Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب
الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب
الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب
Ebook1,067 pages7 hours

الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يدخل كتاب الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب في دائرة اهتمام المتخصصين في مجال اللغة العربية بشكل خاص والباحثين في الموضوعات ذات الصلة بوجه عام؛ حيث يدخل ضمن نطاق تخصص علوم اللغة ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل الشعر، والقواعد اللغوية، والأدب، والبلاغة، والآداب العربية.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateSep 16, 1901
ISBN9786441321881
الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب

Related to الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب

Related ebooks

Reviews for الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب - محمد بن عبد الحق اليفرني

    الغلاف

    الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب

    محمد بن عبد الحق اليفرني

    625

    يدخل كتاب الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب في دائرة اهتمام المتخصصين في مجال اللغة العربية بشكل خاص والباحثين في الموضوعات ذات الصلة بوجه عام؛ حيث يدخل ضمن نطاق تخصص علوم اللغة ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل الشعر، والقواعد اللغوية، والأدب، والبلاغة، والآداب العربية.

    كتاب وقوت الصلاة

    (وقوت الصلاة)

    قال المؤلف رضي الله عنه: اتفق أهل اللغة على أن أفعالاً جمع القلة، وفعولاً: جمع الكثرة، وفعل مالك كذلك، فإنه يقال: إنه أدخل تحت الترجمة: ثلاثة عشر وقتاً، وكل وقتٍ منها ينفرد عن صاحبه بحكمٍ.

    - وقوله: والشمس في حجرتها، قبل أن تظهر [2] أي: تعلو وتصير على ظهر الحجرة، قال الله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، وقال النابغة: * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا*

    أي: مرتقى وعلواً، وقيل: معناه: أن يخرج الظل من قاعة حجرتها ويذهب. وكل شيءٍ خرج، فقد ظهر، وأنشدوا:

    * وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها*

    أي: ذاهبٌ، والمعنيان كالمتحدين. والحجرة: الدار، وكل ما أحاط به حائطٌ فهو حجرةٌ، من حجرت، أي: منعت.

    - وقوله: بهذا أُمرت [1]. يروى بضم التاء وفتحها، فبالضم معناه: أُمرت أن أبلغه وأبينه لك، وبالفتح - وهي رواية ابن وضاحٍ - أي: أمرت أن تصلي فيه، وشرع الصلاة فيه لأمتك.

    - وقوله: إن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذهب بعض المفسرين إلى أن الفاء هنا بمعنى الواو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصلياً معه وإذا حملت الفاء على حقيقتها وجب أن يكون مصلياً بعده، والصحيح أن الفاء على بابها للتعقيب، ومعناه: أن يكون جبريل كلما فعل جزءاً من الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وهذه سنتها، وهذا أوضح من أن تكون الفاء بمعنى الواو؛ لأن العطف بالواو تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قبل جبريل، والفاء لا تحتمل ذلك، فهي أبعد من الاحتمال، وأبلغ في البيان.

    - وقوله: أو إن جبريل. رويناه بفتح إن، وكسرها، والكسر أظهر؛ لأنه استفهامٌ مستأنفٌ، إلا أنه ورد بالواو ليرد الكلام على كلام عروة، لأنها من حروف الرد، والفتح على تقدير: أوعلمت، أو أوحدثت أن جبريل نزل؟ ويأتي زيادة معنى في هذا.

    - وقوله - في الحديث الثاني-: صلى الصبح حين طلع الفجر [3]. الفجر: هو أول بياض النهار الظاهر في الأفق الشرقي المستطير المنير المنتشر، تسميه العرب: الخيط الأبيض، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} أي: بياض النهار من سواد الليل، قال أبو دؤاد الإيادي:

    فلما أضاءت لنا سدفة ... ولاح لنا الصبح خيطاً أنارا

    وقال آخر:

    قد كاد يبدو أو بدت تباشره

    وسدف الليل البهيم ساترة وسمته أيضاً: الصديع، ومنه قولهم: انصدع الفجر، قال بشرُ بن أبي خازمٍ، أو عمرو بن معدي كربٍ:

    به السرحان/ مفترشاً يديه ... كأنه بياض لبيه الصديع

    وشبهه الشماخ بمفرق الرأس لمن فرق شعره، فقال: 2/أ

    إذا ما الليل كان الصبح فيه ... أشق كمفرق الرأس الدهين

    و [يقولون] للأمر الواضح: هذا كفلق الصبح وتباشير الصبح، وكانبلاج الفجر.

    - ومعنى أسفر: بدا وتبين؛ ومنه قول العرب: سفرت المرأة عن وجهها: إذا كشفت عنه، وأسفرا الصبح: أضاء.

    - وقوله: حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر. تحقيق هذا اللفظ على أصل موضوعه من كلام العرب، يقتضي أن وقت طلوع الفجر: هو كان وقت فعل الصلاة، وذلك غير جائزٍ، ولا بد أن يتقدم طلوع الفجر ابتداء الصلاة، لا أن هذا اللفظ قد يستعمل في كلام العرب بمعنى المبالغة، تقول: جلست حين جلس زيدٌ، فيقتضي ذلك أن جلوسكما كان في وقتٍ واحدٍ، غير أن ابتداء جلوس زيدٍ قد تقدم؛ فعلى هذا يصح قوله صلى الله عليه وسلم: صلى الصبح حين طلع الفجر.

    - وقوله: هأنذا يا رسول الله. قال سيبويه: وكذلك هأنذا، وهانحن أُولاء، وها هو ذاك، وها هما ذانك: [هاهم أولئك] وها أنتما ذان، وها أنت ذا، وها أنتم أولاء، وها أنتن أولاء [وها هن أولئك] وإنما استعملت هذه الحروف - ههنا - لأنك لا تقدر على شيءٍ من الحروف التي تكون علامةً في الفعل، ولا على الإضمار الذي في فعل. وزعم الخليل: أن هاهنا، هي التي مع ذا إذا قلت هذا، وإنما أرادوا أن يقولوا: هذا أنت، ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا، وأرادوا أن يقولوا: أنا هذا، وهذا أنا، فقدموا ها وصارت أنا بينهما. وزعم أبو الخطاب: أن العرب الموثوق بهم يقولون: هذا أنا، وأنا هذا، ومثل ما قال الخليل في هذا قول الشاعر وهو لبيدٌ: ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا

