Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تفسير ابن كثير ط العلمية
تفسير ابن كثير ط العلمية
تفسير ابن كثير ط العلمية
Ebook1,067 pages5 hours

تفسير ابن كثير ط العلمية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تفسير القرآن العظيم المشهور بـ «تفسير ابن كثير»، للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير (المتوفى 774 هـ)، هو من أشهر الكتب الإسلامية المختصة بعلم تفسير القرآن الكريم، ويُعدُّ من أشهر ما دُوِّن في موضوع التفسير بالمأثور أو تفسير القرآن بالقرآن، فيعتمد على تفسير القرآن بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، وكذلك يذكر الأحاديث والآثار المسندة إلى أصحابها، وأقوال الصحابة والتابعين، كما اهتم باللغة العربية وعلومها، واهتم بالأسانيد ونقدها، واهتم بذكر القراءات المختلفة وأسباب نزول الآيات، كما يشتمل على الأحكام الفقهية، ويعتني بالأحاديث النبوية، ويشتهر بأنه يخلو من الإسرائيليات تقريبًا، ويضعه البعض بعد تفسير الطبري في المنزلة، ويفضله آخرون عليه.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateFeb 12, 1902
ISBN9786322040559
تفسير ابن كثير ط العلمية

Read more from ابن كثير

Related to تفسير ابن كثير ط العلمية

Related ebooks

Related categories

Reviews for تفسير ابن كثير ط العلمية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تفسير ابن كثير ط العلمية - ابن كثير

    الغلاف

    تفسير ابن كثير ط العلمية

    الجزء 14

    ابن كثير

    774

    سورة يس (36) : الآيات 51 الى

    54]

    وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)

    هَذِهِ هِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ نَفْخَةُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِلْقِيَامِ مِنَ الْأَجْدَاثِ وَالْقُبُورِ، ولهذا قال تعالى: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ وَالنَّسَلَانُ هُوَ الْمَشْيُ السَّرِيعُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:

    يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ. .. قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [المعارج: 43] يعنون قُبُورِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ مِنْهَا، فَلَمَّا عَايَنُوا مَا كذبوا به فِي مَحْشَرِهِمْ قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وَهَذَا لَا يَنْفِي عَذَابَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ، لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُ فِي الشدة كالرقاد. قال أبي بن كعب رضي الله عنه وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَنَامُونَ نَوْمَةً قَبْلَ الْبَعْثِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ أَجَابَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا يُجِيبُهُمْ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ، وَلَا مُنَافَاةَ إذ الجمع ممكن، والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

    وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الْجَمِيعُ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أصح، وذلك لقوله تبارك وتعالى فِي الصَّافَّاتِ: وَقالُوا يَا وَيْلَنا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [الصافات: 20 - 21] وقال الله عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الروم: 55 - 56] .

    وقوله تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ كقوله عز وجل: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 13] وقال جلت عظمته:

    وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل: 77] وقال جل جلاله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 52] أَيْ إِنَّمَا نَأْمُرُهُمْ أَمْرًا وَاحِدًا، فَإِذَا الْجَمِيعُ مُحْضِرُونَ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أَيْ مِنْ عَمَلِهَا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

    سورة يس (36) : الآيات 55 الى

    58]

    إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)

    يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا ارْتَحَلُوا مِنَ الْعَرَصَاتِ، فَنَزَلُوا فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، أَنَّهُمْ فِي شُغُلٍ عَنْ غَيْرِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: فِي شُغُلٍ عَمَّا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ أَيْ فِي نَعِيمٍ مُعْجَبُونَ أَيْ بِهِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَقَالَ ابن عباس رضي الله عنه:

    فَاكِهُونَ أَيْ فَرِحُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وسعيد الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَعْمَشُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ والأوزاعي في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ قَالُوا: شَغَلَهُمُ افْتِضَاضُ الْأَبْكَارِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ أَيْ بِسَمَاعِ الْأَوْتَارِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنَ الْمُسْتَمِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ افْتِضَاضُ الْأَبْكَارِ.

    وَقَوْلُهُ عز وجل: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَحَلَائِلُهُمْ، فِي ظِلالٍ أي في ظلال الأشجار عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَخُصَيْفٌ الْأَرائِكِ هِيَ السُّرُرُ تَحْتَ الْحِجَالِ.

