Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

إدارة باراك أوباما أنموذجًا: الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008
إدارة باراك أوباما أنموذجًا: الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008
إدارة باراك أوباما أنموذجًا: الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008
Ebook795 pages5 hours

إدارة باراك أوباما أنموذجًا: الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يحاول المؤلف في هذا الكتاب، إيضاح بعض الأفكار المهمة في عالم اليوم، المتسارع جدًّا بأحداثه، ومعطياته، وحراكه الدولي، على صعيد الأداء الإستراتيجي للقوى الدولية، ولا سيما في ظل تغير مفهوم القوة وصورها، فضلًا على ظهور التحديات العالمية المجابهة لمكانة القوى الدولية عالميًّا. ولعله من نافلة القول، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأكثر تأثيرًا في السياسة الدولية المعاصرة؛ لما تمتلكه من مدخلات القوة والتأثير ضمن أداءٍ إستراتيجيٍّ منضبطٍ، مرتكنٍ إلى عقيدة تُسَيّر الماكينة الأمريكية بمجملها نحو هدف واحد، ألا وهو التربع على قمة الهرم الدولي. واتساقًا مع ذلك، تشكل القوة الإستراتيجية الأمريكية بمفهومها الشامل، مضمون ذلك الأداء الإستراتيجي الأمريكي، الذي تبلور بشكل تدريجي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية صعودًا إلى يومنا هذا، إذ عمدت مجمل الإدارات الأمريكية إلى تشغيل كل مفاعيل قوتها الإستراتيجية، وتوظيفها عبر أداء إستراتيجي تميز بالمرونة على نحو يؤمن انسيابية حركته الخارجية لتقودها بالمحصلة إلى تحقيق الأهداف الكونية للدولة الأمريكية. وتفيد المقارنة بين إدارة جورج ولكر بوش وإدارة باراك أوباما في أن كلًّا منهما عمدت إلى تحقيق غاية هذا المشروع الأمريكي عبر آليات مختلفة، فبينما ذهبت إدارة جورج بوش الابن إلى تبني آليات القوة الصلبة عبر ممارسات استباقية ووقائية، حرصت إدارة باراك أوباما في المقابل على تبني آليات تجمع بين القوة الصلبة والناعمة ضمن إطار آلية القوة الذكية "Smart Power" وعلى نحو لم يؤدِّ إلى احتواء واقع التراجع الدولي الأمريكي من جراء حروب جورج بوش الابن وسياساته فحسب، وإنما إلى دعم المكانة الدولية الأمريكية بعنصر مضاف، جعلها أعمق إدراكًا لواقع المتغيرات الدولية الراهنة وأكثر اتساقًا مع تسارع حركة التاريخ الدولي أيضًا. إذن، فالمحصلة أن فاعلية توظيف القوة الذكية في عهد إدارة باراك أوباما، بوصفها آلية لأداء إستراتيجي جديد، أفضى إلى ضبط الأداء الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية سبيلًا لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، ومن ثم ديمومة تربعها على قمة الهرم السياسي الدولي. العبيكان للنشر
Languageالعربية
PublisherObeikan
Release dateJan 1, 2017
ISBN9786035038980
إدارة باراك أوباما أنموذجًا: الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008

Related to إدارة باراك أوباما أنموذجًا

Related ebooks

Related categories

Reviews for إدارة باراك أوباما أنموذجًا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    إدارة باراك أوباما أنموذجًا - محمد وائل القيسي

    الغلاف

    الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008

    إدارة باراك أوباما أنموذجًا

    محمد وائل القيسي

    Untitled-1.xhtml

    العبيكان، ١٤٣٧ه

    فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر.

    القيسي، محمد وائل.

    الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008 (إدارة باراك أوباما أنموذجًا).

    محمد وائل القيسي.

    ردمك: 0-898-503-603-978

    1- الولايات المتحدة -الأحوال السياسية

    2- الولايات المتحدة -العلاقات الخارجية

    ديوي 320,973 رقم الإيداع 2072/1437

    الطبعة الأولى

    1438ه / 2017م

    حقوق الطباعة محفوظة للناشر

    الناشر Untitled-1.xhtml للنشر

    المملكة العربية السعودية - الرياض - المحمدية

    طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول

    هاتف 4808654 فاكس 4808095

    ص.ب 67622 الرياض 11517

    موقعنا على الإنترنت

    www.obeikanpublishing.com

    متجر Untitled-1.xhtml على أبل

    http://itunes.apple.com/sa/app/obeikan -store

    امتياز التوزيع شركة مكتبة Untitled-1.xhtml

    المملكة العربية السعودية - الرياض - المحمدية

    طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول

    هاتف 4808654 فاكس 4889023

    ص. ب 62807 الرمز 11595

    www.obeikanretail.com

    لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو نقله في أي شكل أو واسطة، سواء أكانت إلكترونية أم ميكانيكية، بما في ذلك التصوير بالنسخ «فوتوكوبي»، أو التسجيل، أو التخزين والاسترجاع، دون إذن خطي من الناشر.

    أهداء

    إلى والدي رمز الكبرياء، و والدتي رمز العطاء،

    شكراً لأنكما موجودان في هذا العالم.

    المقدمة

    تعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأكثر تأثيرًا في السياسة الدولية المعاصرة، لما تمتلكه من مدخلات القوة والتأثير ضمن أداء إستراتيجي منضبط، والمرتكن إلى عقيدة تُسيِّر الماكينة الأمريكية بمجملها نحو هدف واحد، ألا وهو التربع على قمة الهرم الدولي.

    إذ لا تكاد ترتكن الولايات المتحدة الأمريكية لعقيدة تحدد مسارها وأسلوب عملها حتى ترهن أهدافها دفعة واحدة عند مطلبها الكوني وهو التربع على قمة الهرم الدولي، الأمر الذي فرض على إداراتها المتعاقبة التلون في أدائها الإستراتيجي الشامل للوصول إلى غايتها العالمية، والتي لطالما جهدت ذاتها في تسخير كل ممكناتها بالاتجاه الذي يصب في تحقيق تلك الغاية.

