Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته
تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته
تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته
Ebook704 pages6 hours

تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته اربع أجزاء لـ نعوم بك شقير
تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته اربع أجزاء لـ نعوم بك شقير
تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته اربع أجزاء لـ نعوم بك شقير
تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته اربع أجزاء لـ نعوم بك شقير
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2023
ISBN9786328761687
تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته

Related to تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته

Related ebooks

Reviews for تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته - نعوم شقير

    الغلاف

    تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته

    الجزء 3

    نعوم شقير

    القرن 14

    تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته اربع أجزاء لـ نعوم بك شقير

    والله أكرمه بطيب تحية ........ يحذو بها موسى كليم الطور

    قد كان قوّام الدجى متبتلاً ........ متواصل الأحزان غير فخور

    طلقَ المحيا خاشعاً متواضعاً ........ كهف الفقير وجابر المكسور

    وتفيض بالجود لبكثير يمينه ........ أبداً بلا منٍّ ولا تكدير

    ويبيت طاوي الكشح جوعاً وهو قد ........ أعطى الكنوز بجمعها الموفور

    لا يبتغي جاهاً ولا مالاً ولا ........ عز الموك ولا ارتباع الدور

    ما همه إلا اجتذاب الخلق من ........ درك الشقاوة عميهم والعور

    لما أبان لنا السبيل ولم يدع ........ إيضاح منهيّ ولا مأمور

    والدين عز وأهله بلغوا المنى ........ وتقلبوا في نعمة وحبور

    تاقت إلى الذات العلية روحه ........ وسعت لمقصد صدقها المذخور

    فمضى وأودع كل قلب حسرةً ........ وحشا الحشا ببلابل وسعير

    تبكي المساجد والمحارب فقده ........ ومواطن الأذكار والتذكير

    يا طيب أرض ضمّ جسمك تربها ........ تزري بعرف المسك والكافور

    يا آل بيت المصطفى صبراً وأن ........ جل المصاب وعزَّ عن تصبير

    فلكم تسلٍّ في مصيبة جدكم ........ خير الأنام الحي والمقبور

    وإذا توارت في الثرى الشمس الهدى ........ فهناك بدر هدّى عظيم النور

    أبقاه مهديَّ الإله وراءه ........ خلفاً يسير بسيره المشكور

    ويسوق للنهج القويم بحاله ........ ومقاله وحسامه المشهور

    هو ذاك عبد الله نجل محمد ........ وسع الورى بالحلم والتدبير

    وخليفة الفاروق نجم ثاقب ........ بضيائه يحلو ظلام الزور

    وخليفة الكرار سيف منتضى ........ بالحق يقطع هام كل كفور

    بطل إذا أقتحم الكتيبة غادر إلا ........ بطال بين مضرج وأسير

    فبهم قوام الدين بعد أمامه ........ وبهم تمام ظهوره المأثور

    صلى الإله على ضريح ضمه ........ أزكى صلاةٍ في المساء وبكور

    ورثاه محمد أبن الطاهر المجذوب بقصيدة طويلة اقتطفنا منها هذه الأبيات:

    دهتنا يضرس القلب نابها ........ ويوقد في الأحشاء ناراً منابُها

    غداة نعى الناعور نور الوجود من ........ به مِلة الإسلام حبلَّ مصابها

    إمام الهدى المهدي أفضل من دعا ........ إلى الله مفتاح النجاة وبابها

    ألا قد أصبنا إذ عدمنا حبيبنا ........ وضاقت بنا الأرض الوسيع رحابها

    لبيكِ له الدين الحنيف وملةُ ........ أبان هداها حين تمّ خرابها

    فقدناك يا هدياً يتمنا بفقده ........ فقدناك يا شمساً دهاناً غيابها

    إلى الله أنا راجعون هو الذي ........ إليه نفوس العالمين إيابها

    هو الفاعل المختار باق وأنفس ........ الورى كلها جمعاً إليه إنقلابها

    وكنا نرى إنا نفوز بوصله ........ بذي الدار حتى صاح فينا غرابها

    فلم يبقَ فيها الآن ما يبتغي له ........ بقاها فقد أضحى سراباً شرابها

    سقى الله أرضاً ضُمّنته بقاعها ........ به فاقت العرش العظيم قبابها

    عزاء إلى الصديق نائبه الذي ........ به الملة الغراء شدَّ انتصابها

    عزاء إلى الفاروق من كان دأبه ........ لدى نِعم الدنيا الغرور اجتنابها

    عزاء إلى الكرار ذي الناصر الذي ........ لديه يهاب البائرات ذُبابها

    عزاء إلى الآل الكرام أولي التقى ........ على الله هاتيك الرزايا احتسابها

    وألحقنا المهدي في جنة العلى ........ ليذهب عن هذه القلوب اكتئابها

    ألا أبلغوا عنا ضريح أبي الهدى ........ تحيا إلى الله الكريم انتسابها

    أوصافه :