    كأنه أراد أن يقول: وهذا لي، فصير الواو بين ها وذا. وزعم أن مثل ذلك، إي: ها الله ذا، إنما هو هذا. وقد يكون ها في ها أنت ذا غير مقدمةٍ، ولكنها تكون [للتنبيه] بمنزلتها في هذا، يدلك على ذلك قوله [عز وجل]: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ}، فلو كانت ها هاهنا هي التي تكون أولاً إذا قلت هؤلاء لم تُعد هاهنا بعد أنتم. وحدثنا يونس أيضاً - تصديقاً لقول أبي الخطاب-: أن العرب تقول: هذا أنت تقول: كذا وكذا، لم يرد بقوله: هذا أنت أن تعرفه نفسه، كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره، هذا محالٌ، ولكنه أراد أن ينبهه، كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، أو الحاضر القائل كذا وكذا أنت. وإن شئت لم تقدم ها في هذا الباب، قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} هذا كله كلام سيبويه. وقال السيرافي: وإنما كقول القائل: ها أنذا؛ إذا طلب رجلٌ لم يُدر أحاضرٌ هو أم غائبٌ؛ فقال المطلوب: ها أنذا، أي: الحارض عندك أنا، وإنما يقع جواباً، ويقول القائل: أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر ها أنذا، أو ها أنت ذا، أي: أنا في الموضع الذي التمست فيه [من التمست] أو أنت في ذلك الموضع وهو مقتضى الحديث. وأكثر ما يأتي في كلام العرب هذا بتقديم ها والفصل بينها وبين ذا بالضمير المنفصل. والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب الموثوق بهم، من قولهم: هذا أنا، وأنا هذا، هو في معنى ها أنا ذا، ولو قلت: هذا أنت والإشارة إلى غير المخاطب جاز، ومعناه: هذا مثلك، كما تقول: زيدٌ عمرو، على معنى: زيدٌ مثل عمرو. والذي حكاه يونس عن العرب: هذا أنت تقول كذا وكذا، هو مثل قوله [تعالى]: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}.

    - وقوله: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح [4]. على معنى التأكيد، وإن مخففةٌ من الثقيلة المؤكدة، واللازم لازمةٌ لخبرها؛ ليفرق بينها وبين التي بمعنى ما، فإذا قلت: إن زيدٌ لقائمٌ، فهي تأكيدٌ/ 2/ب إن زيدٌ قائمٌ - وأسقطت اللام - فهي نفيٌ بمعنى ما زيدٌ قائمٌ. والكوفيون يجيزون أن تكون نفياً وإن كانت اللام في خبرها، ويجعلون اللام بمعنى إلا الموجبة، كأنه قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يصلي، وتقدير الكلام على مذهب سيبويه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} في قراءة من رفع الفعل، وفتح اللام.

    - والغلس": ظلمة آخر الليل، والغلس والغبش سواءٌ، إلا أن الغلس لا يكون إلا في آخر الليل؛ وقد يكون الغبش في أوله، وفي آخره. وأما الغبس بالباء والسين فغلطٌ عندهم.

    - وقوله في الحديث الآخر: متلففاتٍ وروي: متلفعاتٍ بالعين، والمعنى متقاربٌ، إلا أن التلفع يستعمل مع تغطية الرأس، قال ابن [قيس] الرقيات: لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ ... ولم تُسق دعد في العلب

    وقال ابن حبيب: لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس. قال عبيد بن الأبرص:

    كيف يرجون سقوطي بعدها ... لفع الرأس بياضٌ وصلع

    فاللفاع: ما التفع، واللحاف: ما التحف.

    - والمروط: أكسية صوفٍ أو خز مربعةٌ، وقيل: سداها شعرٌ؛ وعلى هذا جاء تفسيرها في هذا الحديث، وأما قول امرئ القيس:

    * على إثرينا ذيل مرطٍ مرحل*

    فالمرط هنا من خز.

    - وقوله في الحديث الآخر: من أدرك ركعةً من الصبح. الإدراك: درك الحاجة، والظفر بها، والحصول عليها، ومنه قولهم: أدرك ثأره. ولفظ الإدراك هنا: بين متمكنٌ على المذهبين جميعاً: مذهب من شذ وحمله على العموم، ومذهب من حمله على وقت الضرورة.

    - وقوله في الحديث الآخر: فمن حفظها وحافظ عليها [6]. حفظها؛ أي: قام برعايتها وأوقاتها، وغير ذلك. وحافظ عليها؛ أي: أدام الحفظ لها.

    - والفيء: هو الظل الذي تفيء عليه الشمس بعد الزوال، ثم ترجع. قال الله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: ترجع فما كان قبل الزوال من الظل فليس بفيء.

    - والفرسخ: ثلاثة أميالٍ، والميل: عشر غلاءٍ.

    - والغلوة مائتا ذراع، ففي الميل: ألف باعٍ، وهي ألفا ذراعٍ، قاله ابن حبيبٍ. قال أبو الوليد: ومعناه عندي أبواع الدواب. وأما باع الإنسان وهو طول ذراعيه، وعرض صدره فأربعة أذرع، وهو القامة. [قال أبو عمر]: واختلفوا في الميل وأصح ما قيل فيه: ثلاثة آلاف ذراعٍ، وخمسمائة ذراعٍ.

    - وقوله: فهو لما سواها أضيع على مثال: أفعل في المفاضلة من الرباعي، وهو قليلٌ، واللغة المشهورة في ذلك: وهو لما سواها أشد تضييعاً؛ لأن الفعل الزائد على ثلاثة أحرفٍ لا يبنى منه أفعل.

    وحكى السيرافي: أن بعض النحاة قال: إن سيبويه يرى الباب في الرباعي فيما يجوز فيه التعجب والمفاضلة بأفعل، فيقال: ما أيسر زيداً من اليسار، وما أعدمه من العدم، وما أشرفه من الشرف، وما أفرط جهله، وزيدٌ أفلس من عمرو، وقال ذو الرمة:

    وما شنتا خرقاء واهيتا الكلا ... سقى بهما ساقٍ ولما تبللا

    بأضيع من عينيك للدمع كلما ... تعرفت ريعاً أو تذكرت منزلاً

    وقد جاء كثيراً في الكلام والشعر. ويحتمل أن تكون اللام في قوله: لما سواها أضيع بمعنى في"، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} معناه: في يوم الجمع، حكاه ابن النحاس، ويكون معنى ذلك أنه ضائعٌ لعمله في تركه للصلاة، وأنه أضيع في غيرها، لا ينتفع بعلمه.

    - وقوله في حديث عمر: إذا زاغت الشمس أي: مالت، وأقل الزيغ كيفما تصرف في لسان العرب: الميل، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.

    - وقوله: باديةٌ مشتبكةٌ [7] استعارةٌ، والاشتباك والتشبيك معروف.

