Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر: الفيل المُدرب في جيش هانيبل ينقذ الفتاة من الموت
الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر: الفيل المُدرب في جيش هانيبل ينقذ الفتاة من الموت
الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر: الفيل المُدرب في جيش هانيبل ينقذ الفتاة من الموت
Ebook706 pages5 hours

الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر: الفيل المُدرب في جيش هانيبل ينقذ الفتاة من الموت

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

فتاة غارقة تُسحب من النهر بواسطة فيل مُدرب. ويحدث هذا بالقرب من مُعسكر هانيبال عام 218 قبل الميلاد

في عام 218 قبل الميلاد ، أخذ هنبل جيشه، ومعه27فيلًا، فوق جبال الألب لمهاجمة الرومان. قبل أحد عشر عامًا من هذا الحدث التاريخي، على ضفاف نهر بالقرب من قرطاج، شمال إفريقيا ، قام أحد
أفيال هذا الجيش بسحب فتاة غارقة من المياه المضطربة الهائجة. وهكذا بدأت رحلة لياذا مع الفيل المعروف بأسم ”اوبولس
Languageالعربية
PublisherTektime
Release dateJan 18, 2021
ISBN9788835417491
الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر: الفيل المُدرب في جيش هانيبل ينقذ الفتاة من الموت

Related to الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر

Related ebooks

Related categories

Reviews for الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الصمود و الحرب للنجاة من غضب النهر - Charley Brindley

    الفصل الأول

    بينما كنت أتعثر على شجرةٍ، وأنزلق إلى المياه المُتسخة طوال الليل، وفي نفس الوقت أستمع جيدًا إلى الأصوات جعلني الصمت أطمئن كالعباءة السميكة التي تُخبئ صاحبها

    سألت نفسي، لماذا أنا في النهر؟ هل أنا الفتاة الوحيدة التي أُلقيت في النهر؟

    كانت مياه النهر تتحرك من أسفلي مثل الأفعى فقمت بوضع خصلة من شعري خلف أذني وحدقت في هذا الظلام المحفوف بالمخاطر، صوت مثل الرعد البعيد تنامى إلى أن أصبح صوت متذمر

    1

    ما هذه الضوضاء؟

    انكسر جذع الشجرة الذي صعَّدت عليه أثناء الليل، ثم انجرف نحو البنوك المُوحلة. رغم أنني كنت أعتقد سأفلت أخيرًا من الماء المتجمد، ولكن النهر اشتد واندَفَعت إلى الأمام، فسحبني التيار السريع. ما رأيته أثناء ضوء الفجر الخافت أفجعني فصرختُ قائلة: بسرعة بسرعة". ارتفعت صخور ضخمة مثل أسنان سوداء لتنصِت لي وتُخدشني، حاولت الامساك بإحداهن على أمل الهروب ولكن النهر الُمشتعل بالغضب بدا وكأنه عازم على ابتلاعي لاحت صخرة ضخمة من أمامي، صرخت: أمسك أيّ شيء لإنقاذي. فالتوتجانبًا، ولكن رأسي تهشم في الحجر، فأرسل الإشارات المُدمرة من خلال جمجمتي ليبدأ الألم الشديد. وعندما فتحت عينايّ، كنت قد استطعت التخلص من الصخور ولكني علّقت بجدّع شجرة آخر. غطاني العُشب الأخضر والعظم المتعفن الوسخ، وتبعثرت الأطراف المسننة كعظام الذراع المكسورة وبينما كنت أحاول دفعها بعيدًا عني، آلام حادة من رأسي اتجهت لتملئ أكتافي وجعًا، وهنا أمسك التيار الكهربائي ساقي، فسحبني إلى ضفاف النهر حاولت الامساك بجذع شجرة لكني لم أستطيع فاصطدمت بالصخور وانغلقت في المياه البيضاء النقية حتى سقطت في بركةٍ عميقة. وعندما طفت على السطح، وأنا ألهث من أجل أن أتنفس، شبَّ جذع شجرة من جانبي فأمسكت به، ففتح المجال للدوامة بحملي دائريًا لمنطقة أُخرى، فتسبب في آلام شديدة من مؤخرةِ رأسي وصولاً لجميع أجزاء جسمي. وبينما كنت أحاول الرجوع إلى الماء سابحة بيد واحدة، كانت السُحب والأشجار تدور حول أشعة الشمس الصباحية. وطيور تُزقزق على أشجار النخيل، كما أن النسيم العليل الذي يعبق رائحة الأرض الجافة والنباتات المزهرة تملأ المكان.  سألت نفسي مجددًا لماذا أنا في هذا النهر؟  عندها أصيب رأسي بالهلع من محاولة التركيز كُل ما اتذكره هو رجُلين كانوا يُسقطوني من الجسر

    2

    ماذا حدث للآخرين؟

    بات علّي التعب بعد أن استنزفت طاقتي في قِتال النهر الغاضب، ورغبتي بالاستمرار كانت قد اختفت أيضًا. لذا، أخذت نفسًا عميقًا وأكملت طريقي. وبينما أنا أغرق في الأعماقِ الباردة، اجتاحني الإرتياح كالعالم المتصاعد الذي يغشى الظلام. وفجأة، فُزعت، شيء ما يتحرك في المياه، بدأت بالخوف والإضراب، مخلوق غريب يسحبني من خصري، كافحت ودافعت عن نفسي، حاولت ضربه والتخلص منه، فكّرت ربما ثعبان الماء. بل إنها الأفعى تسحبني إلى السطح، حاولت الصراخ ولفت الانتباه النجدة النجدة" ولكن لا فائدة، فقط سُعال وخنق من كثرة المياه التي كنت قد ابتلعتُها، شدّت قبضتها على خصري، وحاولت سحقي، فقمت بدفع هذا الجسم المُلتوي محاولة تدميره، ولكني بتُ بالفشل فقد كان قويًا للغاية، رفعني ووضعني بالقرب من عين كبيرة مُحاطة بجلد رمادي مُجعد. كُنت ارتجف خوفًا من هذه الصورة المُروعة، ولكن لم يكن بإمكاني أن أفعل شيئًا سوى أن أرتعش بين يدي هذا المخلوق.