    [قُلْتُ] نَظِيرُهُ فِي الدُّنْيَا هذه التخوت تحت البشاخين، والله سبحانه وتعالى أعلم.

    وقوله عز وجل: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ أَيْ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ أَيْ مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دينار، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ الْمُعَافِرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ أَنَّهُ سَمِعَ أسامة بن زيد رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ مُشَمِّرٌ إِلَى الْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ كُلُّهَا يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمُقَامٌ فِي أَبَدٍ فِي دَارِ سلامة، وفاكهة خضرة وخيرة وَنَعْمَةٍ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ» قَالُوا:

    نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «1» فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ به.

    وقوله تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قَالَ ابْنُ جرير: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى نفسه سلام على أهل الجنة، وهذا (1) كتاب الزهد باب 39.

    الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الْأَحْزَابِ:

    44]. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ الرَّقَاشِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فذلك قوله تعالى:

    سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قَالَ: فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ وَيَبْقَى نُورُهُ وَبِرْكَتُهُ عَلَيْهِمْ وَفِي دِيَارِهِمْ». وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «1» فِي كِتَابِ السُّنَةِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ بِهِ.

    وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2»: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يُحَدِّثُ عن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: إذا فرغ الله تعالى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَقْبَلَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، قَالَ: فَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ الْقُرَظِيُّ، وَهَذَا في كتاب الله تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فيقول الله عز وجل: سَلُونِي، فَيَقُولُونَ: مَاذَا نَسْأَلُكَ أَيْ رَبِّ؟ قَالَ: بَلَى سَلُونِي، قَالُوا: نَسْأَلُكَ أَيْ رَبِّ رِضَاكَ، قَالَ: رِضَائِي أُحِلُّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي، قَالُوا: يَا رَبِّ فَمَا الَّذِي نَسْأَلُكَ، فَوَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَارْتِفَاعِ مَكَانِكَ لَوْ قَسَّمْتَ عَلَيْنَا رِزْقَ الثَّقَلَيْنِ لَأَطْعَمْنَاهُمْ وَلَأَسْقَيْنَاهُمْ وَلَأَلْبَسْنَاهُمْ وَلَأَخْدَمْنَاهُمْ لَا يَنْقُصُنَا ذَلِكَ شَيْئًا. قال تعالى إِنَّ لَدَيَّ مَزِيدًا، قَالَ: فَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ فِي دَرَجِهِمْ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِي مَجْلِسِهِ، قَالَ: ثُمَّ تَأْتِيهِمُ التُّحَفُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تحملهم إليهم الملائكة، ثم ذكر نحوه.

    وهذا خبر غريب، أورده ابن جرير من طرق، والله أعلم.

    سورة يس (36) : الآيات 59 الى

    62]

    وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)

    يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يؤول إليه الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَمْرِهِ لَهُمْ أَنْ يمتازوا بمعنى يميزون عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْقِفِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ [يُونُسَ: 28] وقال عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الرُّومِ: 14] يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الرُّومِ: 43] أَيْ يَصِيرُونَ صَدْعَيْنِ فِرْقَتَيْنِ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (1) كتاب المقدمة باب 13.

    (2) تفسير الطبري 10/ 456.

    [الصافات: 22 - 23] .

    وقوله تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ هذا تقريع من الله تعالى لِلْكَفَرَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ، الَّذِينَ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ وَهُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ مُبِينٌ، وَعَصَوُا الرَّحْمَنَ وَهُوَ الذي خلقهم ورزقهم، ولهذا قال تعالى: وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أَيْ قَدْ أَمَرْتُكُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا بِعِصْيَانِ الشَّيْطَانِ، وَأَمَرْتُكُمْ بِعِبَادَتِي، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَسَلَكْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَلِهَذَا قال عز وجل: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً يُقَالُ: جِبِلًّا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَيُقَالُ جُبُلًا بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْبَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُ الْبَاءَ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وقتادة والسدي وسفيان بن عيينة.

    وقوله تعالى: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ أَيْ أَفَمَا كَانَ لَكُمْ عَقْلٌ فِي مُخَالَفَةِ رَبِّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ من عبادته وحده لا شريك له، وعدو لكم إلى اتباع الشيطان. قال ابن جريج «1»: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ يوم القيامة، أمر الله تعالى جَهَنَّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ يَقُولُ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فَيَتَمَيَّزُ النَّاسُ وَيَجْثُونَ، وَهِيَ التي يقول الله عز وجل: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» [الجاثية: 28] .