    وتبعًا لذلك، تُشكِّل القوة الإستراتيجية الأمريكية بمفهومها الشامل، مضمون ذلك الأداء الإستراتيجي الأمريكي؛ الذي تبلور الذي تبلور تدريجيًّا نحو الصعود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا؛ إذ عمدت مجمل الإدارات الأمريكية على تشغيل كل مفاعيل قوتها الإستراتيجية، وتوظيفها بواسطة أداء إستراتيجي تميز بالمرونة وعلى نحو يؤمن انسيابية حركته الخارجية لتقودها بالمحصلة إلى تحقيق الأهداف الكونية للدولة الأمريكية.

    إنَّ معظم الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحكم في الولايات المتحدة -إن لم نقل مجملها- كانت قد عملت على تعلية خيار القوة بوصفها دربًا للقيادة والريادة العالميتين، عن طريق سياسة الانغماس المكثف في التفاعلات العالمية، مُدعومة بنسبة مهمة من مواردها المتاحة، ابتغاءً لترتيب ظروف بيئتها الخارجية على ذلك النحو الذي يساعدها على رفد سعيها المستمر نحو تحقيق تلك الأهداف العليا التي ينطوي عليها مفهومها الذاتي لأمنها القومي، وبعناصر فاعلة مُضافة.

    واتساقًا مع الإدارات الأمريكية السابقة، وسعيها في حفظ المكانة الأمريكية العالمية، في قمة الهرم السياسي الدولي، عمدت إدارة باراك أوباما مُذ تسنمها السلطة خلال ولايتها الأولى في 20/يناير2009 إلى استبقاء تفعيل مدخلات القوة الأمريكية الإستراتيجية، وتوظيفها سعيًا منها لاستدامة هدف الهيمنة الأمريكية عالميًا.

    اعتمد باراك أوباما القوة الذكية آليةً لأداء إستراتيجي أمريكي جديد، تم عنونته بذلك الأداء المتطلع إلى منهج التغيير الذي اتخذته الإدارة ذاتها شعارًا لها، والذي ما لبثت مضاعفاته أن أفصحت عن واقعه المفضي إلى أنه نهج تغييري، اقتصر على الآليات فقط، دون أن يمس واقع الأهداف الإستراتيجية المرصودة، فهذه بقيت ثابتة المضمون.

    لقد سعت إدارة باراك أوباما إلى توظيف مجمل قوتها الإستراتيجية (الاقتصادية والعسكرية والمعرفية والتكنولوجية والثقافية- الاجتماعية) مدخلات أفضت بالنتيجة إلى تحولات في طبيعة آليات الأداء الإستراتيجي الأمريكي في ظل السيولة التي اتسم بها هذا الأداء وخضوعه لمعطيات التغيير، ليستند من ثم إلى القوة الذكية بشقيها الناعمة والصلبة، والعمل على توظيفها إستراتيجيًا على الصعيد العالمي كونها الآلية الأنسب، ليس في استعادة مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وسمعتها فحسب، بل لديمومة التربع الأمريكي على قمة الهرم السياسي الدولي، في ظل تحديات دولية متجددة ومتغيرة أيضًا.

    إنَّ هذه التحديات التي تتجسد مثلًا في القوى الدولية الصاعدة من جهة، والترهل الذي بدأ ينخر بعض جوانب القوة الأمريكية؛ إثر التمدد العسكري الخارجي، والأزمات الاقتصادية التي تعصف بين فترة وأخرى بالاقتصاديات الدولية، (ومنها الاقتصاد الأمريكي)، من جهة أخرى، ناهيك عن تراجع سمعة الولايات المتحدة والثقة العالمية بها، التي دفعت الإدارة الأمريكية باتجاه الحراجة الانتقائية للقوة الذكية كآلية جعلت الدولة الأمريكية أكثر قدرة على إعادة إحياء قوتها الاقتصادية، والعسكرية بعض الشيء، فضلًا عن إعادة بناء الثقة العالمية بالولايات المتحدة، لإضفاء الشرعية الدولية على سياساتها وحركتها الدولية.

    وتبعًا لطبيعة تلك التحديات، تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة بإدارة باراك أوباما إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية عبر آليات جديدة لا تعطي أولوية للنهج العسكري (القوة الصلبة) في حسم الأمور لصالح الولايات المتحدة، وإنما تستعين أساسًا بآليات أخرى تضع الثقافة والقيم الأمريكية والسياسة الخارجية المرنة (القوة الناعمة) في قمة سلم الأولويات الخارجية، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة تغييب دور القوة الصلبة وأهميتها في الأداء الإستراتيجي الأمريكي، بل التناغم فيما بينهما، وبما يفضي إلى وحدوية التوظيف لكلتيهما.

    فالذي يتتبع الأداء الإستراتيجي الأمريكي الخارجي منذ وصول أوباما إلى الحكم عام 2009، يراه يعول كثيرًا على السلوك الذي يكون بعيدًا عن استخدام القوة العسكرية، ولكن من دون إغفالها؛ إذ لا تضع إدارة أوباما القوة الصلبة في المقدمة ولا تتخلى عنها، بل تنتهج آلية أداء جديدة يتم التناغم فيها ما بين القوة الصلبة والقوة الناعمة لتتولد لنا آلية أداء جديدة هي القوة الذكية Smart Power، والتي مثلت المرتكز الأساس للأداء الإستراتيجي الأمريكي في ظل عهد إدارة الرئيس باراك أوباما .

