Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أعيان العصر وأعوان النصر
أعيان العصر وأعوان النصر
أعيان العصر وأعوان النصر
Ebook725 pages4 hours

أعيان العصر وأعوان النصر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

موسوعة ادبية تاريخية تحتوي على 2019 ترجمة لاعلام من القرنين السابع والثامن الهجريين من الملوك والحكام والوزراء والامراء والقضاة والفقهاء والادباء والشعراء
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 26, 1901
ISBN9786324848900
أعيان العصر وأعوان النصر

Read more from صلاح الدين الصفدي

Related to أعيان العصر وأعوان النصر

Related ebooks

Reviews for أعيان العصر وأعوان النصر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أعيان العصر وأعوان النصر - صلاح الدين الصفدي

    الغلاف

    أعيان العصر وأعوان النصر

    الجزء 3

    صلاح الدين الصفَدي

    696

    موسوعة ادبية تاريخية تحتوي على 2019 ترجمة لاعلام من القرنين السابع والثامن الهجريين من الملوك والحكام والوزراء والامراء والقضاة والفقهاء والادباء والشعراء

    أبو الحسن بن عبد الله

    ابن الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم النابلسي : الشيخ الفاضل السيد القدوة .كان رجلاً صالحاً فاضلا ، عاملاً بما يعلمه من أمر دينه عاقلا ، غافلاً عما عنده غيره راحلا ، راجلاً في أمر آخرته ، فارساً في تحصيل ما ينفعه في ساهرته ، كثير السكون ، والميل إلى أهل الصلاك والركون ، بادي التقشف ، ظاهر الحال ، زائد التكشف ، حسن المحاضره لطيف المذاكره ، كثير الاتضاع غزير الانطباع ، له شعر لطيف ، وكلام في الطريقة ظريف ، وفكر لا يجيد به عن الصواب ولا يحيف ، وله تطلع وافر إلى علم الفروع ومسائل الفقه التي تروق ولا تروع .ولم يزل على حاله إلى أن انفرد عن ذويه قهرا ، وأودع بالرغم منهم قبرا .وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الأربعاء رابع ذي القعدة سنة سبع وسبع مئة .ومولده بنابلس سنة أربع وأربعين وست مئة .ودفن بالصالحية في التربة المعروفة بالشيخ عبد الله الأرموي ، وكان قد سمع من ابن عبد الدائم وعمر الكرماني .

    الحسن بن عبد الكريم

    بن عبد السلام ابن فتح الغماري المغربي ثم المصري

    الشيخ الإمام العالم المقرىء المجود الصالح المعمر، بقية المسندين أبو محمد المالكي الملقن المؤدب سبط زيادة بن عمران .كان تلا بالروايات على أصحاب أبي الجود ؛وسمع من أبي القاسم بن عيسى جملةً صالحة، وكان آخر من حدث عنه .قال الشيخ شمس الدين الذهبي: بل ما روى لنا عنه سواه. وكان عنده التيسير والتذكرة والعنوان في القراءات وكتاب المحدث الفاصل للرامهرمزي، وكتاب الناسخ والمنسوخ لأبي داود، وعده أجزاء وسمع الشاطبيتين من أبي عبد الله القرطبي تلميذ الشاطبي، وتفرد بمروياته .وروى عنه العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي، والعلامة أبو حيان، والحافظ فتح الدين بن سيد الناس والوافي وابن الفخر .وكان شيخاً متواضعا، مزجياً لأوقاته مدافعا، طيب الأخلاق، يمرح فيما ارتداه من الجديد والأخلاق .ولم يزل على حاله إلى أن نقص سبط زياده، وعدم الناس من الرواية والإفاده .وتوفي رحمه الله تعالى بمصر سنة اثنتي عشرة وسبع مئة .ومولده سنة سبع عشرة وست مئة.