    - وقوله في الحديث الآخر: بغبشٍ، يعني الغلس [9]. والصحيح أن الغبش بالشين والسين معاً معناهما متقارب، وهو اختلاط/ 3/أالنور بالظلمة، أي: بقايا ظلمة الليل، وهو الغلس خلاف ما تقدم عن أبي عمر. يقال: غبس الليل وأغبس، وغبش وأغبش. وقال الأخفش: الغبس: النور المختلط بالظلمة، ويكون في أول الليل وآخره، والغبش بقية الليل، وقال الأزهري: الغبس قبل الغبش، والغلس باللام بعد الغبش؛ وهي كلها في آخر الليل، ويجوز الغبس - بالمعجمة - في أول الليل.

    - قباء يُمد ويقصر، والمد أشهر، فعلى لغة المد يجوز صرفه وترك صرفه، والصرف أفصح، فصرفه على تذكير الموضع، وترك صرفه على تأنيث البقعة. وقباء: موضع بني عمرو بن عوفٍ، قال ابن الزبعري:

    حين حطت بقباءٍ بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل

    قال البكري: وقباء: موضع آخر في طريق مكة من البصرة.

    قال الشيخ - وفقه الله-: ومما تشتمل عليه هذه الأحاديث المتقدمة: اشتقاق الصبح من الصباحة، وهي الحسن، والجمال، سمي بذلك لإشراقه، ويجوز أن يكون من قولهم: شيءٌ أصبح؛ إذا كان فيه بياضٌ وحمرةٌ.

    واشتقاق الفجر: من تفجر الماء، وظهوره من الأرض؛ شبه انصداعه في الظلام بانفجار الماء.

    والظهر والظهيرة - في اللغة-: ساعة الزوال حين يقوى سلطان الشمس، فسميت صلاة الظهر؛ لأنا تصلى في ذلك الوقت. وقيل: لأنها أول صلاةٍ أظهرت.

    والعصر: العشي، وبه سميت الصلاة في المشهور من أقوال العلماء. وروي عن [سعيد] بن جبير، وأبي قلابة [أنهما قالا:] أنها سميت عصراً لتعصر؛ أي: تؤخر. والأول [هو] المعروف. ويقال للصبح والعصر جميعاً: العصران.

    ومنه قوله عليه السلام: حافظوا على العصرين؛ لأن الغداة والعشي يقال لهما: العصران، ويقال أيضاً لليل والنهار: العصران.

    - ومعنى: غربت الشمس [9]: بعدت فلم تدركها الأبصار، ومنه سمي الغريب؛ لبعده عن أهله، وسمي الليل عشاءٌ؛ لأنه يُعشي العيون فلا ترى شيئاً إلا على ضعفٍ من النظر.

    والعتمة: من الليل قدر ثلثه، وبذلك سميت الصلاة، وقيل: سميت عتمة لتأخرها.

    (وقت الجمعة)

    - قوله: كنت أرى طنفسة [13]. الطنافس: هي البسط كلها، واحدتها طنفسة، كذلك رويناه على ما حدثني به الأستاذ العلامة أبو علي حسن بن عبد الله القيسي، عن الفقيه الحافظ الزاهد أبي جعفر بن غزلون، عن أبي الوليد الباجي؛ قال أبو الوليد: ووقع في كتابي مقيداً: طنفسةٌ. بالكسر، وطنفسةٌ بالضم. وقال أبو علي: طنفسةٌ بالفتح لا غير.

    قال الشيخ - أيده الله بتوفيقه-: ثلاث لغاتٍ فيها معروفاتٍ، الفتح فيهما، والكسر فيهما، وكسر الطاء وفتح الفاء. وعرض الغالب منها والأكثر من جنسها ذراعان.

    - وقوله: فنقيل قائلة الضحاء [الضحاء] - بفتح الضاد والمد-: حر الشمس، والضحى - بالضم والقصر-: ارتفاعها عند طلوعها، قاله البوني.

    وقال أبو علي في المقصور والممدود: بعض اللغويين يجعل الضحاء والضحى وقتاً واحداً، مثل: النعماء والنعمى، وبعضهم يجعل الضحى: من حين تطلع الشمس إلى أن يرتفع النهار، وتبيض الشمس جداً، ثم بعد ذلك الضحاء إلى قريبٍ من نصف النهار، وبعضهم يجعل الضحى: حين تطلع الشمس، والضحاء: إذا ارتفعت.

    - وقوله: صلى الجمعة [13، 14]. قال اللحياني: يقال: جمعة - بفتح الميم وضمها - مثل رجل هُزْأةٌ وهُزَأَةٌ، فتكون جمعة يجتمع إليها، وجمعةً سبب اجتماع الناس إليها.

    - ومللٌ: يميل يسرةً عن الطريق إلى مكة. وبمللٍ آبار كثيرةٌ: بئر مروان، وبئر عثمان، وبئر المهدي، وبر المخلوع، وبئر الواثق، وبئر السدرة.

    وكان كُثيرُ عزة يقول: إنما سميت مللاً لتملل الناس فيها: تصرف إذا ذهبت به إلى المكان، ولا تصرف إذا ذهبت به إلى البقعة.

    - والتهجير [14]: السير في الهاجرة؛ وهي القائلة. يُقال: هجر تهجيراً 3/ب، فهو مهجرٌ ومُهجرٌ. وهجر النهار تهجيراً: اشتد حره.

    (ما جاء في دلوك الشمس)

    الميل" [19] - بسكون الياء-: فيما ليس بخلقةٍ ثابتةٍ، يقال: مالت الشمس ميلاً؛ وقال تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}.

    والميل - بفتح الياء - في الخلق والأجسام، يقال: في أنفه، وفي الحائط ميلٌ.

    - والغسق [20] مطلقاً: الظلمة. وغسق الليل مضافاً؛ إذا غاب الشفق.

    - والدلوك - أيضاً - أصله: الميل.

    (جامع الوقت)

    - قوله: كأنما وُتر أهله وماله. معناه: أصيب بأهله وماله. وهذه الكلمة في اللغة مأخوذةٌ من الوتر والترة [: الطلب بالدم]؛ وهو أن يجني الرجل على الآخر [جنايةً] في أهلٍ أو مالٍ فيطلبه بها حتى، يأخذ منه مثلها. قال أعرابي:

    كأنما الذئب إذ يعدو على غنمي ... في الصبح طالب وتر كان فاثأراً

    و (وتر)، فعلٌ استعمل على وجهين: يتعدى في أحدهما إلى مفعولين، وفي الثاني: إلى واحدٍ؛ فمن تعديته إلى مفعولين قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}؛ وهو المذكور في هذا الحديث؛ ولذلك نقول: الصواب نصب الأهل والمال، هكذا رويناه في الموطأ وغيره، والرفع ساقطٌ، وبينهما في المعنى كثيرٌ. والمتعدي إلى واحدٍ، قولهم: وترت الرجل؛ إذا أصبته بوترٍ.