    وكان عمر محمد أحمد عند وفاته نحو اثنتين وأربعين سنة وكان طويل القامة كبير الرأس عريض الوجه أسمر اللون أدعج العينين أزج الحاجبين واسع الجبين أقنى الأنف رحب الصدر واسع الفم عريض الشفتين عظيم المنكبين ضخم العظام واسع الكفين والقدمين سائل الأطراف مفلج الأسنان مشرط الوجنتين على كل وجنة 3 شرائط أفقية مستدير اللحية واسعها خفيف الشاربين. وكان يحلق شعر رأسه ويحسن لحيته. ولباسه الجبة والعمامة على ما تقدم قبل. وكان كثير التبسم يظهر من تبسمه فلج أسنانه المستحب عند أهل السودان حتى لقبوه 'بأبي فلجة' .أخلاقه: وقد وصفه إسماعيل عبد القادر الكردوفاني وصفاً طويلاً أضطر فيه إلى التملق الكثير ومما قاله: 'أنه كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظّ ولا غليظ ولا فحاش ولا عياب ولا مدّاح. ترك نفسه من المراء وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث لا يذم أحداً ولا يعيبه ولا يطلب عورته ولا يواجه أحداً بما يكره. يتفقد أصحابه ويسأل عنهم فمن كان غائباً دعا له ومن كان حاضراً زاره ومن كان مريضاً عاده. وأفضل الناس عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنه منزلة أحسنهم مواساة. لا يجلس ولا يقوم عن ذكر. .. يعطي كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب أن أحداً أكرم عليه منه. وما جالسه أحد إلا صابره حتى يكون هو المنصرف عنه. وقد وسع الناس بسطة وخلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء. .. أوسع الناس صدراً وأصدقهم لهجة وألينهم وأكرمهم خلقاً وأكرمهم عشرة لا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح. متخلقاً بالقرآن المجيد عاملاً بما فيه من الاجتهاد في طاعة الله والخضوع له والانقياد لأمره والشدة على أعدائه والتواضع ولين الجانب والرحمة لأوليائه ومواساة عباده وإرادة الخير والحرص على كمالهم والاحتمال لأذاهم والقيام بمصالحهم وإرشادهم إلى ما يجمع لهم خيري الدنيا والآخرة. ذا حلم وعلم وصبر وشكر وعدل وزهد وتواضع وعفو وعفة وتقوى وحياء ومروءة وجود وسماحة وشجاعة وصمت إلا عن ذكر الله وتؤدي ووقار ورحمة المؤمنين. .. وما وضع أحد فمه في أذن له إلا أستمر مصغياً إليه حتى يفرغ من حديثه. أكثر الناس شفقة على خلق الله وأرأفهم بهم. يركب الحمار ويردف خلفه ويجلس على الأرض ويأكل مع الخادم ويحمل حوائجه بنفسه من السوق يحب الطيب ويستعمله ويحب من الثياب ما خشن ومن الطعام ما خشن. .. وأشتهر من أول نشأته بحب الخلوة والانفراد عن الناس والتمسك بالدين كما بينا قبل.

    جلوسه :

    وكان يجلس على فروة من الضأن ويقعد القرفصاء وحوله أخصاؤه وأقرباؤه يذاكرهم. وإذا جلس على الطعام جثا على إحدى ركبتيه وبارك الطعام قبل الأكل ودعا إليه أخصاءه وأقرباءه.

    الدخول عليه :

    وكان الداخل عليه يخلع نعليه ويتقدم إليه حبواً حتى يقرب منه فيلمس يده ويرجع عنه قليلاً ثم يكمله وهو منكس الرأس ويخاطبه بقوله يا سيدي. وبعد الفراغ من حديثه ينصرف راجعاً القهقري غير مولّيه ظهره.

    نساؤه :

    ولكنه كان مولعاً بالنساء وقد مات عن نحو 100 امرأة منهن أربع شرعيات عرفن أمهات المؤمنين والباقيات سراري وقد حبسن في منزله بأم درمان ولم يسمح لهن بالزواج إلى ما بعد الفتح الأخير فأطلق سراحهن فتزوج بعضهن ولا يزال البعض الآخر بلا زواج .أما نساؤه الشرعيات فهن: فاطمة بنت أحمد شرفي التي تزوجها في الخرطوم قبل المهدية وقد توفيت في قدير. وعائشة بنت أحمد شرفي تزوجها في الأبيض بعد وفاة أختها. وفاطمة بنت حاج ابنة عمه تزوجها في كرري قبل المهدية. وفاطمة بنت حسين الحجازي تزوجها بشات قبل المهدية. وعائشة بنت إدريس الفلاتي تزوجها بقدير .أما سرارية فقد استقصيت أسماء 63 منهن وأشهرهن من سبايا كردوفان: أم الحسن أخت أحمد بك دفع الله، وعائشة بنت حاج أحمد أم بربر، وزنوبة بنت خورشيد كاشف، وكنانة سرية الزبير ود ضوه، ونظيفة ونحل الجود سريتا محمد بك الشايقي، ومدينة سرية يوسف باشا الشلالي. ومن سبايا الخرطوم: آمنة بنت أبي بكر الجركوك المار ذكرها. وأمينة بنت أبي السعود بك العقاد، والشول بنت يوسف بك مدير فاشودة، وفاطمة بنت حسن مسمار، وزينب بنت حسن بك البهنساوي، وفاطمة بنت النور بك، ونزهة بنت محمد بك سليمان الشايقي، وآمنة بنت أحمد شجر الخيري، وزينب بنت يوسف باشا الشلالي، وزينب بنت أخته. ومن سبايا الجزيرة: النعمة بنت الشيخ القرشي. والسرة بنت محمد ولد البصير، وزينب زوجة حمد التلب، ومقبولة الدارفورية، ومأمونة الحبشية. وقبيل الله النوباوية.