    يُغمض هذا الوحش عينيه ثم يحوِّل قبضته كاملة على بطني المُبتل فيُبقيني بعيدًا ثم يمتد من فمه قرنان طويلان ينحنيان على طولِ جسدي من الجهتين.

    لقد دفعت بكلِّ قوتي، هيا ارحل!

    كان صوت صُراخي قد أفزع سرب من طيور البجع الذين كانوا يستلقون على أشجار النخيل وقد ضربت أجنحتهم الهواء في ضجّة خافّة

    ولابد أن الضرب كان سببًا في خوف هذا الكائن، لأنه أطلق سراحي ونتشني حتى اهتز جانبي. وفي اللحظة التي أطلق سراحي، أمسكت بما لم يكن ثعبان، بلّ كان شيء كخرطوم طويل، قمتُ بلف ذراعَي حول هذا الشيء وأمسكت به بإحكام فلم أكن أريد أن يأكلني الوحش، وفي نفس الوقت لم أكن أريد أن أسقط على أحد القرون التي يمتلكها صاحب الخرطوم أيضًا

    صرخت حيث كان الوحش يصرخ ويتناثر ويصطدم في طريقه للوصول إلى ضفة النهر، محاولاً هزي. أمسكت هذا الخرطوم بقوة بينما كان يرتفع عاليًا في الهواء، ويعّوي كأن شيئًا ما يعُضه

    3

    ربما كنت في قمةِ يأسي فقضمته، ولكن لم أُسبب له الألم الشديد الذي يبرر صراخه وهيجانهِ بهذه الطريقة. تعثر هذا الكائن في الرمال، واصطدم بغصن فنحشر جانبهُ الخلفي في شجرة كروب ضخمة مما سبب اهتزاز قوي لجميع فروعها فأدى ذلك لسقوط جزء ميت من هذه الشجرة، مُحطمًا رأس هذا المخلوق

    مال هذا المخلوق فتنعّمت عينيه وأُغلقت ثم وقع على الأرض مُنقلبًا مُخلِفًا سحابة يملؤها غُبار وأوراق وفروع شجر. ضرب رأسه بصخرة وخرطومه الملفوف حولي استراح على الجانب العلوي من وجهه الضخم

    جلست، أحاول أن ألتقط أنفاسي بينما أُبعد شعري المُبلل عن عيناي. تذكرت بلمحة سريعة صورة الوحش الرمادي التي لا تزال تُلاحق ذهني

    هل قتلتهُ؟

    سمعتُ أصوات الضحاكون من خلفي، ثم ألتفت فرأيت ستة جنود يرتدون ألواح صدر من الجلد السميك مع مشاهد قتالية منحوتة، إلى جانب الحُراس المعدنيين المُزينين الذين يحمون مِعصمهم وسيقانهم

    هل رأيت مثل هذا المشهد من قبل؟

    رجل مُلتحي يوجه إصبعه لي، يرتدي خوذة لامعة، ويلتصق به شعر طويل كالحيوان بشكل مستقيم من أعلى إلى أسفل ظهره حيث يحمل كلّ رجل رمح وسيف على خصرهِ

    جندي آخر يرمي درعه إلى الرمال، ويضحك بشدة لدرجة أنه بالكاد يستطيع التحدث، قائلاً: اوبولس الفيل الحربي العظيم الذي وضعته طفل! مصفقًا بيده على كتف رفيقه قائلًا مجددًا: وفتاة صغيرة لا يُعرف أصلها أشك أنها في سن لا يتجاوز أثنى عشر عامًا

    شرائط جلديَّة عريضة مع غطاء فضي معلق على أحزمة الجنود لتشكيل تنورات واقية على التون القصير

    4

    فقال الرجل الأول بسُخرية: من؟ أوبولوس الشجاع، بلّ إنه الرجل الشجاع في المعركةِ الذي يدوس على مائةِ رجل على التوالي، ولكن فتاة رهيبة تستولي على خرطومهُ، فيموت على الفور خوفًا منها فضحك الجميع بشدة

    أردتُ أن أهرب، ولكنهم يحيطون بي

    /storage/emulated/0/.polarisOffice5/polarisTemp/image2.jpeg

    صاح رجل متعفن بشعرهِ الأسود الدهني، الليلة نحن نحتفل! ووضع خوذته على طرف رُمحه وبدأ يلوح بها في الهواء قائلًا: على ساق مشوية من حساء الوحش وأذن الفيل

    قال الرجل ذو الأذنين الكبيرتين: آوه نعم بالتأكيد

    رسم بخنجره وقام بحركة قطع في الهواء حيث كانت الأسنان القليلة التي يملُكها شاحبة ومعوجة، مع سن واحد مكسور، تاركًا جذعة خشنة. عيون خرزيه وأنف غير متوازن جعلوه يبدو محط أنظار الجميع

    تحرك نحوي، وطلب من الآخرين أن يتبعوه حيثُ كنت أنظر إلى الخدش القوي الذي يملئ طول عمودي الفقري كالظفر الجليدي