    سورة يس (36) : الآيات 63 الى

    67]

    هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67)

    يُقَالُ لِلْكَفَرَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لَهُمْ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أَيْ هَذِهِ الَّتِي حَذَّرَتْكُمُ الرُّسُلُ، فَكَذَّبْتُمُوهُمْ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ [الطُّورِ: 13 - 15]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ هَذَا حَالُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُنْكِرُونَ ما اجترحوه فِي الدُّنْيَا، وَيَحْلِفُونَ مَا فَعَلُوهُ، فَيَخْتِمُ اللَّهُ على أفواههم ويستنطق (1) تفسير الطبري 10/ 456.

    جَوَارِحَهُمْ بِمَا عَمِلَتْ.

    قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التميمي، حدثنا أبو عامر الأزدي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضْحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَتُدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال صلى الله عليه وسلم: «مِنْ مُجَادَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: لَا أُجِيزُ عَلَيَّ إِلَّا شَاهِدًا مِنْ نَفْسِي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا، وبالكرم الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ» «1» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ أبي بكر عن أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي.

    النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيِّ بِهِ. ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ:

    لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ غَيْرَ الْأَشْجَعِيِّ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، كَذَا قَالَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو الْأَسَدِيِّ وَهُوَ الْعَقَدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ.

    وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

    «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ مُفَدَّمًا عَلَى أَفْوَاهِكُمْ بِالْفِدَامِ، فَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَتِفُهُ «2»، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ الطَّوِيلِ، قَالَ فِيهِ: «ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ: مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَبْدُكَ آمَنْتُ بِكَ وَبِنَبِيِّكَ وَبِكِتَابِكَ، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ وَتَصَدَّقْتُ، وَيَثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ - قَالَ - فَيُقَالُ لَهُ: أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدَنَا؟ - قَالَ - فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ انطقي - قال - فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الذي سخط الله تعالى عَلَيْهِ» «3» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ بِطُولِهِ.

    ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عبيد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ عَظْمٍ مِنَ الْإِنْسَانِ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلَى الأفواه، فخذه من الرجل اليسرى» وروى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ بِهِ مِثْلُهُ. وَقَدْ جَوَّدَ إِسْنَادَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نافع، حدثنا (1) أخرجه مسلم في الزهد حديث 17.

    (2) أخرجه أحمد في المسند 5/ 4، 5.

    (3) أخرجه مسلم في الزهد حديث 16.

    (4) المسند 4/ 151.

    إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ عَظْمٍ مِنَ الْإِنْسَانِ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ فَخِذُهُ مِنَ الرِّجْلِ الشِّمَالِ» .

    وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1»: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ أَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُدْعَى الْمُؤْمِنُ لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَمَلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيَعْتَرِفُ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ عَمِلْتُ عملت عملت، قال: فيغفر الله تعالى لَهُ ذُنُوبَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْهَا، قَالَ: فَمَا عَلَى الْأَرْضِ خَلِيقَةٌ تَرَى مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ شَيْئًا وَتَبْدُو حَسَنَاتُهُ، فَوَدَّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَرَوْنَهَا، وَيُدْعَى الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ لِلْحِسَابِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَمَلَهُ فَيَجْحَدُ وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ وَعَزَّتِكَ لَقَدْ كَتَبَ عَلَيَّ هَذَا الْمَلَكُ مَا لَمْ أَعْمَلْ، فيقول له الملك: أما علمت كذا يَوْمِ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا؟ فَيَقُولُ:

    لَا وَعِزَّتِكَ أَيْ رَبِّ مَا عَمِلْتُهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذلك ختم الله على فيه، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: فَإِنِّي أَحْسَبُ أَوَّلَ مَا يَنْطِقُ مِنْهُ الْفَخِذُ الْيُمْنَى، ثُمَّ تَلَا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

    وقوله تبارك وتعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِهَا: يَقُولُ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟ وَقَالَ مُرَّةُ: أَعْمَيْنَاهُمْ: وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فجعلهم عميا يترددون. وقال السدي: يقول ولو نشاء أَعْمَيْنَا أَبْصَارَهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ، يَعْنِي الطَّرِيقَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي بِالصِّرَاطِ هَاهُنَا الْحَقَّ، فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَقَدْ طَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: فَأَنَّى يُبْصِرُونَ لا يبصرون الحق «2» .

