Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الصورة و رهاناتها
الصورة و رهاناتها
الصورة و رهاناتها
Ebook349 pages2 hours

الصورة و رهاناتها

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في هذا الكتاب تحاول الكاتبة تقديم إجابة ممكنة لإشكال الصورة اعتماداً على معطياتها الفكرية والثقافية والجمالية والاجتماعية والسياسية، فحين نتموْقع اليوم في ثقافة الصورة التي تنتشر حالياً بشكل متزايد عبر العالم، فإن الرهان الفكري الفلسفي يتمثل حسب رأيها في تحرير البصر كي نقتلعه اقتلاعاً من السيرورة التي تنزع الطابع الواقعي عن العالم. حيث ترى الكاتبة أن جعل الصورة تعرض كل ما يمكن أن يحدث في العالم كما لو كان الأمر يتعلق ببرامج كبرى مثل (تلفزيون الواقع)، نفضي بها إلى فقدان تماسكها بل إلى تحطيم الحدود الفضائية والزمانية المكونة للنمط الحياتي الإنساني، لهذا تركز الكاتبة على التفكير في الوسائل التي تمكِّن من الاحتماء من فتنة الصورة في تعددية مظاهرها واستعمالاتها. فكلنا يعرف الدور الرئيسي الذي لعبته الصورة في إشعال شرارة الثورات العربية في تونس أولاً وفي بلدان عربية أخرى عندما تجندت لذلك قناة الجزيرة وعندما نشر الشباب صورها بالأنترنيت وفي المواقع الإلكترونية عامة وبالهواتف الجوالة. وتعتقد الكاتبة أن الصورة أضحت سلاحاً من بين الأسلحة التي تشرِّع و تمنع، بل أصبحت تباع وتشترى فتجتمع من أجلها الدول وكأن وضعيتها هي وضعية الأسلحة الاستراتيجية لأنها قد أمست وسيلة ناجعة للسيطرة على المستوى المحلي الداخلي وعلى المستوى العالمي الخارجي. فمنذ حرب الخليج الأولى أصبحنا نتحدث عن «حرب الصور»، لأنها بتدقيقاتها وتمويهاتها بتحويلها للامرئي إلى مرئي محسوس واصطناعها للأحداث الكاذبة تمتلك قدرة عجيبة مؤثرة على الناس وبالتالي على القرار السياسي.

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateSep 11, 2022
ISBN9789938230505
الصورة و رهاناتها

Related to الصورة و رهاناتها

Related ebooks

Reviews for الصورة و رهاناتها

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الصورة و رهاناتها - رشيدة التريكي

    الصورة ورهاناتها

    تأليف

    أد. رشيدة التريكي

    ترجمة

    د. فريد الزاهي

    المراجعة لغوية

    د. محمّد بن عبد الجليل

    تأليف

    أ. د. رشيدة التريكي

    ترجمة

    د. فريد الزاهي

    مدير النشر عماد العزّالي

    التصميم ناصر بن ناصر

    الترقيم الدولي للكتاب 978-9938-23-050-5

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1442 هـ / 2021 م

    العنوان: 5 شارع شطرانة 2073 برج الوزير أريانة - الجمهورية التونسية

    الهاتف : 58563568 216

    الموقع الإلكتروني : www.lecteurtunisien.com

    البـريد الإلكتروني : medi.publishers@gnet.tn

    هذا الكتاب ترجمة لـ:

    Rachida Triki

    L’Image, ce que l’on voit, ce que l’on crée

    Ed. Larousse, Paris, 2008

    ننشر هذا الكتاب تزامناً مع انطلاق أعمال كرسي الإيسيسكو

    بالقصر السعيد- قصر الثقافة والآداب والفنون بباردو- تونس

    تحذير

    المؤلّف هو المسؤول وحده عن اختيار محتويات هذا الكتاب وعرضه وعن الآراء الواردة فيه والتي لا تعبّر بالضرورة عن آراء منظّمة الأيسيسكو ولا تلزمها.

