Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

جند الخلافة
جند الخلافة
جند الخلافة
Ebook423 pages3 hours

جند الخلافة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يرصد الكتاب تطور تيارات الإسلام السياسي والبيئة الجيوسياسية الجديدة، والمناخ الذي أتاح لها الانتشار والتوغل، والتعرف على القوى والظروف التي دفعت به إلى صدارة المشهد من جانب؛ ومن جانب آخر التحليل الشامل لمشروع «العثمانية الجديدة » والاستراتيجية والسياسات التي تنتهجها تركيا كدولة ذات إرث استعماري قديم، وكذلك لشخصية وطموح رجب طيب أردوغان، الرئيس الذي أصبح يمثل أكبر تهديد لكل دول الإقليم، ويمثل تحديًا لدول الجوار الجغرافى برًّا وبحرًا وجوًّا في رصد للتجربة والمرحلة التي من المرجح أنها سوف ستستمر لسنوات وأجيال قادمة سعيًا نحو تأسيس «الخلافة الجديدة »، حتى لو اختفى أردوغان وحزبه؛ حيث يظل حلم استعادة الخلافة وأمجاد الأجداد متجذرًا داخل عقول قطاع داخل تركيا وخارجها يؤمنون بالفكرة ويقاتلون تحت رايتها.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2022
ISBN9789771460510
جند الخلافة

Related to جند الخلافة

Related ebooks

Reviews for جند الخلافة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    جند الخلافة - جلال نصار

    الغلاف

    جُند الخلافة

    إقليم الشرق الأوسط.. إلى أين؟

    جلال نصار

    العنوان: جُند الخلافة

    إقليم الشرق الأوسط .. إلى أين؟

    تأليف: جـــلال نصــار

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـر طـبـع أو نـشـر أو تصــويــر أو تخـزيـن أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-6051-0

    رقـــم الإيــــداع: 23844/2021

    الطبعة الأولى: يناير 2022

    Section0001.xhtml

    12 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 - 02

    فاكـــــس: 33462576 - 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    الإهداء

    إلى أسرتي الصغيرة (مي، سليم، مروان، يحيى) التي تمثل الداعم الأكبر لي في مسيرتي المهنية وتتحمل انشغالي الدائم دون أدنى شكوى، أُهدي هذا الكتاب لعله يكون اعتذارًا خجولًا عن غياب لم يكن مقصودًا، وشعورًا بالتقصير يستيقظ بداخلي مع كل صباح.

    مقدمة

    تمر منطقة الشرق الأوسط بحالة من التفاعلات التي تساهم في تغيير معادلات القوى نتيجة لما تشهده من محاور وتحالفات ستؤدي حتمًا إلى ملامح جيوسياسية جديدة، ولعل صعود تيار الإسلام السياسي مع نهايات القرن العشرين وما يمثله من تهديد مباشر لكل دول الإقليم، يأتي في صدارة التحديات بعد أن أصبح له محاور ودول داخل الإقليم وخارجه تتبنَّى تطلعاته وتقدم له الدعم للسيطرة على عدد كبير من العواصم وتصدر المشهد السياسي.

    وتلاقت طموحات هذا التيار مع تجدد طموح وأحلام القوى الاستعمارية القديمة في استعادة دورها وأمجادها وعودة ما أسموه بـ«الخلافة الإسلامية» إلى آخر عواصمه في إسطنبول التركية، مع ظهور تيار العثمانية الجديدة وسيطرة حزب «العدالة والتنمية» على الحكم في تركيا عام 2002 وخروج مشروعه إلى النور عام 2010 ، حيث يسعى هذا التيار إلى استعادة الهيمنة العثمانية على إقليم الشرق الأوسط وجنوب القوقاز ومنطقة البحر المتوسط وكل مناطق النفوذ الإمبراطوري القديم تحت راية الخلافة. يدعم تلك القوى انتشار فكرة الخلافة بين كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، وتبني القوى التي كانت تدَّعي الاعتدال داخل تيار الإسلام السياسي والقوى السلفية للفكرة وتضمينها داخل برامجها ومشروعاتها السياسية والدعوية.