    وقوله عز وجل: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَهْلَكْنَاهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي لَغَيَّرْنَا خَلْقَهُمْ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: لَجَعَلْنَاهُمْ حِجَارَةً.

    وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقتادة: لأقعدهم على أرجلهم، ولهذا قال تبارك وتعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا أَيْ إِلَى أَمَامٍ وَلا يَرْجِعُونَ إِلَى وَرَاءٍ بَلْ يَلْزَمُونَ حَالًا وَاحِدًا لَا يتقدمون ولا يتأخرون.

    سورة يس (36) : الآيات 68 الى

    70]

    وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) (1) تفسير الطبري 10/ 458.

    (2) انظر هذا الأثر والآثار التي قبله في تفسير الطبري 10/ 458، 459.

    يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ ابْنِ آدَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا طَالَ عُمْرُهُ، رُدَّ إِلَى الضَّعْفِ بَعْدَ الْقُوَّةِ، والعجز بعد النشاط، كما قال تبارك وتعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54] وقال عز وجل:

    وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً [النحل: 70] وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ بِأَنَّهَا دَارُ زَوَالٍ وَانْتِقَالٍ، لَا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل: أَفَلا يَعْقِلُونَ أَيْ يَتَفَكَّرُونَ بِعُقُولِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثُمَّ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ خُلِقُوا لِدَارٍ أُخْرَى لَا زَوَالَ لَهَا وَلَا انْتِقَالَ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا، وَهِيَ الدَّارُ الْآخِرَةُ.

    وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ يَقُولُ عز وجل مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ أي ما هُوَ فِي طَبْعِهِ فَلَا يُحْسِنُهُ وَلَا يُحِبُّهُ ولا تقتضيه جبلته، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَحْفَظُ بَيْتًا عَلَى وَزْنٍ مُنْتَظِمٍ بَلْ إِنْ أَنْشَدَهُ زَحَّفَهُ أَوْ لَمْ يُتِمَّهُ. وقال أبو زرعة الرازي: حدثنا إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَلَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى إِلَّا يَقُولُ الشِّعْرَ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ الذي أكله الأسد بِالزَّرْقَاءِ.

    قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يتمثل بهذا البيت [الطويل] :

    كَفَى بِالْإِسْلَامِ وَالشَّيْبِ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: [الطويل] كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا «1» قَالَ أَبُو بكر أو عمر رضي الله عنهما: أشهد أنك رسول الله، يقول تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ وَهَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ بن مرداس (1) صدره:

    عميرة ودّع إن تجهزت غاديا والبيت لسحيم عبد بني الحسحاس في الإنصاف 1/ 168، وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103، وسر صناعة الإعراب 1/ 141، وشرح التصريح 2/ 88، وشرح شواهد المغني 1/ 325، والكتاب 2/ 26، 4/ 225، ولسان العرب (كفى)، ومغني اللبيب 1/ 106، والمقاصد النحوية 3/ 665، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 144، وأوضح المسالك 3/ 253، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح عمدة الحافظ ص 425، وشرح قطر الندى ص 323، وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 8/ 24، 93، 138، ولسان العرب (نهى) .

    السلمي رضي الله عنه «أنت القائل [المتقارب] :

    أَتَجْعَلَ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ ... بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ «1»

    فقال: إنما هو عيينة والأقرع، فقال صلى الله عليه وسلم: «الْكُلُّ سَوَاءٌ» يَعْنِي فِي الْمَعْنَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه، والله أعلم.

    وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ لِهَذَا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَيْتِ مُنَاسِبَةً أَغْرَبَ فِيهَا، حَاصِلُهَا شَرَفُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ عَلَى عُيَيْنَةَ بْنِ بدر الفزاري لأنه ارتد أيام الصديق رضي الله عنه بِخِلَافِ ذَاكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَكَذَا رَوَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَمْشِي بَيْنَ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ يَقُولُ «نُفْلِقُ هَامًا» فَيَقُولُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه متمما للبيت [الطويل] :

    مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ عَلَيْنَا ... وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وأظلما «2»

    وهذا لبعض الشعراء الْعَرَبِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَهِيَ فِي الْحَمَاسَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3»: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَرَاثَ الْخَبَرَ تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طرفة [الطويل] :

    وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ «4» وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهَا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ من الأشعار: (1) يروى البيت:

    أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع

    وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص 84، ولسان العرب (نهب)، (عبد)، وتاج العروس (نهب)، (عبد) .

