ يقلَّ ضيقه عليه خوفاً مِن أنْ يرفض؟ ثم ماذا إنْ أجَّل السؤال وبدر منه تصرفٌ سيئ أسوأ مما بدر منه الإفطار؟.

    عرف أنه إنْ أساء التصرف فعندئذٍ لن يستطيع التحدث معه أبداً، فتجرَّأ وسأله مبتسماً عمَّا يرغب، ولكنَّ (صالحاً) صاح عليه آمراً ليكفَّ عن الثرثرة، وأنْ يضع تركيزَه في عمله، فأكمل (سلطان) عمله غاضباً فاقداً الأمل في الأكل واللعب مع الفتية أيضاً.

    ما قبل اللعب

    صلَّى جميع أهل القرية في المسجد صلاة العصر، وبعد الانتهاء خرج الرجال، وبقي الفتية مع إمام المسجد لأجل درس حفظ القرآن، وطوال الدرس بقي (سلطان) ينظر إلى صاحبه كارهاً فِعلته به صباحاً، و(سيف) ينظر إليه مبتسماً؛ ظناً منه أنه مقهور لعدم قدرته على اللعب.

    خرج الفتية مِن المسجد بعد الانتهاء مِن الدرس، وعلى الفور اتجهوا نحو موقع لعبهم إلا (سلطان)؛ فقد بقي واقفاً خارج المسجد ينتظر خروج صاحبه، ثم وقف (سيف) إلى جانبه، ووضع يده على كتفه مبتسماً، مؤازراً أنه إنْ لم يستطع اللعب معهم اليوم، فغداً سوف يتمكَّن.

    (سلطان):

    - هل تحاول التذاكِي؟

    (سيف) باستغراب:

    - وفيمَ أتذاكَى؟!

    تحدَّث (سلطان) عن الإفطار، لمَاذا لمْ يُبقِ له شيئاً ليأكله؟ فسأله (سيف) مبتسماً إنْ كانت نظراته الغريبة له في أثناء الدرس لهذا السبب، ثم إنه كان يعتقد أنَّ ضيقه لأجل اللعب، فثار (سلطان) غضباً لأخذه الأمر وكأنه لا شيء، ثم علا صوته يسأله: هل يرى ما فعل أمراً بسيطاً؟

    دخل الاثنان في مشادة كلامية، فظلَّ الأول ضائقاً، والثاني يحاول التهدئة مبتسماً؛ لئلَّا يترك حديث اللسان ويبدأ بحديث الأيدي، وضحك لمَّا علم منه أنَّ أخاه أبقاه جائعاً حتى وقت الغداء، ثم ذكَّره بما قال له: الإفطار خيرٌ لك مِن مراقبتها وأنه فضَّل التحديق في (عذبة).

    بغضبٍ سأله: هل تأكد أنه سمعَه؟ فضاق (سيف) لإدراكه الخطأ أنه لم يتأكد إنْ كان سمِعه أم لا، وراح يفكر كيف يصحح الخطأ، ثم استغرب مِن تحرُّكه نحو موقع اللعب، فتبعه يسأل: أليس لديه عمل مع أخيه؟ فردَّ (سلطان) مبتسماً أنَّ أخاه سمح له باللعب ندماً على حرمانه مِن الإفطار.

    ضحك (سيف) يسأل عن رأيه إنْ كان لا يرى أنَّ ما فعل كان خيراً له؟ فوقف (سلطان) ينظر إليه غاضباً، ثم سأله: هل الحرمان مِن الأكل فيه خير؟ ثم أين الخير فيما فعل به؟ فردَّ (سيف) بما لم يخطر بباله بسؤاله أنه لو أفطر هل كان سيُعاقب؟ وهل أخوه كان سيندم على معاقبته؟

    تحدث هل كان سيسمح له أخوه باللعب لو لم يكن تطييباً لخاطره؟ ثم وضعه أمام الأمر الواقع، وهو أنه إنْ لم يفعل ما فعل به لما كان معه الآن معه، بل مع أخيه لينجزا العمل الكثير، وغمز مبتسماً إن ما فعل به لم يكن خيراً له، فابتسم (سلطان) متناسياً فعلته أنه صائب.

    تحرَّك الاثنان إلى موقع اللعب على عجل لتأخُّرهما على الفتية، فطلب (سلطان) مِن صاحبه أنْ يحمله على ظهره عندما يبدؤون اللعب، فنظر إليه (سيف) وقد بزغتْ عيناه مندهشاً، ثم تساءل في قلق عمَّا سيحدث له إنْ حمله على ظهره؟ قطعاً سيهلك لصلابة جسده الثقيل.

    بتعجبٌ سأله: هل هو جادٌ في كلامه؟ ثم كيف يحمله وهو بالبنية أضعف منه؟ فحذَّره (سلطان) بعدم التحدث في الأمر، وأنه منتهٍ، فعرف (سيف) أنه لو جادله فلن يغلبه لمعرفته أنه عنيد، ولن يتراجع أيضاً عمَّا يريد، وراح يفكر كيف يقنعه ليحمله هو على ظهره؟ وليس العكس.

