Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ما وراء الصورة: نظرات نقدية معاصرة لـ ٧٤ فيلمًا
ما وراء الصورة: نظرات نقدية معاصرة لـ ٧٤ فيلمًا
ما وراء الصورة: نظرات نقدية معاصرة لـ ٧٤ فيلمًا
Ebook381 pages2 hours

ما وراء الصورة: نظرات نقدية معاصرة لـ ٧٤ فيلمًا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يقدم الكتاب قراءات نقدية تهدف إلى تحليل الأعمال وتفكيك الرؤى الفكرية داخلها ليصل الكاتب إلى المعنى الذي يحاول الفيلم الوصول إليه، هذا بالإضافة إلى عرض الفيلم بطريقة مشوقة تفيد حتى الذين لم يشاهدوه. وقد تميز الأستاذ هاشم النحاس بهذه القدرة على التحليل والوصف.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2020
ISBN9789771458371
ما وراء الصورة: نظرات نقدية معاصرة لـ ٧٤ فيلمًا

Related to ما وراء الصورة

Related ebooks

Related categories

Reviews for ما وراء الصورة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ما وراء الصورة - هاشم النحاس

    الغلاف

    مـــا وراء الصــــورة

    نظرات نقدية معاصرة لـ 74 فيلمًا

    هاشم النحاس

    مـــا وراء الصــــورة

    نظرات نقدية معاصرة لـ 74 فيلمًا

    بقلـم: هاشم النحاس

    إشــراف عـام: داليا محمد إبراهيم

    791.4

    ن.م.هـ

    النحاس، هاشم، 1937 - مؤلف.

    ما وراء الصورة: نظرات نقدية معاصرة لـ 74 فيلمًا / بقلم هاشم النحاس ؛ إشراف داليا محمد إبراهيم. الجيزة : دار نهضة مصر، يناير 2020.

    216، 5-8ص. : صور ؛ 13.7 × 19.5سم.

    يشتمل على فهرس بموضوعات الكتاب : ص. 5، 8

    يشتمل الكتاب على سيرة ذاتية للمؤلف ص. 215، 216.

    تدمك : 978-977-14-5837-1

    يتناول الكتاب قراءات نقدية معاصرة لـ 74 فيلمًا سينمائيًّا تهدف إلى تحليل الأعمال وتفكيك الرؤى الداخلية ليصل الكاتب إلى المعنى الذي يحاول الفيلم الوصول إليه، بطريقة مشوقة تفيد حتى الذين لم يشاهدوا الفيلم من قبل.

    1. العنوان. 2. إبراهيم، داليا محمد (مشرف). 3. أ. النقد السينمائي. ب. النقد الفني. جـ. الأفلام السينمائية-مصر-تاريخ ونقد. د. السينما-مصر. هـ. الأفلام السينمائية. و. صناعة السينما. ز. السينمائيون- تراجم.

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-5837-1

    رقـــم الإيــــداع: 26401 / 2019

    طبعــة: يناير 2020

    Section0001.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    مقدمة

    مع بداية كتابتي النقدية للأفلام السينمائية قال لي الأديب الكبير «يحيى حقي»: «لا تكتب وفي اعتبارك مَن شاهد الفيلم فقط، بل اكتب وفي ذهنك -أيضًا- من لم يشاهد الفيلم بعد، وربما لن يشاهده أبدًا». كان الأديب المُعلم يحيى حقي يريد من المقال النقدي للفيلم أن يكون عملًا نقديًّا متكاملًا مستقلًّا بذاته، يُمثل عملًا أدبيًّا موازيًا للفيلم، وليس مُلحقًا به، يمنح القارئ المعرفة والفهم للقضيّة التي يتناولها المقال، بغض النظر عن مشاهدة القارئ للفيلم نفسه. وبهذا يكون المقال مستقلًّا بذاته تتم قراءته على نحو ما تتم به قراءة العمل الأدبي: القصة أو الشعر أو الرواية أو القصيدة الشعرية، مع الاحتفاظ بالفارق بينها.

    وقد حاولت بالفعل في معظم كتاباتي النقديّة، عدم التقيُّد بمعرفة القارئ للأصل (الفيلم)، وأن أقدم له من خلال المقال، وجبة معرفيّة كاملة، كما أرادها أستاذنا؛ لذلك عندما أقدمتُ على جمع بعض كتاباتي النقديّة، مما أتوسم فيها هذه الصفة، لم أخشَ أن يكون بينها أفلام لم يشاهدها القارئ، أو يصعب عليه مشاهدتها؛ ولذلك أغفلت تاريخ نشر المقالات، وسمحت لنفسي بأن أعيد ترتيبها بغض النظر عن ترتيبها التاريخي.