    أولاده :

    وله من فاطمة بنت أحمد شرفي: ثلاثة أولاد ذكور وهم الفاضل وهو بكر أولاده ومحمد والبشرى وبنت تسمى زينب تزوجها الخليفة شريف. ومن فاطمة بنت حاج أربع بنات. أم كلثوم تزوجها الخليفة عبد الله، ونور الشام تزوجها الخليفة علي ود حلو، ونفيسة، وعائشة توفيت بعد وفاته .ومن فاطمة بنت حسين الحجازي ثلاث بنات رحمة توفيت قبله، وأم يلمة تزوجها الشيخ الدين ابن الخليفة عبد الله، ومريم، وولد يسمى الصديق ومن نحل الجود سرية محمد بك الشايقي ولد يسمى عبد الله. ومن النعمة بنت الشيخ القرشي ولد يسمى علي ومن مقبولة الدارفورية ولد يسمى عبد الرحمن. ومن مأمونة الحبشية ولدان توأمان الطاهر والطيب. ومن قبيل الله النوباوية ولد يسمى نصر الدين. وجملة من ذكرنا 10 بنات و10 صبيان سبعة من الصبيان ماتوا أو قتلوا وبقي ثلاثة وهم علي والطاهر في قلعة مصر وعبد الرحمن في جزيرة الخرطوم وسيأتي ذكرهم بعد.

    أخوته وأقاربه :

    وأما أخوته فهم ثلاثة محمد وحامد وعبد الله قتل حامد في قدير ومحمد وعبد الله في الأبيض كما مر. وأم أقاربه الأخصاء فهم السيد أحمد شرفي حموه، وعبد القادر ود ساتي علي، ومحمود أمير الأبيض، ومحمد عبد الكريم، والخليفة الشريف، عدا محموداً الذي قتل في واقعة كورتي كما مر.

    تعاليمه :

    وكان أساس تعاليمه أن يعيد الدين إلى ما كان عليه في أول الإسلام 'ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً' فمن سلم له وبايعه على الجهاد ضمه إلى أنصاره ومن لم يتبعه حاربه وأذله سواء كان مسلماً أو غير مسلم بلا تمييز. وكان إذا أنكر أحد عليه مهديته قتله. وإذا خالف له أمراً قاصه أما بالقتل أو بقطع اليد والرجل من خلاف. وقد رفع المذاهب الأربعة 'وهي المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي' وتفرد بمذهب اجتهادي خاص به وحد فيه المذاهب بتسوية ما بين بعضها من الخلاف وإلغاء البعض الآخر وفرضه على أتباعه مدعياً إنه هو الواسطة بينهم وبين نبي الإسلام في تبليغ الأحكام الإسلام وإن فعله كفعل النبي ففرض عليهم أن يتوضئوا كما رأوه يتوضأ ويصلوا كما رأوه يصلي وهكذا في جميع العادات والعبادات من غير نظر لما تدون بالمذاهب الأربعة المذكورة. وقد أحرق كل كتب السنة والتفسير وأحرق معها جميع الكتب الدينية والعلمية حتى لم يبق في السودان من الكتب إلا القرآن ومناشيره ورواتبه. واختار لراتبه آيات من القرآن الكريم والحديث الشريف وفرض على أتباعه حفظه غبياً وتلاوته كل يوم مع تلاوة حزب من القرآن بعد صلاة الصبح وصلاة العصر. وقد بدأ بإنشاء هذا منذ إشهار دعوته فأخذ يزيد عليه من وقت إلى آخر إلى أن أتمه قبل وفاته بقليل. وقال إن الطريق الموصلة إلى الله تعالى محصورة في ستة أشياء وهي: صلاة الجماعة، والجهاد في سبيل الله، وامتثال أوامره ونواهيه. والإكثار من كلمة التوحيد، وتلاوة الراتب. وقد كتب كراساً علم فيه أتباعه كيفية قيام رمضان. وسهل طرق الوضوء، وعلَّم الزهد في الدنيا والجهاد للدار الآخرة، ومنع الناس من زيارة قبب أوليائهم التي كانوا يزورونها قبل المهدية وقد زربها زرباً قوياً. بل منع الحج إلى الحرمين بحجة أن الجهاد أشد لزوماً منه، وهدم أكثر الجوامع، ومنع إقامة صلاة الجمعة في الجوامع الأخرى أو إنشاء جوامع جديدة إلا بأمره، وشدد في المحافظة على الصلوات الخمس جماعة. وأبطل الرتب والألقاب الرسمية، وساوى الغني والفقير. وفرض على جميع أتباعه لباساً واحداً المرقمة التي كان يلبسها هو، ومنع النساء من لبس الذهب والفضة وشعر العارية وخروجهنَّ مكشوفات الرؤوس وخروج الحديثات السن منهن بين الناس من خالف ذلك بالجلد ولكنه سمح لهنَّ بالتحلي في منازلهن بالسوميت والمرجان والصدف واللؤلؤ، وأمر أهل البادية بحلق شعر الرأس ولبس العمة بعد أن كانوا يرخون شعورهم ويدهنونها بالشحم وربما كان هذا من أحسن آثاره. وحرّم الاحتفال بالأعراس احتفالا يدعو إلى النفقة وخفض مهر الزواج فجعله عشرة ريالات وبدلتين أي ثوباً وقرباناً للبكر وخمسة ريالات وبدلتين للثيب وعاقب من خالف ذلك بمصادرة أمواله لبيت المال. فهل بذلك وسائل الزواج على الفقراء وقد كانت نفقات العرس الباهظة تحول بينهم وبين الاقتران فأقبلوا على الزواج حتى أن بعضهم عدّ 70 عقداً عقدت في ليلة واحدة وأبطل الرقص والغناء وضرب الدلوكة الذي أشتهر أهل السودان بحبه وجازى من خالف ذلك بجلده وتصدير ماله. وحرم خصي العبيد. ومنع البكاء وراء الميت، وأبطل السحر والتعزيم وكتابة الحُجُب. وحرَّم شرب الدخان ومضغه وشرب الحشيش والخمرة على مخالف أمره هذا بالجلد ثمانين سوطاً والحبس سبعة أيام مع تصدير أمواله كلها. وجعل عقاب من شتم بلفظ الكلب والخنزير 27 سوطاً والحبس سبعة أيام وعرف هذا القصاص عندهم والذي قبله 'بجق الله'. وأعاد قصاص الرّجم للزَّاني والزانية وقطع اليد للسارق.