    وعلى الرغم من بعض التناقضات الواضحة لمفهوم القوة الأمريكية، (قوة صلبة وأخرى ناعمة)، فإن أوباما أدرك جيدًا، في ضوء الاستنجاد بتدفق فكري من الخبراء والمستشارين، تحديد الإطار للكيفية التي على الولايات المتحدة أن تعظم فيها هذه القوة لتسد من خلالها منافذ الاختراق، وتحقيق أهدافها الدولية المتوخاة بأقل الأكلاف المقبولة، يتقدمها هدف اعتلاء قمة الهرم الدولي، مع الاحتفاظ بهذا الهدف والإمساك به لأطول فترة ممكنة في مستقبل الدولة الأمريكية .

    أهمية الدراسة

    تكمن أهمية الدراسة في أهمية دولة الولايات المتحدة التي هي قيد هذه الدراسة؛ كونها الدولة الأكثر تأثيرًا في محصلة جل التفاعلات الدولية برمتها، انطلاقًا من مقومات القوة الإستراتيجية الشاملة التي تحوزها تلك الدولة، والتي أفضى توظيفها إلى اعتلاء مكانة متقدمة، والسير بخطى واثقة في مخطط توزيع القوة العالمي. لا سيَّما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، والتي عُدت بمثابة فرصة سانحة للولايات المتحدة للهيمنة العالمية، والتي شكلت إيذانًا بمرحلة جديدة من مراحل تطور النظام السياسي الدولي، حيث كان هذا الحدث متغيرًا أساسيًّا، فضلًا عن متغيرات أخرى لاحقة باتت مدخلات أساسية أفضت بالنتيجة إلى تحولات في طبيعة العلاقات الدولية، وكذلك طبيعة مقومات القوة ومعاييرها، فضلًا عن هيكل النظام الدولي بصورة أساسية والتراتبية الدولية بشكل عام.

    كما تكمن أهمية الدراسة أيضًا في أهمية الإدارة الأمريكية (إدارة باراك أوباما) وآليتها المطروحة (القوة الذكية)، في ظل إدراك أعمق لواقع المتغيرات الدولية المعاصرة والآلية الأنسب في التعاطي مع الآخرين ضمن النسق الدولي؛ كونها آلية جديدة تبعث على الاهتمام والرصد والتحليل لكشف مفهومها ودوافع توظيفها ومبررات تلك الدوافع، طمعًا في استكشاف آلية تعبيد طرق التربع الأمريكي على قمة الهرم الدولي بواسطة آليات جديدة، (القوة الناعمة والصلبة ومحصلة دمجهما القوة الذكية)، والتي مثلت حجر الزاوية في تحديد أبعاد الدور الذي يمكن أن ينتج عن الأداء الإستراتيجي الأمريكي سواءً الحالي أم المستقبلي.

    إشكالية الدراسة

    لم يخلُ التاريخ السياسي الدولي من تجارب أفادت أن تدهور فاعلية الدولة الكبرى -أو العظمى لاحقًا- يفضي تدريجيًّا إلى تآكل دورها السياسي الدولي، وبالمحصلة إلى تراجع مكانتها الدولية وفقدانها للقيادة العالمية.

    إن جدلية التضاد بين استمرار نزوع الولايات المتحدة الأمريكية نحو أداء دور عالمي فاعل ومؤثر وبين تأثير اختلالات هيكلية متنوعة ومهمة في القدرة الأمريكية على الفعل, أفضت إلى آراء متباينة بشأن مركزية الدور العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها دولة عظمى، سواء في الحاضر أم في المستقبل. فبينما قال نيكسون مثلا: يعاني كثير من الذين يعتقدون بتراجع أمريكا من أحلام اليقظة1، أكد بريجينسكي ما معناه أن السيطرة المطلقة على العالم لم تعد تنعقد للولايات المتحدة.2

    إن تناقض الرؤى بشأن حاضر الدور العالمي للولايات المتحدة ومستقبله، لا يلغي أن لا يلغي استمرار الإدارات الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في العمل من أجل ديمومة التربع الأمريكي على قمة الهرم السياسي الدولي. فديمومة هذا التربع عُدَّ مشروعًا إستراتيجيًّا استمرت الدولة الأمريكية على تبنيه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

    وتفيد المقارنة بين إدارة جورج واكر بوش (George Walker Bush) وإدارة باراك أوباما، أنَّ كلتا الإدارتين عمدت إلى تحقيق غاية هذا المشروع الأمريكي بواسطة آليات مختلفة. فبينما ذهبت إدارة بوش الابن إلى تبني آليات القوة الصلبة عبر ممارسات استباقية ووقائية، حرصت إدارة باراك أوباما بالمقابل على تبني آليات تجمع بين القوة الصلبة والناعمة ضمن إطار آلية القوة الذكية، وعلى نحو لم يؤدِّ إلى احتواء واقع التراجع الدولي الأمريكي جراء حروب وسياسات جورج بوش الابن فحسب، وإنما إلى دعم المكانة الدولية الأمريكية بعنصر مضاف وجعلها أعمق إدراكًا لواقع المتغيرات الدولية الراهنة وأكثر اتساقًا مع تسارع حركة التاريخ الدولي أيضًا. ومن مضمون إشكالية دراستنا هذه تنبع فرضيتها.

    فرضية الدراسة

    ترتكز الدراسة على فرضية مفادها: إنَّ فاعلية توظيف القوة الذكية في عهد إدارة باراك أوباما -بوصفها آلية لأداء إستراتيجي جديد- أفضى إلى ضبط الأداء الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية سبيلًا لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، ومن ثم ديمومة تربعها على قمة الهرم السياسي الدولي.

