Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الشوارعيزم 3
الشوارعيزم 3
الشوارعيزم 3
Ebook563 pages4 hours

الشوارعيزم 3

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

وسط حوار وجدل صاخب فوار أحاطا كتاباتي تحت ذلك العنوان، أقدر- في اللحظة الراهنة- ...»
وظاهرته يتسعان – بالفعل – لوصف كل مفردات زماننا « الشوارعيزم » على القول بأن مصطلح
الذي نعيشه. زمان صارت قيم الشارع فيه متلبسة بمعاني الاستقواء والاعتداء، والإزاحة، والنفي..
«... مسكونة بعفاريت القبح، والجهل، ومخاصمة القانون والأعراف ، والمعايير المهنية و الوطنية
التي باتت تسيطر « الشوارعيزم » هكذا يضعنا الكاتب الصحفي الدكتور عمرو عبد السميع أمام ظاهرة
على مناحي حياتنا السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية أيضًا. لا لندرك طبيعة ما علينا مواجهته
من مشكلات وأسلوب التعامل معها وحسب، بل لنكتشف عند قراءتنا لصفحات الكتاب أنه كان
في مصر قبل يناير 2011 من يخشى على الدولة من عوامل النحر والتآكل والشيخوخة، فلم يتوان
عن تحذير النظام مما أحاط به من أزمات عاصرنا جميعًا مخاطرها ومازلنا، طيلة الأعوام الماضية.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2014
ISBN9789771451228
الشوارعيزم 3

Related to الشوارعيزم 3

Related ebooks

Related categories

Reviews for الشوارعيزم 3

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الشوارعيزم 3 - عمرو عبد السميع

    الغلاف

    الشوارعيزم (3)

    بقـلـــم: د. عمرو عبد السميع

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 9789771451228

    رقـــم الإيــــداع: 14313 / 2014

    الطبعة الأولــى: أغسـطس 2014

    Arabic%20DNM%20Logo_Black1.eps

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    قبل أن تقرأ

    اليوم أعيد نشر أوراق سطرتها لسنوات قبل عملية يناير 2011 وأردتها أن تكون البيان الأول للتغيير في إطار الدولة ولم أردها – قطعًا – تغييرًا للدولة.

    واليوم تكتسب هذه الكلمات قيمة مضافة كونها جاءت في سياق تبشيري يحلم بالتغيير ويحدد إطاره، ولم تجئ لاهثة وراء أحداث جرت محاولة تلفيق مواقف لأصحابها تجعل منهم رموزًا لهذا الزمان الذي نعيش، والذي شهد محاولات تقويض الدولة وغزو مصر من قوى شريرة في الخارج والداخل.

    إهداء

    إلى زوجتي الطيبة.. الرائعة..

    القادرة – دائمًا – على استدعائي

    واستعادتي إلى طقس الزمن الجميل

    واستنقاذي من براثن

    زمن الشوارعيزم!

    عمـــرو

    مقدمـة

    مــحــــور القـــهـــــر!

    حين شرعت في تدوين أفكاري وانطباعاتي عن ظاهرة «الشوارعيزم» لم أك أتصور أن تلك العملية ستسحبني سنة وراء أخرى، وكتابًا من خلف أخيه، إلى المدى الذي أشارفه – الآن – في كتاب الشوارعيزم (3).

    ولكنني – وسط حوار وجدل مصطخب فوار أحاطا كتاباتي تحت ذلك العنوان – أقدر – في اللحظة الراهنة – على القول بأن مصطلح «الشوارعيزم» وظاهرتها، يتسعان – بالفعل – لوصف كل مفردات زماننا الذي نعيشه.

    زمن صارت قيم الشارع فيه متلبسة بمعاني الاستقواء والاعتداء، والإزاحة، والنفي.. مسكونة بعفاريت القبح، والجهل، ومخاصمة القانون والأعراف، والمعايير المهنية والوطنية.

    بعبارة مختصرة، نحن في لحظة هيمنة بعض نجوم الحكومة المتنفذين المتحالفين مع رجال الأعمال المتمولين المحتضنين والمستخدمين لإرهابيي الصوت والقلم من الإعلاميين.

    عصبة مخيفة داست بأحذيتها الغليظة كل تراث هذا البلد الحضاري والوطني الذي تراكم على امتداد عقود وعهود.

    محور للقهر استهدف البسطاء المستضعفين من ناس الوطن وأطاح بأحلامهم وعصف بآمالهم، ودفعهم – زاجرًا – إلى نهاية محتومة تسدل ستارًا ختاميًّا على مشهد حضور أولئك البسطاء أو إسهامهم – على أي نحو – في تشكيل اللحظة.