    كتب المناشير :

    وكان يبث تعاليمه ووصاياه في مناشير ينسخها النساخ. وبعد فتح الخرطوم واستيلائه على مطبعة الحجر الأميرية صار يطبعها بمطبعة الحجر ويوزعها على أنصاره. وقد أمر قضاته باتخاذها أساساً لأحكامهم وقال لهم أحكموا بالمناشير فإذا عرضت لكم مسائل لم ترد فيها فأحكموا بالكتاب والسنة. وجمع خليفته هذه في جزئين طبعهما بمطبعة الحجر وجعلهما أساساً لأحكامه. وقد أسقط عدة منشورات منهما كمنشور المهدي للسنوسي ومنشوره الذي صرّح فيه بفتح مكة وقال أنه أسقطها حذراً من ضلال الجهال .وكان المهدي قد شرع في تأليف كتاب سماه 'المجلس' ضمنه إرشادات للصلوات والأذكار وقراءة الراتب وكان القصد أن يضمنه الأحكام الشرعية في المعاملات والديانة ويكون سنّة لأنصاره ولكن المنية عاجلته فمات قبل أن يتمه.

    تعاليم المهدي من منشوراته :

    أهم منشور نشره المهدي بين أصحابه فضمنه معظم تعاليمه المنشور الآتي وهو بحرفه بعد البسملة :'وبعد فمن عبد ربه محمد المهدي أبن السيد عبد الله إلى كافة الأحباب في الله. أيها الأحباب أن الأمر كله للّه وإليه المرجع والمآب وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلسني على كرسي المهدية قد أمرني بجهاد الترك وقال لي أن الترك كافرون بل هم أشد الناس كفراً ونفاقاً لقوله تعالى يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وأنهم يسعون في إطفاء نور الله تعالى يريدون ليطفئوا نور الله بإهانة السنة النبوية واستعطاف الإسلام. وقد أظهروا كتباً يريدون بها طفي نور الله تعالى ويسمونها كتب القانون مع شتم الإسلام وقهره. أما ترونهم يسحبونكم في الحديد والسلاسل لأجل أخذ أموالكم لا يوقرون كبيركم ولا يرحمون صغيركم ويحملونكم المشاق القوية. لا تتركوهم حتى يسلموكم الأسلحة والأموال فأن فعلوا ذلك فلا تسترقوا أولادهم ونساءهم بل أقروهم على حالهم وهم إخوانكم في الدين وأحسنوا إليه م. وأن العمل كله للنية في الجهاد في سبيل الله كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر قال تعالى أن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة عوضاً عنها إذ قتلوا أو قاتلوا. قال تعالى (ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ). وقال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم من أنكر مهديتك فقد كفر. وإن أرواح الترك اشتكت إليَّ وقالوا يا إلهنا ويا خالقنا أن الإمام المهدي قتلنا من غير إنذار فقلت يا إلهي أنذرتهم وخالفوني وصالوا عليَّ وسيد الوجود شاهد علينا. وقال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ذنبكم عليكم وأنكم خالفتم وصلتم فقتلتم. وأني عبد مأمور بإظهار الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما. وقد أمرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم أن كل من خالفني عدّ كافراً وأن الله قد عفر ذنب من اتبعني وقواني. وقد أمرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم أن زواج الثيب بخمسة والبكر بعشرة ريالات تخفيفاً لأمته ومن نقص الصداقة عن ذلك فهو أقرب إليّ من بياض العين إلى سوادها وإياكم والزيادات. فأمنوا نساءكم عن النوح والتسنيم وذبح الأموال سرفاً. وأما كيفية الحافرين والحاملين النعش فلا بد من ماله إذا كان له مال وإلا فمن بيت مال المسلمين. فمن بكت أو سوّدت الباب أو ناحت أو حدَّت على غير زوجها فتؤدب حتى تظهر توبتها بالضرب والسخط بما يناسب لها. ونهيتكم عن التنباك الخبيث فمن شربه منكم فليؤدب حتى يموت أو يتوب. وأن الجهاد فرض فمن تخلف عنه فهو عاص الله ورسوله ولا تقبل صلاته ولا صومه ولا صدقته بل أمره كله هدر فمن تركه من غير عذر باين فحكمه كذلك. أطعموا طعامكم المجاهدين. فمن لم يأخذ البيعة من الأمراء أصحاب الرايات الذين يخرجون من عندنا لأجل الجهاد فهو منافق ملعون. فأما العالم التابع لي في مهديتي فهو كالنبي المرسل والعامي التابع لي كرتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني والعالم المخالف لي كفرعون والعاميّ المخالف لي كهامان. ومن علامة مهديتي أن النار تخرج من ثقب السلاح أي يخرج دخاناً. وأن الله قوَّاني بالملائكة الكرام وعزرائيل حامل لواء نصرتي وأن الخضر وسيد الوجود والأولياء من عهد أبينا آدم إلى هنا معي ومؤمن الجن كذلك معي. وقد أمرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن يخرجوا الإحراز ساعة الملاقاة كون الجان تنفر منه. وأمرني بأن أتوكل على الله كيف يهتم العبد بالرزق حيث ضمن رزقه لقوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. كيف يرتقي العبد من الأمراض كونه هو الفاعل والتوكل أولى. وكيف يصح للعبد أن يسوء في بساط الخيرات لأن الفاعل يفعل والمفعول يدفع لقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ومن سرق منكم سرقة قل أو كثر فاقطعوا يده لأنه يوم القيامة يقوم بلا يد ويتخبط كما يتخبط العبد في الدنيا بحبس الشيطان لا بارك الله في ولي تركه أو أمير استعان به. وكذلك الزَّاني يرجم إذا محصناً ويجلد البكر وأما المرأة فإذا دخلت بالأجنبي الذي يخشى عليها منه فيؤدبان بالاجتهاد لأن الشاب والشابة إذا تلاقيا يكون الشيطان دليلهما فلا بأس بمقاضاة الحاجات بحضرة واسطة من الناس. ومن ترك الصلاة أو تهاون بها قتل حدّاً في ضروريّة. وأما من تعدى منكم على أخيه ببسط لسانه في عرضه أو ماله فهو ليس مني وأنا لست منه. وإن ادعيتم أنكم أتباعي ولم تفعلوا فعلي فأنكم منافقون لقوله تعالى يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فإذا لم تتحابوا كالأخوين من الأبوين فليس أنتم أتباعي. ومن ستر على سرقة رآها أو شرب خمر أو زنى فكتمه رأفة عليهم فهو كالفاعل. ومن تخلف عن الجهاد بصحة جسم لا بارك الله فيه. وإذا أخذتم ذنب الأبقار والأغنام والإبل والزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم. اتركوا الترفهات وفراوي الريف لأن موت النفوس حياتها. والبسوا الجبب المرقعات ولبسوا نساءكم الثياب الخلقة. وإن أمري مبهم لا يعرفه إلا أصحاب الحضرة الذين يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. أما