    وقد جاءت فكرة هذا الكتاب كعنوان كبير لمراحل تطور هذا التيار والبيئة التي تحرك فيها، والمناخ الذي أتاح له الانتشار والتوغل، والقوى والظروف التي دفعت به إلى صدارة المشهد من جانب؛ ومن جانب آخر التحليل الشامل لمشروع «العثمانية الجديدة» والاستراتيجية والسياسات التي تنتهجها تركيا كدولة ذات إرث استعماري قديم، وكذلك لشخصية وطموح رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الذي أصبح يمثل أكبر تهديد لكل دول الإقليم ويمثل تحديًا لدول الجوار الجغرافي برًّا وبحرًا وجوًّا. فكان السعي لرصد التجربة والمرحلة التي من المرجح أنها سوف تستمر لسنوات وأجيال قادمة، حتى لو اختفى أردوغان وحزبه؛ حيث يظل حلم استعادة الخلافة وأمجاد الأجداد متجذرًا في عقول قطاع داخل تركيا وخارجها ممن يؤمنون بالفكرة ويقاتلون تحت رايتها.

    إن رصد تجربة أردوغان واستراتيجيته في الحركة وإشاعة الفوضى؛ لا يمكن أن يكون موضوعيًّا ومهنيًّا دون رصد كل العوامل وتحركات القوى والدول على الجانب الآخر؛ ونظريات الأمن والاستراتيجيات التي تنتهجها دول الإقليم لمجابهة الخطر التركي وتحالفاته، وكذلك الدول الفاعلة من خارج الإقليم كالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا والصين من خلال مجموعة من الدراسات والمقالات التحليلية التي نُشرت على مدار عامين في موقع« المركز المصري للدراسات الاستراتيجية» وموقع «آسيا آن».

    جلال نصار

    القاهرة في 10 يناير 2020م

    الأساطير المؤسسة لجماعة «الإخوان» و«أردوغان»

    21 نوفمبر 2019م

    أسست الدولة المصرية أسلوبها للتعامل مع ملف جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي وجماعات العنف المسلح لفترات طويلة على أساس أمني يحتوي ويواجه، ولكنه لم يتعامل يومًا مع أسباب ظهور وتواجد تلك الجماعات وانتشارها في أرجاء مصر والمنطقة والعالم الإسلامي. وتستمر الدولة في اتباع ذلك الأسلوب حتى كتابة تلك السطور من خلال حملات وبرامج إعلامية مضادة تكشف بعضًا من سقطات الجماعة وجرائمها وتحالفاتها الشريرة على مر تاريخها.

    أُسست جماعة الإخوان في العقد الذي شهد سقوط الخلافة العثمانية؛ بهدف استثمار «شعار الخلافة» سياسيًّا، ولملء فراغ سيحدث على الساحة المصرية والعربية والإسلامية من جراء اختفاء الخليفة وموت الفكرة التي لها أتباع يسهل اللعب على مشاعرهم وإيقاظها؛ كي يتم استثمار الفكرة سياسيًّا كورقة على الساحة يتم من خلالها مجابهة كل الأفكار القومية والوطنية، وهو ما تم توظيفه في مواجهة حزب الوفد وغيره من الأحزاب الوطنية في الشارع آنذاك.

    ونجح مؤسس الجماعة حسن البنا في اللعب على كل الأحبال والتحالفات مع الإنجليز والألمان والقصر على فترات وفق ما يخدم أهداف الجماعة ومصالحها العليا. واستغلت الجماعة في سبيل ذلك كل المناسبات والأحداث التي مرت بها البلاد وصولًا لثورة 23 يوليو 1952 وفشلها في السيطرة على جمال عبد الناصر، واختيار المواجهة معه ومحاولة اغتياله، والتحالف مع الإنجليز ومحمد نجيب للإطاحة بعبد الناصر وإعادة نجيب على أكتاف الإخوان؛ خدمة لمصالحهم وليس انتصارًا للخيار الديمقراطي كما يحاول أن يروج بعض من النُّخب؛ حيث كان نجيب فعليًّا لعبة في أيدي الإخوان والجماعة استغلالًا للمرارة التي شعر بها بعد أن أقصاه الضباط الأحرار وحددوا إقامته. وتكررت المواجهة العلنية في الستينيات بالكشف عن مخططات إرهابية للجماعة تستهدف الدولة لإسقاطها، وتم إعدام أهم رموزها المتطرفة سيد قطب وعدد من القيادات ومصادرة أموالهم.