    « L’auteur est responsable du choix et de la présentation des contenus de cette publication et des opinions qui y sont exprimées, lesquelles ne sont pas nécessairement conformes à celles de L’ICESCO et n'engagent pas l'Organisation »;

    تمهيد

    في هذه التحولات الكبرى والتغيرات الجذرية التي يعيشها العالم العربي حاليا بعد ما سمي بالربيع العربي رأيت أنه من المجدي أن أضع بين أيدي القارئ باللسان العربي كتابا ألفته باللغة الفرنسية وصدر لي سنة 2008 بباريس عن دار لاروس للنشر ويبحث في الصورة ودورها الجديد في صنع الحدث تمويها أحيانا وتحقيقا أحيانا أخرى للحدث ولكنهــا تصبــو في الأخيــر إلى نــوع من النجاعــة العمليـة أو مـن المتعــة الجمالية.

    فكلنا يعرف اليوم أنّ الصورة هي إحدى الإشكالات المستعصية في كل المقاربات التي نحاول بواسطتها فهم مقوماتها ومتطلباتها ومستتبعاتها وذلك لأنها تملك رهانات حاسمة قد تغيّر معطيات الوضع القائم. فقد لاحظنا دورها الجذري في أحداث العالم لاسيما في النصف الثاني من القرن الماضي عندما دخلت بيوت الناس بواسطة التلفاز أولا والأنترنات ثانيا وعندما تطورت تكنولوجيات الصورة وأصبحت متاحة للجميع بواسطة الهاتف الجوال مثلا. فكأن الصورة أضحت سلاحا من بين الأسلحة التي تشرِّع و تمنع، بل أصبحت تباع وتشترى فتجتمع من أجلها الدول وكأن وضعيتها هي وضعية الأسلحة الإستراتيجية لأنها قد أمست وسيلة ناجعة للسيطرة على المستوى المحلي الداخلي وعلى المستوى العالمي الخارجي. فمنذ حرب الخليج الأولى أصبحنا نتحدث عن «حرب الصور»، لأنها بتدقيقاتها وتمويهاتها بتحويلها للامرئي إلى مرئي محسوس واصطناعها للأحداث الكاذبة تمتلك قدرة عجيبة مؤثرة على الناس وبالتالي على القرار السياسي.

    فكلنا يعرف الدور الرئيسي الذي لعبته الصورة في إشعال شرارة الثورات العربية في تونس أولا وفي بلدان عربية أخرى عندما تجندت لذلك قناة الجزيرة لغاية في نفس يعقوب وعندما نشر الشباب صورها بالأنترنات وفي المواقع الإلكترونية عامة وبالهواتف الجوالة.

    ومع كل ذلك لابد من التعمق في نمط عملها لأننا اليوم، مع وفرة الصور، أمام الخلط بين التخييل والتمثيل الأمين، بين الحقيقة والوهم. ألا يحق لنا وضع موضع الشك فعالبة الصورة في البحث عن الحقيقة ومداها التوثيقي؟ أليس التلاعب بالصورة وتورطها في الفعل الإيديولوجي والخلط بين التمثيل الأمين والتخييل الهجين يجعلنا كل ذلك في ريبة من قدرتها على كشف الحقيقة لاسيما وهي تشمل في الآن نفسه منتجات الخيال ومنتجات المحاكاة والتقليد، كما تخلط بين الرمز والنسخة، فتفتحنا على كل أنماط اللبس والغموض؟

    فكتابنا هذا يحاول تقديم إجابة ممكنة لإشكال الصورة اعتمادا على معطياتها الفكرية والثقافية والجمالية والاجتماعية والسياسية. فحين نتموْقع اليوم في ثقافة الصورة التي تنتشر حاليا بشكل متزايد عبر العالم، فإن الرهان الفكري الفلسفي يتمثل حسب رأينا في تحرير البصر كي نقتلعه اقتلاعا من السيرورة التي تنزع الطابع الواقعي عن العالم. إننا بجعل الصورة تعرض كل ما يمكن أن يحدث في العالم كما لو كان الأمر يتعلق ببرامج كبرى «للتيلي ريالتي» (تلفزيون الواقع)، نفضي بها إلى فقدان تماسكها بل إلى تحطيم الحدود الفضائية والزمانية المكونة للنمط الحياتي الإنساني. لهذا فإن التفكير في الوسائل التي تمكِّن من الاحتماء من فتنة الصورة في تعددية مظاهرها واستعمالاتها سيكون ديدننا في هذا الكتاب.