    الحسن بن علي

    الشيخ الإمام الفاضل بدر الدين، أبو علي بن عضد الدولة الحسن أخي المتوكل على الله ملك الأندلس أبي عبد الله محمد ابني يوسف بن هود .كان الشيخ فاصلاً قد تفنن، وزاهداً قد تسنن، وعاقلاً استغرق فراح غافلاً تجنن، عنده من علوم الأوائل فنون، وله طلبة وتلاميذ وأصحاب وزبون، فيه انجماع عن الناس وانقباض، وانفراد وإعراض عما في هذه من الأعراض .وكان لفكرته غائباً عن وجوده، ذاهلاً عن بخله وجوده، لا يبالي بما ملك، ولا يدري أيةً سلك، قد اطرح الحشمه، وذهل عما ينعم جسمه، ونسي ما كان فيه من النعمه، يلبس قبع لباد ينزل على عينيه، ويغطي به حاجبيه، ويواري جسده بما يقيه، ولا يحذر برداً ولا حراً، ولا يتقيه .وكان يمشي في الجامع الأموي وسبابته قد رفعها، وينظر في وجوه الناس كأنهم ذروة ما فرعها .ولم يزل على حاله إلى أن برق بصره، وألجمه عيه وحصره .وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وست مئة، وصلى عليه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ودفن بسفح قاسيون .ومولده بمرسية سنة ثلاث وثلاثين وست مئة .وكانت وفاته في شعبان .أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان، قال: رأيته بمكة وجالسته، وكان يظهر منه الحضور مع من يكلمه، ثم تظهر الغيبة منه، وكان يلبس نوعاً من الثياب، مما لم يعهد لبس مثله بهذه البلاد، وكان يذكر أنه يعرف شيئاً من علوم الأوائل. وكان له شعر أنشدنا له أبو الحكم بن هاني صاحبنا، قال: أنشدنا أبو علي الحسن بن عضد الدولة لنفسه :

    خضت الدّجنّة حتى لاح لي قبسٌ ........ وبان بان الحمى من ذلك القبس

    فقلت للقوم : هذا الربع ربعهم ........ وقلت للسمع : لا تخلو من الحرس

    وقلت للعين : غضيّ عن محاسنهم ........ وقلت للنطق : هذا موضع الخرس

    وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: هو الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة، وكان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة الملقب بالمتوكل ؛حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا، وسكرة عن ذاته وغفلة عن نفسه، فسافر وترك الحشمة، وصحب ابن سبعين، واشتغل بالطب والحكمة، وزهديات الصوفة، وخلط هذا بهذا وحج ودخل اليمن، وقدم الشام .وكان غارقاً في الفكر عديم اللذة، مواصل الأحزان، فيه انقباض عن الناس، حمل مرة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود فأحسن الوالي به الظن وسرحه، سقاه اليهود خبثاً منهم ليغضوا منه .قلت: لأن اليهود نالهم منه أذى، وأسلم على يده منهم جماعة، منهم سعيد وبركات. وكان الشيخ يحب الكوارع المغمومة فدعوه إلى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك فأكل منه، ثم غاب ذهولاً، على عادته، فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها وأداروها، ثم ناولوه منها قدحاً فاستعمله تشبهاً بهم، فلما سكر أخرجوه على تلك الحالة، وبلغ الخبر إلى الوالي، فركب وحضر إليه وأردفه خلفه، وبقي الناس خلفه يتعجبون من أمره، وهو يقول لهم بعد كر فترة: أي وأيش قد جرى، ابن هود شرب العقار، يعقد القاف كاملاً في كلامه، وفي ذاك يقول علاء الدين علي الوادعي ونقلت ذلك من خطه:

    قالوا ابن هودٍ قد غدا ........ سكران من خمر المعازف

    وأعيذه لكنّه ........ سكران من خمر المعارف

    وكان اليهود يشتغلون عليه في كتاب الدلالة، وهو مصنف في أصول دينهم للرئيس موسى. قال الشيخ شمس الدين الذهبي، قال شيخنا عماد الدين الواسطي: أتيته وقلت له: أريد أن تسلكني، فقال: من أي الطرق: الموسوية أو العيسوية أو المحمدية ؟وكان إذا طلعت الشمس ويصلب على وجهه، وصحبه الشيخ العفيف عمران الطبيب وسعيد المغربي وغير واحد من هؤلاء .قلت: الذي بلغني عنه ما أخبرني به شيخنا نجم الدين الخطيب الصفدي. قال: كان بعض الأيام يقول لتلميذه سعيد: يا سعيد أرني فاعل النهار، فيأخذ بيده ويطلع به إلى سطح، فيقف باهتاً إلى الشمس نصف نهار .وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه ذهولاً عنه فإذا أحرقه رجع إليه حسه، فألقاه من يده، وكان تحفر له الحفر في طريقه فيقع فيها ذهولاً عنها وغيبة .ومن شعره:

    فؤادي من محبوب قلبي لا يخلو ........ وسرّي على فكري محاسنه تجلو

    ألا يا حبيب القلب يا من بذكره ........ على ظاهري من باطني شاهدٌ عدل

    تجلّيت لي منّي عليّ فأصبحت ........ صفاتي تنادي : ما لمحبوبنا مثل

    أورّي بذكر الجزع عنه وبانه ........ ولا البان مطلوبي ولا قصدي الرمل

    وأذكر سعدى في حديثي مغالطاً ........ بليلى ولا ليلى مرادي ولا جمل

    سوى معشرٍ حلّو النظام وفرّقوا الث _ ياب فلا فرضٌ عليهم ولا نفل

    مجانين إلاّ أنّ ذلّ جنونهم ........ عزيز على أعتابهم العقل

    ومن شعره أيضاً:

    سلامٌ عليكم صدّق الخبر الخبر ........ فلم يبق قال القسّ أو حدّث الحبر

    خذوا خبري عنّي بقيت مشاهدا ........ ذروا ما يقول الغرّ أو يفهم الغمر

    خذوا عن غريب الدار كلّ غريبةٍ ........ وحقّكم من دونها حُجر الحِجر

    عليك سلام اللّه يا خير قادم ........ على خير مقدوم عليه لك البِشر

    عليك سلام اسلم وقيت الرّدى فدم ........ على غابر الأيام لا خانك الدهر

    أتيتكم مستقضياً دين وعدكم ........ فمن قولهم عند القضا يعرف الحرّ

    اذكّركم عهداً لنا طال عهده ........ وقولكم صبراً وقد فني الصبر

    فلا تحسبوا أني نسيت عهودكم ........ فإني وحقّ اللّه عبدكم الحرّ

    أأنسى عهوداً بالحمى طاب ذكرها ........ ومثلي وفيٌّ لا يليق به العذر

    تحييّك عنّا الشمس ما أشرقت ضحا ........ يحيّيك عنا ما تبدّى لك البدر

    تحيّيك عنا كلّما ذرّ شارق ........ يحيّيك عنّا من غمائمه القطر

    تحيّيك عنا الريح بالروح قد بدت ........ يحيّيك عنا من منابته الزّهر

    ألا فاعجبوا من أمرنا إنه امروٌ ........ ألا فاعجبوا للقلّ من بعضه الكثر

    ومنه:

    علم قومي بي جهل ........ إنّ شأني لأجلّ

    أنا عبد أنا ربّ ........ أنا عزٌّ أنا ذلّ

    أنا دنيا أنا أخرى ........ أنا بعضٌ أنا كلّ

    أنا معشوق لذاتي ........ لست عني الدهر أسلو

    فوق عشرٍ دون تسع ........ بين خمسٍ لي محلّ

    حسن بن علي بن محمد

    الأمير عماد الدين بن النشابي ، والي دمشق .كان ناهضاً كافيا ، خبيراً بأدواء الولايات شافيا ، له معرفة بسياسات البلد ، وعنده على مكابدة أهوالها صبر وجلد .كان أولاً صائغا ، وتجرع الذل سائغا ؛ ثم إنه خدم جندياً وتولى في البر ، وصبر على ما في ذلك من الخير والشر ، وتقلب به الدهر ، وقفز إلى البحر من النهر ، ثم تولى بر دمشق مده ، وقام لها بما تحتاج إليه من عدة وعده ، ثم تولى المدينه ، وجعل موعده يوم الزينه ، ثم أعطي طبلخاناه ، وصارت مباعدة السعادة منه مداناه .ولم يزل على حاله إلى أن غص بها الحلقوم ، وفرغ أجل الكتاب المرقوم .وتوفي رحمه الله تعالى في شوال سنة تسع وتسعين وست مئة بالبقاع ، وحمل إلى دمشق ، ودفن بتربته بقاسيون وكان من أبناء الخمسين .وكان قد تولى مدينة دمشق في أول دولة الناصر محمد في صفر سنة ثلاث وتسعين وست مئة عوضاً عن الأمير عز الدين بن أبي الهيجاء .

    حسن بن علي الصدر

    الرئيس الأصيل عزيز الدين أو محمد بن العدل شرف الدين ابن القاضي عزيز الدين محمد ابن القاضي العلامة عماد الدين محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن أله القرشي الأصبهاني المعروف جد والده بالعماد الكاتب .أوصى أن يفرق على الجماعة الذين يحضرون دفنه حلوى صابونية على برزق ، ففعل ذلك ، وأكل منه الأغنياء والفقراء .وتوفي رحمه الله تعالى في تاسع شوال سنة سبع وعشرين وسبع مئة ، ودفن بسفح قاسيون .ومولده في ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وست مئة .وكان جيداً مشكور السيرة ، عارفاً بصناعة الكتابة مبرزاً فيها ، خدم في عدة جهات منها عمالة الخزانة ، ثم نقل منها إلى استيفاء الخزانة .وكان يتلو القرآن دائماً ، وحج وجاور سنة ، وسمع من ابن عبد الدائم ، والخطيب عماد الدين بن الحرستاني والزين خالد النابلسي الحافظ ، وابن أبي اليسر ، ويوسف بن مكتوم وغيرهم ، وشيوخه أكثر من خمسين . وله إجازة من الصدر البكري ، وإبراهيم بن خليل وابن السروري ، وجماعة .قال شيخنا علم الدين البرزالي : خرجت له جزءاً عوال شيوخه ، وجزأين آخرين بالسماع والإجازة .

