Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تفسير العدل والإعتدال ج6
تفسير العدل والإعتدال ج6
تفسير العدل والإعتدال ج6
Ebook1,101 pages9 hours

تفسير العدل والإعتدال ج6

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الكتاب الفائز بالجائزة العالمية للإستحقاق الثقافي.... كتاب العدل والاعتدال يعد هدية إلى كل مؤمن ومؤمنة إلى قيام الساعة..... لقد تطلب إنجاز هذا العمل الضخم 20 عشرين عاما كتابة وتفرغا ومراجعة....... حمل هذا الكتاب الأكثر من رائع واستفد من كل المعلومات التي جاءت فيه وشاركه مع أصدفائك ومن تحب.....
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2014
ISBN9786325829748
تفسير العدل والإعتدال ج6

Read more from محمد بن عاشور

Related to تفسير العدل والإعتدال ج6

Related ebooks

Related categories

Reviews for تفسير العدل والإعتدال ج6

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تفسير العدل والإعتدال ج6 - محمد بن عاشور

    المقدمة

    الكتاب الفائز بالجائزة العالمية للإستحقاق الثقافي.. كتاب العدل والاعتدال يعد هدية إلى كل مؤمن ومؤمنة إلى قيام الساعة... يقع تفسير العدل والإعتدال في 15 خمسة عشر مجلدا وفي آلاف الصفحات.. إنه موسوعة تشرح كامل القرآن الكريم... لقد تطلب إنجاز هذا العمل الضخم 20 عشرين عاما كتابة وتفرغا ومراجعة....

    بقلم الأديب: محمد بن عاشور

    عضو الأمانة العامة للإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.

    عضو اتحاد الكتاب التونسيين.

    عضو الجمعية التونسية للمؤلفين والملحنين.

    عضو رابطة الأدب الحديث بمصر.

    الإيداع القانوني لدى المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين.

    عدد 200404120134.

    جميع الحقوق محفوظة للمؤلف والأديب محمد بن عاشور وكل مخالف يتعرض للتتبعات القانونية وما ينجر عنها حسب القانون الجاري به العمل في هذا المضمار.

    تنقيح 8 ربيع الأول 1425 الموافق ل: 28 أفريل 2004.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    عشرون عاما من العمل لإنجاز هذا التفسير.

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه إلى قيام الساعة امين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

    إن هذا التفسير الذي أخصكم به تطلب 20 عشرين سنة كاملة من العمل والتفرغ والتدقيق والمراجعة لخدمة كتاب الله العزيز بما يستحق من جهد وعلم وإمكان على كل الأصعدة. وإني إذ أبعث به إليكم لأرجو أن يجد لديكم القبول والانتشار على كافة الأصعدة المسموعة والمرئية والمكتوبة وبكل وسيلة عصرية تبلغه إلى المؤمنين والمؤمنات في أصقاع الأرض بما يخدم كتاب الله العزيز الحكيم وإعلاء لكلمة الله اللطيف الخبير. وتنويرا للحق. وخدمة للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في كل مكان وزمان إلى قيام الساعة.

    إن هذا التصنيف لم يكن ليمر دون متاعب جمة. ودون تضحيات جسيمة على المستوى الفردي والعائلي. وإن تفرغي لـه كان على حساب صحتي وزوجتي وأولادي وبناتي وأحفادي وأجواري وأصهاري. لأن الكتابة تتطلب الصمت والإنزواء والتركيز. وليس من السهولة أن يتوفر ذلك زمن الضجيج والمتاعب. ولن يجد أي مؤمن صعوبة في المستقبل في فهم القران الكريم عالما كان أو تلميذا أو طالبا. فقد حرصت على الشرح والبيان لكل كلمة ولكل معنى ولكل اية ولكل سورة. تحبيبا للقران الكريم وتقريبا لـه إلى النفوس والعقول. حتى يكون شرحه شرحا عصريا متطورا على الدوام. وبما يتماشى وافهام الشباب – خاصة-التائق دوما نحو الأكمل والأوفق بلا انتهاء. وحرصت على تقديمه بعيدا عن كل اختلاف أو نزاع أو تردد. رؤية شاملة متكاملة للقران الكريم متمسكا بالجذور والأصول والقواعد الرئيسة في الدين-قرانا وسنة مطهرة-والشرح اللغوي والبلاغي. منطلقا من القواعـد الرئيسة للدين والشريعة معتمدا على أفضل المراجع في هذا المضمار.

    لقد كتبت التفسير ثلاث مرات وفي كل مرة أجدني مضطرا للتراجع لثقل المهمة. وعظم المسؤولية. واتخذت في المرة الأولى أسلوب الإستطراد الذي ما كان ليقنعني زمن التطور الذي نعيشه. وانطلقت من جديد بطريقة ثانية مختلفة تعتمد التحليل مع ذكر المراجع والحواشي. فوجدت العمل مثقلا بالتفاصيل التي لا تغني شيئا والتي تنفر القارئ من المتابعة. وكتبته ثالثة باتباع نسق متراوح بين الأقدمين والمحدثين في المقامة والسجع فوجدت العمل مليئا كلفا وتعقيدات ما أنزل الله بها من سلطان. فانكفأت على نفسي. وكتبت الاف الصفحات. وأعدت الكتابة أولى وثانية وثالثة إلى أن استقر بي المقام في هذا العمل الذي قسمته في حلقات سهلة القراءة والسماع. صالحة لكل وسيلة إعلام. مرئية كانت أو مسموعة. أو مكتوبة. صالحة لكل كتاب أو مجلة أو جريدة. أو في قرص. صالحة لتكون مع كل مؤمن في حله وترحاله. لتكون معه في الكمبيوتر. وفي التلفزيون وفي الإذاعة. وفي الكتاب. وفي كل وسيلة تبلغه المعلومة بكل يسر ومحبة. أهدي هذا العمل إلى روح أبوي وإلى زوجتي وأبنائي وأحفادي وكل أهلي وأصهاري وأجواري وأصدقائي وإلى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة من ادم عليه السلام إلى قيام الساعة التي لا شك فيها إطلاقا. والله أسأل أن يغفر لي ولهم إنه نعم المولى وهو الغفور الودود. وصلى الله على محمد واله وصحبه دنيا واخرة امين وسلام على المرسلين والحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه وله العتبى حتى يرضى. والسلام عليكم ورحمة الله.

    المؤلف والأديب التونسي: محمد بن عاشور.

    عضو الأمانة العامة للإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.