    وربما يبدو ضربًا من التحامق الأبله، مخاشنة طغيان ذلك التحالف الغاشم، أو محاولة الاشتباك معه، إلا أن ما وقر في ضميري ويقيني هو أن حياة كل منا تكتسب معناها، وتكتسي مغزاها، حين ينجح في أن يترك علامته أو ذكراه على جدار الزمن، مهما كان وهن قوته وتواضعها إزاء بطش الأقوياء وجبروتهم.. ولو كانت تلك العلامة أو الذكرى هي مجرد واحدة من الأشجار التي تموت واقفة!

    السباحة ضد التيار ليست هدفًا في ذاتها، والاعتراض على إملاءات اللحظة ليس قيمة نتوخاها لمجرد تسجيل قدرتنا على الاعتراض، أو التسربل بقلنسوة بطولة وضاءة ذات جرس ورنين، ولكنها رسالة تعني الامتداد إلى قدام.. إلى المستقبل، إلهام ربما يأخذ بيد فتاة أو شاب إلى دنيا جديدة تنتصر للمعايير وللموهوبين، وللوطن، وللعقول الخلاقة، وللناس.. الناس.. الناس!

    ما زال يقين النصر والظفر يتوهج بداخلي، وما زال صدى صوت أبي الطيب المتنبي يتردد في جنبات صدري:

    وأعلم قومًا خالفوني فشرقوا

    وغربت أني قد ظفرت وخابوا

    أسلم الكثيرون أنفسهم للتيار الجارف والكاسح، واختاروا الحل الأسهل، فأخذهم ذلك التيار إلى بعيد كمثل كوم من القش، أو جثة حيوان نافق طافٍ، حتى اختفوا – عند الأفق – توطئة لأن تنساهم اللحظة، وينكرهم الناس، ويدفع النهر بهم – في ازدراء – إلى المصب، متخلصًا من عار سياق جمعه بهم!

    ولكننا ما زلنا – على الرغم من اغتصاب حقوقنا ومحاولة تجاهل إبداعاتنا– نكافح سابحين ضد التيار.. ضد سيطرة قوى الشوارعيزم ومحور القهر الذي تؤلفه أضلاعها (الحكوميون المتنفذون.. المتحالفون مع رجال الأعمال المتمولين.. المحتضنون إرهابيي الصوت والقلم من الإعلاميين).

    ما زلنا نعتقد في أن استفرادهم بالحياة، واستفراسهم بنا هو حال مؤقت عابر لن يدوم؛ لأنه ضد المنطق من جانب، ولأن ذلك الوجود المحدث الجديد الذي هندسه وأطلقه تحالف الشوارعيزم سوف يستحيل وحشًا يلتهم مطلقيه، ثم لأن العدل قيمة لا بد أن تحضر في نهاية المطاف، فمن الصعب تصور زمان خلوًا من العدل على إطلاقه؛ إذ بضدها تُعرف الأشياء، وحتى ظلم طبقة الشوارعيزم لن يُعرف إلا بمجاورة صوت العدل وندائه ووثائقه ورموزه!!

    في الصفحات المقبلة بعض ما سطرت عن «الشوارعيزم» من زوايا، واقترابات، ومداخل مختلفة.. أشعر حين أعاود قراءتها أنها بمثابة تأريخ لزمان عشت، ولوطن أحببت.

    وأتطلع إلى أن تكون تلك السطور إشارة تنبيه تطرق قلوب وعقول الناس، وتحضهم على المواجهة، وتحرير كامل العقل والوجدان في هذا البلد.

    أرنو إلى غد يستعيد قيم الزمان الجميل ويستزيدها.

    نعيشه معًا.. ونبدع معًا.. ونعمل معًا.. ونحلم معًا!

    د. عمرو عبد السميع

    مصر الجديدة – القاهرة

    10 ديسمبر - 2008

    الشوارعيزم ومعنى الدولة! (1)

    حين يسائل المرء نفسه عن المستهدف الأول من عمليات الاستقواء العاصفة بالقانون، والأعراف، والحقوق، والجمال، و العلم وحدود الالتزام المهني والوطني التي تقودها كتائب رجال الإدارة المتنفذين، ورجال الأعمال المتمولين، وإرهابيي الصوت والقلم من الإعلاميين تحت راية الشوارعيزم - سوف يجد أن هذا المستهدف رقم واحد هو معنى الدولة، كما انضوى عليها التراث الإنساني والمراكمات العلمية والسياسية على امتداد التاريخ.