    أد. رشيدة التريكي

    مقدمة

    حرْب الصُّوَر

    الصورة إحدى المفاهيم الفلسفية الأكثر إشكالية بما تملكه من رهانات تكون غالبا ذات طابع حاسم في الوضعية الراهنة. وبإمكاننا اليوم الحديث بسهولة عن «حرب الصور»، وذلك بالنظر إليها، حسب السياقات، باعتبارها أسلحة تشرِّع أو تمنع، أو يُتَّجر فيها أو باعتبارها أسلحة إستراتيجية. بل إنها تنحو إلى أن تغدو وسائل للسيطرة في خضم اللاتكافؤ بين القوى المنتجة للتكنولوجيات الجديدة و باقي بلدان العالم. ألم نر على سبيل المثال، منذ بداية حرب الخليج الثانية، كيف تم منع بث القناة التلفزيونية العربية «الجزيرة» في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية؟ ذلك ما نجم عنها، في مختلف نواحي المعمورة، حرب للصور، أي حرب للمبالغة الإعلامية المصورة والشخصية في الأنترنيت وبواسطة المواقع الإلكترونية... وكما يذكِّر بذلك مؤرخ الفن هانز بلتين1 ، صارت الأنثربولوجيا تعرف صداما للصور التي تصاحب المواجهات بين الشعوب وعمليات الغزو والاستعمار، وأيضا ردود الفعل المقاوِمة التي تتكون في متخيل المغلوبين ضدا على صور الغالبين».

    وليس لنا سوى أن نستعيد تاريخ المجتمعات في أي عصر من العصور كي نقيس مقدار قوة الصورة في مجمل الميادين، خاصة منها المجال الديني والسياسي. فتحطيم الأصنام الجاهلية في الكعبة في القرن السابع الميلادي، وتعميم التصاوير الباروكية للمسيح في القرن السابع عشر ضدّ حملة المصلحين في أوروبا يدخل في الفعل الرمزي نفسه، أي في ترسيخ سلطة الشعائر الدينية. إن هذا يدل على الموقع الهام الذي تحتله الصورة في قلب السجال المتعلق بسلطتها على التمثيلات2 وآثارها على الرأي العام.

    فليس علينا أن نندهش اليوم من انتشار الصورة ومن تكثيف استعمالها وتنويعه خاصة وأننا مقتنعون منذ أمد أن كل شيء يمكن أن يغدو صورة، بدءًا منا نحن، باعتبارنا سجيني تمثيلاتنا الخاصة والتمثيلات التي يكونها الآخرون عنا. إن صورة الذات، أي صورة الإنسان عن نفسه، مرتبطة قطعا بصورة الخطاطة الجسدية التي تمكن من إدراك الجسد وتنظيمه، ومن ثم من إنجاز تناسق حركاتنا. وهي لذلك تُضاف إلى الصورة المرآوية التي تمكّننا منذ نعومة أظفارنا حسب جاك لاكان من أن نتعرّف على أنفسنا في

    المرآة: «أي مرحلة المرآة باعتبارها مكونةً لوظيفة «الأنا» كما

    تنكشف لنا في التجربة التحليلية»3. فالطفل، حين يبلغ مرحلة المرآة في الشهر السادس من عمره يتمكن من الربط بين صورته ونفسه في هذا الانعكاس. والتماهي يتم من خلال سيرورة إدماج للصورة. وهذه الأخيرة تغدو مركَّبة وتتوسع بسرعة لتشمل كل الصور التي يكونها الآخرون عنا، إلى حدّ أنها تغدو أحيانا «سعيرا» حسب تعبير جان بول سارتر.

