Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سراديب الذهب
سراديب الذهب
سراديب الذهب
Ebook256 pages1 hour

سراديب الذهب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

"لقد حملت الرواية رؤية نقدية للمجتمع المصري القديم تحاكم وتشجب اهدار الطبقات الحاكمة للطاقات والثروات في اقامة مشاريع وهمية لاتخدم مصلحة الفقراء واضعة خطاطة ثلاثية الابعاد اولها الوعي وغياب الوعي ثم الثانية غياب العدل والمساواة والثالثة السعادة والشقاء ."
جريدة الحدث الآن - الناقد/ناصر الحرشي

نرى‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬نجح‭ ‬بمهارة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬جميلة‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‬كشف‭ ‬فيها‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الحقيق
د. عبدالرحيم الكردي - مجلة العربي


في رواية "سراديب الذهب"، يقدم الكاتب محمد العون الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية وجائزة إتحاد الكتاب المصري قصة مشوقة ومثيرة تأخذنا في رحلة عبر الزمن إلى عصر الأهرامات في مصر. تدور الأحداث حول مقبرة الملكة "حتب حرس"، وتنفذ عصابة من اللصوص هذه المهمة الخطيرة بقيادة النحات المصري "حرنخت"، الذي كان يعمل في بناء المقبرة.

من الجوانب المثيرة في الرواية هو تصوير الكاتب لحياة المصريين القدماء وتوضيح العلاقة بين الحاكم والمحكومين. يقسم العون العالم في الرواية إلى قسمين، الأول يتكون من طبقة الحكام ورجال الدين، والثاني يتكون من العمال والحرفيين والمهندسين والفلاحين. يعتمد الكاتب على الكناية في التعبير عن الأحداث ولتوضيح ملامح الشخصيات.

واحدة من الجوانب الجمالية في الرواية هو الالتفات السردي الذي يميز أسلوب محمد العون، وليس في هذه الرواية فقط بل في رواياته السابقة أيضًا. يعتمد الكاتب على الإيقاع الثنائي في سرد الأحداث، حيث يتبع زاوية رؤية الراوي العليم، ويستخدم اللغة بطريقة تجعل القارئ مشتاقًا لمعرفة المزيد ويشعر بالتوتر والتشويق خلال القراءة.

.

 

 

 

 

   

 

 

Languageالعربية
Release dateDec 15, 2023
ISBN9798223006947
Author

محمد العون

Muhammad Al-Aoun is a famous Egyptian novelist and storyteller with a history full of literary works and awards, most notably his novel “Mawlana,” which won the State Encouragement Award. He also received the Egyptian Writers Union Award.

Related to سراديب الذهب

Related ebooks

Related articles

Related categories

Reviews for سراديب الذهب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سراديب الذهب - محمد العون

    سراديب الذهب

    محمد العون

    1

    الليل الحالك الذي لا يظهر فى سمائه قمر هو الوقت المناسب، التسلل خفية بظهور منحنية والمشى بحذر على الرمال الناعمة بعيداً عن الطرق المعبدة المدكوكة، وتحسس مواضع الأقدام حتى لا تصطدم بحجر قد يُصدر صوتاً مهما كان خافتاً يمكن أن يلفت أسماع الحراس! برغم وجودهم على مسافة بعيدة تصل لعدة أميال، يمكن للرياح أن تنقل أقل همسة فى هذا الصمت الشامل، الذي يغطى تلك المنطقة المرهوبة من الصحراء البعيدة عن العمران.

    إنه عمل يحتاج إلى قلب ميت لا يستطيع فقط مواجهة الرعب ولكن التغلب عليه أيضاً، ومهارة وقدرات خاصة، وكم من الجرأة لا يستطيعه إلا عتاة الرجال!

    الغنيمة كبيرة تستحق المخاطرة، يمكن للرجل أن يبقى ثرياً إلى آخر حياته لو تمكن من الحصول عليها، لكن الأمر ليس سهلاً، بل فى منتهي الصعوبة.. والخطورة أيضاً! الإنسان لا يحصل على شيء بلا مقابل فى هذا العالم، لابد من العمل الشاق لأيام متواصلة، فى الخفاء وسط سكون الليل وصمت الصحراء فى هذا المكان المرعب، وبلا مشاعل أو حتى شمعة صغيرة، أصابع اليدين عليها أن تقوم مقام العينين فترى وهي تتحسس طريقها فى الظلام المطبق داخل هذا العمق السحيق فى باطن الأرض.. حيث يرقد الذهب. 