    5 نهج عزيز الخوجة 8090 قليبية ولاية نابل الجمهورية التونسية.

    الهاتف: 0021621366664.

    بسم الله الرحمان الرحيم

    التعريف بالمؤلف والأديب: محمد بن عاشور

    - محمد بن عاشور:

    - من مواليد 7 مارس 1952 بالجمهورية التونسية.

    - عضو الأمانة العامة للإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.

    - عضو رابطة الأدب الحديث بمصر.

    - عضو اتحاد الكتاب التونسيين.

    - عضو الجمعية التونسية للمؤلفين والملحنين.

    - فائز بالجائزة الكبرى للقصة الطويلة لبلدية تونس-جائزة علي البلهوان-.

    - فائز بجائزة وزارة الشباب للقصة القصيرة.

    - فائز بعديد الجوائز في الداخل والخارج.

    - مؤلف 5 خمسة كتب مطبوعة وموزعة في العالم في عدة طبعات وهي:

    - في البحث عن الأوراق-قصة طويلة-ط/ الدار التونسية للنشر / تونس.

    - حب في المدينة العتيقة-قصة طويلة-ط/ دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع / تونس.

    - يا قوم لا تتكلموا-مجموعة قصصية-ط/ دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع / تونس.

    - معركة من أجل الحب المقدس-أحاديث المؤلف الإذاعية-ط/ مطبعة فانزي/ تونس.

    - لقطات من مجتمع الورد والأشواك-طرائف اجتماعية-ط/ دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع / تونس.

    - نشر أكثر من 1000 ألف موضوع من إنتاجه المتنوع في الصحف والمجلات عبر العالم.

    - قرأ بصوته مئات الصفحات من إنتاجه بالإذاعة.

    - شارك في عدة حصص إذاعية وتلفزيونية.

    - أجرت معه الإذاعة والتلفزة والصحف والمجلات عدة مقابلات.

    - متزوج وله من الأبناء: إلياس وإيناس وإيمان وأميرة ومن الأحفاد: نور وغالية.

    - العنوان: محمد بن عاشور – 5 نهج عزيز الخوجة 8090 قليبية ولاية نابل الجمهورية التونسية.

    - الهاتف: 0021621366664

    - التليفاكس: 0021672277489

    - البريد الإلكتروني: benachourmouhamed@yahoo. fr

    - رقم المعرف البنكي: 03304068010100287879 البنك الوطني الفلاحي فرع قليبية بطحاء الجمهورية ولاية نابل الجمهورية التونسية-محمد بن عاشور-.

    مقدمة التفسير

    الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه في المحيا والممات ويوم القيامة الذي لا شك فيه إطلاقا. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

    أما بعد.

    فقد تعلقت همتي مذ بدأت أعي القران الكريم ومفاهيمه النورانية السامقة إلى وضع مصنف يعنى بتفسير القران الكريم يكون خاليا من التراكيب الحوشية والبلاغة المغرقة والغموض المستنكر. تفسير يكون صالحا للجميع العالم والجاهل المثقف ونصف المثقف. ولكل طالب للحقيقة التي لا تمارى ذاك أن القران الكريم إنما أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون مائدته في الأرض. صالحا للناس في كل زمان ومكان لا يشبع منه العلماء لا يرتوي من معينه الثر الذي لا يغيض كل عشاق الحقيقة. والله أسأل أن يتقبل عملي خالصا لوجهه الكريم وأن يبلغ ثوابه إلى روح سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن يسقيني من حوضه وأن يجعلني في جواره وأن يعيذني برحمته من النار. إنه نعم المولى الحي القيوم السميع البصير الوكيل المحيط وسلام على المرسلين والحمد لله في الدارين.

    الحلقة عدد: 352

    سورة الأحقاف

    اياتها: 35

    بسم الله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه إلى قيام الساعة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير ونشهد أن محمدا رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده أما بعد السلام عليكم ورحمة الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ۝حم-1- تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم-2- ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون-3- قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين-4- ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون-5- وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين-6- وإذا تتلى عليهم اياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين-7- أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم-8- قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين-9- قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فامن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين-10- وقال الذين كفروا للذين امنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم-11- ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين۝ -12-. صدق الله العظيم - سورة الأحقاف -.

    التحليل:

    ما الأجل المسمى؟. وما الأثارة من علم؟. وما الإفتراء؟. من شاهد بني إسرائيل؟. وما الإفك القديم؟. وما بشارة المحسنين؟. عن هذه الأسئلة وأكثر تجدون الأجوبة الكافية الشافية في التحليل التالي إن شاء الله تعالى:

    حم-1- تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم-2-. من الله العزيز الحكيم: العزيز: من صفات الله عز وجل وأسمائه الحسنى، قال الزجاج: هو الممتنع فلا يغلبه شيء، وقال غيره: هو القوي الغالب كل شيء، وقيل: هو الذي ليس كمثله شيء. ومن أسمائه عز وجل المعز، وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده. والعز: خلاف الذل. الحكيم: الله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وهو الحكيم له الحكم، سبحانه وتعالى. قال الليث: الحكم الله تعالى. الأزهري: من صفات الله الحكم والحكيم والحاكم، ومعاني هذه الأسماء متقاربة، والله أعلم بما أراد بها، وعلينا الإيمان بأنها من أسمائه. ابن الأثير: في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم وهما بمعنى الحاكم، وهو القاضي، فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها، فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل: الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر وعليم بمعنى عالم. الجوهري: الحكم الحكمة من العلم، والحكيم العالم وصاحب الحكمة. وقد حكم أي صار حكيما.

    ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون-3-. ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق: والخلق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه: وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه: ألا له الخلق والأمر تبارك الله أحسن الخالقين. وأجل مسمى: الأجل: غاية الوقت في الموت وحلول الدين ونحوه. والأجل: مدة الشيء. -مسمى: معين.

    قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين-4-. أم لهم شرك: والشريك: المشارك. والشرك: كالشريك. أو أثارة من علم: أي خط أو علامة. وأثر الحديث عن القوم يأثره ويأثره أثرا وأثارة وأثرة، الأخيرة عن اللحياني: أنبأهم بما سبقوا فيه من الأثر، وقيل: حدث به عنهم في اثارهم، قال: والصحيح عندي أن الأثرة الاسم وهي المأثرة والمأثرة. وأثرة العلم وأثرته وأثارته: بقية منه تؤثر أي تروى وتذكر، وقرئ: أو أثرة من علم وأثرة من علم وأثارة، والأخيرة أعلى، وقال الزجاج: أثارة في معنى علامة ويجوز أن يكون على معنى بقية من علم، ويجوز أن يكون على ما يؤثر من العلم. ويقال: أو شيء مأثور من كتب الأولين.

    ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون-5-. وهم عن دعائهم غافلون: غفل عن الشيء: سها عنه وتركه. قال الليث: أغفلت الشيء تركته غفلا وأنت له ذاكر. قال ابن سيده: وقوله تعالى: وكانوا عنها غافلين، يصلح أن يكون، والله أعلم، كانوا في تركهم الإيمان بالله والنظر فيه والتدبر لـه بمنزلة الغافلين، قال: ويجوز أن يكون وكانوا عما يراد بهم من الإثابة عليه غافلين، والاسم الغفلة والغفل.

    وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين-6-. وإذا حشر الناس: حشرهم يحشرهم ويحشرهم حشرا: جمعهم، ومنه يوم المحشر. والحشر: جمع الناس يوم القيامة. والحشر: حشر يوم القيامة. والمحشر: المجمع الذي يحشر إليه القوم.

    وإذا تتلى عليهم اياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين-7-. وإذا تتلى عليهم اياتنا بينات: وقال الزجاج: بان الشيء وأبان بمعنى واحد. ويقال: بان الشيء وأبنته، فمعنى مبين أنه مبين خيره وبركته، أو مبين الحق من الباطل والحلال من الحرام. والبيان: الإفصاح مع ذكاء. والبينة: الدليل والحجة.

    أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم-8-. أم يقولون افتراه: والفرية: الكذب. فرى كذبا فريا وافتراه: اختلقه. ورج فري ومفرى وإنه لقبيح الفرية، عن اللحياني. الليث: يقال فرى فلان الكذب يفريه إذا اختلقه، والفرية من الكذب. وقال غيره: افترى الكذب يفتريه اختلقه. وفي التنزيل العزيز: أم يقولون افتراه، أي اختلقه. وفرى فلان كذا إذا خلقه، وافتراه: اختلقه، والاسم الفرية. وفي الحديث: من أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا. هو أعلم بما تفيضون: علم علما: أدركه بحقيقته وكنهه. بما تفيضون فيه: وفاض الحديث والخبر واستفاض: ذاع وانتشر. وحديث مستفيض: ذائع، ومستفاض قد استفاضوه أي أخذوا فيه، وأباها أكثرهم حتى يقال: مستفاض فيه، وبعضهم يقول: استفاضوه، فهو مستفاض.

    قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين-9-. قل ما كنت بدعا من الرسل: بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه: أنشأه وبدأه. وبدع الركية: استنبطها وأحدثها. وركي بديع: حديثة الحفر. والبديع والبدع: الشيء الذي يكون أولا. وفي التنزيل: قل ما كنت بدعا من الرسل، أي ما كنت أول من أرسل، قد أرسل قبلي رسل كثير.

    قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فامن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين-10-. وشهد شاهد من بني إسرائيل: هو عبد الله بن سلام. شهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة. واستكبرتم: استكبر كان ذا كبرياء. والكبرياء العظمة والتجبر. واستكبار الكفار: أن لا يقولوا لا إله إلا الله ، ومنه قوله: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، وهذا هو الكبر الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إن من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لم يدخل الجنة، قال: يعني به الشرك، والله أعلم، لا أن يتكبر الإنسان على مخلوق مثله وهو مؤمن بريه. والاستكبار: الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبرا.

    وقال الذين كفروا للذين امنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم-11-. إفك قديم: جاء في التهذيب: التهذيب: أفك يأفك وأفك يأفك إذا كذب. ويقال: أفك كذب. وأفك الناس: كذبهم وحدثهم بالباطل، قال: فيكون أفك وأفكته مثل كذب وكذبته. الإفك في الأصل الكذب وأراد به ههنا ما كذب عليها مما رميت به. والإفك: الإثم. والإفك: الكذب، والجمع الأفائك.

    ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين-12-. إماما ورحمة: وأم القوم وأم بهم: تقدمهم، وهي الإمامة. والإمام: كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين. ابن الأعرابي في قوله عز وجل: يوم ندعو كل أناس بإمامهم، قالت طائفة: بكتابهم، وقال اخرون: بنبيهم وشرعهم، وقيل: بكتابه الذي أحصى فيه عمله. وسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إمام أمته، وعليهم جميعا الائتمام بسنته التي مضى عليها. ورئيس القوم: أمهم.ابن سيده: والإمام ما ائتم به من رئيس وغيره، والجمع أئمة.

    الحلقة عدد: 353

    بسم الله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه إلى قيام الساعة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير ونشهد أن محمدا رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده أما بعد السلام عليكم ورحمة الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ۝. إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون-13- أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون-14- ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين-15- أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون-16- والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك امن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين-17- أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين-18- ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون-19- ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون۝ -20-. صدق الله العظيم - سورة الأحقاف -

    التحليل:

    من هم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟. بماذا وصى الله عز وجل الإنسان؟. ما معنى أوزعني؟. ما أساطير الأولين؟. من هم الذين أذهبوا طيباتهم؟. ما معنى الفسق؟. عن هذه الأسئلة وأكثر تجدون الأجوبة الكافية الشافية في التحليل التالي إن شاء الله تعالى:

    إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون-13-. إن الذين قالوا ربنا: الرب: هو الله عز وجل، هو رب كل شيء أي مالكه، وله الربوبية على جميع الخلق، لا شريك له، وهو رب الأرباب، ومالك الـملوك والأملاك. ولا يقال الرب في غير الله، إلا بالإضافة. أي وحدوا الله لا شريك له ولا شبيه ولا نظير. ولا زوجة له ولا ولد. ونزهوه عن كل سوء. ثم استقاموا: واستقاموا على طاعته فيما أمر ونهى.

    أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون-14-.-. خالدين فيها: الخلد: دوام البقاء في دار لا يخرج منها. خلد يخلد خلدا وخلودا: بقي وأقام. ودار الخلد: الاخرة لبقاء أهلها فيها. وخلده الله وأخلده تخليدا، وقد أخلد الله أهل دار الخلد فيها وخلدهم، وأهل الجنة خالدون مخلدون اخر الأبد.

    ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين-15-. ووصينا الإنسان بوالديه: أوصى الرجل ووصاه: عهد إليه. وقوله عز وجل: ووصينا الإنسان بوالديه يوصيكم الله في أولادكم، معناه يفرض عليكم لأن الوصية من الله إنما هي فرض، والدليل على ذلك قوله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به، وهذا من الفرض المحكم علينا. وقوله تعالى: أتواصوا به، قال أبو منصور: أي أوصى أولهم اخرهم، والألف ألف استفهام، ومعناها التوبيخ. وتواصوا: أوصى بعضهم بعضا. ووصى الرجل وصيا: وصله. ووصى الشيء بغيره وصيا: وصله. أبو عبيد: وصيت الشيء ووصلته سواء. وحمله وفصاله: والفصال: الفطام، قال الله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، المعنى ومدى حمل المرأة إلى منتهى الوقت الذي يفصل فيه الولد عن رضاعها ثلاثون شهرا، وفصلت المرأة ولدها أي فطمته. وفصل المولود عن الرضاع يفصله فصلا وفصالا وافتصله: فطمه، والاسم الفصال، وقال اللحياني: فصلته أمه، ولم يخص نوعا. وفي الحديث: لا رضاع بعد فصال، قال ابن الأثير: أي بعد أن يفصل الولد عن أمه. حتى إذا بلغ أشده: والأشد: مبلغ الرجل الحنكة والمعرفة، قال الله عز وجل: حتى إذا بلغ أشده، قال الفراء: الأشد واحدها شد في القياس، قال: ولم أسمع لها بواحد، وأنشد: قد ساد، وهو فتى، حتى إذا بلغت أشده، وعلا في الأمر واجتمعا أبو الهيثم: واحدة الأنعم نعمة وواحدة الأشد شدة. قال: والشدة القوة والجلادة. والشديد: الرجل القوي، وكأن الهاء في النعمة والشدة لم تكن في الحرف إذ كانت زائدة، وكأن الأصل نعم وشد فجمعا على أفعل كما قالوا: رجل وأرجل، وقدح وأقدح، وضرس وأضرس. ابن سيده: وبلغ الرجل أشده إذا اكتهل. وقال الزجاج: هو من نحو سبع عشرة إلى الأربعين. قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك: وأوزعته بالشيء: أغريته فأوزع به، فهو موزع به أي مغرى به. وفي الحديث: أنه كان موزعا بالسواك أي مولعا به. وقد أوزع بالشيء يوزع إذا اعتاده وأكثر منه وألهم. والوزوع: الولوع، وقد أوزع به وزوعا: وقد أوزع به وزوعا: كأولع به ولوعا. وحكى اللحياني: إنه لولوع وزوع، قال: وهو من الإتباع. وأوزعه الشيء: ألهمه إياه. وفي التنزيل: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي، ومعنى أوزعني ألهمني وأولعني به، وتأويله في اللغة كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك، وكفني عما يباعدني عنك. وحكى اللحياني: لتوزع بتقوى الله أي لتلهم بتقوى الله.

    أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون-16-. وعد الصدق الذي كانوا يوعدون: مصدر مؤكد لما قبله. أي إن الله سبحانه وتعالى يتجاوز عن أخطاء المؤمنين الذين امتثلوا لأوامره. ووحدوه واستقاموا على طريقته. وقرن بين توحيده والإحسان للوالدين. فكأن الإحسان لهما هو الطريق الأمثل مع عبادة الله لا شريك له وتطبيق أوامره والإنتهاء عند نواهيه. لغفران الذنوب من لدن الله الغفور الرحيم.

    والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك امن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين-17-. والذي قال لوالديه أف: وأف: كلمة تضجر وفيها عشرة أوجه: أف له وأف وأف وأفا وأف وأف، وفي التنزيل العزيز: ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وأفي مـمال وأفى وأفة وأف خفيفة من أف المشددة، وقد جمع جمال الدين بن مالك هذه العشر لغات في بيت واحد، وهو قوله:فأف ثلث ونون، إن أردت، وقل: أفى وأفي وأف وأفة تصب. ويلك امن: ويل: كلمة مثل ويح إلا أنها كلمة عذاب. يقال: ويله وويلك وويلي، وفي الندبة: ويلاه، والويل: حلول الشر. والويلة: الفضيحة والبلية، وقيل: هو تفجع. إلا أساطير الأولين: السطر والسطر: الصف من الكتاب والشجر والنخل ونحوها، قال جرير: من شاء بايعته مالي وخلعته، ما يكمل التيم في ديوانهم سطرا والجمع من كل ذلك أسطر وأسطار وأساطير، عن اللحياني. وقال الزجاج في قوله تعالى: وقالوا أساطير الأولين، خبر لابتداء محذوف، المعنى وقالوا الذي جاء به أساطير الأولين، معناه سطره الأولون، وواحد الأساطير أسطورة، كما قالوا أحدوثة وأحاديث.

    أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين-18-. أولئك الذين حق عليهم القول: حقا وحقوقا: صار حقا وثبت، قال الأزهري: معناه وجب يجب وجوبا، وحق عليه القول وأحققته أنا. وفي التنزيل: قال الذي حق عليهم القول، أي ثبت، قال الزجاج: هم الجن والشياطين. وقوله تعالى: ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، أي وجبت وثبتت، وكذلك: لقد حق القول على أكثرهم، وحقه يحقه حقا وأحقه، كلاهما: أثبته وصار عنده حقا لا يشك فيه. وأحقه: صيره حقا. وحقه وحققه: صدقه.

    ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون-19-. وليوفيهم أعمالهم: ووفى هذا الطعام قفيزا، قال الحطيئة: وفى كيل لا نيب ولا بكرات أي تم، قال: ومن قال أوفى فمعناه أوفاني حقه أي أتمه ولم ينقص منه شيئا، وكذلك أوفى الكيل أي أتمه ولم ينقص منه شيئا. وأوفى ووفى بمعنى واحد. وأوفى الرجل حقه ووفاه إياه بمعنى: أكمله له وأعطاه وافيا. وفي التنزيل العزيز: ووجد الله عنده فوفاه حسابه. وتوفاه هو منه واستوفاه: لم يدع منه شيئا. ويقال أوفيته حقه ووفيته أجره. ووفى الكيل وأوفاه: أتمه.

    ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون-20-. أذهبتم طيباتكم: على سبيل السخرية. وقرأ بعضهم أأذهبتم: للإستفسار؟. أي: أأذهبتم؟. عذاب الهون: الهون: الخزي. وفي التنزيل العزيز: فأخذتهم صاعقة العذاب الهون، أي ذي الخزي. والهون، بالضم: الهوان. والهون والهوان: نقيض العز، هان يهون هوانا، وهو هين وأهون. وبما كنتم تفسقون: الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق. فسق يفسق ويفسق فسقا وفسوقا وفسق، الضم عن اللحياني، أي فجر، قال: رواه عنه الأحمر، قال: ولم يعرف الكسائي الضم، وقيل: الفسوق الخروج عن الدين، وكذلك الميل إلى المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربه. وفسق عن أمر ربه أي جار ومال عن طاعته، قال الشاعر: فواسقا عن أمره جوائرا الفراء في قوله عز وجل: ففسق عن أمر ربه، خرج من طاعة ربه.

    الحلقة عدد 354

    بسم الله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه إلى قيام الساعة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير ونشهد أن محمدا رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده أما بعد السلام عليكم ورحمة الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ۝. واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم-21- قالوا أجئتنا لتأفكنا عن الهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين-22- قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون-23- فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم-24- تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين-25- ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون-26- ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الايات لعلهم يرجعون-27- فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا الهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون-28- وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القران فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين-29- قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم-30- يا قومنا أجيبوا داعي الله وامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم-31- ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين-32- أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير-33- ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون-34- فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون۝ -35-./. صدق الله العظيم - سورة الأحقاف -

    التحليل:

    ما الأحقاف؟. وما العارض؟. وما الإفك؟. هل من معجز في الأرض؟. من هم أولو العزم من الرسل؟. وما البلاغ؟. عن هذه الأسئلة وأكثر تجدون الأجوبة الكافية الشافية في التحليل التالي إن شاء الله تعالى:

    واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم واذكر أخا عاد: يعني هودا عليه السلام. ويعني أخاهم في النسب لا في الدين. إذ أنذر قومه بالأحقاف: الحقاف: جمع حقف، وهو ما عوج من الرمل واستطال، ويجمع على أحقاف، أما حقائف فجمع لجمع، أما جمع حقاف أو أحقاف، وأما قوله تعالى: إذ نذر قومه الأحقاف، فقيل: هي من الرمال، أي أنـذرهم هنالك. قال لجوهري: لأحقاف ديار عاد. قال تعالى: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه الأحقاف، قال الفراء: واحدها حقف وهو المستطيل المشرف، وفي بعض التفسير في قوله بالأحقاف فقال بالأرض، قال: والمعروف من كلام العرب الأول، وقال الليث: الأحقاف في القران جبل محيط بالدنيا من زبرجدة خضراء تلتهب يوم القيامة فتحشر الناس من كل أفق، قال الأزهري: هذا الجبل الذي وصفه يقال له قاف، وأما الأحقاف فهي رمال بظاهر بلاد اليمن كانت عاد تنزل بها. والحقف: أصل الرمل وأصل الجبل وأصل الحائط. ألا تعبدوا إلا الله: عبده عبادة: خضع وذل وطاع له. أي دعاهم لعبادة الله الواحد القهار لا شريك له. وفي ذل أبلغ من دلالة على أن الدين واحد من ادم إلى محمد عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة دين التوحيد الخالص.

    قالوا أجئتنا لتأفكنا عن الهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين-22-. قالوا أجئتنا لتأفكنا: وفي التنزيل: يؤفك عنه من أفك، قال الفراء: يريد يصرف عن الإيمان من صرف كما قال: أجئتنا لتأفكنا عن الهتنا، يقول: لتصرفنا وتصدنا. والأفاك: الذي يأفك الناس أي يصدهم عن الحق بباطله. والمأفوك: الذي لا زور له. شمر: أفك الرجل عن الخير قلب عنه وصرف.

    قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون-23-. قال إنما العلم عند الله: علم علما: أدركه بحقيقته وكنهه.

    فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم-24-. والعرض والعارض: السحاب الذي يعترض في أفق السماء، وقيل: العرض ما سد الأفق، والجمع عروض، قال ساعدة بن جؤية: أرقت له حتى إذا ما عروضه تحادت، وهاجتها بروق تطيرها والعارض: السحاب المطل يعترض في الأفق. وفي التنزيل في قضية قوم عاد: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا، أي قالوا هذا الذي وعدنا به سحاب فيه الغيث، فقال الله تعالى: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم، وقيل: أي ممطر لنا لأنه معرفة لا يجوز أن يكون صفة لعارض وهو نكرة، والعرب إنما تفعل مثل هذا في الأسماء المشتقة من الأفعال دون غيرها. ويقال: مر بنا عارض قد ملأ الأفق. وأتانا جراد عرض أي كثير. وقال أبو زيد: العارض السحابة تراها في ناحية من السماء، وهو مثل الجلب إلا أن العارض يكون أبيض والجلب إلى السواد.

    تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين-25-. تدمر كل شيء بأمر ربها: الدمار: استئصال الهلاك. دمر القوم يدمرون دمارا: هلكوا. ودمرهم: مقتهم، ودمرهم الله ودمرهم تدميرا. كذلك نجزي القوم المجرمين: والجرم: التعدي، والجرم: الذنب، والجمع أجرام وجروم، وهو الجريمة، وقد جرم يجرم جرما واجترم وأجرم، فهو مجرم وجريم. وفي الحديث: أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يجرم عليه فحرم من أجل مسألته.

    ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون-26-. ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه: أي أعطيناهم أكثر مما أعطيناكم. ومع ذلك كان مالهم الهلاك والإستئصال بسبب العناد والكفر والعصيان. إذ كانوا يجحدون بايات الله: الجحد والجحود: نقيض الإقرار كالإنكار والمعرفة، جحده يجحده جحدا وجحودا. الجوهري: الجحود الإنكار مع العلم. جحده حقه وبحقه. والجحد والجحد، بالضم، والجحود: قلة الخير.

    ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الايات لعلهم يرجعون-27-. ولقد أهلكنا ما حولكم: هلك: فني. مات. ولا يكون إلا في ميتة سوء.

    فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا الهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون-28-. فلولا نصرهم: أي هلا نصرهم؟. قربانا: حال -الهة: بدل. وما كانوا يفترون: والفرية: الكذب. فرى كذبا فريا وافتراه: اختلقه. ورج فري ومفرى وإنه لقبيح الفرية، عن اللحياني. الليث: يقال فرى فلان الكذب يفريه إذا اختلقه، والفرية من الكذب. وقال غيره: افترى الكذب يفتريه اختلقه. وفي التنزيل العزيز: أم يقولون افتراه، أي اختلقه. وفرى فلان كذا إذا خلقه، وافتراه: اختلقه، والاسم الفرية.

    وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القران فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين-29-. وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن: وفي حديث أبي ذر: لو كان ههنا أحد من أنفارنا أي من قومنا، جمع نفر وهم رهط الإنسان وعشيرته، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة. وفي الحديث: ونفرنا خلوف أي رجالنا. الليث: يقال هؤلاء عشرة نفر أي عشرة رجال، ولا يقال عشرون نفرا ولا ما فوق العشرة، وهم النفر من القوم. وقال الفراء: نفرة الرجل ونفره رهطه.

    قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم-30-. كتابا أنزل من بعد موسى: القران الكريم.

    يا قومنا أجيبوا داعي الله وامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم-31-. أجيبوا داعي الله: محمد صلى الله عليه وسلم.

    ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين-32-. فليس بمعجز في الأرض: وأعجزه الشيء: عجز عنه. والتعجيز: التثبيط، وكذلك إذا نسبته إلى العجز. وعجز الرجل وعاجز: ذهب فلم يوصل إليه. وقوله تعالى في سورة سبأ: والذين سعوا في اياتنا معاجزين، قال الزجاج: معناه ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون وأنه لا جنة ولا نار، وقيل في التفسير: معاجزين معاندين وهو راجع إلى الأول، وقرئت معجزين، وتأويلها أنهم يعجزون من اتبع النبي، صلى الله عليه وسلم، ويثبطونهم عنه وعن الإيمان بالايات وقد أعجزهم. وفي التنزيل العزيز: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، قال الفاء: يقول القائل كيف وصفهم بأنهم لا يعجزون في الأرض ولا في السماء وليسوا في أهل السماء؟ فالمعنى ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا من في السماء بمعجز، وقال أبو إسحق: معناه، والله أعلم، ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا لو كنتم في السماء، وقال الأخفش: معناه ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء أي لا تعجزوننا هربا في الأرض ولا في السماء. في ضلال مبين: أبان الشيء: اتضح فهو مبين.

    أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير-33-. ولم يعي بخلقهن: عي بالأمر عيا وعيي وتعايا واستعيا، هذه عن الزجاجي، وهو عي وعيي وعيان: عجز عنه ولم يطق إحكامه. إنه على كل شيء قدير: القدير والقادر: من صفات الله عز وجل يكونان من القدرة ويكونان من التقدير. وقوله تعالى: إن الله على كل شيء قدير، من القدرة، فالله عز وجل على كل شيء قدير، والله سبحانه مقدر كل شيء قاضيه. ابن الأثير: في أسماء الله تعالى القادر والمقتدر والقدير، فالقادر اسم فاعل من قدر يقدر، والقدير فعيل منه، وهو للمبالغة، والمقتدر مفتعل من اقتدر، وهو أبلغ.

    ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون-34-. بما كنتم تكفرون: الكفر: نقيض الإيمان، امنا بالله وكفرنا بالطاغوت، كفر يكفر كفرا وكفورا وكفرانا. ويقال لأهل دار الحرب: قد كفروا أي عصوا وامتنعوا. والكفر: كفر النعمة، وهو نقيض الشكر. والكفر: جحود النعمة، وهو ضد الشكر. وقوله تعالى: إنا بكل كافرون، أي جاحدون. وكفر نعمة الله يكفرها كفورا وكفرانا وكفر بها: جحدها وسترها. وكافره حقه: جحده. ورجل مكفر: مجحود النعمة مع إحسانه. ورجل كافر: جاحد لأنعم الله، مشتق من الستر، وقيل: لأنه مغطى على قلبه.

    فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون-35-./. أولوا العزم من الرسل: وهم ستة صلوات اللهم عليهم جميعا وهم إبراهيم وموسى، وداود، وسليمان، وعيسى، ومحمد خاتم المرسلين. بلاغ فهل يهلك…: وتقول: له في هذا بلاغ وبلغة وتبلغ أي كفاية، وبلغت الرساة. والبلاغ: الإبلاغ. وفي التنزيل: إلا بلاغا من الله ورسالاته، أي لا أجد منحجى إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به. والإبلاغ: الإيصال، وكذلك التبليغ، والاسم منه البلاغ، وبلغت الرسال. التهذيب: يقال بلغت القوم بلاغا اسم يقوم مقام التبليغ.

    الحلقة عدد: 355

    سورة محمد

    اياتها: 38

    بسم الله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه إلى قيام الساعة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير ونشهد أن محمدا رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده أما بعد السلام عليكم ورحمة الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ۝الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم-1- والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم-2- ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم-3- فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم-4- سيهديهم ويصلح بالهم-5- ويدخلهم الجنة عرفها لهم-6- يا أيها الذين امنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم-7- والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم-8- ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم-9- أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها-10- ذلك بأن الله مولى الذين امنوا وأن الكافرين لا مولى لهم-11-إن الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم-12- وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم-13- أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم-14- مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير اسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم-15- ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال انفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم-16- والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم-17- فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم-18- فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم-19- ويقول الذين امنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم-20- طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم-21- فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم-22- أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم-23- أفلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفالها-24- إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم-25- ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم-26- فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم-27- ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم-28- أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم-29- ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم-30- ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم-31- إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم-32-يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم-33- إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم-34- فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم-35- إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم-36- إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم-37- هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم۝ -38-./.صدق الله العظيم - سورة محمد -

    التحليل:

    من معجزات القران الكريم أنه جاء بالحق والحق المبين الذي لا يمارى. والدليل على ذلك لو كان من عند بشر لوضع فيه أفكاره الشخصية ومذهبه الجامد القاصر المقصر الذي ما يلبث أن ينتهي بانتهائه ولو بعد حين. ولكن القران الكريم من عند الله سبحانه وتعالى. والدليل على ذلك أن سورة كسورة محمد المباركة لم تتحدث عن جوانب شخصية وذاتية ضيقة من حياة محمد عليه الصلاة والسلام بل تحدثت عن المواجهة بين أهل الإسلام وأهل الكفر حتى سماها العلماء سورة القتال . وهل يعقل أن يأتي شخص ما مهما كان وأنى كان مكانا وزمانا وقيمة ليضع اسمه على سورة ثم يتحدث عن أشياء أبعد ما تكون عن شخصه؟:

    الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم-1-. كفر الشيء كفرا ستره وغطاه. الكفر نقيض الإيمان. كفر بنعم الله جحدها وتناساها. كفر بالله نفى وجوده واحدا لا شريك له. أثبت الله سبحانه وتعالى الضلال. الضلال والضلالة: ضد الهدى والرشاد. والإضلال في كلام العرب ضد الهداية والإرشاد. يقال: أضللت فلانا إذا وجهته للضلال عن الطريق. فقد أوجبوا على أنفسهم مقت الله وسخطه. وباختيارهم الواعي المسئول أضاعوا أعمالهم. وأتلفوا جهدهم. وذهبت حياتهم سدى. كانوا هم المبادرين. أي إن الإختيار كان منهم. عن سبق إضمار وترصد. لأنهم - صدوا عن سبيل الله . الصد: الإعراض والصدوف. صد عنه يصد ويصد صدا وصدودا: أعرض. كان من المفروض أن يدافعوا عن دين من بعدما جاء هم بالحجة الدامغة التي تثبت وجود الله. وتثبت أنهم مخلوقين ضعفاء في امتحان مؤقت زمانا ومكانا وأن موعدهم لن يتخلف وهو يوم القيامة الذي لا شك فيه إطلاقا. ولكنهم أعرضوا بجانبهم. رفضوا الدين ورفضوا العمل به. ولم يقفوا عند ذلك الحد. بل سعوا لمنع انتشار الدين وهذا معنى الصد. أي إنهم كانوا عقبة في طريق انتشار الدين واستعملوا كل وسيلة بما فيها القوة بأشكالها المختلفة لوقف انتشار النور الذي أراد ه الله سبحانه وتعالى إنقاذا للبشرية إلى قيام الساعة من الضلال إلى الهدى.

    باختيارهم ذلك استحقوا أن يضلهم الله. أي يبعدهم عن الخير. أن يبطل أعمالهم. قال أبو عمرو بن العلاء إذا لم تعرف المكان قلت ضللته، وإذا سقط من يدك شيء قلت أضللته، قال:

    يعني أن المكان لا يضل وإنما أنت تضل عنه، وإذا سقطت الدراهم عنك فقد ضلت عنك، تقول للشيء الزائل عن موضعه: قد أضللته، وللشيء الثابت في موضعه إلا أنك لم تهتد إليه: ضللته. والإنسان الواعي يربأ بنفسه أن يكون في صف الكفار ظاهرا أو باطنا فيخسر حياته جملة وتفصيلا بهذا المستوى أبرزه الله في مفتتح سورة محمد صلى الله عليه وسلم. فهناك إذا معادلة واضحة متسقة الأبعاد لا لبس فيها ولا التباس بين أهل الكفر وأهل الإيمان. أهل الكفر اختاروا طريق الشر. طريق الباطل. طريق الظلام. فأبعدهم الله سبحانه وتعالى عن الخير. عن التوازن النفسي والفكري والجسدي عن سعادة الاخرة وهي الأهم لأنها الباقية والدائمة. بينما الطرف المقابل أهل الإيمان اختاروا أيضا طريقهم طريق الإسلام عن وعي واختيار واع مسئول من بعد التفكر والتأمل والإعتبار بدروس الحياة المستمرة الموجودة فيهم وفي الكون والحياة والتي تثبت أن الله حق وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق وأن القران الكريم حق وأن المسألة جد في جد. وبالتالي كان مالهم مختلفا ونتائجهم متناقضة تمام التناقض مع الشق الأول. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم-2-.

    امن به إيمان: صدقه ووثق به. الإيمان هو التصديق ضد الكفر. الطرف المقابل قرن الإيمان بالعمل. -امنوا وعملوا الصالحات . الإيمان وحده غير كاف. لا بد من العمل. والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. إذا كانوا مطبقين على أنفسهم قبل غيرهم محتوى الإيمان قولا وفعلا ونية واستقامة وكانوا القدوة فعلا عبر كل مكان وزمان إلى قيام الساعة التي لاشك فيها إطلاقا. بالبذل والعطاء المادي والمعنوي والفكري والعلمي والثقافي وبكل ما عندهم لفائدة الإسلام. فالإسلام هو دين العمل والبذل والعطاء وليس دين الكلام فقط. ولا ينتفع بالدين الشخص وحده فقط بل ينفع نفسه وينفع محيطه الكبير والصغير –امنوا وعملوا الصالحات . في المطلق. حتى يكون العمل الصالح منطبقا على كل ما ينفع الناس في العلم والثقافة والمجتمع. كل ما يعود على الناس بالنفع دون محرمات فهو عمل صالح. ذاك أن القران الكريم وهو النور الذي نزل عليه يؤمن به من امن عن وعي وتصديق كامل لا يداخله الشك في أنه الخير كله والنور كله والسبيل الأقوم نحو الله ونحو السعادة كلها دنيا واخرة. يأخذه المؤمن بكل عدل واعتدال نحو التوازن. نحو البذل. نحو التطبيق بكل اتساق. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم. تسليم كامل وتصديق كامل وعمل مستمر للدنيا والاخرة. والفرق واضح والبون شاسع بين عمل أهل الكفر وأهل الإيمان. الذين يرعون الله في كل أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم ونياتهم. هذا لتسليم وهذا الإنقياد لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يقودهم حتما بما بذلوه من عطاء فكري ومادي وروحي نحو الذات والمجتمع إلى مرضاة الله. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم-2-.

    كفر عنهم: كفر الشيء كفرا: ستره وغطاه. وكل شيء غطى شيئا، فقد كفره. أي إن الله سترهم وشملهم برحمته وتجاوز عن سيئاتهم بسبب إيمانهم وتصديقهم وعملهم الصالح. اختيارهم طريق الإيمان والعمل الصالح كان السبب في جلب رحمة الله. وأي خير أكبر من هذا أن يمحو الله عنك سيئاتك وأن يشملك برحمته وأن يعطيك من خيرات الدنيا والاخرة إن استقمت على الطريقة التي لا عوج لها؟. كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم-2-. البال:الحال والشأن. وأمر ذو بال أي شريف يحتفل له ويهتم به. والبال في غير هذا: القلب. ومن أسماء النفس البال. والبال بال النفس وهو الاكتراث، ومنه اشتق باليت، ولم يخطر ببالي ذلك الأمر أي لم يكرثني.