    بعبارة أخرى، فإن أنواء الشوارعيزم تلك تضرب – بإصرار وعن قصد وتدبر – سلطة الدولة ككيان سياسي وقانوني منظم، متمثلًا في مجموعة الناس (الشعب) الذين يقيمون في إقليم محدد (أرض)، ويخضعون لتنظيم سياسي وقانوني واجتماعي معين تفرضه سلطة عليا تتمتع بحق القوة.

    آه.. تلك السلطة العليا هي الهدف للانقلاب الذي تقوده قوى الشوارعيزم على الدولة المصرية في اللحظة الراهنة، والتي تُعرض لخطر كبير عناصر تلك الدولة سكانًا وإقليمًا، وسيادة، وحكومة، واستقلالًا واعترافًا دوليًّا.. وتسعى – بدأب إجرامي شرير – إلى هندسة وجود جديد يستبدل حضور جبروت المال، ومصالح الفرد، وإرادات الأجانب بعناصر السلطة الوطنية كما ذكرتها آنفًا، يعني يخلي البلد من عوامل استقلاله ووجوده، وينفي حضور الشعب أو تأثيره؛ ليتمدد ويتمطى كل أبنـاء الطبقة الجديدة في ترهل ملتذ مستفردين بالبلد، وقد آل ملكًا خالصًا مستخلصًا لهم لا يزاحمهـم فيه حضـور ذلك الذي يسمى شعبًا أو سلطته، أو أفكار السيادة والاستقلال التي يعتنقون عقيدة تخاصمها، وتحقر من شأنها باعتبارها مفاهيم بالية آن لها أن تتآكل ثم تتلاشى في دنيا متعولمة نميسة!

    لقد تعرض مفهوم الدولة إلى موجات إغارة متوالية على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة التي تأسس فيها حضور الشوارعيزم وتكرس.

    واحدة من تلك الإغارات كانت على يد (مؤسسة التطرف والإرهاب)، والثانية كانت على يد (مؤسسة الفساد واغتيال المعايير)، والثالثة كانت على يد (مؤسسة الفوضى الهدامة ومحاولات الأجانب للهيمنة).

    ولم تجر وقائع الإغارة والعصف بنظام بحيث تأتي واحدة تلو أخرى، ولكنها تداخلت وتماهت مع بعضها البعض حتى أصبحت قواها المتحالفة جزءًا من عملية واحدة هدفها الأول والأساسي هو الانقلاب على الدولة في مصر.

    وكان الغرض – دومًا – هو إبعاد الناس واستعبادهم، كيما يتسنى تأسيس الوجود البديل بغير أولئك الناس الفقراء المقرفين، العارقين، خشني الأيدي، كثيري الحديث عن الحقوق والوطنية والاستقلال.

    الناس في الوجود البديل ينبغي إعادة تأهيلهم لتصبح وظيفتهم في زمن الشوارعيزم هي خدمة الطبقة الجديدة والتسرية عنها، ومطاردة ما تشعر به من ضجر وزهق حين أوسعت المتعة استمتاعًا ولم تعد لديها نفس اللذة السابقة في قهر بسطاء الناس؛ إذ تضاءلت – عبر مرور الوقت وتكرار الهرس الاجتماعي والسياسي والثقافي – قدرة هؤلاء الناس على المقاومة أو التشبث بالحياة، بعبارة أخرى.. باتوا مملين فعلًا!!

    وفي الطريق إلى محاولة تنفيذ قوى الشوارعيزم لمخطط الانقلاب على الدولة برءوس حراب هي التطرف والفساد والفوضى الهدامة، حاولوا تمرير مفهوم هو غاية في الخباثة والانحطاط فحواه أن البلد يحتاج إلى التخلص من العسكر حتى يتسنى له بناء الديمقراطية.

    نعم.. كانوا يعرفون أن معنى الدولة (سيادة واستقلالًا) مرتبط – عضويًّا– بمؤسسة الجيش التي تعد التجسيد الرمزي والمعنوي لحضور تلك القيم، فأرادوا بناء فهم محدث يفض الارتباط بين السلطة والجيش، وصار بعض نجوم جرائد آخر الزمان، وفضائيات آخر الليل يرددون – في ببغائية – مثل هاتيك المعاني في الطريق إلى قيادة الانقلاب على الدولة، وتأسيس الارتباط بين مفهوم السلطة ورجال الأعمال ومن لف لفهم من القوى التي قاموا بتوظيفها وتدويرها لخدمة صعودهم إلى سدة التحكم، سَاحِبين كلمة (العسكر) في مواجهة كلمة (الديمقراطية)، بينما الجيش – بحكم التعريف – هو الحارس على الدستور، وفي مراحل نمو اقتصادي / اجتماعي كالتي نعيشها.. هو الضامن لعمل المؤسسات السياسية، والقائم بحمايتها في إطار (الدولة).. مرة أخرى (الدولة).