    وصلوا بالقارب الصغير إلى شاطئ النهر، دفعوا به بين الحشائش الكثيفة التي تغطى الضفة حتى أخفوه تماماً، ساروا بين الحقول القريبة مسرعين وهم يحملون معداتهم حتى بلغوا منطقة تكثر فيها أشجار النخيل، آخر حدود الزراعة، بعدها تبدأ الصحراء الممتدة حتى نهاية الأفق.

    أيام عيد والجميع يحتفلون، يعُبون النبيذ حتى يمتلئوا، الحراس أيضاً لا يتورعون عن شرب جرعات منه وهم فى عملهم، هو الوقت المناسب إذن، الأفضل فى السنة للقيام بهذا العمل والحصول على الذهب من الجب العميق الذي ترقد فى نهايته جلالتها رقدتها الأبدية!  

    يتقدم وهو يشير لزملائه أن يتبعوه، يعرف هذه الأرض، كل شبر فيها، عمل هنا لشهور طويلة قاطع أحجار ونحاتاً، وأقام فى مساكن العمال على مقربة من هنا حيث يمشي الآن، مضت على الغروب ساعتان وأصبح الظلام حالكاً، يستطيعون العمل لست ساعات متواصلة دون أن يشعر بهم أحد.  

    يشق مع زملائه ممراً عبر مسافة تمتد لعشرات الأذرع فى باطن الأرض، محفورة ومطمورة بالرمال وسط متاهة من الممرات، لكنه يحفظها ويعرف طريقه خلالها، الرمال بما تحويه من قطع الحجارة لا تعد شيئاً مقارنة بعمله السابق فى حفر هذه الممرات التي تتلوى فى باطن الأرض الصخرية، عمل شاق استغرق عدة سنوات، حتى استطاعوا أن يبنوا لجلالتها قبراً يليق بمكانتها العظمى فى الدولة، إنها ترقد الآن فى سلام محاطة بالذهب وبجسد سليم كامل الأعضاء يضمن لها حياة أبدية خالدة عندما تُبعث من جديد!

    بعد مشوار طويل قطعوه فى صمت وصلوا إلى بداية الجُب، تناول حرنخت أدواته ونزل درجات السلم المنحوتة فى الصخر والموصلة إلى الممر الغائر فى انحدار عميق، ولا يلبث أن يتشعب إلى عدد من السراديب ينتهي بعضها إلى حجرات خالية وأخرى تصل إلى حجرات وهمية، مجرد نقش على شكل باب منحوت فى صخر الجدار.

    شرع فى العمل على الفور ليكمل مع عصابتة ما بدأوه منذ يومين، دون كلام أخذ هو وأصدقاؤه الخمسة فى إزاحة الرمال ليصنعوا ممراً يكفي لمرورهم، بعد لحظات يغمرهم العرق وتتغطى أجسادهم بطبقة لزجة من التراب، تزداد صعوبة التنفس مع الوقت، لكن هذا لا يمنع توغلهم ولا يبطئ حركتهم السريعة، كلهم عملوا من قبل فى نحت جدران وسراديب وفى قطع أحجار هائلة الحجم وتسويتها وضبط حوافها وزواياها، يتقنون هذه الحرفة ويبرعون فيها..

    يقتربون من نهاية السرداب، لم يعد يفصلهم عن المقصورة الرئيسية سوى عدة أذرع، حماسهم يشتد يدفعهم الأمل المشوب بالطمع، حرنخت فى المقدمة يضرب بمعوله النحاسى ليزيح أكوام الرمل من طريقه، ضربات منتظمة متوالية وبمعدل ثابت، بجانبه صديقه أونن نفر لا يقل عنه سرعة وإتقان، عملهما متناغم يُكمل أحدهما الآخر، كلاهما من أتباع ست، من خلفهما الرجال الأربعة يملأون الرمل فى سلال من ليف النخيل ليسحبوه على الفور إلى الخارج.

    عندما وصلوا أخيراً إلى كتلة الحجر الجرانيتى الضخمة التي تسد مدخل المقصورة بإحكام، خبطها حرنخت بكفه مبتهجاً، لقد وصل إليها بعد ثلاثة أيام، تماماً كما قدر فى حساباته، شارك بنفسه فى وضع هذا الحجر الضخم عند مدخل البيت الأبدي للملكة قبل ما يقرب من عامين. 