    وفي رحم هذه الفرضية تثار العديد من الأسئلة الفرعية التي ينبغي الإجابة عليها ضمن ثنايا هذه الدراسة منها:

    ما هي مضامين الأداء الإستراتيجي الأمريكي لا سيَّما المقومات والمحددات؟

    ما هي آليات الأداء الإستراتيجي الأمريكي لإدارتي جورج واكر بوش وباراك أوباما؟

    ما هو مفهوم القوة الذكية، وما هي مبررات التداخل في توظيف القوة الناعمة والصلبة؟

    ما مشاهد مستقبل توظيف القوة الذكية في الأداء الإستراتيجي الأمريكي لإدارة أوباما ؟

    منهجية الدراسة

    لا شك في أن تحديد المنهج هو من أولى متطلبات البحث العلمي، كونه الأسلوب أو الآلية التي يتم بموجبها معالجة الموضوع أو مشكلة البحث، عبر رصف مقتربات المشكلة بطريقة نظامية ومتدرجة تمهيدًا لحلها . واتساقًا مع ذلك فقد عمدنا إلى استخدام مناهج أكاديمية متعددة، نظرًا للحاجة لأكثر من منهج في هذه الدراسة، إذ تأسس كل منها على متغيرات محددة، وكالتالي:

    فقد اعتمدنا المنهج الوصفي في الفصل الأول في رصف مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي، ومقومات القوة الإستراتيجية الأمريكية، فضلًا عن محددات الأداء الإستراتيجي الأمريكي، وفي الفصل الثاني تم استخدام المنهج التاريخي لما له من إمكانية في بناء إدراك واسع الأفق يستند إلى رؤى الماضي كي يسعفنا ونحن نروم السعي للخوض في طريق فلسفة التوجه نحو المستقبل، أما في الفصل الثالث فقد تمت الاستعانة بالمنهج التحليلي والمنهج المقارن، للوقوف وبرؤية تحليلية معمقة على مفهوم القوة الذكية، ومبررات التداخل في التوظيف ما بين القوة الناعمة والصلبة في إطار القوة الذكية، تجسيدًا للمنهج الوصفي- التحليلي الذي بدا الاستنجاد به كالبوتقة التي تنصهر عبرها خبرة الماضي وإدراك الحاضر تصورًا للمستقبل والتعرف على ما يحمله من آفاق واحتمالات، فضلًا عن تمييز آلية الأداء الإستراتيجي الأمريكي لباراك أوباما عن آليات سابقه جورج واكر بوش في إطار المنهج المقارن.

    وفي الفصل الأخير تحتم علينا إتباع منهج بناء المشاهد المستقبلية، في محاولة لاستشراف مستقبل الأداء الإستراتيجي الأمريكي في ضوء اعتماد سيناريوهات مختلفة، ممكنة ومحتملة ومرغوب بها، للخيارات الإستراتيجية المحتمل التوسل بها خلال العقود القادمة لاستمرار مكانة الولايات المتحدة قوة مهيمنة، لطالما كان للسيناريو وظيفة محددة هي وصف لمختلف الأحداث المحتملة وتحليل نتائجها، وبعبارة أدق هو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو مرغوب فيه، وتوضيح خصائص المسار أو المسارات التي تؤدي إليه، بدءًا من الوضع الراهن، أو من وضع ابتدائي مفترض.

    هيكلية الدراسة

    إن الدراسة في ضوء إشكاليتها الأكاديمية، وفرضيتها الأساسية، والمناهج الأكاديمية التي أتُبعت فيها، ستقترن بهيكلية تتوزع بالإضافة إلى هذه المقدمة على أربعة فصول وخاتمة، وكل فصل فيها سيعمد إلى الإجابة عن إحدى الأسئلة الأساسية للأطروحة بالتتابع.

    وعليه يتضمن الفصل الأول عدة محاور، الأول يستعرض مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي، من رؤية إستراتيجية و تفكير إستراتيجي، وتخطيط إستراتيجي، وصولًا إلى الأداء الإستراتيجي الأمريكي، أما المحور الثاني فيتناول تحديد أبرز مقومات القوة الإستراتيجية الأمريكية، وعلاقتها بتدعيم الأداء الإستراتيجي الأمريكي، وتمكينه من الفعل، ويتتبع المحور الثالث محددات الأداء الإستراتيجي الأمريكي، ويشرح مضامينها من قبيل المصالح والأهداف، وآليات تنفيذ الأداء الإستراتيجي الأمريكي، فضلًا عن تبيان ما يعانيه الجسد الأمريكي من اختلالات هيكلية، تترك آثارها الواضحة على مسار ذلك الأداء، فكريًّا، وعمليًّا، ناهيك عن أثرها في ضبط إيقاع حركته، من عدمه.

    ويهتم الفصل الثاني بتوضيح الأداء الإستراتيجي للدولة الأمريكية، وقدرتها على الفعل، قبل تولي باراك أوباما الحكم، وذلك من خلال ربطه بنموذج تطبيقي للأداء الإستراتيجي لإدارة جورج بوش الابن، وآليات القوة الصلبة المتبعة من قبله، من خلال ممارسات استباقية ووقائية، تركت أثارها بشكل واضح على المكانة الأمريكية دوليًّا.

    ويسعى الفصل الثالث من دراستنا إلى توضيح، الآلية الجديدة للأداء الإستراتيجي الأمريكي، منذ تسلم باراك أوباما السلطة، آلية القوة الذكية، وما هي مكنوناتها، وحيثياتها الهيكلية، من قوة ناعمة، وقوة صلبة، وما هي مضامين كلٌ من تلك القوى، وكيف أن التناغم فيما بينهما يفضي إلى إنتاج آلية جديدة هي القوة الذكية، وما هي الدوافع التي حدت بالإدارة الأمريكية الجديدة للأخذ بها، وكيفية وضعها في مسار حركتها الصحيحة في التوظيف، ابتغاءً لضبط الأداء الإستراتيجي الأمريكي، وهو في طريقه لتحقيق هدف الهيمنة الأمريكية، فضلًا عن عكس تلك الرؤى الفكرية في الجانب الميداني، لتلك الآلية على نماذج تطبيقية لتوظيف القوة الذكية، لجعلها أكثر إدراكًا وهي تخوض غمار التماثل الهدفي للإدارة الأمريكية ميدانيًّا.