ترون الترك لهم الأسلحة النارية والقوة العديدة قد هلكوا وأرثكم أرضهم وديارهم. هذا حصل لهم بمعصية الله كذلك إذا عصيتم الله يحصل لكم كمثلهم لقوله تعالى أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم. وأفضل الخلق من أتقاه بمأموراته ونهى عن منهياته. وأن الشخص إذا أخذ البيعة وعاد إلى فعله الخبيث فهو كالمرتد. ويقول الإنسان إذا الليل أظلم بجناحه الله القادر المقتدر القاهر على كل جبار عنيد ناصر حيث كان به الحول والقوة أن هي إلا صيحة واحدة هم خامدون اللهمَّ أني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشائي هذا إليك لم أخرج أشراً وبطراً ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ومن قال هذا الدعاء صباحاً ومساء إحدى وأربعين مرة فهو معي ومع سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وأن عمله كعمل أهل السموات والأرض. ولا تجاوروا من ترك الجهاد أو فعل منكراً من المنكرات المنهية كتاباً وسنة فاستعينوا عليه فخذوا نفسه وماله غنيمة للمسلمين المجاهدين أن أستحل ذلك وإلا فليؤدب. ولا تمنعوا الأراضي لأنها لا تملك بل هي محوزة لبيت مال المسلمين. وأما المجاهد فإن استضافكم فأضيفوه وإن استغاث بكم فأغيثوه. وأما أرباب الجاه الذين اتخذتموهم أولياء إن نهوكم عن متابعتنا فأنهم كافرون لا تسمعوا لهم قولاً لأنهم ضالون مضلون بل هم أشد أهل النار وعملهم كعمل الذين قال فيهم ربنا كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال أني بريءُ منك أني أخاف الله رب العالمين. وقال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم أن السعيد من أتبعك والشقي من خالفك وأني عبد ضعيف ليس لي طاقة على قوام أدنى شيء فضلاً عن الملك الجائر الذي غيّر السنة النبوية والكتب الأزلية وإني على بصيرة من الله وأعانه من رسوله ومعي سيف النصر لا ينفع الشريف شرفه ولا العالم علمه ولا الولي ولايته إلا بأتباعي والخير كله في تسليمه الأمر أيها الأحباب أني محمد بن عبد الله وأبي حسني من جهة أبيه وأمه وأمي عباسية من جهة أبيها وأمها حينئذ لا شك أني من نسل المصطفى صلى الله عليه وسلم وإني ولدت في بحر النيل وهاجرت إلى ماسة في أقصى الغرب بلصق جبل يقال له قُدير لأني موعود به فلا تلبسوا على أنفسكم بقول ظهرنا في الشرق المعنى أننا نظهر بالمشرق ويملأ الله لنا البلدان عدلاً كما ملئت جوراً ويدرّ الله لنا الأرزاق درّاً ويفيض الماء غيضاً وتتآنس الذياب يعني بها السباع الضارية في الأنعام ويؤمن كل مؤمن من سم الحية وهذا كله بعد وصولنا لبيت الله الحرام والبيعة الثانية هي الكبرى وتسمى بيعة الفوز والرضوان. اللهم أن يجعلنا وإخواننا المؤمنين على التقوى لقوله تعالى أن المتقين في جنات وعيون. وقوله تعالى الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. وقال تعالى واتقوني يا أولي الألباب وقال تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون وقوله تعالى ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب والتقوى المذكورة لا توجد غاية إلا بالجهاد في سبيل الله والعمل بالكتاب والسنة رأس المال والجهاد ثمنه. ويجب على المجاهدين يعني بهم أتباعنا الذين يلهجون بالذكر في جل أحوالهم بالتهليل والتسبيح والتكبير. وأن أصحابي كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قاله لي بلفظه الشريف أن أصحابك كأصحابي فلما كان كذلك ينبغي لنا أن نقتفي أثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قال فيهم ربنا تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون وكن كذلك وأحمل نفسك ودسها تحت أقدامك لعل الله يعلوك. أيها الأحباب قد أمرتكم أن من ترك منكم عقيقة أبنه فليدعها لأن الروح تشكي إليَّ ونقول والدي لم يدعني فأعطني اسماً أدعى به فيقول الله لها سمي نفسك بنفسك وكذلك من لم يسمه أبوه فليسم نفسه ولو بعيد الشيب والهرم فيا حسرة أب لم يسمّ أبنه. وكذلك تجب إعادة الزكاة لمفرطها والصوم والكفارة فتفحصوا من الذنوب. وإذا ضعف المجاهدون عن الجهاد أعينهم أيها القاعدون أولوا الضرر بثلث مالكم واتقوا نفوسكم بمالكم ولا تحزنوها فيها لكم ضرر وسوء حظ. وحكم النساء إن المرأة الناشزة لزوجها احبسوها في الأوكار والبيوت المظلمة حتى ترجع أو يتوفاها الله تعالى كالزانية فمن ثبطت نفسها عن زوجها فما لها عنيمة لزوجها وأن راضاها فماله غنيمة للمسلمين فأن فعلوا ذلك فلا تعودوهم أن مرضوا ولا تشيعوا جنائزهم ولا تعينوهم عند الشدائد. ولا يجهل في مهديتي إلا شقي محروم الحظ وعادم الخير والإحسان. وأعلموا أن الوقت قد أزف وربما قام كالشمس تكون في أوكار غروبها. وتجنبوا عن النساء واللذات العديدة التي تورث صاحبها الكبر والبطر وجاهدوا في حق الله حق جهاده أيها الأحباب الناظرون لرضوان الله الواحد القهار. وناصحوا المؤمنين لأخيك كما تحب لأخيك من أبويك وقدم حب أخيك المؤمن على نفسك وذلك الوقت تكون صاحبنا فأن لم تكن كذلك بل أنت مغرور وقد حرّم الله عليك سيد الوجود. وأموال الغنيمة وإن قلت كابرة فإنه لا يدخل الجنة إلا من أخذها بقسمة أو شراء أو أستحق شيء من بيت مال المسلمين فأن من سرق منها لا تقبل عمله حتى يردها أو قيمتها. فمن أعان مجاهداً بلقمة أو درهماً أو أناء شرب أو آلة فكان يوم القيامة تحت ظل العرش ومن ناصح مجاهداً فكأنما ناصح محمداً صلى الله عليه وسلم وأمن في الجنة. ليتعلم بعضكم من بعض وليتأدب بعضكم وليكسر طرفه لأخيه المجاهد. وأن لا يعلوا عليه وأن يساويه في الفراش والأكل إلا الضرر البيّن وأن الأمراء والعاميين فكلهم على حدّ سوى إلا في الأمر والنهي فليحبوهم ولا يتفاضلون عليهم في الركب والملبس والأكل فمن فعل ذلك فهو مردود منا. وقال في الغنيمة المتقدمة وما كان لنبي أن يغلّ ومن يغلل يأتِ يوم القيامة فهو العتاب عدم نهب الغنيمة للنبي وغيره. فمن جاهد خوفاً على ماله أو عياله وجاهه فهو مخسور عند الله كالصدقة تخرج الناس. أيها الأحباب كونوا ربانيين وفوّضوا أمركم إلى الله فأن النصر لكم وأن القتل الذي ترونه امتحاناً لكم وليس يريد به تضعيف المسلمين وأن الله مع المؤمنين والسلام'.