    استمرت الجماعة في اللعب على كل التناقضات وتحركت في كل مساحات الفراغ التي تخلت عنها الدولة والقوى السياسية والفكرية، وطورت من شعارها لدولة الخلافة إلى شعار «الإسلام هو الحل» كي يكون أكثر واقعية واشتباكًا مع الواقع؛ ويسمح لها بالتحرك في الجامعات والنقابات والاتحادات العمالية والنقابية والجمعيات الشرعية. فاحترفوا لعبة الانتخابات والحشد بعد أن جرمت وحرمت الدولة كل القوى السياسية من ممارسة السياسة في تلك الساحات، وتركتها ملعبًا خاليًا لتيار الإسلام السياسي بكل تنويعاته التي تنتمي جذريًّا للإخوان.

    اعتمدت الجماعة على إضعاف الدولة للتيارات السياسية والفكرية الوطنية، وانتهجت أسلوب إفشال كل الأيديولوجيات والحلول التي تختلف معها ليعلو شعارها السياسي وليس الديني «الإسلام هو الحل»، لعبت على مساحات الفراغ التي خلقها الفساد والفقر والبطالة وتأخر العدالة وغياب دولة القانون، وانخفاض سقف الحريات العامة وحرية التعبير الذي حرم الأفكار المستنيرة والحرة من الوصول للمواطن، وفتحت طريقًا واسعًا أمام أفكار التطرف و«الجهاد» والتكفير لتصل لمسام المواطن من خلال منابر المساجد والمدن الجامعية وأشرطة الكاسيت والفيديو وقنوات السلفيين والكتب «الفقهية» الصفراء لشيوخ ومفسرين مجهولين يتداولون فيها فتاوى التكفير للمجتمع والحاكم وكل مواطن خارج تبعيتهم الفكرية والسياسية وليس له مرجعية وشيخ أو مرشد وإمام.

    الدولة من جانبها لم تعالج كل تلك الانسحابات، بل سمحت بالمزيد من المساحات والمزيد من إجراءات وسياسات التضييق على كل فكر سياسي أو حزبي على أرضية وطنية، وسمحت بحالة من التدهور غير المسبوق في كل وسائل القوى الناعمة: الإعلام والصحافة والفن والسينما والمسرح والأدب… إلخ. وزادت مساحات عدم النشر والخطوط الحمراء وسياسات التنميط، لتترك الأمر لوسائل الجماعة وحلفائها لمناقشة العناوين الكبرى التي تخص الشأن المصري، وتجذب لها كل من يبحث عن الاختلاف والممنوع والأحمر وكل الألوان من المعالجات حتى لو اختلفنا حولها وحول مصداقيتها ومهنيتها.

    وأتقنت الإدارات المتعاقبة للدولة المصرية مهارة تصدير كل الفاسدين والجهلة في صدارة المشهد العام، وهو ما يزيد من تألق من يعارض ويحاول أن يكشف عوار الدولة وسياساتها خاصة في مجالات الاقتصاد والإعلام والصحافة والثقافة، ومن قبلها الحياة الحزبية التي أُمِّمت حين سيطر عليها الحزب الوطني، أو بتغييبها بعد ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013. حتى ما تبقى من نُخب سياسية وفكرية تحالفوا مع الإخوان بحجة التخلص من نظام الحكم وصوَّروا للمواطنين أنهم فصيل وطني، وروَّجوا لمظلومية الجماعة وحقها في العمل السياسي في جريمة تفوق جرائم الدولة في حق هذا المواطن والدولة المصرية.

    تجربة الجماعة في مصر تم استنساخها في فلسطين؛ حيث ذكر لي «ريتشارد ديكمجيان»، مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، في حوار أجريته معه في كاليفورنيا ونُشر عام 1994 بجريدة «الأهرام ويكلي»، أنهم من كانوا خلف الدعم السياسي والمادي لتأسيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في الثمانينيات، وإيصال هذا الدعم المادي (3 ملايين دولار) من خلال دولة حليفة بشكل غير مباشر، وذلك عن قناعة أنهم في حاجة لجماعة تتحدث بقاموس الشارع وتشكل مرادفاتها الدينية والإيمانية فلسفة تواجه حركة «فتح» التي يغلب عليها تيار اليسار فكريًّا، بحيث تشكل حماس حركة مقاومة وطنية حقيقية تكون مواقفها وردود فعلها الطبيعية حجر عثرة في كل تحركات فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتلعب واشنطن وتل أبيب على تلك التناقضات وتعلق أي تقدم في المسار السياسي إلى أقصى مدى ممكن.