    وينصرف الفصل الرابع إلى دراسة، مستقبل توظيف القوة الذكية في الأداء الإستراتيجي الأمريكي لإدارة أوباما، بدءًا بدراسة مجمل انعكاسات القوة الذكية على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وتحليلها، وبرؤية شاملة داخلية وإقليمية، ودولية، ومن جوانب سياسية، واقتصادية، وعسكرية- أمنية، لتوضيح محصلة تأثير تلك الانعكاسات على المكانة الأمريكية في هيكلية النظام الدولي، ومدى تأثر فاعلية الأداء الإستراتيجي بتلك الانعكاسات، وتأثيرها على ديمومته، أو مرحليته، طبقًا لمشاهد مستقبلية، وضعت في ضوء إطار علمي تحليلي، وتبعًا لذلك تبحث تلك المشاهد في ضوء توظيف منهجية بناء المشاهد، في الصورة الممكنة، أو المحتملة أو المرغوب بها، بصورة علمية وموضوعية لتوظيف القوة الذكية في الأداء الإستراتيجي الأمريكي في الزمن المقبل.

    وأخيرًا تلخص خاتمة الكتاب العامة، مضامين الفصول الأربعة لدراستنا هذه، بالاقتران بجملة من الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث بواسطة تحليل علمي وموضوعي دقيق لمجمل حيثيات الدراسة في إطار إشكاليتها الأكاديمية، وفرضيتها العلمية، والمناهج المتبعة فيها.

    الدراسات السابقة

    إن نمو المعرفة العلمية وتشعبها، ولَّد إدراكًا حقيقيًّا لدى الباحث بأن بحثنا المتواضع هذا ما هو إلا حلقة متواترة الصلة بمحاولات علمية سابقة، درجت على البحث العلمي في هذا الاتجاه، وإن كانت قليلة نوعًا ما، وبذا فإن هذا العمل لا بُدَّ وأن تكون قد سبقته جهود بحثية أخرى مُجسدة في شكل مؤلفات وأوراق عمل ورسائل وأطاريح جامعية، الأمر الذي حتم على الباحث التطرق إلى ما يسمى الدراسات السابقة Literature Review، التي تأخذ بها الجامعات العالمية الرصينة، فالأدبيات السابقة تعددت بخصوص موضوع بحثنا لكن مع مجموع فوارق جوهرية من الناحية المنهجية وطبيعة الإشكالات المتناولة وزوايا الطرح المختلفة، غير أن هذا لا ينفي وجود نقاط التقاء محورية، فهناك العديد من الجهود الفكرية الجادة التي يصعب حصرها، لكن سوف يتم الاكتفاء بانتقاء أهمها:

    جوزيف س ناي: مفارقة القوة الأمريكية 2002 3:

    في كتابه (مفارقة القوة الأمريكية) تناول القوة الأمريكية من خلال التركيز على القوة الأمريكية، بجانبها الصلب نوعًا ما، قياسًا إلى التطرق إلى الأمور الأخرى التي تتضمنها القوة الأمريكية، والتي تم التطرق إليها في بحثنا العلمي، وبشكل خاص القوة الناعمة.

    جوزيف س ناي: القوة الذكية والحرب على الإرهاب4:

    في بحثه هذا أيضًا يميل جوزيف س ناي إلى التأكيد على الدور الصلب للقوة الأمريكية، في أدائها الإستراتيجي الخارجي، ضمن تعاملها مع قضية (الإرهاب)، دونما أي اعتبار لمدركات القوى الناعمة.

    جوزيف س ناي: القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية5:

    في كتابه هذا، ينصرف جوزيف س ناي إلى التركيز بثقل على الجانب الناعم للقوة الأمريكية، فالقوة (الناعمة) عند (جوزيف ناي) هي القوة التي تجسدها أمريكا بوصفها أنموذجًا، يحتذى من، حيث ثقافة وسلوك محط إعجاب وقدرات على التواصل والتعاون مع الآخرين في إطار التعددية والشراكة ومراعاة وجود هؤلاء الآخرين، لاعتلاء المكانة الدولية دون بذل جهود عظمى، أو أكلاف باهظة الثمن.

    جوزيف س ناي: مستقبل القوة-1:

    في كتابه (مستقبل القوة) تناول جوزيف س ناي القوة الذكية بمضامينها الحالية التي تجسدها إدارة أوباما، أي تناغم القوتين الناعمة والصلبة في إطار القوة الذكية، لتنتج آلية جديدة لأداء إستراتيجي أكثر انضباطًا على المستوى العالمي، وأكثر إدراكًا لمتغيرات الواقع الدولي، ومتغيرات مفهوم القوة معه، وهو ما يتطابق في أفكاره وجزء كبير من أفكارنا التي سطرت بين ثنايا هذه الأطروحة.

    زبيغنيو برجنسكي، الفرصة الثانية-1:

    في دراسته (الفرصة الثانية: ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأمريكية)، تعرض الكاتب بالتحليل لأداء ثلاثة رؤساء أمريكان تباعًا، دون ترسيخ مفهوم حقيقي للهيمنة الأمريكية العالمية، أي بمعنى دونما التوظيف الفاعل لمقومات القوة الأمريكية، واغتنام فرص تفوقها عن سواها بهذا الجانب لتعزيز إدامة هيمنتها العالمية، وهو يختلف بطرحه عن أطروحتنا المتواضعة في توضيح آليات القوة الأمريكية الأنسب لإدامة هدف الهيمنة الأمريكية عالميًّا، فضلًا عن تميز أطروحتنا، بتوضيح نطاق الفعل الذي يجسده امتلاك الولايات المتحدة للقدرة على ذلك، في ضوء إدراك إدارة باراك أوباما العميق للتوظيف السليم لمدخلات القوة الذكية، والتي تفضي إلى مخرجات أكثر احتواء لواقع التراجع الأمريكي، وأكثر إدراكًا وتفهمًا لمسارات تعزيز الهيمنة الأمريكية عالميًّا.