    -[قوله: فقال عمر طففت] ابن السيد: والمشهور في التطفيف إنما هو النقصان. قال: فإن قيل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ...} الآية: تدل على أنه زيادةٌ ونُقصانٍ؟ فالجواب: أن الزيادة التي يأخذونها لأنفسهم ترجع بالنقصان على من يعاملهم، وتعود بالنقصان عليهم آخراً.

    قال الشيخ - وفقه الله تعالى-: [التطفيف - في لسان العرب-: إنما هو الزيادة على العدل، والنقصان منه؛ وذلك ذمٌ، قال الله تعالى]: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}.

    - وقوله: فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً [23]. السهو: الذهول عن الشيء، تقدمه ذكرٌ أو لم يتقدمه، فأما النسيان فلا بد أن يتقدمه الذكر، وقد قيل: إنهما متداخلان، وأن معناهما واحدٌ.

    - الشفق في اللغة: اسمٌ للبياض والحمرة جميعاً اللذين ليسا بناصعٍ ولا فاقعٍ.

    (النوم عن الصلاة)

    - (القفول) [25]: الرجوع من السفر، ولا يقال: قفل إذا سافر مبتدئاً، قال صاحب العين: قفل الجيش قفولاً وقفلاً: رجعوا، وقفلتهم أنا، وهو القفول، وهم القفل. ويمكن أن يكون فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزع الاستنجاد والاستصراخ، لا فزع الذعر.

    - والسرى: مشي الليل وسيره؛ وهي لفظةٌ مؤنثةٌ، وتذكر، وسرى وأسرى لغتان، قرئ بهما. ولا يقال لمشي غير الليل: سرى، ومنه المثل: عند الصباح يحمد القوم السرى.

    - والتعريس النزول آخر الليل، ولا تسمي العرب نزول أول الليل تعريساً.

    - وقوله: إكلأ لنا الصبح. أي: ارقب لنا الصبح، واحفظ علينا وقت صلاتنا. يقال: كلأه الله كلاء. وأصل الكلأ الحفظ والمنع والرعاية، وهي لفظةٌ مهموزةٌ، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}، أي: يحفظكم، ومنه قول ابن هرمة.

    إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيءٍ ما كان يرزؤها

    - والقتد: من أدوات الرحل، والجمع، أقتادٌ وقتودٌ؛ ومنه قوله: اقتادوا أي: أثيروا جمالكم برواحلها وامشوا قليلاً، والجمال إذا كان عليها الأوقار فهي الرواحل.

    -[وقوله تعالى]: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} الأليق به المعنى، ويحتمل: لأجل ذكري، لأن تذكرني فيها، ولأن أذكرك بها.

    - وقوله في الحديث الآخر: يهدئه [26]. أي: يسكنه؛ من أهدأت الصبي: إذا ضربت بيدك عليه رويداً لينام. ورويناه بتشديد الدال، ويجوز تخفيفها، وهما لغتان: هدأت الصبي وأهدأته، كما يقال: كرمت الرجل، وأكرمته.

    - وقوله: وقد رأى من فزعهم. تقديره - على مذهب الأخفش-: وقد رأى فزعهم، ومن زائدةٌ؛ لأنه يجيز زيادة من في الكلام الواجب. وسيبويه: لا يجيز زيادة من إلا في النفي والاستفهام، كقولك: ما جاءني من رجلٍ، وهل خرج من رجلٍ؟ فيكون تقدير الحديث - على مذهب سيبويه-: 4/ 1/ وقد رأى ما عظم عليه من فزعهم، أو رأى من فزعهم ما عظم عليه وتقديره: فزع إليها - إذا كان الفزع بمعنى الذعر-: فزع مما فاته من القيام بحقها؛ وثاب إليها، وإذا كان بمعنى. الاستصراخ أي: رجع إليها.

    (النهي عن الصلاة بالهاجرة)

    - الفيح [27]: سطوع الحر في شدة القيظ وانتشاره. وأصله في كلامهم: السعة؛ ومنه قولهم: أرض فيحاءُ، أي: واسعةٌ كذلك قال صاحب العين وغيره من أهل العلم بلسان العرب.

    - وقوله: أبردوا عن الصلاة كلامٌ قلقٌ في الظاهر، ونظامه البين: أبردوا الصلاة، يقال: أبرد الرجل؛ إذا دخل زمان البرد، أو مكانه، ولكنه مجازٌ عبر فيه بأحد قسمي المجاز، وهو التسبيب، حسب ما يبين في الأصول، فكنى عن الشيء بثمرته؛ وهو التأخير، وكأنه قال، تأخروا عن الصلاة، صيانةً لها عن أن يُراد بها التأخير لفظاً، فكيف فعلاً؟ وقد قال عليه السلام لعمر: أخر عني يا عمر يعني: نفسه.

    - وقوله: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب:، أكل بعضي بعضاً. حمله جماعةٌ: على الحقيقة، وحمله جماعةٌ: على المجاز. فالذين حملوه على الحقيقة قالوا: أنطقها الله الذي أنطق كل شيءٍ، وأنطق في القيامة الأيدي، والأرجل، والجلود، وأخبر عن شهادتها، وأخبر في الدنيا عن النمل بقولها، وعن الجبال بتسبيحها، فقال [تعالى]: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} أي: سبحي معه؛ و [بقوله تعالى]: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}، و [بقوله تعالى]: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} و [بقوله تعالى]: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} و [بقوله تعالى]: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}. وقيل [الجلود هنا]: الفروج كنى عنها بالجلود، وقال [تعالى] - عن جهنم-: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، وقال [تعالى] - عنها-: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، وقال [تعالى] - عن السماء والأرض-: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، وهو في القرآن كثيرٌ، وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً، قالوا: يا رسول الله، أو لجهنم عينان؟ قال: أما سمعتم الله يقول: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، وفي الخبر الصحيح - عن يوم القيامة-: فيخرج عنقٌ من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم" يعني يفصلهم عن الخلق في المعرفة، كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة. وحملوا بكاء السماء والأرض، وانفطار السماء، وانشقاق الأرض، وهبوط الحجارة من خشية الله، كل ذلك، وما كان مثله على الحقيقة، وكذلك إرادة الجدار الانقضاض.

    واحتجوا على صحة ما ذهبوا إليه من الحقيقة في ذلك بقوله تعالى: {يَقُصُّ الْحَقَّ}، وبقوله [تعالى]: {وَالْحَقَّ أَقُولُ}.