    تداخلت موجات إغارة مؤسسة التطرف، ومؤسسة الفساد وتغييب المعايير، ومؤسسة الفوضى الهدامة والتوظف لخدمة أجندات الأجانب لتستهدف هيكل الدولة وبنيانها.

    كانت مؤسسة التطرف – وبما يثير الاندهاش والتأمل – تستبق تحركها العملياتي على الأرض بتنظير ينسخ وجود الدولة المدنية، ويطرح فكرًا بديلًا عماده الدولة الدينية والخلافة، ويستدعي من أضابير التاريخ ما يخاصم الحداثة الثقافية والسياسية، ويحتكر الحقيقة، ويمنح أصحاب القوة في مؤسسة التطرف تلك غطاءات قداسية لا تسمح بالاختلاف أو المناقشة، وتعتقل التنوع وتنفي الحوار.

    الهدف هو ضرب الدولة...

    أولًا بطرح ذلك المفهوم البديل، ثم بمحاولات ضرب هيبتها عبر عمليات إرهاب أو اجتياح لحدودها تشير إلى عدم مقدرتها على حفظ الأمن والاستقرار باعتباره أول واجباتها، إذ جاءت لفظة الدولة State من الكلمة اللاتينية Status التي تعني الحالة المستقرة، ومن ثم فإن ضرب الاستقرار يعني – تلقائيًّا– الإجهاز على الدولة.

    وعمدت مؤسسة التطرف – كذلك – إلى ضرب الدولة عبر إنهاك اقتصادياتها، وترويج حشيش الربح السريع غير المرتبط بأي أساس واقعي في مأساة شركات توظيف الأموال.

    ثم راحت مؤسسة التطرف تضرب الثقافة والمثقفين في تضاغطات ومواجهات مباشرة صاخبة على اعتبار أن واحدًا من أولويات التطرف المتقدمة في الطريق إلى الإجهاز على الدولة – كان استيراد واعتناق ثقافة بديلة عمادها التشدد الديني والتطرف والرجعية والجمود، وكانوا بذلك – وعلى نحو غير مباشر يعبِّدون طريقًا واسعًا جدًّا لهيمنة بعض القوى الإقليمية الخليجية على مصر – بعد زوال سطوة الدولة ودحر ثقافتها ومثقفيها وتدوير فائض طاقاتهم في مؤسسات إعلامية وصحفية خليجية تبشر بتلك الهيمنة الإقليمية على مصر بعد كسر السلطة الوطنية وكتائب المثقفظين والإعلاميين المصريين المرتبطين بها أو المدافعين عنها.

    وشاركت مؤسسة الفساد وتغييب المعايير – بمجهود ميداني وعملياتي مكثف - في ضرب مفهوم الدولة وحضورها في البلد؛ إذ عملت على استلاب المقدرات الاقتصادية وتحويل مجراها لتصب في جيوب مجموعة المتمولين العتاة الجدد ومجموعاتهم وشركاتهم ويخوتهم وطائراتهم ومنتجعاتهم، وأرصدتهم في أوروبا، وجرائم خروجهم على القانون (على الدولة مرة أخرى) في الداخل والخارج.

    وحاولت مؤسسة الفساد أن تنخر عظام الدولة لتؤثر على شرعيتها؛ لأن الشرعية في جانب منها هي عدالة الدولة في توزيع القيم والأهداف، فإن تضررت تلك العدالة، تضرر – تلقائيًّا – حضور الدولة أو انتماء الناس لها، وقد أسهم الفساد (والذي صار صناعة وعلمًا تضافرت جهود بعض المتنفذين الإداريين والمتمولين الاقتصاديين في تأسيسهما تحت غطاء إعلامي أسبغ حمايته عليهم من جانب قوى صحفية وتليفزيونية أجيرة!) في إشاعة وإذاعة حالة من الإحساس بعدم العدالة ترجمت نفسها – شيئًا فشيئًا – إلى عدم الشعور بالانتماء من جانب الجمهور إلى مفهوم الدولة، وجعلت ديدنها التشكيك المتواصل في قدرات الدولة (مرة عاشرة الدولة) على تقديم الخدمات ومواجهة الكوارث ومنح الحقوق، ورعاية الشعب رعاية كاملة!