    ومن خلال خبرتي السابقة عندما التزمت بكتابة النقد أسبوعيًّا عن فيلم من الأفلام المعروضة، وجدت نفسي متورطًا في الكتابة عن أفلام رديئة لم تعجبني، مما أصابني بالملل والكآبة. فأنا لا تأتيني الكتابة بسهولة. وقد أعيد صياغة الجملة عشر مرات قبل أن أصل إلى صياغة ترضيني. ولا أذكر أني كتبت مقالًا في جلسة واحدة أو حتى في يوم واحد، ولذلك أضن بجهدي ووقتي على الكتابة عن أعمال لا تستحق مني كل هذا الجهد والوقت، وقررت أن أقتصر على الكتابة عن الأفلام التي تثير إعجابي كعمل من أعمال الفن، أو أكتب عن موضوعات في الأفلام التي أرى فيها شيئًا جديدًا لثقافة القارئ أو تعميقًا لفهم الفيلم.

    وقد أدركت مبكرًا أهمية جمع المقالات في كتاب؛ لذلك حاولت أن أراعي في كتابتي أن يكون كل مقال صالحًا لضمه في كتاب.

    ويؤدي المقال النقدي -في رأيي- دوره حين يقوم على أساس التحليل الفني لمحتوى الفيلم، ومن خلاله يُجيب عن سؤالين رئيسيين هما: لماذا؟! وكيف؟! لماذا حدث ما حدث؟! وكيف تم التعبير عنه فنيًّا؟! السؤال الأول يكشف لنا عن البناء القصصي الدرامي للفيلم. والسؤال الثاني يكشف عن طريقة معالجته الفنيّة، وبقدر ما يكون التحليل للمعالجة الفنيّة عميقًا واضحًا، بقدر ما يكون مُشبعًا للقارئ.

    ويتجنب التحليل بحكم طبيعته، الأحكام المبتسرة القطعيّة، التي ينقصها التبرير والوضوح، وكأنها تأتي من أعلى، صادرة عن حكيم لا يحق لنا مناقشته، وعلينا أن نُسلم بكل ما يقوله، وهو ما يمكن أن نطلق عليه النقد الكهنوتي، أي ذلك النقد الذي يأتي من أعلى ولا يقبل أو يُتيح المناقشة أو الاعتراض.

    ومن ثمّ يبدو النقد التحليلي أكثر ديمقراطيّة - إن صّح التعبير - لقارئه عن النقد الكهنوتي، حيث يَسمح النقد التحليلي بمناقشته عندما يقدم تبريراته التي قد يتفق معها القارئ أو لا يتفق، بينما لا يجد القارئ في النقد الكهنوتي ما يسمح له بالاتفاق معه أو الاختلاف، والنقد التحليلي، إذ يعمل على تفكيك العَمل الفني، يضع بين يدي القارئ مفاتيح فهم العمل، وهو ما يساعد على فهم الأعمال المُماثلة، ويجعل من القارئ نفسه مشاركًا في النقد، بل مُبدعًا أيضًا، حين يحاول استخدام نَفس المفاتيح (كل القواعد والأساليب وتطبيقاتها الإبداعيّة المُختلفة). كل مقال يضمه هذا الكتاب يتوافر فيه مواصفات: الاستقلالية وجودة الفيلم والنقد التحليلي.

    ويتكشّف لنا المعنى في الفيلم التسجيلي من خلال عرض المحتوى الفيلمي، كما يتكشّف لنا المبنى من خلال الطريقة التي يتم بها هذا العرض. ويتحقق ذلك على مستويات مختلفة لعل من أكثرها اكتمالًا ما جاء عن فيلم «كل شيء هيبقى تمام» في مقالة تحت عنوان «حكاية طفل اسمه يوسف أراد أن يُغير اسمه».

    وقد حاولتُ في هذا الكتاب أن أجمع بعضًا من كتاباتي النقديّة للأفلام الروائيّة والتسجيليّة والقصيرة، كنماذج نقديّة، تقدم بعضًا من مفاتيح الفهم والتذوق لبعض الأفلام، مُساهمة في تأكيد نوعيّة من النقد الفيلمي المنهجي أراها ضروريّة لفن الفيلم بقدر ما هي ضروريّة للنقد عامة، ولعلها أيضًا أقرب إلى متطلبات القارئ الثقافيّة، أو هذا ما حاولت السعي إلى تحقيقه.