    وأما الذين حملوا ذلك كله، وما كان مثله على المجاز؛ فقالوا: أما قوله [تعالى]: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، و [قوله تعالى]: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} فهذا تعظيمٌ من الله تعالى لشأنها. وقالوا: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: اشتكت النار إلى ربها: من باب قول عنترة في فرسه:

    * وشكا إلي بعبرةٍ ونحمحم*

    وقول الآخر: شكا إلي جملي طول السرى ... صبراً جميلاً فكلانا مبتلى

    فهذا مجازٌ.

    قالوا: وكذلك القول والنطق في ذلك كله مجازٌ، كقول الأعرابي:

    امتلأ الحوض وقال: قطني

    مهلاً رويداً قد ملأت بطني

    وكقول ذي الرمة:

    فقالت لي العينان سمعاً وطاعةً ... وحدرتا مثل الجمان المنظم وكقول الحارثي:

    يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل

    وقال غيره:

    رب قومٍ غيروا من عيشهم ... في نعيمٍ وسرورٍ وغدق

    سكت الدهر زماناً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق

    وقال غ يره:

    وعظتك أحداثٌ صمت ... ونعتك أزمنةٌ خفت

    وتكلمت عن أوجهٍ ... تبلى وعن صورٍ سبت

    وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حيٌّ لم تمت

    وهذا كثيرٌ في أشعارهم، 4/ ب وقالوا: هذا كله على المجاز والتمثيل، والمعنى في ذلك: أنها لو كانت ممن ينطق لكان نطقها هذا وفعلها، وذكروا قول حسان:

    لوان اللؤم ينسب كان عبداً ... قبيح الوجه أعور من ثقيف

    وسئل أبو العباس محمد بن يزيد النحوي عن قول الملك: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} وهم الملائكة لا أزواج لهم، فقال: نحن طول النهار نفعل مثل هذا، نقول: ضرب زيدٌ عمراً، وإنما هذا تقديريٌ؛ كأن المعنى إذا وقع فكيف الحكم فيه؟ وذكروا قول عدي بن زيدٍ العبادي للنعمان بن المندر: أتدري ما تقول هذه الشجرة أيها الملك؟ قال: وما تقول؟ قال: تقول:

    رب ركبٍ قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال

    (النهي عن دخول المسجد بريح الثوم)

    - في بعض روايات هذا الحديث: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة [30].

    الخُبث في اللغة: عبارة عن كل ما لا يلائم الحاستين من الشم والذوق، ويستعار في غير ذلك. والخبث في الشريعة: عبارةٌ في الأ"عمة عن المحرم. وهو معنى قوله [تعالى]: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} أي: يحرم عليكم المحرمات، أي: يبينها؛ وقد قال غير مالكٍ من العلماء: معنى الخبائث - هاهنا-: كل مستكرهٍ، وموضع الكلام عليه غير هذا الموضع.

    - وقوله: فلا يقرب مساجدنا؛ يؤذينا بريح الثوم. كذا الرواية: يؤذينا بإثبات الياء، وهو الصحيح. ولا يجوز في مثل هذا الجزم، على جواب النهي في قول سيبويه وأصحابه. وكان الكسائي يجيز فيه الجزم، وهو غلط؛ لأنه يصير تباعدهم عن المسجد سبباً لإذايته لهم بريح الثوم. وقوله: يؤذينا يجوز أن يكون في موضع رفعٍ على خبر مبتدأٍ مضمرٍ، كأنه قال: فهو يؤذينا، ويجوز أن يكون ف يموضع نصب على الحال من الضمير في يقرب كأنه قال: مؤذياً لنا.

    - وقوله: جبذ الثوب جبذاً، وجذب جذباً بمعنى واحدٍ.

    - وقوله: حتى ينزعه عن فيه. المشهور في هذه اللفظة هذا، وهو أن يستعمل في حال الإضافة بحرف اللين، فيقال: فوه في الرفع، وفاه في النصب، وفيه في الخفض، وربما استعملوه في حال الإضافة بالميم. قال الراجز:

    * يصبح ظمآن وفي البحر فمه*

    ويستعمل في حال إفرادها بالميم؛ فيقال: فمٌ، ومن العرب من يضم الفاء، ومنهم من يكسرها.

    كتاب الطهارة

    (العمل في الوضوء)

    الاستنثار [1] دفع الماء بريح الخياشيم، والاستنشاق: جذبه به. وقيل: الاستنثار: أخذ الماء بالأنف، وهو مشتق من النثرة، وهي الأنف. كأن معناه: أخذ الماء بالنثرة، فهو على هذا بمنزلة الاستنشاق سواء.

    والقول الأول أشبه بالاستنثار المذكور في الحديث في الوضوء؛ لأنه قد جاء في حديث أبي هريرة: إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمناخره من الماء ثم لينثر ولأن الاستنثار: استفعالٌ؛ من قولهم: نثرت الشيء نثراً، إذا رميته متفرقاً، ويقال: نثر واستنثر بمعنى واحدٍ.

    والوضوء - بضم الواو-: وهو الفعل، وبفتحها: الماء، وحكي عن الخليل: الفتح فيهما، والأول قولٌ مشهورٌ عن الكوفيين، وأما سيبويه وأصحابه فقالوا: ما حكي عن الخليل، وذكروا أن المصادر حكمها أن تجيء على فعولٍ - بضم الفاء - كالقعود، والجلوس، والأسماء بالفتح إلا أشياء شذت من المصادر فجاءت مفتوحة الأوائل، وهي الوضوء والطهور، والوقود، والولوع والقبول، [والوزوع]، كما شذت أشياء من الأسماء، فجاءت بالضم، كالسدوس، وهو الطيلسان. وقال الأصمعي: الوضوء - بضم الواو - ليس من كلام العرب، وإنما هو قياس قاسه النحويون، واشتقاقه من الوضاءة؛ وهو الحسن والنظافة.

    وأصل المضمضة: الغسل، يقال: مضمض إناه، ومصمصه؛ إذا غسله؛ ويقال: تمضمض النوم في عينيه؛ إذا بدا.

    - والاستجمار [2] هو إزالة نجو الأذى من المخرج بالماء، أو بالأحجار. يقال: استجمر الرجل: إذا تمسح بها، سمي بذلك؛ لأنه يتعلق بالأحجار، وهي الجمار. وقال القاضي أبو الحسن: يجوز أن يقال: أخذ من 5/أ/ الاستجمار بالبخور الذي يطيب الرائحة، وهذا يزيل الرائحة القبيحة.

    والجمار عند العرب: الحجارة الصغار، وبه سميت حجار مكة.