    وبالتضافر مع تأثير الفساد المالي كان تجلي الفساد الإداري الذي يعني – قولًا واحدًا – تغييب المعايير وتصعيد أنصاف الموهوبين والميديوكراتية، والجهلاء، وخسف الأرض بكل موهوب وطني مخلص للنظام يرى أن أوجب واجباته هو الدفاع عن كيان الدولة وحضور مؤسساتها واستقلالها وسيادتها ومصالح شعبها، وخطورة اغتيال المعايير أنه يفضي – مباشرة – إلى الإحساس – كذلك– بعدم العدالة وهو ما يضرب الانتماء في مقتل ويجعل من الناس كتلة طافيةً على سطح مياه هائجة، جارفة، دافقة، في مجرى الانقلاب على الدولة بحيث تأخذها إلى حيث تريد، مغيبة إرادة أولئك الناس، فارضة إرادتها، إذ يستسلم الناس عندما يتعاظم شعورهم باليأس، أو الظلم، أو ضياع الحقوق، وهذا ما فعلته مؤسسة الفساد وطغمة المتمولين من رجال الأعمال، وتشكيلهم العصابي الاقتصادي /الاجتماعي على امتداد سنوات، وبحيث صار في إمكانهم تصعيد رهط من القيادات الصغيرة والمتوسطة في كل مكان تدين لهم بالولاء، وتعلن جاهزيتها للتوظف في خدمة ما يشاءون من أغراض، حتى لو وصلت إلى القتل وارتكاب الجريمة بمعانيها الكلاسيكية التقليدية.. وفي النهاية فإن تلك القيادات البديلة أصبحت إحدى طلائعهم للانقلاب على الدولة.

    والمثير – كما أومأت – هو التداخل الذي جرى بين موجات الهجوم على الدولة؛ إذ حرصت قوى الفساد والمتمولين الجدد في البلد على أن تلف نفسها بقلنسوة دينية لها أريج المسك ملقية في روع أي متسائل أن الخوض – كثيرًا – في أسـباب ثــروة الأثريـاء أو سلوكياتهم أو مـدى ارتباطهـم بالمشـروع الوطني أو مدى قبولهم لمبدأ المسئولية الاجتماعية أو فكرة العدل الاجتماعي هو أمور نهت السماء عن الخوض فيها كثيرًا؛ إذ كان مال المتمولين الذي منح كلًّا منهم شارة (رجل أعمال) هو من فضل ربهم، واللجاج الكثير حول أصل الثروة أو سببها إنما يشارف بصاحبه حافَة التجديف والإنكار أو الكفران!

    لا تجد أحد هؤلاء المتمولين إلا وحرص على تطعيم خطابه بجمل ذات عبير ديني لتأكيد سلطته وتدعيم شرعيته التي لا تكون – في نظره – إلا بالخصم من شرعية الدولة وسلطتها!!

    ثم كانت الغارة الثالثة التي شنتها (مؤسسة الفوضى الهدامة والارتباط بأجندات الأجانب) وقد جاءت تلك الموجة لتتحرك في فضاءات خلقتها الغارتان السابقتان وأمعنت في إعداد مسرح عملياتها، إذ صارت هناك طبقة جاهزة للتوظيف ضد المشروع الوطني للدولة، وباتت عمليات التمويل الأجنبي المتنوعة الدرجة والمستوى تحت لافتات حقوق الإنسان، وتأسيس وسائل الإعلام الخاصة، وتشكيل التنظيمات والجمعيات - هي الأذرع الحركية لمشروع الانقلاب على الدولة وسلطتها الوطنية.

    وعرفت الساحة العامة ظهور حفنة من رموز مؤسسة الفوضى أصحاب التوكيل التجاري للأجانب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية.

    وقد عمدوا – أجمعين – إلى زجر المجتمع وبقايا قواه الحية، وترويعه تحت عناوين من طراز: (نرفض التخوين) و(نشجب نظرية المؤامرة).. فماذا نفعل إذا كانت هناك مؤامرة، وإذا كانت هناك خيانة؟ وبماذا نصف أيهما؟ وهل هناك اسم كودي أو حركي نطلقه على الخيانة أو المؤامرة يكون أخف وطأة على أسماع الخونة أو المتآمرين وبحيث لا يؤذي استغراقهم في مزاولة الأمرين على رواق، ولا يخدش استمزاجهم بالإمعان في التآمر والخيانة؟!