    ماذا سيفعلون بي؟

    ارتدي فقط قطعة قماش صغيرة، لا تزال مُبتلة من مياه النهر

    أين أنا؟

    حاولت التركيز، ولكن رأسي بدأ يؤلمني بشدة من جميع الجِهات، فكرت بطريقة للهروب، ولكن قبل أن أجد، شد الرجال دائرتهم حولي 5

    نظر ريد بيرد إلى أصدقائه، وهو ينتظر أن يرى نظراتهم ليتأكد من أنه يُلفت انتباههم، قائلًا: قد تكون هذه مسألة خطيرة حقًا، يجب علينا أن ندعي ونُصلي لأن معركتنا المُقبلة لن تقودنا إلا إلى مواجهة فيلق من الفتيات غير العُراة، ثم بدأوا بالضحك، مُكملين كلامهم: لذلك، فإن أفيال الحرب لدينا ستدوسنا جميعًا حتى الموت في تدافعهم هربًا من هذه المشاركة الرهيبة

    ولكن فقط عندما قلب أحدهم سكينته إلى قبضة ثابتة، قام رجل طويل بالتدخّل والسير بين الرجال، كان يملك هذا الرجل فريق كامل ويرتدي روبًا ذو لون أحمر غير عادي، وعمامة مُزينة بشعار ذهبي من الجبهة الأمامية، إضافة إلى الخنجر المُرصّع بالجواهر الذي كان يتأرجح على حزامه الجلدي المنسوج حول وسطه، وعلى الرغم من أنه كان أكبر بكثير من الجنود الآخرين، إلى أن موقفه كان مستقيمًا وصارمًا وقويًا

    التزم الجنود بالصمت بينما كان هذا الرجل ذو اللحية الحمراء يسير أمامهم، تراجعوا، وبدأوا يُراقبوه بتمعّن. أعاد ريد بيرد سكينتهُ إلى مكانها

    هز الرجل العجوز رأسه ونظر إلى الوحش وصولًا لي وتمتم قائلاً: نبأ نَحس ثم قال: بالتأكيد،سيموت الكثير ،هذه علامة من الإلهة تانيت

    بدأ الرجال يهمسون مع بعضهم البعض، ومن كُثرة تركيزهم وانتِباههم تأكدت أن ما يتحدثون به شيء عظيم ومهم جدًا.

    لقد أفلتُ من الحيوان وابتعدت قليلًا أحاول معرفة مدى كُبر وضخامة جسمه، حتى وهو مُستلقي على جانبه، كان قد أنجرّ فوق رأسي

    فيل، هل هذا هو الاسم الذي أطلقوه عليه هؤلاء الناس؟

    لمست يد أحدهم كتفي فقفزت بعيدًا، وعندما ادرتُ وجهِي، فإذا به رجل صغير السن لم اراه من قبل قام بعقد عباءته ورميُها لي، لكنه لم يكن جنديًا، فتصورت أنه لابد وأن يكون قد جاء مع الرجل صاحب العمامة

    أخذت الرِداء ولففتهُ حول نفسي، وأنا ارتعش خوفًا من الجنود وخوفًا من النهر البارد

    6

    كانت هذه العباءة تُشعرني بالدفء، ولكنني شعرت بآلام مختلفة من جروح وكدمات تملأ جسدي، ظهري ورأسي...وكل جسدي، بعيدًا عن النزيف الذي يُضعف ساقي

    رفع الرجل ذو العمامة وجههُ إلى السماء وبدأ بترنيمة حزينة، أما الجنود فقد صلّوا لربهم، وهم يرمون أرمحتُهم ويقبضون أيديهم

    وبينما كان الآخرون يُتمتمون وهم ينظرون إلى السماء، أنزل الجندي ذو اللحية الحمراء رأسه مُحدق بي، حيوان جائع لا يمكن أن يخيفني أكثر ثم همس الشاب قائلًا: اذهب الآن

    رجعتُ إلى الوراء، اشتبكت قدماي وتعثرتُ بنفسي ثم سألت نفسي: أين أنا؟

    وعلى عكس الجنود الآخرين الذين كانوا ذوي الأوجه الصاخبة وكثيفة الشعر، كان هو حفيفًا لا يملك شعر على وجهه، إضافة إلى طريقته اللطيفة اللَّبقة بالتحدث التي تميزهُ عن الجنود الآخرين. كانت عيناه البنيتان - بلون اللوز والعسل - من السهل النظر إليهما ولم يكن يحمل سلاحًا أو يلبس درعًا، ولكن كان لديه وشاح حول خصره ذو سُترة بيضاء، حيث كان وشاحهُ مصنوع من نفس القمُاش غير العادي الذي يرتدي الرجل الطويل ملابسه منه

    وضع يده على ظهري، وأرشدني بعيدًا عن الجنود، بالقرب من حافة الغابة وقال: أسرعي على طول هذا الطريق إلى المخيم وأطلبي من امرأة تدعى يزيبل أكل وسوف تجد لك شيئًا لتتناولِه، هيا اذهبِ بسرعة قبل أن يأتي هانيبال إلى هنا ويرى أحد أفياله مرميًا على الأرض

    كانت فكرة مؤلمة للغاية ورغم ذلك، بدأتُ أركض على طول الطريق المؤدي إلى الغابة، كنت مُمتنة له لعباءته المريحة التي أعطاني إياها وعرفت أنه كان ينبغي عليّ شُكره فقد كانت هذه العباءة السميكة مُرقطة بلون ورق الشجر الأخضر المُورق ودون التان البُني تمتد على الأرض، لتغطيني بأكملي من كتفي حتى كاحلي