    هاشم النحاس

    العجوزة 2016

    الفيلـم الـروائـي

    «رسائل البحر»

    «مرثيّة شعريّة بالصورة السينمائيّة»

    لعالم جميل يتلاشى

    Y9789771458371-2-3.xhtml

    رغم تعدد ما يطرح من آراء حول فيلم (رسائل البحر) 2010، تأليف وإخراج المبدع داود عبد السيد، فإن قراءة الفيلم لا تزال مفتوحة تتقبل المزيد من التأويل بما يحمله الفيلم من دلالات، والمزيد من التحليل لما يتميز به الفيلم من جماليات الصورة السينمائيّة.

    لا يناقش الفيلم مشكلة اجتماعيّة محددة تؤرق المجتمع أو تفقده توازنه على غرار الأفلام الواقعيّة الأخرى، مع احترامنا الشديد للأفلام الجيدة منها، وإنما ينفُذ برموزه إلى قلب الإشكاليّة الأنطولوجيّة للمجتمع الذي يتعرض وجوده للتهديد.. أن يكون أو لا يكون. وهي نفس الإشكاليّة التي طرحها شادي عبد السلام في فيلمه الفريد (المومياء)، وإن جاءت نهاية المومياء تحمل الأمل حيث تحتمي المومياوات بأحضان الدولة في النهايّة، بعد أن كانت مهددة بالفناء تحت معاول اللصوص الذين ينهشونها، نجد نهاية فيلم داود بمثابة صرخة مدوّية تحذرنا من الدمار القادم.

    الفيلم –في عمومه– بمثابة مرثيّة شعريّة بالصورة السينمائيّة لزمن جميل يتلاشى. ولم يكن غريبًا أن يكون الرمز الحضاري هو حامل الدلالة في الفيلمين. ويتمثل في الآثار الفرعونيّة التي يتم إنقاذها في الأول، والعمارة التي يجري هدمها في الثاني.

    من خلال (يحيى) الشخصيّة الرئيسيّة في الفيلم نتعرف على باقي الشخصيات الأخرى، كل منها له عالمه الخاص، وكل منها يرسم لنا ملمحًا من ملامح الصورة لمجتمع جميل يتلاشى.

    يحيى (آسر ياسين) لم يستطع مواصلة العمل بالطب لإصابته بلعثمة في النطق تثير سخرية الآخرين منه. ويضطر أن يترك القاهرة بعد موت أبيه ورحيل أخيه الأكبر إلى أمريكا، ويذهب إلى شقة قديمة للأسرة بالإسكندريّة. ويعمل بالصيد لإعانته على العيش، لكنه يظل مهددًا بالطرد من الشقة لأن مالك البيت الجديد الحاج هاشم «صلاح عبد الله» يريد أن يهدم البيت ويقيم بدلًا منه مركزًا تجاريًّا «مول»، ويرفض يحيى أن يخرج من البيت إلى أن يطرد من شقته في النهاية.

    وفي بيت الإسكندريّة يلتقي بجارته القديمة الإيطاليّة العجوز فرانشسكا (نبيهة لطفي) التي عاشت في الإسكندريّة وأحبت الحياة فيها، وتشعر بالأسى نحو شقتها التي تحمل ذكرياتها، ولكنها تضطر إلى تركها تحت ضغط الحاج هاشم، وتقرر العودة إلى إيطاليا. أما ابنتها كارلا (سامية أسعد) مصممة الملابس فينتعش حبها القديم مع يحيى عندما عاد إلى شقته بعد عشر سنوات. لكن هذا الحب ما لبث أن تلاشى عندما فكرت في الرحيل إلى إيطاليا وتزامن هذا التفكير مع تعرفها على إحدى زبائنها التي نشأت بينهما علاقة مثليّة.

    وأما قابيل (محمد لطفي) صديق يحيى الذي يعمل (بودي جارد) في أحد الملاهي الليليّة فهو مهدد بالموت إذا لم تجرَ له عمليّة جراحيّة بالمخ، وإذا أجرى العمليّة فهو مهدد بفقدان الذاكرة. ذلك بالإضافة إلى خوفه من الطرد من عمله إذا علم صاحب الملهى أنه قرر عدم الإقدام على ضرب أي مشاغب في الملهى إذا لزم الأمر، وهو العمل المنوط به، وذلك لأنه سبق أن ضرب شخصًا فأرداه قتيلًا ويعاني من الندم حتى الآن على ذلك.