    في اللحظة الراهنة أصبح بناء الدولة – ذاته – بمؤسساتها الأمنية والتشريعية والقانونية والإعلامية هدفًا لرماية حرة من قوى الفوضى، وشذاذ الآفاق من المقامرين الجدد الذين راهنوا على الانقلاب ضد الدولة وبناء الوجود البديل.

    وجود يعني السماح للأمريكان بقواعد على أرض مصر ومقاسمتهم مهام غزو هذه الدولة أو تلك.

    وجود يعني الخضوع التابع الذليل لإرادتهم السياسية والتحول إلى مجرد فرع لمركز الإدارة الأمريكية الرئيس في واشنطن العاصمة.

    وتلك أمور لم تسمح بها (الدولة) المصرية ولا قيادتها الوطنية أبدًا، فاستحقت– من وجهة نظر واشنطن – أن تكون هدفًا لتلك الإغارات المتكررة، وتغذيتها بوسائل متغيرة منها التحريض على إرباك مسارات الاقتصاد في وحداته الإنتاجية أو أوعيتـه الاستثمارية، ومنها تعضيد القوى المناهضة للشرعية حتى لو كانت تعبيرات مباشرة عن التطرف والإرهاب، والذي تدعي أمريكا محاربته، ومنها استغلال بعض القوى الإقليمية القزمة والممرورة في شن هجمات إنهاك تليفزيونية يومية تقريبًا على الدور المصري في جميع ساحاته، ومنها جلسات الفيديو كونفرانس التي ينقل فيها فقهاء العمالة وأئمة الخيانة التعليمات إلى أتباعهم على طريقة بن لادن والظواهري وشرائطهم لمخاطبة خلايا تنظيمهم عبر العالم، ومنها تكوين رءوس جسور سياسية عبر كباري ومعابر صحفية وتليفزيونية خاصة يتقدم عليها رموز ونجوم قوى الفوضى الهدامة لضرب الاستقرار وتحطيم (الدولة) ثم إرسال برقيات الاستدعاء للأمريكي تصرخ في لوعة: «تم إنجاز المعلوم.. احضر حالًا»!!

    يريدون إعلان انتصارهم على البلد والناس، واستبدال دولة الشوارعيزم بدولة السلطة الوطنية.

    قطاع من نجوم الإدارة المتنفذين، ورجال الأعمال المتمولين وإرهابيي الصوت والقلم من الإعلاميين يستهدفون – الآن – معنى الدولة في مصر، ويريدون استبعاد واستعباد الناس، والإطاحة بمفاهيم السيادة والاستقلال!.

    نشر في 2008/9/30

    الشوارعيزم ومعنى الدولة! (2)

    أردت أن أفرد مقالًا كاملًا – اليوم – لوصف وتقييم آثار الغارة الثالثة التي شنتها قوى الشوارعيزم (المتنفذون من رجال الإدارة، والمتمولون من رجال الأعمال وإرهابيو الصوت والقلم من الإعلاميين) ضد كيان الدولة وسلامتها واستقرارها، ولصالح وجود بديل يتسع لمشروع العصف بالقانون والأعراف، والأخلاق، والمعايير، والعلم، وحدود الالتزام المهني والوطني.

    وأعني بتلك الغارة الثالثة: (الفوضى الهدامة والارتباط بأجندات الأجانب)، وهو ما تلا الغارتين الأوليين: (الإرهاب والتطرف) و(الفساد واغتيال المعايير).. وقد أفضت في تبيان مستهدف كل منهما وما سببه من ضر لمعنى الاستقرار، سعيًا إلى الإجهاز على مبرر وجود الدولة، في مقالي السابق.