    توقفت ونظرت إلى الوراء على أمل أن أجدهُ لكنه كان قد ذهب

    7

    ورم كبير يملئ راسي من الخلف يؤلمني أكثر من أي وقت مضى، وضعت يدي عليه وإذا بآلام غير مُحتملة تضرب جبيني وعيناي مما جعلني أشعر بالدوار

    اتمنى لو أستطع فقط الاستلقاء والنوم لبعض من الوقت

    توجد رقعة من العُشب، كسرير أخضر ناعم، تقع تحت شجرة البلوط القريبة، عندما خطوت نحو العشب سمعت صوت مزعج قادم من بعيد أنه نُباح كلب، تردد صوت رنين المعدن عبر الغابة

    إذا من المُفترض أن يكون المُخيم قريب من هنا

    مشيت نحو الأصوات، منهكة جدًا لا أملك طاقة أكثر لأركض

    بالقرب من الطريق، كان هناك صبي يجمع الخشب يرتدي سترة بنية، كان شعره الأشعث مقيدًا بخيوط جلدية، نظر إلى نظرة سُخرية فتسألت لماذا. سقطت إحدى العُصي من ذراعه فانتزعها من على الأرض وألقاها على كتفه كما لو كان يرميها عليّ، حدّقت به ثم التقطت حجرًا مسننًا بحجم قبضتي، ورفعته في وجهه لأبدأ المُواجهة. فكرت وقلتُ لنفسي بعد النجاة من النهر والفيل بقرونه الطويلة والجنود المُخيفين، سأخاف من صبي، لقد كان أطول مني ولكني أملك صخرة مُسننة

    قام بأرجحه عصاه، وضرب شجرة قريبة، ثم استدار وحمل حملهُ من الخشب على طول الطريق. وبعد أن أصبح بعيدا عن الأنظار، واصلتُ نفس الطريق الذي ساربه هذا الصبي حاملة صخرة بيدي

    قبل وصولي إلى نهاية الطريق، هفت رائحة الطعام اللذيذة، فبدأت معدتي الفارغة بالتقلص مع آلام الجوع

    تغير الطريق من غابة الصنوبر، ليصبح بجانب خيمة رمادية كبيرة، ومنحدر خفيف يقود إلى داخل المخيم الرئيسي. تنتشر العديد من الخيام والأكواخ الخشبية في سلسلة من التلال المُنخفضة المُنتشرة عبر المناظر الطبيعية كالمدينة الصغيرة

    تتبعت رائحة طبخ الطعام حيثُ الخيمة الرمادية تقف امرأة بجانب النار في صباح يوم مُشرق.

    8

    كانت هذه المرأة تقطع الخضار في قدر يغلي وحول الموقد عدة طاولات مع مقاعد خشبية.

    وصلت لتلتقط اللفت ونظرت نظرة سريعة إلى طريقي ثم حدقت بعينيها العسليتين –اللوزيتين عليّ

    من أين لك هذه العباءة؟

    نظرتُ إلى الأسفل وأنا أخلطُ قدمي في التراب فأنا لم أكن أعرف ماذا أقول

    جاءت المرأة نحوي وهي تحمل السكين بيدها فتراجعتُ قليلاً إلى الوراء ثم قالت:

    هذا هو مِعطف تينداو، من أين حصلت عليه؟

    سحبت عباءتي حولي بقوة، وتذكرت الشاب، قال لي أن أطلب من امرأة تعطيني شيء لأكله

    هل تعرف يزيبل؟ قلتُ لها:

      أنا يزيبل، لماذا ترتدي رداء تينداو وتسألني عني

    اقتربت وأمسكت بالعباءة، فنظرت إلى السكين في يدها، ثم إلى وجهها، فانتفاخ العقد في فكها المشدود وجبينها المُجعد، يشوهان وجهها الجميل

    شدتُ العباءة مجدداً، لكن يزيبل كانت قوية جدًا فكانت تحاول انتزاعها مني، لكن أدهشني التغيير المفاجئ الذي رأيته عليها، تغيرت ملامحها الصارمة تمامًا، وبدا كأن شخصًا آخر قد حل محلها، تغيرت مشاعر التهيج والغضب بسرعة إلى مشاعر رحمة وحنان

    حدّقت يزيبل في جسدي المُصاب بالكدمات وقالت: الأم العظيمة اليسا! ماذا حدث لك؟

    9

    الفصل الثاني

    /storage/emulated/0/.polarisOffice5/polarisTemp/image3.jpeg

    كانت يزيبل ترتدي فستانًا مرقعًا باللون الأصفر والبُني الباهت، مع مئزر مُمزق مقيد حول خصرها الضيق وكانت تربط شعرها الداكن الطويل بلف معقد حول الضفائر وحول تاج رأسها. لم تكن كبيرة في السن، أي في منتصف حياتها، ولكن ما وجدته أكثر جاذبية هو وجهها غير المتجعد؛ اللون الذي كالون القرفة، ملامحها الناعمة، كضوء القمر على الحرير

    بعدها نظرتُ إلى جسدي فرأت العديد من الجروح والكدمات، عندها فقط أدركت ما هي المحنة الرهيبة التي مررت بها. لقد آذيت في كل مكان، وخاصة في مؤخرة رأسي، تذكرت أنني مريضة وأن حرارتي كانت عالية جداً قبل أن يلقوني في النهر. ولكن بعد ذلك، لم يتبقى من ذاكرتي سوى القليل

    10

    لقد اكتسحني الضعف، شعرت بأني هشة ضعيفة، مثلي كمثل جذع مكسور تحت رياح باردة. هززتُ رأسي رداً على سؤال يزيبل