    (2) البيت للحصين بن الحمام المري في الشعر والشعراء 2/ 648.

    (3) المسند 6/ 31، 146. [.....]

    (4) صدره: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وهو لطرفة في ديوانه ص 41، ولسان العرب (تبت)، (ريث)، وتاج العروس (رجز)، وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص 108، ولسان العرب (ضمن) .

    وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ثُمَّ قَالَ، ورواه غير زائدة عن سماك عن عطية عن عائشة رضي الله عنها، هذا فِي شِعْرِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ فِي مُعَلَّقَتِهِ المشهورة، وهذا المذكور منها أوله [الطويل] :

    سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا ... وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

    وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ ... بَتَاتًا وَلَمْ تَضِرِبْ لَهُ وقت موعد

    وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ: قيل لعائشة رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت رضي الله عنها: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ، فَيَجْعَلُ أَوَّلَهُ آخِرَهُ، وَآخِرَهُ أَوَّلَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: ليس هذا هكذا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بشاعر وما يَنْبَغِي لِي» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: بلغني أن عائشة رضي الله عنها سُئِلَتْ:

    هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَتْ رضي الله عنها: لَا. إِلَّا بَيْتَ طَرَفَةَ.

    سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا ... وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزود

    فجعل صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالْأَخْبَارِ» فَقَالَ أَبُو بكر: ليس هذا هكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُعَيْمٍ وَكِيلُ الْمُتَّقِي بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ إِلَّا بَيْتًا وَاحِدًا.

    تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا ... يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا

    سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ، وَلَمْ يعرف شيخ الحاكم ولا الضرير، وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ بِأَبْيَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولكن تبعا لقول أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون [رجز] :

    لا همّ لَولَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا «1»

    فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

    إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ... إِذَا أرادوا فتنة أبينا (1) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص 107، وشرح أبيات سيبويه 2/ 322، والكتاب 3/ 511، وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر 5/ 148، وشرح شواهد المغني 1/ 286، 287، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 234، وتخليص الشواهد ص 130، وخزانة الأدب 7/ 139.

    ويرفع صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ أَبَيْنَا وَيَمُدُّهَا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بزحاف في الصحيحين أيضا، وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ رَاكِبٌ الْبَغْلَةَ يُقْدِمُ بها في نحور العدو [رجز] :

    أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ «1»

    لَكِنْ قَالُوا هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِوَزْنِ شِعْرٍ، بَلْ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ، فَنَكِبَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم [رجز] :

    هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ «2»

    وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: 32] إنشاد [رجز] :

    إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لَكَ مَا أَلَمَّا «3»

    وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عُلِّمَ شعرا وما يَنْبَغِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَلَّمَهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فُصِّلَتْ: 42] وَلَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَلَا كِهَانَةٍ، وَلَا مُفْتَعِلٍ، وَلَا سِحْرٍ يُؤْثَرُ، كَمَا تَنَوَّعَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الضُّلَّالُ وَآرَاءُ الْجُهَّالِ، وَقَدْ كَانَتْ سَجِيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْبَى صِنَاعَةَ الشِّعْرِ طَبْعًا وَشَرْعًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قال:

    سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أُبَالِي مَا أُوتِيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي» تَفَرَّدَ بِهِ أبو (1) الرجز لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتاب العين 6/ 65، وتهذيب اللغة 10/ 611، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب 52، 61، والمغازي باب 54، ومسلم في الجهاد حديث 78 - 80، والترمذي في الجهاد باب 15، وأحمد في المسند 4/ 280، 281، 289، 304.

    (2) الرجز لرسول الله ص في كتاب العين 6/ 65، وتهذيب اللغة 2/ 51، وتاج العروس (صبع)، وجمهرة اللغة ص 686، ولسان العرب (صبع)، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب 9، والأدب باب 90، وتفسير سورة 93، ومسلم في الجهاد حديث 112، وأحمد في المسند 4/ 312، 313.