    كنا أمام عملية منظمة – تتواصل حلقاتها حتى اللحظة الراهنة – لضرب شرعية النظام الوطني ومشروعيته، وخلق فجوة بينه وبين الناس، تعمل قوى الشوارعيزم على توسيعها وتعميقها بشكل يومي، كيما يبدو هذا النظام وحده في فضاء تصفر فيه الريح، لا يتكئ على أية قاعدة من الرضاء العام أو تأييد الشعب، ولا يقدر على صلب طوله أمام احتياجات يومية استخدمت فيها كل وسائل التخريب والتحريض والإرباك، وعمدت إلى استغلال الثابت كما الطارئ من احتياجات الناس فضلًا عن مفارقات الصدف وحوادث القضاء والقدر، وأيضًا – وهذا من الأهمية بمكان كبير – سوء الإدارة الذي سببته مراكمات مزمنة من غياب الفكرة الأساسية للعمل العام وهي أن موظفيه ومسئوليه هم خدم لدى دافعي الضرائب وعليهم أن يحسنوا خدمتهم، وقد تفاقمت آثار هذا الغياب مع (النَّخْورة) المستمرة التي قادها تحالف الشوارعيزم في كيان النظام ومسلكه وخطابه، بحيث إذا جاء ذكر كلمة (اجتماعي) في الحديث عن (المسئولية الاجتماعية) أو (العدل الاجتماعي) يتم ترويع ذلك النظام عبر وصمه بأنه يعود القهقرى إلى عصور الانغلاق والاشتراكية والجمود، وبأنه يتخلى عن طبقة الرأسماليين الجديدة الرائعة التي أفرزتها ممارسات تكره الناس وكل ما يتصل بالواجب، ولا تبحث عن الحقوق فحسب، وإنما ترنو إلى ما فوق الحقوق كذلك حتى لو أخذته غلابًا وقهرًا واغتصابًا.

    اليوم تتحدث الدنيا كلها في مواجهة الإعصار المالي العالمي عن دور جديد للدولة، وبما يعيد الاعتبار لأفكار «فيدرين» عن مسئولية تلك الدولة في إدارة السوق ورقابته وضبطه وفي عمليات البيع وغيرها، ولكن قوى الاستقواء الرأسمالي المصري ما زالت تأبى على الدولة أن تضطلع بمسئولياتها، وترفع في وجهها فزاعة (خيانة الرأسمالية) أو (العودة إلى الانغلاق والاشتراكية) فيما إقرار دور الدولة على النحو الذي يُطرح في العالم كله الآن هو قمة الفهم الرأسمالي؛ لأنه يحافظ على المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى ويعصمها من سقوط مدوٍّ حتى لو أنفق دون ذلك تريليونات الدولارات من أموال الخزانة وفلوس دافعي الضرائب.

    لكن على أية حال فذلك حديث عن نظم لها أول ولها آخر، وهي موضوع- جد - مختلف عن عشوائيات رجال الأعمال الرأسمالية في بلدنا السعيد الذي يعد الضلع الثالث في مثلث الشوارعيزم.

    تواصلت – إذن – جهود محاولة الانقلاب على الدولة في مصر واستخدمت كل أساليب الإعلام الأسـود: كذبًا، وشائعـات، واختلاقًا، وربطًا بين أحداث لا يجوز الربط بينها، وعرضًا للرأي بوصفه حقيقة، من أجل خلق طقس من عدم الاستقرار، والإيحاء بأن أي اختناق أو كارثة أو حادث هو خرج ونتاج تقصير وقصور الدولة لا غيرهما.

    وكان هذا – بالضبط – هو مسرح عمليات غارة الفوضى الهدامة والارتباط بأجندات الأجانب على كيان الدولة المصرية، وقد دفعتني إلى إفراد مساحة أكبر لسرد وقائع تلك الغارة ونتائجها أنها في المجال الذي خلفته غارتا (الإرهاب والتطرف) و(الفساد وتغييب المعايير).. بعبارة أخرى فقد جاءت بعد تمهيد نيراني تواصل لعقود ثلاثة وعمد إلى تهيئة فضاءات مثالية تحركت فيها قوات الإغارة الجديدة إذ صارت هناك طبقة جاهزة للتوظيف ضد المشروع الوطني للدولة، كما بدا أن مؤسسات تلك الدولة قد أنهكها طول المواجهات والصراع. وباتت عمليات التمويل الأجنبي متنوعة الدرجة والمستوى تحت لافتات حقوق الإنسان وحرية التعبير تسعى إلى تأسيس وسائل الإعلام الخاصة، وتشكيل التنظيمات والجمعيات والأذرع الحركية لمشروع الانقلاب على الدولة وسلطتها الوطنية.