    تعاليم المهدي عن أستاذه محمد شريف :

    وجاء في رائية الأستاذ محمد شريف عن تعاليم المهدي ما يأتي بحرفه مع إصلاح وزن بعض الأبيات:

    أكاذيب أبداها فمنها عن النبي ........ ومنها عن المولى ومنها عن الخضر

    كأخبار بالخسف والمسخ للعدا ........ وكم في قدير من سلاح ومن تبر

    ومن بعضها تحليل كل جميلة ........ ولو ذات بعل دون عقد ولا مهر

    ومنها روى عن زوجة المتخلف ........ بما لم يكن في المسلمين ولا الكفر

    ومنها أصلي في الجوامع كلها ........ إلى المسجد الأقصى ولم يدر ما يجري

    ومنها أنا المهدي منتظر الورى ........ ولم يستح من عالم السر والجهر

    وينهى النساء عن حليهن وان بدت ........ بها كان منه والحكم بالنتف للشعر

    وينهى عن التنباك نهياً كأنما ........ أتى منعه في الذكر من شدة الزجر

    وينهى عن الأرباح في الأخذ والعطا ........ ويمنع عن حرث وعن سبب الخير

    وينهى عن العلم وعن كل واجب ........ ويأمر بالمنهي وينهي عن الأمر

    ويمنع عن حج وينهى عن النبي ........ ويمنع عن درس وينهى عن الذكر

    يبيح حرام الدين كالمال والزنى ........ وسفك الدما والبيع للمسلم الحر

    وينسخ حكم الله بالرأي والهوى ........ ويقضي بإلقاء الشريعة في البحر

    ويزعم بالجهل المركب فضله ........ على الأنبيا إلا الرسول فذو شطر

    مراتب أصحاب المهدي :