    (3) الرجز لأبي خراش الهذلي في الأزهية ص 158، وخزانة الأدب 7/ 190، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1346، وشرح شواهد المغني ص 625، ولسان العرب (جمم)، والمقاصد النحوية 4/ 216، وتاج العروس (جمم)، ولأمية بن أبي الصلت في الأغاني 4/ 131، 135، وخزانة الأدب 4/ 4، ولسان العرب (لمم)، وتهذيب اللغة 15/ 347، 420، وكتاب العين 8/ 350، وتاج العروس (لمم)، ولأمية أو لأبي خراش في خزانة الأدب 2/ 295، ولسان العرب (لمم)، وبلا نسبة في الإنصاف ص 76، وجمهرة اللغة ص 92، والجنى الداني ص 298، ولسان العرب (لا)، ومغني اللبيب 10/ 244، وكتاب العين 8/ 321، وديوان الأدب 3/ 166، وتاج العروس (لا) .

    دَاوُدَ «1» .

    وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْأُسُودِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسائغ عنده الشعر؟

    فقالت: قد كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. وَقَالَ عَنْ عَائِشَةَ رضي عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِأَنَّ يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» «3» انفرد بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

    وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4»: حَدَّثَنَا يزيد، حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ (ح) وحدثنا الأشيب، فقال عن أبي عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَضِ بَيْتَ شِعْرٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ،» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ نَظْمُهُ لَا إِنْشَادُهُ، والله أعلم.

    على أن الشعر مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ هِجَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي كَانَ يَتَعَاطَاهُ شُعَرَاءُ الْإِسْلَامِ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَمِنْهُ مَا فِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَآدَابٌ، كَمَا يُوجَدُ فِي شِعْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أُمَيَّةُ بن أبي الصلت الذي قال فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ» وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الصحابة رضي الله عنهم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَيْتٍ يَقُولُ عَقِبَ كُلِّ بَيْتٍ «هِيهِ» يَعْنِي يَسْتَطْعِمُهُ، فَيَزِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ «5»، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبُرَيْدَةَ بْنِ الحصيب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا» «6» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما علمه الله الشعر وَما يَنْبَغِي لَهُ أَيْ وَمَا يَصْلُحُ لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي عَلَّمْنَاهُ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وتدبره، ولهذا قال تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا (1) كتاب الطب باب 10.

    (2) المسند 6/ 148.

    (3) أخرجه أبو داود في الأدب باب 87.

    (4) المسند 4/ 125.

    (5) أخرجه مسلم في الشعر حديث 1، وابن ماجة في الأدب باب 41، وأحمد في المسند 4/ 388، 389، 390.

    (6) أخرجه أبو داود في الأدب باب 87.

    أي لينذر هذا القرآن المبين كُلَّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19] وقال جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هُودٍ: 17] وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِنِذَارَتِهِ مَنْ هُوَ حَيُّ الْقَلْبِ مُسْتَنِيرُ الْبَصِيرَةِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: حَيُّ الْقَلْبِ حَيُّ الْبَصَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ يَعْنِي عَاقِلًا «1» وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ أَيْ هُوَ رَحْمَةٌ للمؤمنين وحجة على الكافرين.

    سورة يس (36) : الآيات 71 الى

    73]

    أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)

    يَذْكُرُ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْعَامِ الَّتِي سَخَّرَهَا لَهُمْ فَهُمْ لَها مالِكُونَ قَالَ قَتَادَةُ: مُطِيقُونَ، أَيْ جَعَلَهُمْ يَقْهَرُونَهَا وَهِيَ ذَلِيلَةٌ لَهُمْ، لَا تَمْتَنِعُ مِنْهُمْ، بَلْ لَوْ جَاءَ صَغِيرٌ إِلَى بَعِيرٍ لَأَنَاخَهُ، وَلَوْ شَاءَ لَأَقَامَهُ وَسَاقَهُ، وَذَاكَ ذَلِيلٌ مُنْقَادٌ مَعَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقِطَارُ مِائَةُ بَعِيرٍ أَوْ أَكْثَرُ لَسَارَ الْجَمِيعُ بسير الصغير. وقوله تعالى: فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ أَيْ مِنْهَا مَا يَرْكَبُونَ فِي الْأَسْفَارِ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهِ الْأَثْقَالَ إِلَى سائر الجهات والأقطار وَمِنْها يَأْكُلُونَ إذا شاؤوا ونحروا وَاجْتَزَرُوا وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ أَيْ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ وَمَشارِبُ أَيْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا لِمَنْ يَتَدَاوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَفَلا يَشْكُرُونَ أَيْ أَفَلَا يُوَحِّدُونَ خَالِقَ ذلك ومسخره ولا يشركون به غيره؟.

    سورة يس (36) : الآيات 74 الى 76

    وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1