    يغدو الارتباط أقوى حين يتعلّق الأمر بشخص عمومي. فرجال السياسة ظلوا دائما حريصين على صورتهم. والوزير الأول البريطاني طوني بلير، قد اعترف بأنه صرف مبالغ جمَّة في العناية الجمالية بنفسه. وثمة حاكمون آخرون كثيرون يزاحمون نجوم «الشو بيز» [فنون الاستعراض] في هذا المضمار. فهل هم مهووسون بصورتهم أكثر مما كان عليه الفراعنة؟ ليس ثمة من مجال للمقارنة، فكلما رجعنا بذاكرتنا إلى الماضي السحيق، ظلت الصورة بأشكالها المختلفة تؤثر في علاقاتنا وتشكل جزءًا من حياتنا اليومية.

    لكن، سواء شكونا من حضورها البالغ ومن استعمالها أو صفقنا لذلك، فعلينا الاعتراف بأننا حين نفكر في ما هي، نجد أنفسنا في مواجهة طابعها غير المتحدِّد. وإذا كان من اليسير تعيينها أكثر من معرفتها فربما لأنها لا تشبه إلا قليلا ما نعنيه «بالشيء»، وأنْ ليس لها حقا من مكان خاص بها. فما هي الصورة إذن في مختلف أشكالها، باعتبارها صورة كلامية، وذهنية ومادية وبصرية وافتراضية؟ أي مكان خاص يمكنها أن تحتله حين تعدّد مواطنها في الآن نفسه، في الحيز النفسي وفي الإدراك وفي الذاكرة وفي الخيال كما في مختلف الوسائط الفنية التي تبدأ بالصخور ما قبل التاريخية حتى المجال الرقمي؟

    من الأكيد أننا لا نستنفد مختلف صيغ الصورة، وهذا ليس أكثر مما قام به أولئك الذين سبقونا إلى طرق الموضوع؛ لكن يبدو من الهام بل من المستعجل إعادة تناول قضية الصورة للإمساك بمدى وضعها الاعتباري وأنماط استعمالها في عالم مطبوع أكثر بأكثر بالصراعات والنزاعات.

    ولكي نتمكن أكثر من الإمساك بتعقدها، لنبدأ أولا بالرجوع إلى أصلها اللغوي. كلمة صورة الفرنسية image مشتقة من imago اللاتينية التي تعيِّن تمثيل شخص أو شيء كما تعيِّن ظله وذلك في نظام المحاكاة. أما الكلمة الإغريقية، فإنها تميز بوضوح بين مدلولين: من جهة ثمة الأيقون eikon (التي أصبحت «icône» في اللغة الفرنسية)، وهي تعني «تمثيل» «تشابه»، ومن جهة ثانية eidolon المشتقة من eidos (التي أصبحت «idole في الفرنسية) وهي تعني بالأحرى «الشكل» و«المظهر» وذلك في نظام اللاواقع؛ وهي ترتبط بفعل الإبراز المرئي أكثر من فعل الاستنساخ. أما في اللغة العربية، فإن كلمة صورة تعني أيضا الشكل والتأليف، كما تعني المنسوخات حسب مشتقها «تصاوير». وكلمتا «صورة» وتصاوير» تقابلان في ترابطهما الكلمتين العبريتين: «ديموت» و»سلام». حسب دائرة معارف الإسلام «فإن الفكرة التوراتية التي يكون الإنسان بمقتضاها قد خلق على صورة (سلام) اللّه (سفْر التكوين، I، 27) قد تكون انتقلت إلى الحديث المعروف. بيْد أن فعل «صوَّر»، يعني في القرآن أيضا «خلق»، «كوَّن».

    من ثم فإن هذا الترادف بين «الخلق» والتصوير» والتمثيل»،

    سوف يثير بعض المعضلات الفقهية العويصة بخصوص ما يعود للخالق وما هو مباح للإنسان.

    هل نجد في اللغات كلها هذا التعقد نفسه الذي يخص كلمة «صورة»؟ على كل حال، إذا نحن اقتصرنا على التراث الدلالي لهذه الثقافات الثلاث، فإننا نلاحظ أن الصورة تندرج في لعبة بين وظيفتها المرجعية التي تجعل منها نسخة ونظيرا وبين مداها التخييلي والإبداعي، باعتباره مجالا لكل التآويل. ونحن نتفهَّم أن هذا الازدواج الجوهري هو الطريق المفتوح لكل الالتباسات وللعديد من الاستراتيجيات. وهو يترك الغموض يتجذر بين تمثيل الواقع ومظهره، وبين الاستنساخ والإبداع.