    أشار (سيف) إلى الفرق بين بنيتيْهما، وسأله ماذا إنْ حمله وسقط مِن على ظهره؟ ثم ماذا سيكون ردُّ فعلها إنْ رأته يسقط وهو متأكد بأنه لن يستطيع حمله؟ ثم ألا يريد التباهي أمامها أنه قوي، ثم أيّ المواضع فيه تفاخر أكثر أنْ يكون المحمول أم الحامل فيحطِّم الفتية ببنيته القوية؟

    في أمر ردة فعل (عذبة) سأله كيف سيكون إنْ رأتِ الحامل بنيته ضعيفة؟ ألن تفكر بأنه فتىً أناني لا يفكر إلا بنفسه؟ ففكَّر (سلطان) في كلامه، ثم تساءل: ماذا إنْ أهداها زهرة في الصباح وراحت تخبره أنها لم تحب ما فعل في صاحبه بإجباره على حمله وهو ضعيف البنية؟

    ابتسم معترفاً له ببراعته في الإقناع، وأنه سيحمله على ظهره، ولن يفعلها رأفةً به، بل لأجل (عذبة)، فأومأ (سيف) فرحاً غير مبالٍ أكان لأجله أمْ لها؛ فالمهم أنه سيحمله على ظهره، ثم تحرَّكا إلى مكان اللعب.

    وقت المرح

    اجتمع فِتيانُ القرية في موقع اللعب، وانقسموا إلى قسميْن، فقويُّ البنية مع القوي، والضعيف مع الضعيف، ثم بدأ الأقوياء كلُّ اثنين معاً بالوقوف أمام فتىً ممسك بحجر يخفيه خلف ظهره بكلتا يديه بحكم أنه الحكم؛ ليلعبوا عن تراضٍ حسب القسمة، وليس الاختيار؛ لئلَّا يختلفوا.

    يسأل الحكم في أيِّ يدٍ يوجد الحجر، وبعد الاختيار مِن قِبل الاثنين يكشف لهما يديْه؛ فمن أصاب في تخمين موضع الحجر وقف على الجانب الأيمن، ومَن أخطأ وقف جهة الشمال، ثم يبدأ مع الضعفاء، وبعد الانتهاء مِن التوزيع يعيد الأمرَ ذاته الحجر لأجل البدء باللعب أولاً.

    وقف الفريقان متواجهَيْن لبعضهما تاركين مسافة خمسة عشر متراً بينهما، ثم وضع كلاهما حجراً كبيراً في موقعه؛ ليكون نقطة وصول الفريق الآخر إليه لأجل الفوز، ثم بدأ الطرفان بوضع خطة الهجوم والدفاع، وفور الانتهاء بدؤوا بتهيئة أنفسهم للبدء باللعب لئلَّا يصابوا بأذى الحمية.

    جلستْ فتيات القرية بعيداً لمشاهدة اللعب، فظلَّ (سلطان) يبحث عن (عذبة) إنْ هي في وسطهنَّ، وأحسَّ بالارتياح أنها كذلك مِن ثوبها المميَّز، وبقي ينظر إليها فرحاً كم جميل حضوركِ يا (عذبة)! فوقف (سيف) بجانبه يشجعه ليكون قوياً ليفوزوا، وأحسَّ بأنه ليس معه.

    أمسك بمعصم صاحبه ينادي بِاسْمه، ورآه غير مبال، فنادى ضائقاً لمراتٍ عدَّة، وما إنْ نظر إليه حتى سأله هل هو معه أم لا؟ ورجاه ترْك (عذبة) جالسة مكانها، وليهتم باللعب حتى لا يخسروا، فطمأنه (سلطان) واثقَ النفس بألَّا يشغل باله، وأنهم سيفوزون اليوم مهما كلَّف الأمر.

    انتبهَتِ الجارية لفتىً يتحرك بصورة لافتة، فبقيَتْ تنظر لإحساسها أنها تعرفه، تتساءل: أين رأت الفتى؟ إلى أن انفرد بنفسه مبتعداً عن الفتية، فأشارتْ بإصبعها نحوه تسأل مولاتها: أهو الفتى الجريء نفسه الذي أعطاها الزهرة في الصباح؟ فنظرَت (عذبة) نحوه لثوانٍ، ثم ردت: إنه هو!

    تحدثتْ عن قوته لما ترى منه مِن حركات قوية، فابتسمَتِ الجارية: كيف لا يكون قوياً وهو حدَّاد؟! ثم إنهنَّ كلَّ يوم يشاهدنَ لعبهم، وأنها لم ترَ أحداً فعل ما يفعل، وسألتْ: هل هدفه ممَّا يفعل أنْ يلفت نظرها؟ فابتسمت (عذبة) بأنه كذلك، ثم إنْ لم يكن كذلك لما انفرد بنفسه مبتعداً عن الفتية.

    أعادتِ الجارية ما سألتْ صباحاً: هل أعجبتِ به؟ فردَّتْ (عذبة) بما ردَّتْ صباحاً أيضاً: لمْ أعجب يوماً بأبناء الأثرياء، فهل أُعجب بحداد؟! ثم أمرتْها بألا تعيد السؤال مرةً أُخرى، فاعتذرتْ إليها الجارية، ثم إنها لم تتعمَّد مضايقتها، إنما ظنَّتْ أنها أُعجبتْ به لحديثها عن قوته.

    حمل الفتيان مِن كلا الفريقين أصحابهم على ظهورهم واستعدُّوا، فمِن الفريق الأول مَن وقع عليه الاختيار سيحاول الوصول إلى الحجر الموجود خلف الخصم ليفوزوا بنقطة، والفريق الثاني سوف يحاولون إسقاط المختار مِن الفريق الأول لينتقل الاختيار إليهم فيما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1