    الهدف هو الخضوع التابع الذليل لإرادتهم السياسية والتحول إلى فرع لمركز الإدارة الأمريكية الرئيسية في واشنطن العاصمة، كما يعني التعلق بأهداب فلوس المعونة الأمريكية التي يستخدمها البيت الأبيض – مستجيبًا لتحريضات «ووزِّ» بعض عملائه من نجوم ورموز الفوضى الهدامة – في الضغط على مصر على طريقة الباشكاتب الذي يشخط في أحد موظفيه: (مخصوم منك يومين)، إذ تخصم الإدارة الأمريكية من تلك المعونة لتمول بمقدار الخصم مجهودات التخريب والفوضى التي تقودها بعض المنظمات والأفراد اللقطاء مجهولي النسب السياسي والوطني في القاهرة، وهم قائدو التمرد في أية ساحة بمبرر ومن دون مبررات، من أجل إجهاد النظام وزعزعة الدولة ورجرجتها!

    الدولة المصرية وقيادتهـا الوطنيـة لم تسمح – أبدًا – بالخضـوع لواشنطن أو التبعية لها، فاستحقت – من وجهة نظر الأمريكيين – أن تكون هدفًا لرماية حرة عبر تلك الإغارات المتكررة، وتغذيتها بوسائل متغيرة، منها العمل على إرباك مسارات الاقتصاد في وحداته الإنتاجية أو أوعيته الاستثمارية، ومنها تعضيد القوى المناهضة للشرعية حتى لو كانت تعبيرات مباشرة عن التطرف والإرهاب الذي تدعي أمريكا محاربته، ومنها استغلال بعض القوى الإقليمية القزمة والممرورة في شن هجمات إنهاك تليفزيونية يومية تقريبًا على الدور المصري في جميع ساحاته، مغفلة أن الدور لا يصنعه الادعاء أو الاستقواء بمشاريع الأجانب للشرق الأوسط الجديد وللتعاون الإقليمي، وإنما تصنعه حقائق التاريخ والجغرافيا، والثقل والوزن والأرجحية العلميين والثقافيين والثروة البشرية متنوعة التخصصات والفروع وأشياء أخرى، ربما يكون من الهزر إعادة ترديدها على مسامع حكام الدولة التليفزيونية الخليجية التي جعلت من (الدولة) في مصر هدفًا لتواقحاتها، ولسكب مراراتها التي يغذيها– كذلك – بعض شوارعية الفاشية الدينية والقومية الذين التجئوا إليها بإيعاز من الأمريكيين ليصبحوا نجوم الظهور اليومي فيها، ورموز الهجوم اليومي – كذلك – على مصر.

    وعمل الأمريكان – أيضًا – على دعم مجهود الإغارة على الدولة في مصر بجلسات الفيديو كونفرانس التي ينقل فيها فقهاء العمالة، وأئمة الخيانة التعليمات إلى أتباعهم في أحزاب «المسخرة» والتهتك السياسيين على طريقة بن لادن والظواهري وشرائطهم التي تخاطب خلايا تنظيمهم عبر العالم.

    ثم انظر – بالإضافة – إلى عملية تشييد رءوس جسور سياسية ترتبط بكباري ومعابر صحافية وتليفزيونية خاصة يتقدم عليها رموز ونجوم قوى الفوضى الهدامة لضرب الاستقرار وتحطيم (الدولة) ثم إرسال برقيات الاستدعاء للأمريكي: «تم إنجاز المعلوم احضر حالًا»!!

    إن المتأمل لأداء تلك الجرائد وهاتيك التليفزيونات يدرك – على الفور – تعقيد الدور الذي تلعبه في محاولة ضرب الدولة وتأسيس الوجود البديل، ويلتقط – على الفور كذلك – الخيوط التي تربط بين تلك الوسائل الإعلامية والخطط الأمريكية لتحقيق الهيمنة وضرب ذلك النظام الوطني الرذيل الذي تحدى إرادتها غير مرة، وأهان فكرتها عن نفسها كإله عالمي واحد لا شريك له!

    تحولت هذه الجرائد وتلك الصحف ليس فقط إلى أوعية تحتضن القوى المناهضة وتقوم بتسويقها، أو تجتذب بعض التائهين مهتزي العقيدة الوطنية الباحثين عن الرائجة، والراغبين في إلصاق أنفسهم بأية قوة حتى لو كانت تعادي مشروع الوطن ومصالح ناسه.

    ولكن هذه الوسائل الإعلامية باتت حظائر لتربية وتسمين كوادر جديدة تحترف الفوضى والإثارة، والتهييج، وتصب من مكنون نفوس أصحابها السوداء وإحباطاتهم الشخصية المروعة على صورة المشهد العام، فأصبحنا نرى في تلك الصحف، وهاتيـك التليفزيونـات صـورًا وأسماء لأناس دون مستوى الكتابة أو التنظير الشفاهي، ما كان أحدهم يحلم بالخطابة في سوق

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1