    حسن بن علي بن عيسى بن الحسن

    الإمام المحدث شرف الدين اللخمي المصري المعروف بابن الصيرفي ، شيخ الحديث بالفارقانية .كان فقيهاً معيدا ، محدثاً مفيدا ، خيراً صدوقا ، مكباً على الرواية صبوحاً وغبوقا ، حسن الأخلاق متواضعا ، ساكناً خالياً من الشر وادعا ، مليح الشيبه ، ظاهر الهيبه .سمع من عبد الوهاب بن رواج ، وأبي الحسن بن الجميزي ، ويوسف الساوي ، وفخر القضاة ابن الحباب ، والمؤتمن بن قميرة والزكي عبد العظيم ، والرشيد العطار ، وسمع بالإسكندرية من سبط السلفي وجماعة .قال الشيخ شمس الدين : سمعت منه .ولم يزل على حاله إلى أن رئي ابن الصيرفي وقد تبهرج ، ودخل في قبره وتدحرج .وتوفي رحمه الله تعالى : سنة تسع وتسعين وست مئة ، وهو من أبناء الثمانين .

    حسن بن علي بن أبي بكر بن يونس

    بدر الدين أبو علي الأمين الأنصاري الدمشقي القلانسي بن الخلال ، بالخاء المعجمة وتشديد اللام .كان أحد المكثرين ، اعتنى بأمره خال أمه المحدث ابن الجوهري .روى شيئاً كثيراً بدمشق وحلب ومصر ، وكان يخرج أميناً على القرى ، وله فهم وعنده فضل ما .سمع من ابن اللتي ، وابن المقير ، ومكرم ، وأبي نصر بن الشيرازي ، وجعفر الهمداني ، وكريمة الزبيرية ، وسالم بن صصرى ، وخلق كثير .وحضر ابن غسان والإربلي . وأجاز له ابن روزبة ، والسهروردي وأبو الوفاء بن منده . وله إثبات في ستة أجزاء .وروى عنه المزي وابن تيمية ، وابن البرزالي ، وغيرهم .وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبع مئة ، ومولده في صفر سنة تسع وعشرين وست مئة .

    الحسن بن علي بن أبي الحسن

    بن منصورالشيخ الصالح الزاهد ، بقية المشايخ ابن الشيخ علي الحريري .

    كان شيخ الطائفة وزعيمهم وساقيهم ونديمهم، مليح الشيبة نقيها، يعرف الأحوال ورقيها، حسن الخلق، محبوباً إلى الخلق، له مكانة عند الأكابر، وحرمة عند أولي السيوف والمحابر، وربما يأتي بكرامات، ويظهر بأحوال للعقل فيها غرامات .قدم إلى دمشق مرات، ورأى فيها أوقات مسرات، وكان مقامه في قريته بسر، ويكابد فيها العسر بعد اليسر .ولم يزل على حاله إلى أن أدرج الحريري في قطن أكفانه، وأصبح والتراب ملء أجفانه .ووفاته رحمه الله تعالى سنة سبع وتسعين وست مئة .ومولده سنة إحدى وعشرين وست مئة.

    الحسن بن علي

    الشيخ الإمام الفقيه الصالح الناسك الأسواني أخو الشيخ الإمام نجم الدين الحسين .كان يؤم بالمدينة الشريفه ، ويشاهد أنوارها المنيفه ، حج فرضه وجاء إليها ، وأقبل بجمعه عليها ، فأقام بها ثماني عشرة سنة ملتزماً أن لا يخرج من بابها ولا يشتغل بشيء من أسبابها .وكان يشغل بالحرم الشريف في الفقه ، إلى أن حلت أسواء الموت بالأسواني ، وانتقل إلى السعد الباقي بعد الذل الفاني .وتوفي رحمه الله تعالى في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وسبع مئة .