    وقد كان أنصار المهدي مراتب متفاوتة في المقام والكرامة بحسب أسبقيتهم في الانضمام إليه: فالمرتبة الأولى 'تلامذته' الذين صحبوه قبل ادعائه المهدية ويقال لهم أبكار المهدي. والمرتبة الثانية 'أنصار أبا' أي الذي نصروه في أبا. والمرتبة الثالثة 'أنصار قدير' أي الذين هاجروا إليه وهو في قدير. والمرتبة الرابعة 'أنصار كابا' وهم الذين خرجوا له من الأبيض إلى كابا. ثم باقي الأنصار وهم أيضاً طبقات بحسب أسبقيتهم في صحبته فأهل بارة أكرم من أهل الأبيض وهؤلاء أكرم من أهل الخرطوم وهكذا. قيل أن اللواء إبراهيم باشا فوزي اجتمع بالملازم يوسف أفندي منصور في بيت الحاج خالد العمرابي بعد سقوط الخرطوم فلما حضر الخادم بالقهوة قدمها إلى يوسف منصور أولاً فأشار هذا إليه ليذهب بها إلى إبراهيم باشا فالتفت الحاج خالد إلى يوسف منصور وقال لماذا ترد القهوة وتقدمها إلى إبراهيم فوزي قال يا سيدي لأنه أكبر مني مقاماً فقال الحاج خالد لا بل أنت أكرم منه الآن لأنك أسبق إلى صحبة المهدي. وكان الخادم قد قدم القهوة إلى إبراهيم باشا فلما سمع كلام سيده أخذ الفنجان من يد إبراهيم باشا وأعطاه ليوسف منصور ثم قدم لإبراهيم باشا فنجاناً فأعتذر عن شربه وأنصرف وهو يحرق الآرام على المهدية وساعتها.

    أهل السودان ودعوى المهدي :

    وقد صدق أهل السودان خاصتهم وعامتهم دعوى المهدي ونصروه وهم لا يشكون إن من مات في سبيله فنصيبه الجنة والحور العين حتى صاروا يتمنون الموت وينادون عند رؤية القتال 'الجنة جت قريبة تحت المدفع وتحت الزريبة' وقد سموا التجار ب 'كلاب الدنيا' لتقاعدهم عن الجهاد. وحكي إن جعلياً جر صديقاً له إلى المحاكمة لأنه قال له عند وداعه 'الله يكتب سلامتك'. ولم يبق في السودان من شك في دعوى المهدي إلا نفر قليل من الأدباء العقلاء وهؤلاء لم يجسروا على الإباحة بسرهم حتى إلى نسائهم خوفاً على أنفسهم من نقمتهن فضلاً عن نقمة المهدي. ومن أباح منهم بسره قتل إلا ثلاثة من العلماء خطئوا المهدي في وجهه قصد إراحة ضميرهم مع الله فسلموا وهم :'الشريف محمد الأمين بن الشريف يوسف أفندي' من سكان رهد النيل الأزرق. قيل أن المهدي كتب إليه يأمره بالانضمام إلى عامله احمد المكاشف أو الهجرة إليه في الأبيض فأختار الهجرة إليه ليختبره وأتاه إلى الأبيض بعد فتوحها في شوال سنة 1300 فأنزله مع الشريف حمد النيل قرب ديوان المديرية فلما خبره أنكر عليه أشياء كثيرة ولم يكن له القدرة على ردعه ولم يطاوعه رأيه على المظاهرة بنصرته فقال للمهدي في بعض زياراته له 'أني أستحلفك الله أن تتركني وشأني فلا تزورني ولا تدعوني إلى زيارتك' قيل وطلب من الله أن يقبض روحه وينجيه من هذه الضلالة فلما زحف المهدي من الأبيض لغزو الخرطوم خرج معه فتوفاه الله في رهد كردوفان في 27 رجب سنة 1300ه ودفن هناك رحمة الله عليه. وقد رأيت نجله الشريف يوسف الهندي في مصر فأكد لي هذه الرواية وقال أنه سيبني قبة فوق قبره في وقت قريب .'والشيخ محمد الزاكي من أقارب ود الزاكي المدفون على البحر الأبيض'. قيل إنه كتب إلى المهدي يصرح له في الأمور التي خالف بها الشريعة واحدة واحدة وقال له: إني أكتب هذا إليك لمجرد النصح فأملي أن تعمل وتخفيه عن أصحابك لأنهم لو علموا به لقتلوني جهلاً فإن أخفيته وحفظت هذه النصائح فأنت جدير بذلك وأن لم تخفه ولحقني شر بسببه فأعده 'كلمة حق عند ملك جائر' فأخفاه المهدي عن أصحابه ولكن أباح به ود الزاكي لبعض أخصائه .'والشيخ محمد نور أحمد من عمد بارة'. قيل أنه كان يصلي كثيراً بالصلاة الجزولية فلما أمر المهدي بمنع قراءة الكتب كلها أغتاظ من منع كتاب الصلاة الجزولية فحمله بيده وتقدم إلى المهدي وقال أني لا أستطيع ترك هذه الصلاة وأنا راضٍ بما يصيبني من قراءتها فكتب إليه المهدي كتاباً يسمح له بقراءتها هذه صورته بعد البسملة :'وبعد فمن عبد ربه محمد المهدي إلى حبيبه محمد النور وقاه الله الشرور أننا قد قلنا من أمكنه أن يصلي على النبي صلوات الواردة المأثورة فخير لأجل الاقتداء ومن كان لا ينشط لذلك فليصلي على النبي بما ينشطه من جزوليته أو غيرها والسلام'.

    العالم الإسلامي ودعوى المهدي :

    هذا وقد أهتز لمهدي السودان العالم الإسلامي في جميع الأقطار وهاجر إليه جماعة من مصر والحجاز والهند وبلاد المغرب قصد زيارته والوقوف على حاله ولو أطال الله في أمده وزاد في توفيقه لقلب وجه الشرق انقلاباً عظيماً ولكن لطف الله بعباده وأوقفه عند هذا الحد فلم تتعد نصرته السودان.