    أردوغان بخلفيته الإسلامية استطاع لفترات الاستفادة من كل تلك التجارب والانسحابات في كل الملفات ومساحات الفراغ كي يلعب دورًا إقليميًّا، واللعب مجددًا على فكرة «الخلافة» و«الحقوق التاريخية للدولة العثمانية» التي تمنحها حق التدخل في شئون دول الإقليم.

    أردوغان كمَنَ لسنوات مستفيدًا من الإرث الأتاتوركي في إدارة إسطنبول كحاكم لأكبر المدن التجارية، فحارب الفساد لتحقيق شعبية عريضة سمحت له بالتوغل في كل المساحات الفارغة التي خلفتها أخطاء تجربة دولة أتاتورك، ليشكل قاعدة مضادة استكمالًا لجهود حزب الرفاه الذي حرك المياه الراكدة في هذا الملف ثم انزوى تحت ضغط أسس الدولة العلمانية المتجذرة.

    وأعاد أردوغان تشكيل تحالفاته وقواعده في ظل طفرة اقتصادية كانت ملموسة داخليًّا، وبدأ بالتوازى التحرك في بعض من الملفات الإقليمية تحت راية المصلحة التركية العليا بالتنسيق مع حلفائه من جماعة الإخوان المسلمين، هذا التحرك تلاقى مع مصالح ورؤية أمريكية وإسرائيلية تريد توظيف الإسلام السياسي وتمكينه من الحكم في كل الدول ذات الأغلبية الإسلامية، وهي رؤية طرحها بالتفصيل ضابط المخابرات الأمريكية «إيميل نخلة» في محاضرة شهيرة على اليوتيوب، حيث حدد 57 دولة يجب أن يحكمها هذا التيار البراجماتي تحقيقًا للمصلحة العليا الأمريكية وضمان أمن إسرائيل، فكانت ثورات الربيع العربي وهندسة البعض منها واستغلال كل أسباب الغضب والثورة، بحيث يكون تيار الإسلام السياسي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد في القاهرة بديلًا لكل النظم التي ثارت عليها شعوبها في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وتمكينهم من الحكم في الجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان والأردن ولاحقًا الخليج العربي، وتلاقى هذا الدور الوظيفي لأردوغان مع بقية الأدوار الوظيفية لحكام قطر وإسرائيل وبعض من جنود «جورج سورس» لنصل إلى كل تفاصيل ومرارة المشهد الإقليمي وامتداداته وفروعه الداخلية.

    الخلاصة.. أن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأخواتها في البلدان العربية ومن خلفهم أردوغان وقطر وكل من يستفيد من هندسة المشهد، تحرك في مساحات نعرفها وندرك كيف نتعامل معها، ولكن الدولة المصرية وغيرها من الدول والأنظمة المنوط بها المواجهة تتعامل مع الملف بطريقة خاطئة تسمح باستمرار مساحات الفراغ والحركة وتكتفي بحملات وبرامج تكشف الجماعة وتعريها، ولكنها بالمقابل لا تعمل بطريقة جادة في المجال السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي على ملء تلك الفراغات، والقضاء على كل مبررات وجود وتمدد أفكار الإسلام السياسي وتيارات العنف المصاحبة له. والنتيجة أننا نجني المحصول دمًا وشهداءَ وضياعًا وجهلًا في معركة ستستمر طويلًا ما لم نتعامل بعمق. وأخشى أن من يدير هذا الملف، رغم يقظته الأمنية، لا يدرك ذلك الواقع ومرارته وأهمية مواجهة جذور الأزمة وتفاصيلها.