    Y9789771458371-2-3.xhtml

    ولم تكن نورا «بسمة» أسعد حظًّا في حياتها، فهي ترفض علاقتها بزوجها الذي يزورها مرة كل أسبوع أو أسبوعين، بينما يعيش حياته مع زوجته الأولى وأولاده في القاهرة. وترى في علاقته بها أشبه بعلاقته بفتاة من فتيات الليل، لذلك تثور على هذه العلاقة وتضطر إلى إجهاض نفسها، وإذ تواصل علاقتها بيحيى الذي أحبته لبراءته وتمسكه بها رغم إيهامها له بأنها فتاة ليل ورغم معرفته بالجنين في بطنها قبل أن تجهضه، إلا أن هذا الحب يظل بعيدًا عن التمتع بالاستقرار، وليس هناك ما يضمن استمراريته.

    ولعل أهم ما يميز الفيلم من ناحية الأسلوب السردي هو إيقاعه الهادئ البطيء الذي يستولي على مشاعر المشاهد. ويرتبط هذا الإيقاع بالدعوة إلى التعمق في تأمل ما يراه المشاهد من أحداث، وما تثيره في ذهنه من دلالات تتعدد مستوياتها وهو ما جعل الفيلم قابلًا لقراءات عديدة من النقاد.

    ويرتبط إيقاع الفيلم بإثارة الإحساس بالمتعة الجماليّة التي تثيرها جماليات الصورة السينمائيّة ويصل بها الفيلم إلى أعلى مستوياتها العربيّة. وهو في ذلك يذكرنا مرة أخرى بفيلم المومياء. في المشاهد الأولى من الفيلم مثلًا تستعرض الكاميرا بحركة ناعمة واجهات بعض المباني القديمة وما بها من أبواب ونوافذ وشرفات، تكشف عن تناسق أبعادها وجمال زخارفها المعماريّة في تشكيلاتها المنسابة في ليونة.

    يتم عرض اللقطات بإيقاع بطيء يدعونا إلى تأمل محتواها وتذوق ما فيه من جمال، يؤكد هذه الدعوة إلى جانب حركة الكاميرا البانوراميّة البطيئة إيقاع الانتقال الهادئ بين لقطة وأخرى، واستخدام وسيلة المزج في الانتقال فيما بينها، بحيث تختفي اللقطة السابقة بالتدريج في نفس الوقت الذي تظهر فيه اللقطة التالية، وكأن كل لقطة تعانق سابقتها أو تودعها بقبلة بالظهور معًا في منتصف لحظة الانتقال. والموسيقى الخفيفة الهادئة المصاحبة لهذه اللقطات ترحب بخوض المتفرج تجربة التذوق لجمال هذا المكان. ولم يكن هذا العرض الجمالي مجانيًّا (كما قد يظن البعض) إذ يعلم المشاهد فيما بعد أن هذا المكان الجميل (الرمز الحضاري) يتعرض للزوال ليحل محله مول كبير (رمز الحداثة الغثة).

    ولا تقتصر جماليات الصورة على إبراز جمال المكان سواء الخارجي منه خاصة مشاهد البحر والأمواج، أو الداخلي منه مثل شقة فرانشسكا أو أتيليه كارلا. وفيها جميعًا تبرز مهارة مصمم المناظر مهندس الديكور أنسي أبو سيف، وإنما يمتد جمال الصورة ليشمل إبراز جمال الجسد الإنساني وخاصة ملامح وإيماءات الوجه المعبرة للشخصيات الرئيسيّة وفي مقدمتهم شخصيتي يحيى ونورا. وحتى لا يتحول الجمال الجسدي إلى إثارة من نوع رخيص تبعدنا بالضرورة عن متابعة مضمون الفيلم يتم تصوير نورا «بسمة» عندما تخلع ملابسها الخارجيّة وتقفز في مياه البحر في لقطة عامة جدًّا (بعيدة). وكذلك الحال عندما تطلب كارلا من زبونتها خلع فستانها، فيصل المعنى المقصود من المشهد دون أن يتجاوز إلى الإثارة الحسيّة الجنسيّة.

    ويحسب للفيلم جماليًّا أنه رغم تضمنه «بالضرورة» لعلاقات جنسيّة إلا أن هذه العلاقات يتم التعبير عنها إيحاءً، بعيدًا عن مشاهد العناق المعهودة على السرير أو التأوهات. ويأتي التعبير واضحًا وقويًّا وإن كان غير صريح.