    أما النقد اللاذع الذي شنه أفلاطون4 على الرسوم الجدارية التي تعتبر لطخاتها الملونة استنساخا للمناظر الطبيعية، فيبدو اليوم ساذجا أمام الحيل الماكرة للصور الافتراضية. وقد غدا التلفزيون، الذي يصنع الحدث الراهن، المجال المفضل لهذا التلاعب: ألم يجعل سنة 1991 بطا ملوثا من جراء غرق سفينة بترولية على

    السواحل الأطلسية الفرنسية، ضحايا «جانبية» لهجوم عراقي على آبار النفط الكويتية؟ كما أن طيور البط هذه تعود للظهور في مناسبات أخرى للتنديد بالمسؤولين عن الكوارث البيئية. كيف نستطيع إذن التمييـز بيـن الاستعراضـات السياسيـة والصــورة الواقعيــة للحــدث أو للحكامة؟ كل شيء يصبح قابلا للتلاعب بالصورة بفضل دقائق التقنيات وبفضل إدماننا على وسائل الإعلام. لقد وسَّع التلاعب بالصورة من حدوده إلى درجة منح الحروب الأكثر شراسة مشاهد بيضاء خليقة بالوصلات الإشهارية لأفضل مساحيق الغسيل. إن صور الحروب التي تسمى «جراحية» أصبحت رديفا للسكوت عن المجازر التي تتعرض لها الجماهير المدنية.

    صحيح أن هذه الإستراتيجيا معرضة دوما لخطر التفنيد بواسطة الصورة غير المتوقعة، كما هو حال تلك الصور القريبة من الإباحية للتعذيب الذي مارسه جنود أمريكيون على أسرى عراقيين في سجن أبو غريب بالعراق. ففي هذا السباق نحو الصورة ما تزال الضمائر الحية تعيش الهزات؛ وبما أن كل صورة تطارد الأخرى، فإن التساؤل لا يدوم أكثر من وقت الأثر العاطفي الذي تخلِّفه.

    من منا ما يزال يتذكر اليوم الصور غير المحتملة للفيلم الوثائقي الذي أنجزه جان جوني5 عن مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان سنة 1982؟

    هذا الضرب من السؤال ذو الطابع الراهن أكثر من أي وقت مضى، هو الذي يتناوله الفيلسوف ومؤرخ الفن جورج ديدي هوبرمان6 في كتابه «صور بالرغم من كل شيء». فإزاء تضخم الصور وتحويرها، ما الذي يمكن أن تشهد عليه الصورة التي تمثل لما لا يمكن تصوُّره؟ إنه يدافع عن فكرة كون المتعذر على التمثيل، خاصة في الحالات القصوى الغريبة والتي تستعصي على الوصف كما هو حال المجازر، يتطلب أن يغدو مرئيا وأن نساند أي صورة تساهم في تفنيد آلية «اللاخيال».

    لهذا يعتبر ديدي هوبرمان أن أربع صور أخذها أعضاء كتيبة عسكرية خلسة في غشت 1944 في مخيم أوشفيتز بيركونو، التي يصفها طوال كتابه، تشكل «لحظات ثمينة حقّا لها قيمة الوثائق التاريخية.

    وبالعكس على من يعتبرون أن الصورة تكون وقحة في هذه الحالات القصوى، لأنها وهي تقوم بالعرض تبعا لطبيعتها لا تقدم شيئا عن ماهية الرعب، تراه يدافع عن «الصورة بالرغم من كل شيء» قائلا: « اللامتصور7 باعتباره تجربة مأساوية يستدعي دوما مُناقضه، أي فعل التصوير بالرغم من كل شيء».