    كان الكهنة بعد أن انتهوا من وضع التابوت فى مكانه وحملوا كل أغراض الملكة وهي مغطاة بالقماش الأبيض إلى مكانها الأخير، يقفون عن كثب يتابعون الخطوة الأخيرة لمراسم الدفن ورائحة البخور العطرية تعبق الهواء، كبيرهم يقف منتصباً فى صمت، وعيناه ترصدان المشهد الذي يجرى أمامه، لم يكن بحاجة لأصدار أوامر أو توجيه تعليمات، فالعمال الذين لا يُسمح لهم بالدخول إلا بعد انتهاء كل طقوس الدفن، ليقوموا بالخطوة الأخيرة فى سد المدخل، يعرفون عملهم وينفذون خطواته كما ينبغى وفق الرسومات الهندسية التي درسوها بعناية من قبل، كتلة الجرانيت الضخمة المحمولة على عوارض خشبية والمربوطة بالحبال الغليظة، تنزل إلى مكانها ببطء بأيدى العمال الذين يتحكمون فى الحبال ويجذبونها من عدة جوانب إلى أن تستقر على قاعدتها عند مدخل المقصورة لتسده تماماً.. وإلى الأبد.

    همس حرنخت لعصابته قائلاً:

    - يكفي هذا..

    توقفوا جميعهم وشرعوا فى جمع معداتهم ووضعها فى السلال، خرجوا هم الستة تباعاً، عندما نظروا إلى النجوم فى السماء الصافية فوقهم عرفوا أنهم أمضوا ست ساعات كاملة داخل السرداب، فى لحظات سدوا مدخل السرداب المؤدى للمقبرة بطريقة ابتكرها حرنخت بذكائه الفطرى، الذي يمكنه من الابتكار وإيجاد حلول لكثير من المشاكل التي يصادفها فى عمله. 

    أغلقوا المدخل بحيث لا يستطيع من يمر على مقربة من المكان أن يلحظ شيئاً، هو أمر نادر الحدوث الآن، فلم تعد لهذه المنطقة نفس الأهمية التي كانت لها من قبل! بعد أن اختار الملك مكاناً آخراً فى الشمال فوق هضبة الجيزة، ليكون مقراً أبدياً له بعيداً عن المنطقة التي يستقر فيها أبوه وأجداده، ولم يعد هنا فى المعابد الجنائزية القريبة سوى عدد محدود من الحراس.. لكن لابد من الحذر.

    قطعوا المشوار الطويل حتى شاطئ النيل إلى أن وصلوا لمكان قاربهم، الراقد بعيداً عن القناة التي حفرها الملوك السابقون لتصل من النيل إلى حافة الصحراء، حتى تتمكن السفن من الوصول إلى الجبانة الملكية بما تحمله من أحجار وأخشاب! لم يكن بإمكانهم الدخول بالقارب فى القناة خشية أن يشعر بهم الحراس. 

    بعد أن سار بهم القارب مبتعداً إلى عمق النهر، سأل أونن نفر صديقه:

    - فى رأيك، كم يلزمنا من الوقت لنحفر حجر الجرانيت الذي يسد مدخل المقصورة؟

    أجاب حرنخت بثقة:

    - يومان، حتى نتمكن من صنع فتحه تكفي لمرور رجل.  

    هز أونن نفر رأسه موافقاً، ثم صمت وقد استغرقه التفكير المشوب بالقلق فى الذهب الراقد بأمان فى جوف الأرض!

    بينما كان زملاؤهم يجدفون على سطح النيل العريض، أراح حرنخت جسده القوى على المقعد وهو ينظر إلى المياه وهي تنساب مسرعة تحت القارب، تذكر الملكة التي أصبح على بعد خطوات من جثمانها..

    ***

    منذ سنوات بعيدة عندما كان صبياً صغيراً ضمن العمال المساعدين، أتت عدة مرات لتنظر بنفسها إلى مقرها الأبدي وهم يعملون فى بنائه، خرج جميع العمال وانحنوا أمامها وهي ماتزال جالسة داخل محفتها المصنوعة من خشب الصنوبر، المُطعم بنقوش نباتية من الذهب الخالص لرسوم وزخارف متداخلة من زهور وأغصان اللوتس.  

    أربعة من الجنود الأشداء يحملون المحفة، ويحيط بهم عدد من الوصيفات، وخلفها بقليل وقف كبير الكهنة بملابسه الناصعة البياض وصندله المصنوع من شرائط الفضة المجدولة، الصنادل الفضية بلونها الأبيض الذي يرمز للنقاء والطهارة لا يرتديها إلا الكهنة الكبار أصحاب المراتب العليا وتُصنع خصيصاً لهم، بجوار الكاهن وقف باحترام مهندس الجبانة وضباط الحرس الملكي وعدد كبير من الجنود، نزلت من المحفة بمساعدة وصيفاتها ومشت بخطوات هادئة وقورة وهي تمسك بعصاها الخشبية الطويلة المطلية بالذهب تحت مظلة تحملها إحدى الوصيفات. 