    غاري هارت، القوة الرابعة-1:

    في كتابه هذا يشير هارت إلى أن مبادئ الحرية والديمقراطية، بوصفها عنصرًا من عناصر الإستراتيجية الأمريكية، وأحد مقدرات القوة الأمريكية في الترويج للقيم الأمريكية وجذب الآخرين لها. وهذا ما يتفق مع أطروحتنا في جانب القوة الناعمة التي تناولناها بالبحث والتحليل العلمي، كونها إحدى أهم وسائل الولايات المتحدة في اغراء الآخرين بالقيم والمبادئ الأمريكية، للدفع بهم نحو محاكاة النموذج الأمريكي في العولمة، سبيلًا لممارسة النفوذ تجاههم من خلال هذه البوابة، ومن ثم الهيمنة الأمريكية. أما أوجه التمايز عن دراستنا البحثية فهو، خلو هذا الكتاب من النظرة الشمولية للقوة الأمريكية، كون القوة الناعمة هي جزءًا من القوة الإستراتيجية الأمريكية، التي تدعم دائمًا بالجانب الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري أيضًا،أي بالقوة الذكية التي تتناغم فيها كل الوسائل والآليات، في ظل تماثل الهدف.

    حازم حمد موسى، إدارة التغيير: الإستراتيجية الأمريكية الشاملة أنموذجًا-1

    في كتابه هذا سعى الباحث إلى التأكيد على أن المصلحة الأمريكية وفق النهج البراغماتي تدفع نحو التغيير الدولي لخلق بيئة ملائمة لتحقيق المصالح الأمريكية، وبذا فإن التغيير هو صناعة وإدارة مقصودة يتم بواسطة آليات ناعمة، وأخرى صلبة، تجسدها القوة الذكية. وهو ما ينطبق مع أطروحتنا في توظيف الولايات المتحدة للقوة الذكية في إطار أدائي وبشقيها الناعم والصلب، سبيلًا لإدامة التربع الأمريكي على قمة الهرم الدولي.

    Untitled-1-2.xhtml

    1 ريتشارد نيكسون، الفرصة السانحة: التحديات التي تواجه أمريكا في عالم ليس به إلا قوة عظمى واحدة، ترجمة أحمد صدقي،بيروت، دار الهلال للطباعة والنشر، 1992، ص: 18.

    2 Zbigniew Brzezinski, Out of Control: global turmoil on the eve of the twenty-first century, N.Y, 1993, p:171.

    3 Joseph S. Nye, The Paradox of American Power, Oxford University Press, USA, 2003.

    Untitled-1-2.xhtml

    4 Joseph S.Nye, (Smart Power and the War on Terror), Asia Pacific Review, Vol.15.No.1,2008.

    5 Joseph S. Nye, Jr, The Future Of Power, New York. Public Affairs: Library of Congress, USA,2011,P:5.

    -1 See: Joseph S. Nye, Soft Power: The Means To Success In World Politics, New York, Public Affairs, 2004, p:58.

    Untitled-1-2.xhtml

    -1 زبيغنيو برجنسكي، الفرصة الثانية: ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأمريكية، ترجمة: عمر الأيوبي، بيروت، دار الكتاب العربي، ط1، 2007.

    -1 غاري هارت، القوة الرابعة: الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، مقالة في قوة مبادئ الولايات المتحدة، ترجمة: محمد التوبة، العبيكان، المملكة العربية السعودية، 2005.

    -1 حازم حمد موسى، إدارة التغيير: الإستراتيجية الأمريكية الشاملة أنموذجًا، عمان: دار الحامد للطباعة والنشر، 2014.

    1. الأداء الإستراتيجي الأمريكي

    (قراءة في المضامين)

    American Strategic Performance

    (A Reading of Meaning)

    إن البحث في حيثيات أية ظاهرة سياسية أو واقعة يحتِّم علينا استجلاب مداخيل تلك الظاهرة للوقوف برؤية تحليلية مُعمقة على تحديد المقاصد والمفاهيم وتفحصها لتدفع بنا نحو بناء مدرك استشرافي لما تتضمنه تلك الظاهرة أو الواقعة من مضامين.

    من هنا أصبح لزامًا علينا -ونحن نبغي البحث في آليات الأداء الإستراتيجي الأمريكي وبالتحديد القوة الذكية منها تحديدًا وتأطيرًا، قياسًا ووجودًا- أن نخوض غمار مضامين الأداء الإستراتيجي الأمريكي ابتداءً برؤية فكرية وفلسفية مثلت القاعدة أو الأرضية الفكرية التي يرتكز عليها مجمل الأداء الإستراتيجي الأمريكي لتشكل تلك الرؤية مدخلًا للتفكير الإستراتيجي Strategic Thinking الذي يضع بدوره مفاتيح سير الأداء وتبلوره ليغدو أكثر نضوجًا.

    وما التفكير الإستراتيجي إلا مدخلٌ آخر لمرحلة لا تقل أهمية عنه، ألا وهي التخطيط الإستراتيجي Strategic Planning والذي يضع أمام القائمين على الأمر بدائل إستراتيجية عدة Strategic Alternatives يتم الركون إلى إحداها في صور أداء مُثلى، المُميز فيها أنها تمتلك قدرة كبيرة على المرونة في التعاطي مع الخيارات المطروحة لتدفع تلك المرونة نحو بناء رؤية مميزة تتجسد بتقديم الخيار الإستراتيجي الأنسب للواقع الميداني الممثل بالأداء الإستراتيجي في صورة تمثل خاتمة التعظيم الإستراتيجي للخيار البديل، أي اختيار البديل الذي يفضي استخدامه إلى تحقيق الأهداف المرجوة بأعلى دقة وفائدة وبأقل كلفة .

    كل تلك المضامين والشروحات الوافية لها ولمكنوناتها ستعطي القدرة على بلورة أهداف ومصالح إستراتيجية أمريكية وبرؤية واضحة تدفع بنا من ثم للركون إلى الوسائل والآليات المناسبة لتحقيق تلك المصالح والأهداف الأمريكية.