    - قوله: ويلٌ للأعقاب من النار [6]. العَقِبُ والعَقْبُ وَالعُقْبُ: مؤخر القدم، وعقبته: ضربته عقبه، وعقب كل شيءٍ: آخره، وكذلك عاقبته وعاقبه، وكل شيءٍ جاء بعد شيءٍ فهو عقبه، والمعقب: الذي يتبع عقب الإنسان في حق، والعقب: ولد الرجل، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: العاقب. والألف واللام في قوله: ويلٌ للأعقاب يحتمل أن تكون للعهد، وأن يريد به الأعقاب التي لا ينالها الوضوء، ويبعد أن يريد به الجنس؛ لأن ذلك يخرجه عن أن يكون وعيداً لمن أخل ببعض الوضوء.

    - وقوله: لما تحت إزاره يحتمل أن تكون اللام بمعنى في وكنى عن موضع الحدث [بما تحت الإزار؛ لأن الوضوء لو أطلق لكان الأظهر حمله على الوضوء الرافع للحدث] فبين أن المراد به الاستنجاء.

    (وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة)

    وقع في بعض الروايات: إذا نام أحدكم مضطجعاً [10]. وفي بعضها: مضجعاً بضادٍ معجمةٍ، وهما لغتان، وقد حكيت لغةٌ ثالثةٌ: مطجعٌ بطاءٍ غير معجمةٍ، وحكيت لغةٌ رابعةٌ - شاذةٌ-: ملطجعٌ باللام وبالطاء غير معجمةٍ.

    - وقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} تأويله: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، فترك ذكر الإرادة، وهي السبب، واكتفى بذكر المسبب عنها، وهو القيام، ونظيره قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}؛ لأن الاستعاذة إنما تكون قبل القراءة؛ وعلى نحوه تأولوا قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَاسُنَا} المعنى: أردنا إهلاكها؛ لأن مجيء البأس إنما يكون قبل الإهلاك، وقال ابن جني: معنى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}: إذا تأهبتم ونظرتم في أمرها، وليس يُراد بالقيام هنا المثول الذي هو نظير القعود، إنما هو من قولهم: قمت بالأمر: إذا توليته ونظرت فيه، وهذان التأويلان خلاف ما قاله زيد بن أسلم.

    (الطهور للوضوء)

    هذه الترجمة تحتمل أربعة وجوه:

    أحدها: أن تكون الطاء من الطهور، والواو من الوضوء مرفوعتين.

    والثاني: أن تكونا منصوبتين.

    والثالث: أن تكون الطاء مرفوعةً، والواو منصوبةً.

    والرابع: بعكسه، وهو حرفٌ لم تضبطه الرواة.

    وقد اختلف أرباب اللغة في معناهما على هذا الضبط اختلافاً كثيراً. والأشهر أن يكون الفعول بضم الفاء للفعل، وبفتحها للمفعول به، وهي الآلة.

    فالطهور والوضوء - بفتح الطاء والواو للماء، وبضمهما للفعل-، فعلى هذا يكون مساق الترجمة، الطهور - بفتح الطاء، والوضوء - بضم الواو.

    وقال ابن السيد: فأما الطهور فمفتوح الطاء، سواءٌ أردت به المصدر أو الماء.

    - وقوله: هو الطهور ماؤه [12]. يقال: ماءٌ طهورٌ، أي: يتطهر به، كما يقال: وضوءٌ للماء الذي يتوضأ به، وكل طهور طاهرٌ، وليس كل طاهرٍ طهوراً.

    - وقوله: الحل ميتته يقال: حلٌ وحلالٌ، كما يقال في ضده: حرمٌ وحرامٌ. ويقال في الحيوان: ميتةٌ بالهاء، وفي الأرض: ميتٌ بغير هاءٍ، قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} بالهاء، وقال [تعالى]: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}.

    - وقوله: إنها ليست بنجسٍ [13]. يقال لكل مستقذرٍ: نجسٌ، فإذا ذكرت الرجس قلت: نجسٌ رجسٌ - بكسر النون وسكون الجيم-.

    - وقوله: إنما هي من الطوافين عليكم أبو الهيثم: الطائف: الخادم الذي يخدمك برفقٍ وعنايةٍ، وجمعه: الطوافون، وقال الفراء: في قوله تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} إنما هم خدمكم.

    - ومعنى: أصغى لها الإناء: أماله، وكل شيءٍ أملته [فقد] أصغيته.

    - وقوله: خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص [14]. الركب: جمع راكبٍ، وأكثر ما يستعمل في الإبل، وهو عند سيبويه اسمٌ للجمع: وعند الأخفش جمعٌ، ودليل صحة قول سيبويه 5/ب/ قولهم في تصغيره: ركيبٌ، والأركوب والركاب: لمن ركب الدواب، والركاب: لمن ركب السفن، والركاب: الإبل تحمل القوم.

    - والحوض: مجتمع الماء.

    - وقوله: إن كان الرجال والنساء [15]. على معنى التأكيد، وإن مخففةٌ من الثقيلة المؤكدة، وتقدم.

    (ما لا يجب منه الوضوء)

    قال الخليل: القلس [17، 18]: ما خرج من الحلق وليس بقيءٍ، وهو بسكون اللام مصدر، فإذا أردت اسم الشيء الخارج قلت: قلسٌ بفتح اللام، كالهدم في المصدر، والهدم ف يالشيء المهدوم.

    - فأما القيء [18] فيكون المصدر، ويكون الشيء الذي يُتقيأ، وهذه من تسميته بفعله الذي يفعله، كقولهم للعين: طرفٌ، ولحظٌ، وللأذن: سمعٌ، وإنما هي في الحقيقة مصادر؛ من قولك: طرف، ولحظ، وسمع، وقد قلس يقلس، والسحابة تقلس بالندى. وذكر الباجي: القلس: ماءٌ أو طعامٌ يسيرٌ يخرج إلى الفم، وقال أبو حنيفة: هو أول القيء.

    (ترك الوضوء مما مست النار)

    - أبان بن عثمان [22]. إن جعلت همزته أصليةً وألفه زائدةً، كأنه مشتق من أبنت الرجل تأبيناً: إذا مدحته بعد موته، أو من أبنته: إذا اتهمته بسوءٍ. فهو مصروفٌ؛ لأن وزنه فعالٍ بمنزلة أداءٍ، وإن جعلته فعلاً ماضياً سمي به حكيته إن اعتقدت أن فيه ضميراً فاعلاً، وأجريته مجرى ما لا ينصرف، وإن اعتقدت أن لا ضمير فيه صرفته.