    الحكومة ودعوى المهدي :

    وكانت الحكومة قد تحوطت له فأصدر جلالة السلطان عبد الحميد السلطان الحالي أيده الله منشوراً رسمياً كذب فيه دعوى محمد أحمد ونشره في جميع البلاد الإسلامية. وكذلك استفتى علماء الأزهر في شأنه فأفتوا بتكذيبه ونشر مجلس النظار منشوراً بذلك. قال العوام في نصيحته المنشورة: 'إن الحكومة لم تستفت علماء الأزهر في أمر المهدي إلا في شهر محرم سنة 1301ه أي بعد مباشرتها الحرب سنتين وأربعة أشهر وعجزها عن القيام باستمرار الحرب فكان رجوعها بعد ذلك إلى الاستفتاء رجوع فرعون إلى الأيمان'. ثم لما ذهب عبد القادر باشا والياً على السودان أوعز إلى علماء الخرطوم فألفوا الرسائل في تكذيب محمد وتسفيه رأيه وقد طبعت في مطبعة الحجر في الخرطوم ووزعت في البلاد وأشهر هذه الرسائل :رسالة السيد أحمد الأزهري ابن الشيخ إسماعيل الولي الكردوفاني شيخ الإسلام في عموم غرب السودان المسماة بالنصيحة العامة لأهل الإسلام عن مخالفة الحكام والخروج عن طاعة الأمام. ورسالة الشيخ الأمين الضرير شيخ الإسلام في عموم شرق السودان المسماة هدي المستهدي إلى بيان المهدي والمتمهدي. ورائية الأستاذ محمد شريف المار ذكرها. ورسالة المفتي شاكر مفتي مجلس استئناف السودان. وهذه هي:

    رسالة المفتي شاكر الغزي

    في بطلان دعوى محمد أحمد المتمهدي'بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي جعل السلطنة سراً من أسرار الألوهية وفرضاً من الفروض الشرعية الدينية. وجعل لزوم طاعتها فرضاً لازماً وأمراً جازماً. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بين الحلال والحرام وأزال الشكوك والأوهام. وعلى آله وأصحابه السادة في الاهتداء وشموس الاقتداء فيقول العبد الفقير شاكر الغزي مفتي مجلس استئناف السودان بلغه الله أقصى منازل الرضوان :لما كان ما دعاه محمد أحمد من المهدية بعيد عن الصدق بالكلية وصدقه في مدعاه جهلة العوام والأوباش الطغام جمعت هذه الرسالة في نصحهم وإرشادهم من هذه الضلالة مرتبة على مقدمة وفصلين وخاتمة فأقول والله المستعان.

    المقدمة

    في وجوب طاعة السلطان وولاة الأموراعلموا أيها الأخوان أصلح الله لي ولكم الشأن إن الدين والسلطان أخوان متلازمان فالدين هو الأساس والسلطان هو حافظه ومشيده وما لا حافظ له ضائع يعز تأييده فلا دين إلا بالسلطان. فالسلطان في الحقيقة هو القائم بحماية الدين وحفظ بلاد المسلمين وهو ظل الله في أرضه وبه تقام شعائر سنته وفرضه فهو خليفته على خلقه وأمينه على رعاية حقه قد ارتضاه من خليقته وأمرهم بطاعته. قال تعالى (أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ). وقال صلى الله عليه وسلم عليكم السمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة. وقال عليه السلام تسمع وتطع وأن ضرب ظهرك وأخذ مالك. واعلموا إن من أوضح الأدلة السالمة من الاعتراض الحاسمة أبواب الانتقاض ما ورد في القرآن العظيم وسنة النبي الكريم من الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة والائتلاف وعدم النزاع والخلاف قوله (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ). وقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ). وقال تعالى (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) والمراد بحبل الله المعتصم به هو القرآن وهو اختيار جماعة من أئمة التفسير. ونقل عنه عليه السلام أنه قال إن الله رضي لكم ثلاثاً وكره لكم ثلاثاً رضي لكم إن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً. وإن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. وأسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله تعالى أمركم. وكره لكم قيل وقال وإضاعة المال الحديث. وقال عليه السلام المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً. وقال عليه السلام من حمل علينا السلاح فليس منا. وقال عليه السلام من رأى من أميره فكرهه فليصبر فأنه ليس يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية. وأعلموا أن نور التآلف ينسخ ظلم العداوة من القلوب ويكون ستراً في وجه الخطوب. وقديماً شبت في القبائل والعشائر نار العداوة فأحرقهم وانبسطت يد المنازعة والمخالفة بينهم فمزقهم واستلت فيهم سيوف الإحن والبغضاء ففرتهم ولمعت بروق التقابل والتقاتل فتألقت. ثم هبت عليها رياح التآلف والاتفاق فأطفأت ضرامها وصرفت غرامها وشفت سقامها ونفت عنها آلامها وملامها فتبدلوا بالإساءة إحسانا وبالمخالفة أماناً والمنافرة إذعاناً وبالنقيصة رجحاناً فعادوا بعد التباين صنواناً وأصبحوا بنعمة الله أخواناً. فإذا علمتم ذلك وعلمتم ما تضمنته هذه الآيات الكريمة والأحاديث العظيمة من وجوب طاعة ولاة الأمور وحرمة قتالهم والخروج عن طاعتهم أيقنتهم أن من خرج عن الطاعة شبراً فقد عصي الله ومات ميتة جاهلية.

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1