    وبذا لم تكن مهمة قراءة مضامين الأداء الإستراتيجي الأمريكي سهلة على الإطلاق، بل بدت من المهام الصعبة لا سيَّما عندما يتعلق الأمر بالجانب النظري المتناغم مع الواقع الميداني؛ لذا فإن تلك المضامين لا تمس الواقع الميداني لتحديد المصالح والأهداف الأمريكية فقط بل تحاكي الوسائل التي تعد آلية لترجمة الأهداف من رؤية تخطيطية إلى واقع ملموس،انطلاقًا من رؤية إدراكية شاملة لمقومات القوة الإستراتيجية الأمريكية.

    من هنا وفي إطار إزالة أي لبس أو غموض يقف بين جنبات الموضوع قيد الدراسة، وحرصًا من الباحث على شمولية الفهم لإيصال مضامين الفكرة كاملة دون لبس، خاصةً وأنها تطرح على شكل تساؤلات منها: ما هي مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي؟ وما هي مقومات القوة الإستراتيجية الأمريكية؟ وما هي محددات الأداء الإستراتيجي الأمريكي؟ ستتوزع الإجابة عن هذه الأسئلة على النحو التالي:

    مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي.

    مقومات القوة الإستراتيجية الأمريكية.

    محددات الأداء الإستراتيجي الأمريكي.

    مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي

    Approaches of the American Strategic Performance

    لا غضاضة في القول أن للأداء الإستراتيجي مقتربات يمكننا تفحصها من خلال المداخل التالية، والتي تفضي إلى فهم الأداء الإستراتيجي الأمريكي في صورته الشاملة، وذلك انطلاقًا من أن الإدراك العميق لتلك المقتربات سيفضي إلى معرفة ركائز الأداء الإستراتيجي الأمريكي، بصورة أكثر عمقًا، كونها تعد بمثابة دعامات يستند عليها الأداء ذاته في سيره، ومن ثم ضبطه إستراتيجيًّا.

    لقد أثبتت الكثير من التجارب التاريخية، والشواهد، أن الأمم فضلًا عن الدول، غالبًا، ما تنهار من الداخل مقدمة لانهيارها من الخارج، نتيجةً لتعثر أدائها الإستراتيجي، الأمر الذي يوفر لنا فرصًا متواترة للانقضاض على مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي، وحيثياته، سبيلًا لاستقراء مستقبل الدولة الأمريكية ذاتها، ومشروعها الكوني في الهيمنة العالمية .

    ولأجل إيضاح ما تقدم، والتقرب كثيرًا من ممكنات الأداء الإستراتيجي الأمريكي ومعوقاته، لا بدَّ لنا من البحث والدراسة في المفردات التالية:

    الرؤية الإستراتيجية الأمريكية

    The American Strategic Vision

    لا جدال في أن المفاهيم الإنسانية تحتاج إلى تشخيص دقيق في تحديد مضامينها ومدركاتها في ظل ضبابية مؤشراتها أحيانًا وغموض دلالاتها بعض الشيء، الأمر الذي يدفع بنا نحو الانتشال الدقيق لحيثيات كل ظاهرة بمفهومها الدقيق من بين أوساط الخلط والتداخل بالمفاهيم الأخرى وهذا هو قدر السياق الأكاديمي الرصين، من هنا أصبح لزامًا علينا -ونحن نتحدث عن الرؤية الإستراتيجية الأمريكية- تحديد معنى الرؤية لغةً واصطلاحًا، فضلًا عن الرؤية الإستراتيجية بوصفها مدخلًا للركون بعدها إلى تفحص الرؤية الإستراتيجية الأمريكية .

    الرؤية في اللغة هي مصدر من (رأى) وتعني باللغة العربية الإبصار بالعين والاستشعار المسبق بالقلب1، ويعضد قولنا في ذلك ابن منظور في معجم لسان العرب فيقول: إن الرؤية هي (النظر بالعين والقلب)2، وقد وردت الرؤيا والرسالة في القرآن الكريم بالمعنى الدقيق قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِنشَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ﴾3، ومثلها في سورة يوسف عليه السلام في قوله تعالى :

    ﴿وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا﴾4، أما الرؤية في اللغة الإنكليزية فتشير إلى كلمة (Vision) والتي تعني النظر للأمام والتطلع للمستقبل5.

    أما اصطلاحًا، فالرؤية تعني هي النتيجة النهائية التي يسعى الأشخاص لصنعها، أي هي ما تود الوصول إليه في النظرة الشخصية6، الجرجائي فيقول إن الرؤية هي: المشاهدة بالبصر حيث كان، أي في الدنيا والآخرة7، والرؤية تشمل الأهداف عامة، بما أن الأهداف تنقسم إلى بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى، كما أن للرؤية خصائص عدة تأتي على النحو التالي:

    الرؤية هي مقصد وهدف تصل إليه، مثال: «رؤيتي أن أكون رئيسًا للدولة أو وزيرًا».

    شيء محدد ويجب أن ينتهي فبعد أن تكون وزيرًا مثلًا تكون قد أنهيت مهمتك.

    وسيلة.

    نتيجة تقاس وتحسب.

    هي إدراك ثمة شيء يراد له أن يتحقق في المستقبل بتفكر وتعقل.

    أما الرؤية الإستراتيجية: (Strategic Vision): فهو مصطلح يشير للتصورات الفكرية لتحقيق الأهداف التي يتعذر تحقيقها في ظل الإمكانات والظروف الحالية، إلا أن من الممكن بلوغها على المدى الطويل، وهو بلوغ يقتضي وضوح الرؤية الإستراتيجية كونها الأساس النظري الذي تبنى عليه الخطط الإستراتيجية الهادفة لتحقيق هذه الأهداف على المدى الأطول8.

    هذا وتعتمد الرؤية الإستراتيجية مبدأ التقسيم الزمني للأهداف وتوزيعها على مراحل زمنية تتسم بالمرونة التي تعطي الرؤى الإستراتيجية قدرة التكيف مع المتغيرات غير المنتظرة والمفاجآت، وأيضًا قصور التخطيط الإستراتيجي، وهي عوامل تؤدي لتأجيل تطبيق أو تنفيذ الرؤية الإستراتيجية دون أن تلغيها.