    - والسويق [20]: طعامٌ يتخذ من قمحٍ أو شعيرٍ يدق حتى يكون شبه الدقيق، فإذا احتيج إلى أكله خلط بماءٍ أو لبنٍ، أو رُبٍّ أو نحوه، وقال قومٌ: هو الكعك.

    - وقوله: فأمر به فثري أي: بل؛ لما لحقه من اليبس والقدم، يقال: ثرى التراب يثريه تثريةً، ويقال: ثر المكان، أي: رشه.

    (جامع الوضوء)

    - الاستطابة [27]: هي الاستجمار والتنظيف، وإزالة الأذى عن المخرج بالأحجار أو بالماء؛ مأخوذٌ من التطيب، يقال منه: استطاب الرجل وأطاب: إذا استنجى، ويقال: رجلٌ مطيبٌ: إذا فعل ذلك، قال الأعشى:

    يا رخماً قاظ على مطلوب

    يعجل كف الخارئ المطيب قاظ: أقام في القيظ في اليوم الصائف، والاستطابة والاستجمار: اسمان لمعنىً واحدٍ.

    - وقوله: أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجارٍ؟ تقدم معنى هذه الواو في الحديث الأول في أو أن جبريل؛ وهي عند سيبويه وأصحابه: واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام، فأحدثت في الكلام ضرباً من التقرير. وقد تكون للاستفهام الذي لا تقرير فيه، وقد تحدث في الكلام معنى التوبيخ، كقوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} وقد تستعمل على وجهين؛ أحدهما: تقرير المخبر عن بعض ما أخبر به. والثاني: عطف كلام المخاطب على كلام المتكلم، وزعم بعض النحويين أن الواو في هذه المواضع زائدةٌ، وزعم بعضهم أنها أو حركت واوها، ولا وجه لدخول أو هنا.

    - وقوله: خرج إلى المقبرة [28]. أي: موضع دفن الموتى، قال الفراء: واحد المقابر مَقْبَرَةٌ، ومَقْبُرَةٌ. وبعض أهل الحجاز يقولون: مقبرةٌ بكسر الباء. وقد سمعت: مشرقةٌ ومَشْرَقَةٌ.

    - وقوله: دار قوم مؤمنين. كنى بالدار عن العمرة لها، وذلك كثيرٌ في فصاحة العرب، تعبر بالمنزل عن أهله.

    - وقوله: إنا إن شاء الله بكم لاحقون قد تكون إلا الاستثناء في الواجبات التي لا بد من وقوعها لغة للعرب، ليس على سبيل الشك، ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}، والشك لا سبيل إلى إضافته إلى الله تعالى.

    - وقوله: وأنا فرطهم على الحوض. الفرط: المتقدم الماشي من أمامٍ إلى الماء، قاله أبو عبيدٍ وغيره [قال ابن وهبٍ: أي: أنا أمامهم وهم ورائي يتبعوني، واستشهد أبو عبيدٍ] بقول الشاعر:

    فأثار فارطهم غطاطاً جثماً ... أصواته كتراطن الفرس

    وقال القطامي:

    واستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فراطٌ لوراد

    وقال لبيدٌ:

    فوردنا قبل فراطٍ القطا ... إن من وردى 6/أ/ تغليس النهل

    ويقال: فرطت القوم؛ إذا قدمتهم لترتاد لهم الماء، وتهيء لهم الرشاء، وافترط فلانٌ ابناً، أي: تقدم له ابنٌ، وفي حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع ابنه إبراهيم في حجره، وهو يجود بنفسه، فقال: لولا أنه موعد صدقٍ، ووعدٌ جامعٌ، وأن الماضي فرط الباقي. وقال ابن هرمة:

    ذهب الذين أحبهم فرطاً ... وبقيت كالمقبور في خلف

    ومن كل مطوي على حنق ... متكلفٍ يكفى ولا يكفي وقال غيره:

    ومنهلٍ وردته التقاطاً

    لم ألق إذ وردته فرطا

    إلا القطا أوابداً غطاطا

    الأوابد: الطير التي لا تبرح شتاءً ولا صيفاً من بلدانها، والقواطع: التي تقطع من بلدٍ إلى بلد في زمنٍ بعد زمنٍ. والأوابد - أيضاً-: الإبل إذا توحش منها شيءٌ، والأوابد أيضاً: الدواهي واحدتها آبدة، [يقال منه: جاء فلانٌ بآبدة]. وقال الخليل: الغطاط: طيرٌ يشبه القطا.

    - ومعنى: فليذادن: يبعدن ويطردن، قال زهيرٌ:

    ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

    وقال الراجز:

    يا أخوي نهنها أو ذودا

    إني أرى حوضكما مورودا

    - وقوله: فلا يذادن على النهي، أي: لا يفعل أحدٌ فعلاً يكون سبب طرده عن حوضي.

    - وقوله: غرا محجلين. الغرة: بياضٌ في الوجه، وأصله في الجبهة للفرس فهو الدرهم، والتحجيل في اليدين والرجلين.

    - وقوله: في خيلٍ دهمٍ بهمٍ. أصل الدهمة: السواد؛ ومنه الأدهم من الخيل، والبهيم اللون الواحد لا شية فيها، ومنه الحديث: يحشر الناس يوم القيامة عراةً حفاةً بهماً يقول: ليس فيهم شيءٌ من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا، من العمى والعرج وغيره، وإنما هي أجسادٌ مصححةٌ؛ لخلود الأبد، والبهيم يوصف به الحيوان والليل.

    - وقوله: ألا هلم هذا على اللغة الحجازية الفصيحة، لا يلحقون هلم ضمير الاثنين ولا الجماعة ولا المؤنث، ويدعونها مفردةً؛ لأنها مركبةٌ من كلمتين، وهما ها التي للتنبيه، ولم التي للأمر، فغلب عليها معنى الحرف، قال الله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}. وبنو تميمٍ يلحقونها الضمير، فيجرونها مجرى الفعل.

    - وأما قوله: فسحقاً فمعناه: فبعداً، والسحق والبعد، والإسحاق والإبعاد، والسحيق، والبعيد سواء، وكذلك النأي والبُعد [لفظتان] بمعنى واحدٍ، إلا أن سحقاً وبعداً هكذا إنما يجيء بمعنى الدعاء [على الإنسان] كما يقال: أبعده الله، وقاتله الله، ومحقه الله، وأسحقه الله أيضاً، ومنه قوله تعالى: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}.

    - وقوله في الحديث الآخر: جلس على المقاعد [29]. المقاعد: موضعٌ عند باب المسجد بالمدينة. وقال [ابن] حبيبٍ: قال مالكٌ: المقاعدُ؛ الدكاكين عند دار عثمان.