    أنت نحيفة للغاية، ثم قامت يزيبل بسحب الرِداء برفق ووضعت ذراعيها حولي

    لا أتذكر فيما إذا كان شخص ما قد عانقني من قبل. تركت صخرتي وتمنيت ألا تسمعها تضرب الأرض

    قالت: شعرك رطب ثم أخذت ضفيرة الشعر الطويلة، ووضعتها على كتفي وصولاً إلى يدي. تعالي هنا حيث الجو الدافئ المُريح

    أخذتني يزيبل إلى الموقد، حيث جلست واتكأت على الجذع، بدأت النار تُدفئ جسدي المتألم، والدخان يلفني من عقدة الصنوبر الطاحنة برائحة لطيفة ومهدئة. حدقت بعمق في النار، وأنا أراقب قفزة اللهب وهي ترقص داخل الموقد فبدت النار وكأنها وميض الحياة نفسها

    أين تذهب النار عندما يحترق كل الخشب؟

    سألتني: هل يمكنك تناول كونتا لوكا مع الوهاسا؟

    أجبت نعم لم أسمع أبداً عن كونتا لوكا من قبل، لكنني كنت أعلم أنه يُمكنني تناول أي شيء

    التقطت يزبيل وعاء فخاري ومسحتهُ بجزء من مئزرها الذي ترتديه وقد كانت تستخدم ملعقة خشبية لِملئها بالحبوب البخارية مع قطع من اللحم. يوجد وعاء من الفخار موضوعاً على حجر مسطح بجانب النار يحتوي على صلصة حمراء فقامت بوضع ملعقة من هذه الصلصة فوق وعاء الطعام

    أخذت الوعاء منها وغمست أصابعي فيه، كان الطعام ساخنًا جدًا، لكنني لم أستطع الانتظار حتى وضعه في فمي. الطعم اللذيذ للقمح الطري وقطع لحم الضأن اللذيذة دفئت روحي، وكان لصلصة الوهاسا الساخنة تانغ حار يعطيها طعم مُميز، ابتلعتها دون مضغ ثم ذهبت إلى الوعاء مرة أخرى. ولكن قبل أن أتمكن من تناول اللقمة الثانية، تمردت معدتي الفارغة على الطعام

    11

    شعرت بالدوار، كان بطني مُكتظ ومُتشنج، حاولت أن أضع الوعاء على الطاولة، لكن يزبيل لأخذ الطعام قبل أن أسقطه

    أمسكت معدتي وتعثرت على جانب الخيمة، حيث رميت القليل من الطعام الذي تناولتهوتأيقت. استمرت معدتي في التشنج والارتعاش

    ساعدت كلمات يزبيل الرقيقة والقماش المُبلل خلف رقبتي بأشعاري بالتحسن. ثم استقرت معدتي وتحسنت فأدارتني يزبيل لتغسل وجهي

    متى أكلت آخر مرة؟

    حاولت التفكير ثم قلت: ليس اليوم

    قالت تعالي، أعتقد أنه يجب عليكِ شرب بعض نبيذ الزبيب قبل وضع الطعام في معدتك الفارغة. القليل من النبيذ سيهدئ جسدك، ولكن ليسبالكثير، وبعدها ستبدأ بالشرب مثل الغراب بعد تناوله العنب المخمر

    ابتسمت، أفكر في غراب أسود مخمور ينهار في الهواء وعندما نظرت إلى الأعلى، غمزتني يزيبل

    جلست بجانب النار وعباءة تينداو تغطي جسدي، شربت النبيذ الحلو الذي جلبته من أجلي

    قالت يزيبل: خذي القليل فقط، دعينا ننتظر لنرى ما إذا كانت معدتك سترفض النبيذ، كما فعلت في الطعام.

    أومأت وجلست بجانب وعاء الشرب. دفء النار هدأ بطني، يبدو أنني لن أتقيأ النبيذ. ذهبت نحو سكينة مُلقاة على حجر الموقد وأخذت إحدى حبات اللفت من السلة لتقشيرها، كما فعلت يزبيل من قبل. ابتسمت لي بينما كانت تقطع الجزر داخل الوعاء الفخاري الكبير. كانت الرائحة لذيذة جداً، ولكن لم يكن لدي أي نية لإغضاب معدتي مرة أخرى

    قالت يزيبل: لا أعتقد أنني قابلت شخص هادئًا مثلك على الإطلاق

      أليس لديك ما تقوليه؟

    قطعت حبة اللفت داخل الوعاء وانا أحاول التفكير                    12

    كانت أفكاري لا تزال غائمة مُخربطة ورأسي يؤلمني أكثر من أي وقت مضى. ربما اعتقدت يزيبل أنني مُغفلة أو حمقاء

    أخيرًا، سألتها، ماذا يأكل الفيل؟

    كان حاجب يزيبل البارز عالياً هو العلامة الوحيدة التي تأكد أن السؤال غريب قالت: الفيل؟ لماذا؟ يأكل الفيل كل ما ينمو، إذا كان جائعًا بما فيه الكفاية، فسيأكل الجزء العلوي من شجرة كاملة. ثم بدأت بتقطيع جزرة أخرى. يمكن للفيل الحربي الكبير أن يأكل حمولة عربة من البطيخ أو نصف حقل قمح قاسي. في بعض الأحيان حتى كومة قش يمكنه ان يأكل

    ولكن هل يأكل طفلة؟

    ضحكت يزيبل وقالت: لا، لا يأكلاي أنواع لحوم؛ فقط الأشياء الخضراء والصفراء التي تنمو على الأرض فلن يأكل طفلًا أبدًا. أشرب المزيد من النبيذ، ولكن ليس بسرعة كبيرة.