    لكن اليوم، أمام وفرة الصور، ومن ثم الخلط بين التخييل والتمثيل الأمين، هل يمكننا بسهولة أن ننفلت من هذا الموقف المرتاب المتعلق بفعالية الصورة ومداها التوثيقي؟

    تتوافر الأمثلة عن التلاعب بالصور وتثير الخلط بين التخييل والتمثيل الأمين. والمشكلة تتمثل في أن الوحدة الاسمية لكلمة «صورة»، وهي تشمل في الآن نفسه منتجات الخيال ومنتجات المحاكاة، وتعين الرمز والنسخة، تفتحنا على كل أنماط اللبس والغموض. وهذا الخلط يمكّن من ثم من التحريض على الحلم كما على المعاناة، بل حتى على زرع الموت. يكفي أن نستحضر هنا في الأذهان كل الضحايا الذين استهدفتهم الصور الكاريكاتورية للنبي محمد، والتي سنعود إليها لاحقا.

    حين طرحت المفكرة ماري جوزي موندزان8 ، السؤال في كتابها: «هل الصورة قادرة على القتل؟ جاء جوابها بنعم: «إذا توحَّدنا توحدا كاملا مع ما نراه»، أي من دون تلك المسافة الضرورية التي تخلصنا من الاندماج التام في الصورة التي تغدو صورة وجْدية9 بالرغم عنها، ومن غير «الكلام الفعال» الذي يمنح لكل واحد حرية التمييز والتبصُّر». والمثال الحديث للمراهق المتوحد الذي كان يعشق منجزاته في التقتيل الافتراضي في ألعاب الفيديو، والذي انتهى إلى نقلها للواقع بقصف رفاقه في الثانوية، لهو أسوأ تشخيص للأمر. إن هذا المنحى المرضي يمتد بشكل خطير اليوم ليشمل الدمج الإعلامي لصورة الآخر حيث تختلط في الآن نفسه العلامة الدينية بخاتم الإرهاب مثلا. فلا شيء يكون ملائما لإلحاق الصورة بإحساس جامح بالهوية من ذلك الذي يؤدي مباشرة إلى تغذية التمييز العنصري.

    صحيح أن «تكوين البصر» من خلال تربية للرؤية يمكن أن يشكل صمّام أمان ضد انحراف الاندماج في الصورة. فالكلام الفعال يكون دائما بناء في مستوى من المستويات.

    وهو خاصية الفعل الفلسفي ونواة الفعل التربوي. وحتى بلورة صورة الذات، التي أثرناها فيما سبق ضمن «مرحلة المرآة»، لا يمكنها أن تتم من دون كلام شخص آخر، يبرز للطفل تلك المسافة الضرورية بين جسده الشخصي وبين صورته المنعكسة في المرآة. تحكي فرانسواز دولطو10 حالة الطفلة ذات الربيعين التي تم التخلي عنها في غرفة فندق مغطاة جدرانها بالمرايا، والتي انتهت بمرض انشطار الجسد بإدماج تشظي صورتها المرآوية.

    بيد أن الكلام المخلِّص لا يمكن أن يقتصر على تعيين المسافة أو اللاتشابه في الصورة بين تمثيلها وعيانيتها11. فعليها أن تقوم بالتحسيس بكافة الاستراتيجيات التي تكون الصورة موضوع رهان لها. وهذه الاستراتيجيات، كما هي النقود التي تكشف عنها كي تحاربها، متنوعة ولا تعود لا للمرامي نفسها ولا لتصورات الصورة ذاتها.

    فهمُّ ماري جوزي موندزان، ومعها كل أولئك الذين يسعون اليوم لتحرير البصر من الاندماج في الصورة12، يتوافق ربما مع

    التحذير المعروف لأفلاطون الذي كان يحذر الشباب من الإسقاط العاطفي الأهوج للصورة ومن التماهي معها؛ وهو كان يقوم بذلك بالأخص بصدد الشعرالملحمي، حيث الخلط بين مأساة الشخصيات وأداء الممثلين يتمكَّن تمكُّنًا من المتفرجين. إن العاطفة التي يتم عيشها إزاء الصور التي تخترق الحكايات التراجيدية لَشبيهةٌ بالتشبع بالأحلام الذي يعيشه أي واحد منا كما يقول أفلاطون13، «وحتى في أولئك الذي يبدون لنا أسيادا لأنفسهم». والحقيقة أن صورة الأحلام قد استعملت دوما برهانا فلسفيا للتشكيك في الوساطة الجيدة لحواسنا.

    فمثلا، تتحدث الفيلسوفة ميشيل

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1