    تحركات «أردوغان» على الأطراف وفـي العمق

    4 ديسمبر 2019م

    لا يمكن أن يخرج أي إطار تحليلي لتحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حقيقة كونه عضوًا ناشطًا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، مضافًا إليها التلاقي مع الجماعة المحظورة في فكرة عودة الخلافة الإسلامية التي يحلم بها أردوغان ويطمح في استعادة عرشها المفقود على أكتاف تيار الإسلام السياسي وجماعات العنف المسلح المتأسلمة، فهم جنود الخلافة الذين سيُنصِّبونه على العرش مجددًا وفقًا لما يعتقد العثمانلي «أردوغان»، على أنقاض شعوب وأنظمة المنطقة وجيوشها الوطنية.

    لقد اقترب أردوغان من تحقيق حلمه مع بدايات ما أُطلق عليه «الربيع العربي»، الذي ضرب موعدًا مع تيار الإسلام السياسي ليحل بديلًا لكل الأنظمة التي ستتهاوى تحت الضغط الشعبي والفوضى «الخلاقة» وسقوط كل الأيديولوجيات والسياسات والمؤسسات، بحيث لا تبقى إلا مؤسسة واحدة تحكم إما بقوة التنظيم وإما بحكم السلاح والسيطرة وإعلاء قيمة الخطاب الجهادي الشعبوي، مع الترويج لنموذج الحاكم العادل المحارب للفساد المدافع الأول عن قضايا الأمة من أنقرة.

    لقد نجح أردوغان وقيادات جماعة الإخوان المسلمين في عقد اتفاق مع العواصم الغربية التي كانت ترغب منذ سنوات طويلة في صعود تيار ديني براجماتي قادر على قيادة الشارع الإسلامي، في طريق مواز يحافظ على المصالح الغربية في المنطقة وأمن واستقرار دولة إسرائيل من خلال توزيع مناطق النفوذ والثروات، والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية التي تروج لخطاب قومي معاد للمصالح الغربية، فضلًا عن أن وجود أنظمة حكم إسلامية تحت راية واحدة يحقق المبرر الأخلاقي والقانوني لقيام دولة يهودية بالمقابل، ويسمح بوجود الهلال الشيعي في مقابل التكتل السني، وأن يكون الغرب هو الحارس على تلك التركيبة خدمةً لمصالحه وتجارته في الطاقة والسلاح وغيرها.

    الاتفاق كان يدعم ويقبل بحل نهائي للقضية الفلسطينية وتفكيكها بامتداد جغرافي في سيناء؛ يستوعب كثافة سكان قطاع غزة ويستقبل اللاجئين الذين يرغبون في العودة، ويقضي على مطالب حق العودة في أراضٍ تحتلها وتسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية وداخل حدود إسرائيل ما قبل 1967، كما يقضي الاتفاق بأن يكون لقطر وتركيا وجماعة الإخوان دور في القضاء على النفوذ السياسي لممالك الخليج العربي وخروجها من ملعب السياسة إلى ملعب الاقتصاد فقط كممول للمشروعات الإقليمية وبرامج إعادة الإعمار، كما دعم الاتفاق وضع تصور لحل سياسي للقضايا مع إيران بما لا يسمح لها بالخروج عن الاستراتيجية الغربية والرؤية الخاصة للمنطقة.

    دور أردوغان الوظيفي في تلك التركيبة هو ضابط إيقاع تيار الإسلام السياسي وجماعات العنف المسلح وجماعات المقاومة - التي تحولت أهدافها من مقاومة المحتل، للعب أدوار إقليمية لا تخدم قضيتها ولكن تخدم تمويل قياداتها وإعاشة وتسليح كوادرها - فهو يوجه خطابًا شعبويًّا لأتباع تلك الجماعات وشيوخها، ويدعي ما ليس فيه من عدل وإنسانية وطهارة وعفة وكاريزما، ويوفر لهم المأوى والوطن البديل والتسليح والعلاج والتنقل من الموارد الذاتية للبلاد التي يخربونها ويشردون شعبها.