    وقال الداودي: هو الدرج، [وقيل] بل كانت حجارةً بقرب دار عثمان يقعد عليها مع الناس؛ وكل مكانٍ قعد فيه يقال: مقعدٌ، أي شيءٍ كان، فإن كان يقام فيه على الأقدام يقال له: مقامٌ، وجمعه مقاوم، وقد يقال للمقام مقعدٌ - أيضاً - قال الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}.

    - وقوله: فآذنه بصلاة العصر أي: أعلمه.

    - وقوله: وزلفاً من الليل هي الساعات، واحدتها: زلفةٌ، سميت بذلك لأن بعضها يقرب من بعضٍ، من قولك: أزلفت إليه، إذا قربت منه، ومنه: الزلفى إلى الله، أي: القربى والوسيلة، ومنه اشتقاق المزدلفة.

    وقوله في الحديث الآخر: من تحت أشفار عينيه [30]. الأشفار: حروف الأجفان وأطرافها، التي ينبت عليها الشعر، واحدها: شفرٌ وشفرٌ. هذا هو الأصل. وشفر كل شيءٍ: حرفه، وكذلك شفيره. ومنه؛ قيل: شفر الرحم، وشفير الوادي. وقد يُسمى الشعر النابت على الشفر شفراً بمنبته، على مذهب العرب في تسميتهم الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسببٍ، كقولهم 6/ب/ للمرأة: ظعينةٌ، وإنما [الظعينة] هو الهودج الذي يُظعن بها فيه. وقيل: بل الظعينة: المرأة المظعون بها، ويسمى الهودج باسمها، فالظاهر منه حديث الصنابحي: أنه أراد بالأشفار الشعر، لا حروف الأجفان.

    - وقوله في الحديث الآخر: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله [35] فيه استعمال الشرب في كل حيوانٍ، وفي كل ألفاظ هذا الحديث سوى هذا: إذا ولغ الكلب هو المشهور في اللغة وقد تقدم أن الوضوء بالفتح: الماء، وبالضم: المصدر. والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه، فلذلك يسمى الماء: وضوءاً.

    - وقوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر [32]. المعنى: وقد حانت، ولا بد من تقدير قد هنا؛ لأن الجملة في موضع الحال، والماضي لا يصلح أن يقع حالاً إلا أن يكون معه قد مظهرةً أو مضمرةً، ولهذا قيل - في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} -: أن المعنى: قد حصرت.

    - الخطوة [33]. - بفتح الخاء وضمها-: المصدر؛ من خطوت؛ وهي المرة الواحدة؛ من الخطو. وفرق الفراء بينهما، فقال: الخطوة - بالفتح - المصدر، - وبالضم-: ما بين القدمين.

    والسعي: في الكلام: المشي سريعاً [أو غير سريعٍ]. وقول عمر: وهذا وامضوا إلى ذكر الله، لو قال: فاسعوا لسعيت، حتى يسقط ردائي، يمكن أن تكون لغة عمر وقومه؛ لأن العرب تختلف لغاتهم.

    - وقوله: استقيموا ولن تحصوا. الإحصاء - هنا - بمعنى القدرة والطاقة، كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}، وقوله: من أحصاها دخل الجنة وحقيقة الإحصاء: إحاطة العلم بالشيء، حتى لا يشذ عنه منه شيءٌ؛ وذلك مما يشق ويتعذر في أكثر الأمور، فضرب مثلاً في عدم الطاقة والعجز عن الشيء.

    (ما جاء في المسح على الخفين)

    سميت غزوة تبوك بعين تبوك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجلين اللذين سبقا إليها، وجعلا يدخلان فيها سهمين، ليكثر ماؤها، فسبهما، وقال: ما زلتما تبوكانها منذ اليوم. والبوك: كالنقش، والحفر في الشيء. وهذا فيه نظرٌ.

    والخف: هو كل ساترٍ من جلدٍ مخروزٍ يكون على الرجل تمكن متابعة المشي عليه؛ وهو الذي تتعلق به الرخصة. وأشار صاحب العين إلى أنه سمي خفاً؛ لأنه يتخففه الإنسان.

    - وقوله: قال عمر: نعم. يقال: نعم ونعم، وقرئ بهما، وكان من لغة عمر نعم؛ لأن الرواة رووا: "أن أعرابيةً وقفت عليه، وأنشدت: يا عمر الخير رزقت الجنة

    اكس بناتي وأمهنه

    الشعر، فقال عمر: نَعِمْ نَعِمْ.

    والغائط: المكان المنخفض من الأرض، وجمعه: غيطان؛ وكان أحدهم إذا أراد قضاء حاجته أتى غائطاً، فسمي الحدث غائطاً لذلك، واشتق منه: تغوط الرجل؛ وغاط من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسببٍ.

    (ما جاء في الرعاف)

    يقال: رعفت أرعف - بالضم والفتح في المضارع-: أي: سال الدم من منخرفي بطبيعته. وأصل الرعاف: التقدم؛ ومنه قيل: فرس فلانٍ يرعف الخيل؛ إذا تقدمها، فكأن الدم هاهنا: تقدم إلى الأنف، وأسرع الخروج منها، فسمي رعافاً، ورعفت أرعف - بالضم فيهما - أيضاً لغةٌ. ابن القوطية: والفتح أفصح.

    ويقال في المصدر: رعفا - بسكون العين-، ورعافاً؛ وهو المشهور، وحكي في الماضي - أيضاً-: رعف - بالكسر-، ولا يقال: رعف - على ما لم يسم فاعله-. ومسألة رعف كانت سبب قراءة سيبويه على الخليل وبراعته؛ لأن حماد بن سلمة لحنه في رعف فخجل، وقال: سأقرأ علماً لا تلحنني فيه، فنهض إلى الخليل، وشكا إليه، فقال له: رعف - بالفتح - الفصيحة، ورعف - بالضم - غير فصيحةٍ، فلازمه. وكان الأصمعي لا يجيز غير رعف بفتح العين، ويدل على صحته قولهم 7/أ/: في المصدر: رعافٌ، وفعالٌ لا يكون إلا من الفعل المفتوح العين، كالنباح.

    (العمل فيمن غلبه الدم)

    - قوله: من الليلة التي طعن فهيا [51]. يجوز في من وجهان؛ أحدهما: أن يدخل صبحاً من الليلة، فحذف بعض الكلام اختصاراً، كما تقول: اشتريت من الثياب، تريد ثوباً من الثياب، ونحوه قول النابغة:

    * كأنك من جمال بني أقيشٍ*

    أراد: جملاً من جمال بني أقيشٍ، ويقوي هذا التأويل قوله: فأيقظ عمر لصلاة الصبح.

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1