    سيدة فى منتصف العمر رشيقة الجسد، دقيقة الملامح واسعة العينين، ترتدى ثوباً داكن اللون من الكتان السميك المحبوك حول جسدها يصل إلى منتصف ساقيها، وفوقه ثوباً آخراً واسعاً من الكتان الرقيق شاهق البياض يغطى كتفيها ويصل إلى قدميها، يملأ عطرها القوى الهواء حولها، ترتدى باروكة شعرها طويل فاحم السواد يكاد يلمع تحت شمس الصباح الباكر الناعمة، على رأسها تاج رقيق من الذهب مُزخرف بزهور ملونة وفى مقدمته رأس الكوبرا، أما صدرها فمغطى بعقد من الذهب المجدول والمطعم بالزمرد والفيروز، يغطى معصميها سواران ذهبيان سميكان، ويدور حول وسطها حزام عريض من الذهب الملون المرصع بالجواهر، إنها ابنة الملك الراحل وزوجة ملك البلاد وأم ولى العهد خنوم خوفوى، الملكة حُتب حِرس.    

    أخذ كبير الكهنة الذي يتم العمل تحت إشرافه يشرح لجلالتها خطوات سير البناء، وطبيعة الأرض ونوع الأحجار والصخور الموجودة فى الطبقة العميقة التي يشيدون فيها بيتها الأبدى، بعد أن انتهي من كلامه تراجع عدة خطوات مفسحاً الطريق للمهندس الذي تقدم منها وفى يده اسطوانة ورقية، فردها أمامها فبدت خريطة تفصيلية لسراديب وممرات وحجرات البيت الأبدي، استمعت باهتمام ثم أشارت إلى الحقول التي تبدو فى نهاية الأفق وسألت المهندس:

    - هل يمكن للمياه التي تروي هذه الزراعات أن تتسرب إلى باطن الأرض وتصل إلى هنا؟

    - لقد درسنا هذا الأمر بعناية يا صاحبة الجلالة، الأرض هنا جافة تماماً ومرتفعة عن مستوى الأرض المزروعة فلا يمكن لمياه الري أن تصل إلى هنا مطلقاً، إنها بعيدة تماماً.

    هزت رأسها موافقة ولاحت ابتسامة على وجهها.

    - أنا على ثقة من كفائتكم، والآن أريد أن أرى ما تم فى الداخل.

    تقدمت وأمامها الكاهن والمهندس يتبعهم بعض ضباط الحرس.

    الهواء كان يحمل شذا عطرها القوى إلى حيث يقف على مبعدة حرنخت مع بقية العمال، كانوا جميعهم يسترقون النظر إليها وإلى وصيفاتها الجميلات ورائحة العطر تسكرهم وتدير رؤوسهم!

    فى نهاية اليوم جلس العمال حول المأدبة التي أمرت بها الملكة مكافأة لهم، الصنف الرئيسي فيها من لحوم الثيران غالية الثمن التي لا يأكلها العمال إلا نادراً، بالإضافة إلى أوز وبط وكميات وفيرة من أرغفة الخبز وأنواع متعددة من الفاكهة، مع كمية معتبرة من الجعة والنبيذ، كان الطهاة يطبخون الطعام ويقومون بشوى اللحوم أو قليها فى الزيت، والعمال يمرحون ويتعالى صخبهم وهم يستمتعون بالأكل والشراب.

    قال أحد الرجال الكبار وهو يحتسى النبيذ بعد أن امتلأ بالطعام:

    - يالروعة رائحة عطر جلالتها، مازلت أشمها حتى الآن.

    علق زميل له مبتسماً:

    - يقولون إن الوصيفات يدهن جسدها كله بالعطر ويدلكنه فى جلدها مع أنواع من الزيوت تجعله ناعماً ومشدوداً لا تظهر فيه التجاعيد!

    رد الأول كالحالم وهو منتشٍ وقد غالبه النعاس.

    - آه.. ياليتنى أقوم بعمل الوصيفات هذا.

    - هاها.. بجلد كفيك الخشن هذا، الذي يشبه جلد التماسيح هاهاهاها.. 

    ابتسم حرنخت فى سره بينما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1