    الحسن بن علي بن محمود

    الأمير الكبير بدر الدين أخو الملك المؤيد عماد الدين صاحب حماة .كان له إقطاع كبير بحماه ، ونعمة جليلة قد تغشت حماه ، وأموال كاثرت النجوم ، وكابرت أنواء الغيوم ، مع ما عنده من النظر في العلوم ، والمشاركة في الفضل لذوي الألباب والفهوم ، وهو كان أكبر من أخيه ، وإنما تقدم لأنه خدم الناصر لما كان في الكرك ولم يلو الأمير بدر الدين عليه ، فقدمه وجعله صاحب حماة .وصلي عليه غائباً بدمشق ، في ذي الحجة سنة ست وعشرين وسبع مئة .

    الحسن بن علي بن محمد

    بن عدنان بن شجاع

    الشيخ الإمام بدر الدين الحراني المعروف بابن المحدث المجود الكاتب .كان قد كتب على الشيخ نجم الدين بن البصيص، فيقال: إنه ما ظهر من تلاميذه في حسن الكتابة مثل بدر الدين المذكور، ومثل الشيخ كمال الدين محمد بن علي بن الزملكاني .كان أديباً فاضلاً في فنه عجيباً، ينظم وينثر، ويجري في جلبة البلاغة ولا يعثر، كتب عليه من أهل دمشق جماعة كثيرون، يحركون نوافج الثناء عليه ويثيرون، وكان قد أخمل نفسه بالتعليم، ورضي من الدهر بالتسليم، فعز بالقناعه، وشرف نفسه عن التجشم والرقاعه، ولم يذل نفسه على أحد بالترداد، ولا دخل مع أبناء الدنيا في جملة الأعداد، على أنه له ملك يدخله منه كفايته، ويصل إليه من التجويد ما هو نهايته، وكان إذا كتب كبت، وعثرت الرياح من خلفه وكبت، وأراك بأقلامه الروض، إذا نبت، والسيوف إذا كلت عن مضارب مداه ونبت .ولم يزل على حاله إلى أن رمي ابن المحدث من الحين بحادثه، وحكم في تركته أيدي وارثه .وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة رابع ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وسبع مئة .كان الملك الأوحد يصحبه، فتحدث له مع الأفرم أن يدخل ديوان الإنشاء فرسم له بذلك، فأبى الشيخ بدر الدين ذلك، فلامه الأوحد على ترك ذلك. فقال: أنا إذا دخلت بين الموقعين ما يرتب لي أكثر من خمسة دراهم كل يوم، وما يجلسونني فوق أحد من بني فضل الله، ولا فوق بني القلانسي، ولا فوق بني غانم، فما أكون إلا دون هؤلاء، ولو تكلمت قالوا: أبصر المصفعة، واحد كان فقيه كتاب، قال يريد يقعد فوق السادة الموقعين، وإذا جاء سفر ما يخرجون غيري، فإن تكلمت قالوا: أبصر المصفعة، يحتشم عن السفر في خدمة ركاب مولانا أمير الأمراء، وهذا أنا كل يوم يحصل لي من التكتيب الثلاثون درهماً والأكثر والأقل، وأنا كبير هذه الصناعة، وأتحكم في أولاد الرؤساء والأكابر ونظم في ذلك:

    لائمي في صناعتي مستخّفاً ........ بي إذا كنت للعلى مستحقّاً

    ما غزالٌ يقبّل الكفّ منّي ........ بعد برّي ولم يضع لي حقّا

    مثل تيسٍ أبوس منه يداً قد ........ صفرت من ندى لأسأل رزقا

    فيولّي عني ويلوي عن ردّ ........ سلامي ويزدريني حقّا

    فاقتصد واقتصر عليها فما عن _ د إله السماء خيرٌ وأبقى

    وقال أيضاً:

    غدوت بتعليم الصغار مؤمّراً ........ وحولي من الغلمان ذو الأصل والفصل

    يقبّل كفي منهم كلّ ساعة ........ ويعطونني شيئاً أعمّ به أهلي

    وذاك بأن أسعى إلى باب جاهلٍ ........ أقبّل كفّيه أحبّ إلى مثلي

    أميرٌ إذا ميّزت لكن بلا حجىً ........ وكم قد رأينا من أمير بلا عقل

    قلت: نظم عجيب التركيب، والأول جيد وفيه لحنة، لكنها خفية .وأنشدني الشيخ شمس الدين محمد بن بادي الطيبي، قال: أنشدنا من لفظه لنفسه بدر الدين بن المحدث:

    كن عاذراً شاتم المؤدب إذ ........ يأخذ من عرضه ويشتمه

    لأنه ناكه على صغرٍ ........ ومن ينيك الصغير يظلمه

    وكلّ فلسٍ حواه يأخذه ........ وكلّ وقت بالضّرب يؤلمه

    نيكٌ وأخذٌ والضرب بعدهما ........ والحقد إحدى الثلاث يضرمه

    قلت: ما جزم الشرط، ولا جوابه في الثاني، ويمكن توجيه إعرابه .ومن شعره أيضاً:

    بقل هو اللّه أحد ........ أُعيذ خدّاً قد وقد

    وناظراً وسنانه ........ عليه طرفي ما رقد

    أقول لما زارني ........ أنجز حرٌّ ما وعد

    من كاسه وخدّه ........ تخال ورداً قد ورد

    من حمل ثقل ردفه ........ ما قام إلاّ وقعد

    ولا انثنى من لينه ........ إلاّ وقد قلت انعقد

    كالظبي إلاّ أنّه ........ يفعل أفعال الأسد

    في جيد من عنّفني ........ عليه حبلٌ من مسد

    ومن شعر:

    وقد عنّفوني في هواه بقولهم ........ ستطلع منه الذّقن فاقصر عن الحزن

    فقلت لهم : كفّوا فإنّي واقعٌ ........ وحقّكم بالوجد فيه إلى الذّقن

    ومن شعره فيمن يحبها، واسمها فرحة:

    ما فرحتي إلاّ إذا وصلت ........ فرحة بين الكسّ والكاس

    لا أن أراها وهي في مجلسٍ ........ ما بين طبّاخي وعدّاس

    وشعره كثير، سقت منه جانباً جيداً في ترجمته في تاريخي الكبير، وخمس لامية العجم .واجتمعت به غير مرة وأخذت من فوائده، وكان له مكتب برا باب الجابيه، ويكتب أولاد الرؤساء في المدرسة الأمينية بجوار الجامع الأموي، وكان كتب إلي قصيدة في سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة لامية ملزومة وأجبته عنها بمثلها، والتزمت فيها الميم قبل اللام، وقد ذكرتها في ألحان السواجع .الحسن بن علي بن حمد بن حميد بن إبراهيم بن شناربفتح الشين والنون، وبعد الألف راء. البليغ الناظم الناثر بدر الدين الغزي .شاعر إذ قلت شاعر، طاف بكعبة البلاغة وعظم تلك المشاعر، يغوص على المعنى، ويجزل الألفاظ ويحكم المبنى، وينشدك القطعة، فتحسب أنه ضرب المثلث أو جس المثنى، متين التركيب بليغ المعاني، فصيح الألفاظ، إلا أنه يستعمل الغريب فيما يعاني، فيثقل على السمع بذاك وروده، وما تروق رياحينه ولا وروده .وكتب المنسوب مع السرعه، وراعى الأصل في وضع الحرف وفرعه، إلا أنه كان ذا خلق فيه زعاره، وبادرة ليس وراءها حقد فهي في السر معاره، فنفرت عنه بعض النفوس، ولو خلا منها وضع على الرؤوس .ودخل ديوان الإنشاء، فكان فيه بالشام شامه، وصدق هذه الدعوى أنه كان يحكي بلونه مداده وأقلامه، ولكن كان حر النفس أبيها، سليم الطوية غبيها، لا يكذب لسانه، ولا يطوي الغل جنانه .ولم يزل على حاله إلى أن صادته مخالب المنيه، وعدم الناس فواكه نظمه الجنيه .وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الخميس حادي عشر شهر رجب الفرد، سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة .ومولده سنة ست وسبع مئة .ودخل الديوان في سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، وكان قد وضع رسالة أنشأها نظماً ونثراً وسمها ب قريض القرين، عارض بها ابن شهيد في رسالة التوابع والزوابع .وغالب نظمه أنشدني إياه بصفد ودمشق والقاهرة، كتب إلي بالقاهرة:

    ليل التجنّب من أجفاننا شهبه ........ ومجدب الدمع ما كانت دما سحبه

    ما لننوى أطلعت في غارب قمراً ........ يقلّه البان يوم البين لا غربه

    تنظّمت عبراتي في ترائبه ........ عقداً كما انتثرت في وجنتي سحبه

    يا من وفى الدمع إذ خان الوداد له ........ غدر الحبيب وفاء الدمع أو سببه

    قد كنت أحسب صبري لا يذمّ وقد ........ مضى وفي ذمّة الأشواق أحنسبه

    يا نازحاً سكن القلب الخفق ومن ........ إحدى العجائب نائي الوصل مقتربه

    ما لاح برق ولا ناحت مطوّقةٌ ........ ولا تناوح من باب الحمى عذبه

    إلاّ تساعد قلبي والدموع وأحنا _ ء الضلوع على شوقٍ علا لهبه

    حكيت يا برق قلبي في الخفوق ولم ........ يفتك إلا لهيب الوجد لا شنبه

    من لي بأغيد بدر التم حين بدا ........ قد ساء إذ رام تشبيهاً به أدبه

    ممنّع بالذي ضمّت غلائله ........ من القنا أو بما أصمت به هدبه

    بين الأسنّة محجوبٌ ولو قدروا ........ ما قوس حاجبه أغنتهم حجبه

    سلبني بالضّنى لحمي لواحظه ........ وهمّ أُسد الشرى المسلوب لا سلبه

    لو لم يكن ريقه خمراً ومرشفه ........ كأساً لما بات يحكي ثغره حببه

    كذا ابن أيبك لولا ما حواه لما ........ عن الكتائب أغنت في الورى كتبه

    ذاد الأولى عن طريق المجد ثم نحا ........ آثاره فقلت أجبالهم كثبه

    وآب يقطف من أغصانه ثمراً ........ إذا أتى غيره بالشوك يحتطبه

    أقلامه فرحاً بالفضل أنملها ........ كلّ يخلّق ثوب المجد مختضبه

    تكاد ألسنها تمتدّ من شغفٍ ........ إلى أجلّ معاني القول تقتضبه

    يراعه روّعت لا مات أحرفها ........ حشاء منحرفٍ لا ماته يلبه

    أضحت مسبّبة الأرزاق حين حكت ........ سبّابةً لعدوّ وقد وهى سببه

    يا من يجيل قداح الميسر ارم بها ........ وارم الفجاج ليسرٍ نجحه طلبه

    واقصد جناب صلاح الدين تلق فتىً ........ يهزّه حين يتلى مدحه طربه

    بنت على عنق العيّوق همّته ........ بيتاً تمدّ على هام السها طنبه

    قد أتعبت راحتاه الكاتبين ولم ........ يدركه حين جرى نحو العلى طربه

    فاعجب لها راحةً تسقي اليراع ندىً ........ إذا لم تكن أورقت في ظلها قضبه

    تناسب الدرّ من ألفاظها وإلى ........ بحر النّدا لا إلى بحر الدنا نسبه

    يرضى ويغضب في حالي ندىً وردىً ........ وبين هذين منهول الحمى نشبه

    رضاه للطّالي جدواه ثمّ على ........ ما تحتوي يده من ماله غضبه

    فكتبت أنا إليه أشكره:

    أغصن قدٍّ أقلّت بانه كثبه ........ أم درّ ثغر حبيبٍ زانه شنبه

    أم روض حزنٍ جديد النبت قد نسمت ........ فيه أقاحيه لما أن بكت سحبه

    أم جانب الأفق قد دجّت حنادسه ........ للعين لمّا ازدهت في لمعها شهبه

    أم نبت فكرٍ جلاها لي أخو أدبٍ ........ خطابه زان جيد الدّهر أو خطبه

    قريضه تعرفّ الأسماع جوهره ........ فتنتقي حليها منه وتنتخبه

    فلو همى الشعر قطراً قبله لغدا ........ يروي الربا منه هامي الغيث منسكبه

    ونثره لم يداخل مسمعي أحدٍ ........ إلاّ ورنّح منه عطفه طربه

    وخطّه مثل صدغ زرّقته يد ال _ حسن البديع وقاني الخدّ ملتهبه

    لوصفه شهدة بالحسن قد شهدت ........ وقد تبّرأ من ياقوته نسبه

    ولابن مقلة عين ما رأت حسناً ........ هذا ولو عاينته ما انقضى عجبه

    هذا هو البدر لا النجم البصيص فقد ........ مدّت على ابن هلالٍ في العلا طنبه

    جزاك ربّك بدر الدين خير جزاً ........ عن امرىء لم يطل نحو العلا سببه

    بالغت في مدحه فاللّه يجعله ........ كما تقول لتعلو في الورى رتبه

    وكتبت أنا إليه ملغزاً في ضبع:

    أيّها الفاضل الذي من يجاريه ........ تقوّى في ما ادعى وتقوّل

    والّذي من أراد يبصر قسّاً ........ فعليه دون البريّة عوّل

    هات ، قل لي باللّه ما حيوانٌ ........ ثابت الخلق قطّ لا يتحوّل

    عينه إن قلعتها يتبدّى ........ حيواناً غير الذي كان أوّل

    فكتب هو إلي الجواب عن ذلك:

    يا إماماً طال الورى بمعانٍ ........ في المعالي يغوث من قد تطوّل

    وإذا أعضل السؤال فما زا _ ل عليه في المعضلات المعوّل

    إنّ زهراً أهديته غضّ عنه ........ طرفه واستحال زهر المحوّل

    حين ألغزت في معمّىً هداني ........ نحوه الفكر حين سوّى وسوّل

    حيوانٌ إن صيّروا رأسه العين ........ رأوه إلى الجماد تحوّل

    فابق واسلم تفيد علماً وجوداً ........ فيهما ليس لامرىء متأوّل

    وكتبت أنا إليه وقد جاءته بنت:

    تهنّ بها وإن جاءتك أنثى ........ لأنّ الشمس بازغة الجمال

    وما التأنيث لاسم الشمس عيب ........ ولا التذكير فخر للهلال

    ولو كان النساء كمن أتانا ........ لفضلت النساء على الرجال

    فكتب هو الجواب إلي:

    أتاني من هنائك يا رئيساً ........ تتيه به المعاني والمعالي

    ومن آثار جودك ما أراني ........ حياً أهدته لي ريح الشمال

    وكم أقرأتني وقريت فضلاً ........ يفوت الحصر من أدبٍ ومال

    وكتبت أنا إليه، وقد أهديت إليه أبلوجة سكر وكنت قبلها قد أهديت إليه قليل قطر:

    أبلوجة بعثتها ........ محبةً لك عندي

    في اللون والكون أضحت ........ تخالها نهد هند

    فكتب الجواب إلي عن ذلك :يقبل الأرض وينهي وصول صدقته الجاريه، وهديته التي جاءت بين الحسن والإحسان متهاديه، وهنديته التي قام نهدها مقام ثغر الغانيه، وأشرقت الأرض بنور وجهها من كل ناحيه، نهد أبرزه الصدر، وشهد ما تجرعت دون اجتناء حلاوته من إبر النحل مرارة الصبر، وهرم أكسب رونق الشباب وجه الدهر، ووجه طبع على دائرته ليلة تمامه البدر، فقابل الملوك تلك المنحة بدعائه وشكره المفرط وثنائه، ومدحه الذي تتدرج شواهد وده الصادق في أثنائه وتذكر بها ما مضى، شكر يد الكريم الذي استأنف إحسانه السابق وما انقضى، فذكر بنضار القطر السائل ولجين هذا الماء القائم، قول القائل:

    وكذا الكريم إذا أقام ببلدةٍ ........ سال النضار بها وقام الماء

    وكتب هو إلي:

    يا ماجداً لم يزل نداه ........ أولى بتقريظ كلّ متن

    ومن غدا بالصفاء يكنى ........ وودّنا عنه ليس نكني

    نحن افتراقاً بنات نعش ........ في ظلمة الهمّ والتمنّي

    فسر إلينا نكن ثرّيا ........ وادخل إلينا بغير إذن

    ولا تدعنا نئنّ شوقاً ........ ولا تقل للرسول إنّي

    فكتبت أنا الجواب عن ذلك:

    أبياتك الغرّ قد أتتني ........ فشرّفتني وشنفّتني

    شعرك فيها ظريف لفظٍ ........ لطيف معنىً خفيف وزن

    قد أثقلت كاهلي بشكرٍ ........ فكلّ متني إذ كلّمتني

    فإن أفز بالمثول فيكم ........ فإنه غاية التمنّي

    وإن تخلّفت عن حماكم ........ يا طول دقّي في الجرن حزني

    وكتب هو إلي وقد توالت الأمطار والثلوج في العشر الآواخر من رمضان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة: كيف مولانا ألحف الله ظله، وأرشف طله ووبله، وحمل على أعناق الأيام كله، وجعل مثله السحاب الجود ولا أعرف مثله، وضاهى برزقه هذا الغيث الواقع على خلاف القياس كله، فإن هذا اليوم قد عزز الصّنى والصنبر وعجز الصبر وعزى سكان الأجداث بالأحياء فكل بيت قبر:

    يومٌ كأن سماءه ........ حجبت بأجنحة الفواخت

    جاء الطوفان والبحر المحيط، وجاب الصخر بوادي الربوة دم سيله العبيط، وجال في وجه البسيطة حياؤه فما انبسطت الخواطر بجوهره البسيط، أخفت النجوم في ليله، واطلع الحي القيوم على زنته الراجحة وكيله، وتراكمت سحبه الساترة فضاء الأفق بفضل ذيله، وأجلب على الوهاد والربا برجله الطامة وخيله، فكأنما وهت عرى ذلك الزمهرير فهبط، أو هيض جناح السحاب الجون فسقط، أو حل سلك النحوم الزاهر ففرط جوهر ذلك القطر لما انفرط، فالجدران لهيبته مطرقة، والعمران قد تداعت ولا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1