    فعلت كما قالت، وسرعان ما شعرت بتحسُن رأسي،وبطني

    قالت يزبيل: "الآن، خذي القليل من كونتا لوكا، لكن امُضغيها هذه المرة قبل أن تبتلِعِها

    كان الطعام لا يزال دافئا ولذيذا جدا. لم آخذ سوى قضمه صغيرة ثم ألقيت الوعاء

    سألت يزبيل وهي تقطع جزء من حبة بصل صفراء كبيرة وتنظر الي: ماذا يُنادونك؟

    توقفت ذكرياتي عند النقطة التي ألقى هؤلاء الرجال بي في النهر، ولكن مثلما يمكنني استخدام الكلمات للتحدث مع يزبيل، يمكنني أن أعرف أيضًا أشياء أخرى، مثل نبيذ الزبيب - التعرّف على الطعم والتذكر كيف أصنعه.

    عادت بعض المعرفة إليّ، على الرغم من أنها قليلة جداً أي لا يمكنني تذكر الكثير؛ كنت أعرف أن الفتيات المقززات تم التخلص منهن إلى جانب الفخار المكسور ورماد الأمس، ولكن لم يكن لدي أي ذاكرة تحمل اسماً قط

    هززتُ رأسي

    13

    خفت تعابير يزيبل، وخفضت عينيها. ربما كان البصل الذي قطعته داخل الوعاء أقوى قليلاً من المُعتاد. نظرت حول الموقد وكأنها تبحث عن شيء ما، وفي النهاية التقطت ملعقة خشبية قديمة. تأكدت فيما إذا كانت الملعقة تحتوي صدعًا في مقبضها قبل أن تتحدث

    ليس لديكِ اسم؟

    مسحت خدي بمؤخرة أصابعي وقلت: لا

    قالت: حسنًا، فلنبحث عن اسم لك. أعتقد أنه لشرف عظيم عندما يقرر الله أن تختار الفتاة اسمها بنفسها. أليس كذلك؟

    أردت الموافقة وعرفت بالفعل ما هو الاسم الذي أرغب في الحصول عليه، لكنني أمسكت لساني عن التحدث. على الرغم من أنني قد لا أتذكر وجود اسم لي على الإطلاق، إلا أنني مدركة أن الأطفال، وخاصة الفتيات، لا يجب عليهم التحدث.

    كيف عرفت ذلك؟

    في كل مرة كنت أحاول فيها تذكر أي شيء، كانت ذاكرتي تنزلق مثل حمامة مخيفة تندفع من وإلى الضباب.

    راقبتني يزيبل، على ما يبدو أنها تنتظر الرد، لكنها حافظت أيضًا على صبرها، كما لو أنها تعلم أنني أُكافح مع أفكاري

    لم أكن أعرف ماذا أقول

    ربما يجب أن أخبرها عن الاسم الذي أريده لنفسي

    معدتي شعرت بتحسن، لكن رأسي مازال يؤلمني. عندما رمشت، حلقت نقاط سوداء صغيرة أمام عيني، واختفت، ثم عادت بالظهور مجدداً مع ألم شديد. هززت رأسي، محاولة توضيح رؤيتي

    سألتني يزبيل :هل ترغبي في سماع قصة أثناء طهي للطعام؟

    أنا: نعم أريد وعاء كونتا لوكا بعد إذنك

    14        تدور هذه القصة حول إلهة الأم، الملكة إليسا

    منذ عدة سنوات، كان العديد من الناس، حتى قبل حياة جد والدي، الملكة إليسا، التي يطلق عليها الرومان ديدو، قد جاءوا إلى شواطئ بيسا من موطنها القديم في الشرق. سألت الناس الذين يعيشون هنا عن قطعة أرض صغيرة حيث يمكنها أن تستقر مع الأتباع القلائل الذين تجولوا معها عبر البحر. فقال رئيس هؤلاء الأشخاص الماكر والخادع للملكة إليسا، يمكنك أن تملك مساحة أرض مُحاطة بخبأة ثور واحد، وسيكون السعر وزن تالنت واحد من الفضة

    تالنت؟ وقفت ووضعت وعائي الفارغ على الطاولة وقلت: ما هو ...؟"

    كل شيء حولي بدا غير واضح، أخر صورة يمكنني تذكرها هي أن أيزبيل تأتي إليّ لتنقذني

    * * * * *

    عندما استيقظت، كنت استلقي على جلود الحيوانات الرخوة بجوار النار، وعباءة تينداو فوقي. كان قماش القنب الرمادي يرفرف برفق، وامرأة تجلس عند قدمي، تراقب حالتي

    سألتني: كيف حالك الآن، أفضل؟

    جلست ببطء أحاول أن أفهم ما حدث. داخل رأسي طنانة، كسرب من النحل الغاضب. وبينما كنت أنظر حولي، صفى ذهني وكل شيء بدا غريباً. حريق طقطقة، دخان منعش يتجه نحوي، والطاولات والرِجال المحيطين بنيران الطهي مثل الحيوانات ذات الأرجل الصلبة التي تنتظر بصبر أن تتغذى. انحدرت أشعة الشمس الصفراء على قمم الأشجار، تغمر كل شيء بالذهب والعنبر ويتألق وجه المرأة في وهج بعد الظهر

    تذكرت أنها كانت يزيبل

    سحبت العباءة على كتفي، مددت ذراعي، ثم لمست مؤخرة رأسي. الكدمات والنتوء لم تكن مؤلمة كما كانت من قبل فقلت:

    جيد، اشعر بتحسُن توقفت للحظة، أُجاهد وأُصارع لأتذكر

    15

    كنت تخبرني قصة عن ملكة وثور، لكنني لا أتذكر النهاية

    هل تذكرين السقوط؟قالت:

    لا

    قالت: لقد نمت طوال اليوم

    أنا آسفة

    لا تتأسفي فقد كنت منهكة

    من فضلك، هل يمكنك أن تروي لي القصة مرة أخرى؟

    نهضت يزبيلوقالت: بالتأكيد

    ولكن أولاً، أريدك أن تقفِ حتى أتمكن من معرفة فيما إذا كنت ستغرقين في النار كما فعلت هذا الصباح

    وبينما كنت أقف، أخذتني يزيبل من كتفي، وهي تُراقبني وسألت: هل ستسقطِ؟

    هززت رأسي، ثم نظرت إلى الوعاء الفارغ على الطاولة

    أتشعرين بالجوع؟

    نعم

    ملئت يزبيل نصف الوعاء بالكونتو لوكا ووضعته في يدي. جلستُ بجانب النار بينما هي تحرك القدر الكبير وتُخبرني قصة الملكة إليسا من البداية

    عندما وصلت إلى الجزء الخاص بالفضة، سألتها، "تالنت؟  ما هو ...؟

    نظرت إلىيزيبل بقلق، ربما ظنت أنني قد يغمى عليّ مرة أخرى، بعد ذلك ابتسمت لها فأبتسمت لي ومضت

    ثم قالت: تالنت من الفضة يعني شريط كبير من الفضة ثم التقطت سكينتها وقالت: تكون ضعف طول السكين، وتساوي الوزن الذي يمكن أن يحمله رجل ليوم واحد، قيمتها هي ستة أفيال حرب، أو ربما سبعة، أخذت جزرة من السلة وقطعتها ووضعتها في القدر الضخم.

    كانت إليسا جميلة جدًا، تملك الشعر الطويل المُجعد والابتسامة الجميلة، لكنها لم تكن مضجرة البديهة كما كانوا هؤلاء المواطنين البسيطين يظنونها    16

    بعد التفكير، قبلت ملِكتُنا (اليسا) اقتراحهم، وبمساعدة خادماتها أمرت بجلب جلد الثور الذي عرضه عليها الملك وتقطيعه إلى شرائح رقيقة ثم مد هذه الشرائح حول هضبة بالقرب من شاطئ البحر عودة إلى الشاطئ من الجانب الآخر

    ثم أخبرت إليسا رئيس هؤلاء الأشخاص قائلة: سأحصل على تلك الأرض، الآن وهي مُحاطة بغطاء ثور واحد.

    وبالنظر إلى كيف كان السكان الأصليون أكثر دهاء، فقد أعطوها الأرض على مضض وتمنوا لها الحظ السعيد في بناء مستوطنتها، وذهبوابتالنت الفضة راقدين على خسارتهم

    اختارت إليسا قسمًا من الشاطئ يحتوي على واحد من أرقى الموانئ الطبيعية على طول الساحل الجنوبي الكامل لبحر ثالاسا، الذي أطلق عليه الرومان ماري انترنوم. وإن هذا سيثبت لاحقًا مدى فائدتهُ للملكة إليسا ومستوطنتها التي سمتها المدينة الجديدة، قرطاج (قِرطَاجُنا)

    وفجأة دخل الصبي الذي هددني واخافني بعصاه في الغابة إلى بيت يزبيل، الامر الذي جعلني اندهش وأتساءل عن سبب وصوله إلى هنا

    ذهب إلى وعاء الطعام ليأخذ قطعة من اللحم، لكن يزبيل أمسكت بيده ودفعتها بعيدًا وقالت: انظر إلى مدى اتساخ يديك، وأنت تعلم هذا

    فأجابها: أنا جائع

    قال: يمكنك الانتظار مثلُنا. هل أخذت الحطب إلى بوستار كما قلت لك؟

    أومأ برأسه، لكن عينيه كانتَ تنظرَ إليّ وإلى وعائي المملوءبكونتا لوكا

    قال:لقد سرقت معطف تينداو؟

    أجابت يزبيل: لا لم تفعل

    أخذتُ قطعة كبيرة من اللحم من وعائي وأعطيتها لهُ. فهمتُ هذا الصبي من عينيه، يبدو أكبر مني سنناً، ربما يكبُرني بصيف واحد، وعلى النقيض من عيون يزيبل البنية، فقد كانت عيناه رماديتاًن ضحلتان                                                      17

    ما لون عيوني؟ أتمنى أن يكونوا بُنيين كعينيها

    سأل الصبي بصوت خشن كأنهُ مُنزعج: إذا لماذا ترتديه؟

    كان سلوكه تجاه يزبيل عابسًا، كأنه يسخر مني كأنني اشمئز منه

    قامت يزبيل بضرب الملعقة الخشبية على حافة الوعاء بشدة، حتى ظننتُ أنها ستنكسر. ثم جحرت الصبي حتى أنزل عينيه وقالت: إذا لم تتعلم الإمساك بلسانك، فسوف يقطع شخص ما هذا الخنجر الحاقد من فمك. هل تفهمني؟

    فقال وهو ينظر إليّ من زوايا عينيه: نعم

    هل يعتقد أنني ألوم يزبيل على توبيخه؟ هو لديه لسان قبيح ويستحق ما حصل عليه. أخذتُ حبة لفت آخرى من السلة. وقلت لنفسي، ربما لم يتعلم شيئًا من كلمات يزيبل، لكنني تعلمت. ومن الطريقة التي تعاملت بها معه، أعتقد أنه قد يكون ابنها، أو ربما شقيق تينداو. مؤسف جداً أنه ليس كالشباب الآخرون

    كنت أرغب في معرفة المزيد عن الملكة إليسا وشعرها المُجعد، وابتسامتها الجميلة وطرقها الذكية، لكنني لم أرغب في أن تواصل يزيبل قصتها والصبي موجود، بل كنت أرغب في أن يتم إخباري بمفردي، لذلك قد يكون عليّ الاحتفاظ به ليوم يمكنني فيه نقله إلى فتاة صغيرة حمقاء ليس لديها معرفة بالأشياء الجميلة.