    وتختلف الرؤية (Vision) عن المهمة (Mission)، في أن المهمة ثابتة ومحددة بتأطير واحد، أما العلاقة بين الرؤية الإستراتيجية والمهمة، فتتحدد بدور الرؤية في وصف وتوضيح أهمية تحقيق المهمة، فالرؤية تتمثل في إبقاء الهدف ماثلًا أمامنا بشكل دائم، بينما يشير تحديد المهمة إلى ما يجب على الفريق الإستراتيجي المختص تحقيقه وإنجازه، أي أن المهمة تشير إلى الهدف أو إلى أهداف محددة، لذا تشكل الرؤية الإستراتيجية وتحديد المهمة الأساس لنجاح فريق العمل الإستراتيجي9.

    والرؤية الإستراتيجية تسبق تحديد المهمة، فالرؤية هي الدليل والمرشد لصياغة المهمة، وقد تُعدِّل الرؤية، أو توضع رؤية جديدة إذا ما واجه فريق العمل الإستراتيجي أحداثًا ومتغيرات تؤثر على تنفيذه للمهمة لمواكبة هذه المستجدات وهنا تبرز أهمية المرونة Flexibility والقدرة على التكييف في العمل الإستراتيجي.

    وتتوقف فاعلية الفريق الإستراتيجي على قدرة قائده على صياغة الرؤية بتعابير واضحة تضمن فهمها واستيعابها من قبل أعضاء الفريق وعلى ربطها بالمهمة، وأن يجسد القائد في أدائه نموذج العمل المؤسسي، ويعطي لكل عضو في الفريق دوره، ويشجع ويحفز الفريق على الابتكار من خلال فسح المجال لأعضائه بعرض آرائهم ووجهات نظرهم10.

    ولو أمعنا النظر في دورة الرؤية الإستراتيجية لوجدناها تسير وفق عملية تواتر منطقي على النحو التالي:

    انظر (رؤية) ← ما هو الوضع اليوم؟ مع استشعار وضع الغد.

    فكر ← تحديد الأهداف.

    ارسم ← خارطة الطريق لتحديد الأهداف.

    وللرؤية الإستراتيجية الفعالة ملامح، وهي كما يأتي11:

    الوضوح وعدم الغموض

    صورة حية وواضحة

    وصف لمستقبل مشرق

    صياغة مترابطة وقابلة للتذكر

    طموحات واقعية

    والرؤية الإستراتيجية تتعامل في جانب كبير منها مع المستقبل في صورة أقرب إلى أن تكون استقراءً منها إلى التخمين، أي أنها تعبر عن صورة من صور استقراء لنقاط الضعف والقوة التي تدفع بها لتشكيل صورة القابل من الأيام، وهذا ما يوضحه المخطط رقم (1) أدناه:

    Untitled-1-3_split_000.xhtml

    مخطط افتراضي من تصميم الباحث: يوضح فيه مداخل الرؤية الإستراتيجية

    وبقدر تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية فإن رؤيتها الإستراتيجية في عالم اليوم تنطلق من معطى شبه ثابت، هو أن المهمة المحددة لثبات رؤيتها الإستراتيجية هي التربع على عرش العالم أو الاحتفاظ بأداء قيادي عالمي مميز عن أداء القوى الأخرى في العالم ذاته، لذا فالذات الأمريكية تواقة ضمن دوائر الفكر الإستراتيجي الغربي إلى رسم ملامح رؤية إستراتيجية بعيدة المدى قوامها تحديد نقاط ارتكاز وتثبيت المصالح الأمريكية العالمية، والسير بالوقت ذاته وفق اتجاه يؤسس لضمان دور قيادي عالمي من خلال أداء إستراتيجي فعال يضمن قراءة واستشفاف أية عوامل أو معطيات قد تعيق تحقيق المصالح الأمريكية في المستقبل القريب والأبعد، ثم ماذا يمكن تحقيقه خلال السنوات العشر القادمة؟، وما هي العواقب التي من شأنها أن تترتب على إخفاق أمريكا في الاضطلاع بدورها المتفوق عالميًّا؟، وكما يقول زبغينيو بريجنسكي في كتابه الجديد رؤية إستراتيجية «إذا نظرنا إلى ما بعد العام 2025، كيف يتعين على أمريكا منبعثة أن تحدد أهدافها الجيوسياسية الطويلة المدى»12، وما هي الطرق المفضية إلى صياغة رؤية إستراتيجية بصورة أفضل وأدق، وما هي ثغرات الصياغات السابقة وكيف يمكن إصلاحها.

    كل تلك الرؤى تشكل في النهاية تجميعًا صوريًّا يتم توظيفه لصياغة رؤية إستراتيجية بواسطة مجسات الاستشعار لنقاط الضعف ومكامن القوة ليتم توظيفها من ثم مدخلًا مهمًّا، ليؤسس عليه التفكير الإستراتيجي الأمريكي فيما بعد نقطة ارتكاز معولًا عليها ومدخل بناء لبدء المرحلة الثانية ضمن عملية بناء وتكوين الأداء الإستراتيجي الأمريكي ألا وهي التفكير الإستراتيجي الأمريكي.

    التفكير الإستراتيجي الأمريكي The American Strategic Thinking

    لا مراء في القول أن التفكير الإستراتيجي فيه الكثير من الخبايا التي تستحق الدراسة والتحليل والتحديد، وتفحص الصعوبات والإشكاليات التي يمكن للمفكر والمحلل والمخطط الإستراتيجي أن يصادفها في العمل، وإلى الآن هنالك الكثير من الإشكاليات التي تلوح في هذا المفهوم بوصفها مفهومًا واصطلاحًا، وكثير من الباحثين المختصين بالإستراتيجية ما زالوا يجدون صعوبة كبيرة في فهم عملية التفكير الإستراتيجي، لا بل إنهم إلى

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1