    إذا أنت تخطو الخطوة الأولى تبرهن فيها عن إيمانك ووعيك وانقيادك وتبذل وتعطي. وتستقيم على منهج الإسلام. في المقابل يدلك الله عز وجل إلى أقوم المسالك ويأخذ بيدك ويبدل سيئاتك حسنات. ويصلح قلبك وداخلك. فكأنه نور تسير فيه لا تخشى فيه بأسا ولا دركا فأنت في حفظ الله. وأكرم به من حفظ وأنعم بها من فضائل ربانية يميز بها الله سبحانه وتعالى المجتمع الإسلامي.

    ولكن لماذا فرق الله بين المنطلق والنتائج؟. ولماذا أبطل أعمال أهل الكفر؟. وزادهم ضلالا وبعدا عن الحق. في حين أرشد أهل الهدى وأخذ بأيديهم وأصلح قلوبهم وأبدل سيئاتهم حسنات وضمن لهم سعادة الدنيا والاخرة؟. ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم-3-. ببساطة لأن كل فريق اختار وتحمل مسئولية اختياره الواعي. فالإنسان مكلف ومسئول عن أفعاله. وبالتالي لا تبقى لـه حجة يحتج بها. هذه طريق وتلك طريق وعليك أن تختار. إن اخترت الباطل أي الكفر. وصلت إلى طريق مسدودة وشقاء وتمزق نفسي وجسدي وفكري وروحي. ولم تفدك طريقتك في شيء. لا في الدنيا ولا في الاخرة وإن اخترت طريق الحق وهو الإسلام الحنيف فقد سلكت الطريق السالكة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى الطريق التي تكفل لك التوازن النفسي والفكري والروحي والجسدي وسعادة الدنيا والاخرة. لأنك تسير في النور في الخير في البركة. والفرق واضح والبون شاسع. والعاقل من اتعظ واستفاد من العظة.

    تبين مما سبق أن المجتمع الإسلامي مختلف تمام الإختلاف مع المجتمع الكافر. وكل مجتمع يسعى جاهدا لفرض وجوده بالقول والفعل. فالمواجهة قائمة ولا بد منها لوضع الإيمان على المحك. ولمعرفة مدى مصداقية كل طرف. ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة – الأنفال - 42 -. لن يدخر المجتمع الكافر جهدا لمحاربة المجتمع الإسلامي بكل وسيلة فكرية وعلمية وثقافية ونفسية. ومن واجب كل مؤمن أن يبذل قصارى الجهد لمواجهة تلك الحرب بما عنده من وسائل مضادة تضاهي الوسائل التي تواجه المجتمع الإسلامي وتتفوق عليها وبكل الطرق المؤدية إلى ذلك بالعلم والعمل وبذل الجهد والتضحية ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى. وكل واحد مسئول عن ذلك وحسب دوره وثقافته ومكانه في المجتمع وكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته. وألا يترك الأمر لغيره تواكلا وتسيبا وإهمالا.

    فهو محاسب عن علمه وثقافته ودوره ماذا فعل في كل ذلك؟. والمواجهة مع المجتمع الكافر قد تتطور وقد تصل إلى المواجهة المادية أي العسكرية. وإذا وصل الأمر إلى هذا الحد وجب على المسلمين أن يعدوا كل وسائل القوة مسبقا وألا يدخروا جهدا في الحرب الفعلية وأن يواجهوا المجتمع الكافر وقت النزال دون مواربة أو تردد أو تأخر. أو خذلان. لأن المسالة مسالة حياة أو موت.فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم-4-. لم يقل الله سبحانه وتعالى إن هذا الكلام صالح بالمجتمع الأول أو الاخر. بل الكلام صالح لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة وبالتالي فهو ينطبق على كل مجتمعين متناقضين بين كفر وإيمان. بين كفر وإسلام. بين نفي وتثبيت. بين ظلام ونور. المجتمع الإسلامي أعطى القدوة والأمثولة ولكن الدرس يتكرر ويبقى صالحا لكل مكان وزمان. ولو كان كلام الله سبحانه وتعالى مختصا بالمجتمع الإسلامي الأول لأنزل إليه كلاما صالحا به فقط وانتهى الموضوع ولكنه لم يسم أشخاصا ولا مواقع بعينها. وإنما أعطى المبادئ والأفعال والنتائج. رفع اللبس والإلتباس وتبين الرشد من الغي. وبالتالي وجب أن ننظر إلى القران الكريم نظرة متجددة ومتطورة لأنه الرسالة الباقية إلى قيام الساعة التي لاشك فيها إطلاقا. وأعتقد أن من أسباب تخلف المسلمين عبر القرون ربط القران بأماكن معينة وبأسباب معينة لا يتجاوزها. وقصره على أشخاص وتجارب نحترمها ونجلها حق الإجلال. ولكن القران أعطاه لنا الله كي نمضي قدما وكي ننظر إليه نظرة متجددة عبر المكان والزمان. والأشخاص. وأن نستفيد من التاريخ بقدر الوعي وإضافة الخبرة. وإضافة زخم الإمتحان. والقدوة. وأن نضيف نحن.أن نعطي نحن. وأن نمتاز نحن. وألا نقتصر على النقل.

    فماذا فعلنا نحن وبماذا امتزنا في باب الجهد والإجتهاد والتطور على كافة الأصعدة ؟. وماذا أضفنا نحن؟. وماذا تركنا من اثار؟. من قيمة مضافة للقران المتطور على الدوام والسنة النبوية الشريفة المتطورة بلا انتهاء. بهذا المنظور المتطور مع الثواب ننظر إلى القران الكريم والسنة النبوية المطهرة. وعندما نعطي الشباب والمثقفين والواعين وكل لناس من إمكاناتنا ومن فهمنا الموزون المتوازن والعادل والمعتدل للقران والسنة وللدين عموما كدين حياة. تكون الحياة أجمل وأوضح وأوفق وأروع. نحن بحاجة إلى فهم متسق الأبعاد. والى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه لفهم القران الكريم فهما عصريا لا يني يزداد ألقا وحبا وإضافة. كي نفرض كينونتنا وصيرورتنا في المجتمع وفي الأرض والكون والحياة. من هذا المنطلق ننظر إلى القران ونتملى أعاجيبه التي لا تنقضي. متى حصل الوعي والتفكر التدبر والإعتبار داخل المجتمع الإسلامي. فإن المواجهة لن تخيفه. ولن تفت في عزيمته. ولن يتردد لحظة واحدة في الدفاع عن مصالحه بكل قوة ضاربة ورادعة. .فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب. لا تردد. ولا تخاذل. ولا هروب. لأنهم أرادوا الشر بالمجتمع الإسلامي. أرادوا القضاء على المجتمع الإسلامي الذي رفض مسايرتهم رفض أن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1