    انتهيت من تقشير حبة اللفت، وبعدها قطعتها داخل الوعاء، ثم نظرت إلى يزبيل وأشرت إلى السلة، فأومأت برأسها وأخذت واحدة أخرى لتبدأ بتقشيرها.

    مسح الصبي يديه بالسُترة بعد غسلها وجلس على ركبتيه. ثم أخذ حبة لفت وبدأ بتقشيرها بسكين أخرجها من غمده على حِزامه.

    قالت يزبيل: جابنيت، هل ترى أين الشمس؟

    18

    إذا، اسمه جابنيت. اسم سخيف لصبي سخيف، إن الاسم الذي اخترته لنفسي أفضل بكثير، وهو أيضًا اسم نبيل، وربما اسم مَلكي

    نظر جابنيت غرباً، حيث كانت الشمس قد سطعت أسفل قمم الأشجار في الجانب البعيد من المخيم، وقال: نعم امي

    كان طويلًا تقريبًا كطول والدته، واعتقد إذا ابتسم من حين لآخر، فقد يبدو وسيمًا. لكن تعابير وجههُ الغامضة والبشعة تشوه شخصيته

    ما هي وظيفتك كل يوم عندما تغرب الشمس؟ثم قالت يزبيل:

    قال: تنظيف الطاولات وحنى كتِفيه محدِقاً في الأرض

    قالت: ضع أوعية شرب النبيذ خارجاً وأطفئ المصابيح، ثم أسقطت حبة اللفت التي قشر نصفها في السلة ومسحت السكين بأكمامها وقالت:

    هل يجب أن أخبرك كل يوم ماذا تفعل في هذا الوقت؟

    قال: لا أمي

    عبس جابنيت في وجهي ووضع السكين مرة أخرى في غُمده، ثم التفت للقيام بأعماله، فداس بصندلهِ على قدمي العارية عمداً فاقتطعت حافة صندله في الجزء العلوي من قدمي، ولكنني رفضت أن أعطيه ما يريد وهو سماع صراخي أو شكواي لأمه

    قالت يزيبل: "عندما يأتي الجنود، سوف نرى في أي مكان ستنامين. هلترغبيفي البقاء في خيمتي الليلة؟

    لم أُحبهم الجنود؟قُلت:

    فقد كانوا لئيمين وقبيحين، كنت اعلم انهم سيسخرون مني ومن الفيل اوبولس الضعيف

    أنا يمكنني أن أتحمل كل السخرية التي كانوا يوجهونها إلي، لكن اوبولس لم يعد بإمكانه الدفاع عن نفسه فقد كانوا على الأرجح يقطعونه ويطهون لحمه على النار وهم يضحكون على حماقاته، فقد شعرت بالأسف على هذا الحيوان الكبير وما أحزنني حقاً هو أنني سبب وفاته!!    19

    قالت يزبيل: نعم أعلم، ففي المساء، يأتي الرجال إلى المُخيم، يبحثون عن ..... أما عن ملذاتهم، والقليل يأتون هنا لتناول الطعام ودائمًا ما أصنع لهم طعامًا، وإذا أعجبهم، يتركون لي بعض من القروش أو الحُلي الذي يحصلون عليه من غزواتهم في ساحة المعركة

    وإذا لم يعجبهم طعامك؟ قلت:

    قالت: حسناً، يرمون الاشياء ويكسرون الفُخار الذي أملكه

    ثم نظرت إليّ ولا بد أنها شاهدت تعابير وجهي وقالت: أنا فقط أمزح، هم أذكياء ويعرفون جيداً أنه من الافضل لهم ألا يتسببُ في مشاكل على طاولة يزبيل

    لم أكن متأكدة ما معنى هذا الكلام، لكنني بالتأكيد لم أرغب في أن تغضب مني مرة أخرى، كما فعلت عندما رأتني لأول مرة أرتدي رداء تينداو

    قالت يزيبل: الآن، أرني أصابعك جميعها

    أزلت اللفت ورفعت يدي، مع مد الأصابع. فعلت يزبيل نفس الشيء، ثم خبأت أصابع يدها اليمنى، وتركت الإبهام فقط لأعلى، قلدتُها. الآن لدي كل أصابع يد واحدة، بالإضافة إلى إبهام اليد الأخرى

    قالت يزيبل: هذا هو العدد الذي أحتاجه من الخبز

    قلت: ستة

    رفعت حاجبها وقالت: جيد جدا، سعيدة لأنك تعرفين الأرقام ثم أشارت إلى إبريق فخاري كبير موضوع بالقرب من رفرف الخيمة المفتوحة، والآن، هل يمكنك أخذ انبوب النبيذ هذا إلى بوستار وإخباره أن هذا من صديقته العزيزة يزبيل مقابل ستة أرغفة من الخبز الطازج؟

    نعم فأنا حريصة على المساعدة بأي طريقة مُمكنة

    أين بوستار؟

    يزبيل: خيمة الخباز ليست سوى رحلة سهم من هنا، وأشارت إلى الشرق. من ذلك الطريق سوف تشُمين رائحة الخبز كلما اقتربتِ

    ترددت قبل أن تُكمل وقالت:                          20

    "كُوني حذِرة مع الإبريق، فلا أريدك أن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1