    فى هذا الإطار يمكننا - بعيدًا عن النرجسية والمشاعر الوطنية - تفسير الانزعاج الغربي والتركي والإيراني والقطري من ثورة 30 يونيو 2013 وكل ما تمثله من إحباط وخيبة لمشروع كبير، حطم أهداف شلة المنتفعين منه - دولًا وأفرادًا وجماعات - والكراهية الشديدة لكل من ارتبطت به الثورة من قيادات وأفراد ومؤسسات. وقد نال الرئيس عبد الفتاح السيسي والجيش الوطني المصري النصيب الأكبر من الكراهية ومحاولات الحصار والإفشال عقابًا لهما على الدور الذي قاما به في حماية إرادة شعب 30 يونيو وقيادة المرحلة الانتقالية.

    الكراهية التي يشعر بها أردوغان ولا يستطيع إخفاءها من الرئيس السيسي والجيش المصري اللذين كانا وراء فشل مشروعه الإمبراطوري، وجهها كلها باتجاه خطط تدمير وإفشال مشروع 30 يونيو و3 يوليو واستنزاف قدرات الجيش والشعب المصري، واستهداف كل الموارد التي تصب في مصادر الدخل المصري، بالاتفاق مع قطر والإخوان على فترات كلما سنحت الفرصة.. من تدمير لتحويلات المصريين في الخارج، وضرب السياحة والاستقرار، وتمويل وتدريب وإيواء الجماعات والتنظيمات التي تستهدف تنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة والمؤسسات والمرافق الحيوية، بالتوازي مع بناء منظومة إعلامية مكونة من قنوات ومواقع وصحف ومجموعات على السوشيال ميديا مُدربة ومحترفة للعمل ضد كل ما فيه مصلحة مصرية، وتكذيب كل واقع وإنجاز يتم على أرض مصر، والوقيعة بين المواطن المصري وقياداته، وكسر جسر الثقة بين المصريين وجيشهم، واستهداف الروح المعنوية للجنود والضباط. إضافة للنَّيل من الصورة الذهنية للدولة المصرية في الخارج ومطاردتها في المنظمات والهيئات الدولية، مستغلة في ذلك كل الثغرات التي تطفو على السطح من بعض الأخطاء والخطايا التي كانت ستمر دون ضجيج لو كان في مصر نظام حليف لتركيبة الشر الإقليمية والدولية.

    واتباعًا لنظرية شد الأطراف الصهيونية، فإن أردوغان وجماعته يربطان كل تحرك لهما بحصار مصر وقيادتها طمعًا في سقوط السيسي وعودتهم للحكم على أي أكتاف كانت؛ لذا تجده يتحرك في أقصى الجنوب في منطقة القرن الإفريقي داعمًا لسد النهضة الأثيوبي الذي سيؤثر حتمًا - وبعد الاتفاق السلمي - على حصة مصر ومواردها المائية والكهرومائية، وفي ديسمبر 2016 وقع اتفاقًا مع جيبوتي - البلد العربي الصغير على ساحل البحر الأحمر - لإنشاء منطقة تجارة حرة مساحتها 12 مليون متر مربع مع قدرة اقتصادية متوقعة 1 تريليون دولار، تمهيدًا لإنشاء قاعدة بحرية كبيرة جنبًا إلى جنب مع القواعد الأمريكية والفرنسية واليابانية والصينية. وفي سبتمبر 2017 أعلن عن أكبر قاعدة بحرية لتركيا خارج حدودها في مقديشيو عاصمة الصومال، وحاول أن يقيم قاعدة مماثلة في سواكن السودانية ولكن سقوط نظام البشير الإخواني أفشل المشروع.

    وفى ليبيا وجد أردوغان ضالته في تمويل كل المليشيات الإخوانية المسلحة في طرابلس والمدن والقبائل المجاورة في غرب ليبيا ومصراتة، من خلال توفير الدعم السياسي لمجلس فايز السراج الذي تتحكم فيه المليشيات المسلحة الإخوانية وتفرض وصاية على كل قراراته، وتجعل منه خيال حقل لا يسيطر على الشارع الذي يقطن فيه، إضافة لذلك يقوم جهاز حكم أردوغان بتصدير وتهريب السلاح لتلك الجماعات رغم فرض حظر التسليح على كل أرجاء ليبيا وجيشها الوطني، مع تسخير خط بحري وجوي لنقل المقاتلين التابعين للإخوان وداعش والقاعدة وأي فصيل متأسلم يحمل السلاح إلى ليبيا، والدفع بهم في المعركة ضد الجيش الوطني الليبي - بقيادة خليفة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1