    ومن الصور الجميلة المعبرة للأداء الجسدي في الفيلم مشهد الإيطاليّة العجوز المتهالكة بجسدها الثقيل في مقعدها الوثير تحرك أطرافها على إيقاع الموسيقى الراقصة المصاحبة لرقصة يحيى مع كارلا، ثم لا تلبث أن تتجاوز قصور جسدها وتنهض لتشارك بالرقص وتدور حول نفسها بمساعدة يحيى الذي يحتضنها، فيصل المشهد إلى ذروة التعبير عن البهجة التي تحتضن الجميع رغم اختلاف العمر والجنسيّة واختلاف الدين بالضرورة.

    وتلعب إضاءة مدير التصوير «أحمد المرسي» دورًا أساسيًّا في كل هذه المشاهد الجماليّة المعبرة. ويعمل التكوين في كثير من اللقطات على تحويلها إلى ما يشبه اللوحات التشكيليّة الفنيّة.

    ولا يكتمل جمال الصورة السينمائيّة بدون شريط الصوت الذي يأتي متكاملًا مع الصورة إلى حد يندر وجوده في السينما المصريّة. فالموسيقى «إبداع راجح داود» تأتي هادئة ناعمة تدعو إلى التأمل، لا تفرض وجودها على الشاشة، بل تختفي أو تكاد وراء الصورة، ولا تنافسها في التعبير أو تحل محلها كما هو معهود في أفلام كثيرة. ويتم تضفير المؤثرات الصوتيّة مع الموسيقى في علاقة جدليّة بوليفينيّة، خاصة أصوات أمواج البحر الناعمة حينًا والصاخبة حينًا آخر. أما الأصوات الغنائيّة التي تهمس من بعيد لعبد الوهاب أو أم كلثوم، فقد تتماس كلماتها مع دلالة المشهد، ولكن الأهم أنها تحمل عَبق الزمن الذي ترمز له أو تشير إليه، ويقدمه الفيلم باعتباره الزمن الجميل الذي أصبح مهددًا.

    وإلى جانب دور الموسيقى في الخلفيّة كشخصيّة تابعة للصورة سينمائيّة، نجدها أيضًا في الفيلم تمثل شخصيّة مستقلة لها دور فاعل في تطوير الأحداث، حيث يدفع عشق يحيى للموسيقى إلى الوقوف على الرصيف في الشارع كل ليلة لسماع نغمات البيانو الرقيقة الصادرة عن نافذة بإحدى العمارات المجاورة. ولا يمنعه المطر في إحدى الليالي عن أداء هذا الطقس اليومي. وتنزل صاحبة العزف التي تلحظه، تدعوه أن يحتمي معها من المطر تحت الشمسيّة التي تحملها ويقبل يحيى الدعوة ويمشي إلى جانبها، وتبدأ العلاقة بينه وبين نورا.

    ويأتي الحوار على غرار الصورة محكمًا في اقتصاده. فالحوار قليل والصورة هي التي تتكلم أكثر. وهناك مشاهد كثيرة بلا حوار. ويصل الاقتصاد في الحوار أحيانًا إلى حد أن نسمع سؤالًا من إحدى الشخصيات لشخصيّة أخرى وعلى غير ما نعهده لا تجيب الشخصيّة الأخرى، وإنما نرى رد الفعل عليها، أو ننتقل إلى مشهد آخر حيث لا حاجة إلى الإجابة التي يمكن أن يستخلصها المشاهد.

    وإذا جاء أداء نبيهة لطفي في دور الإيطاليّة فرانشسكا تلقائيًّا (ونموذجًا عليه المشهد سابق الذكر) رغم أن نبيهة ليست ممثلة في الأصل وهي مخرجة تسجيليّة معروفة للجميع، فكذلك كان الحال في أداء بقيّة الممثلين عامة ومنها أداء يحيى في لعثمته، وإن جاء الأداء نمطيًّا لمحمد لطفي في دور قابيل البلطجي وصلاح عبدالله في دور الحاج هاشم.

    Y9789771458371-2-3.xhtml

    والفيلم إذ ينتهي بطرد يحيى ونورا من شقته نراهما في آخر لقطات الفيلم داخل قارب صغير وسط مياه البحر التي امتلأت بالأسماك الميتة حول القارب بفعل الديناميت الذي يفجره الحاج هاشم كوسيلة «غير مشروعة» لصيد السمك. وتبتعد صورة القارب بحركة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1