Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تاريخ الفقه
تاريخ الفقه
تاريخ الفقه
Ebook703 pages3 hours

تاريخ الفقه

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

مقررٌ تعليمي في تاريخ الفقه، متوافقٌ مع مفردات كليات الشريعة في السعودية، محكَّمٌ، ومكتوبٌ بلغةٍ جامعة بين العمق والسهولة، ومدعمٌ بقراءات إثرائية، وأنشطةٍ استهلاليةٍ وختاميةٍ تنمي مهارات التفكير العليا وتحفز جانب التعليم الذاتي.
Languageالعربية
Release dateMay 19, 2024
ISBN9786038348543
تاريخ الفقه

Related to تاريخ الفقه

Titles in the series (6)

View More

Related ebooks

Related categories

Reviews for تاريخ الفقه

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تاريخ الفقه - شركة إثراء المتون

    تاريخ الفقه

    كتاب تعليمي متوافق مع توصيف كليات الشريعة

    ومدعم بالأنشطة والقراءات الإثرائية

    إعداد

    شركة إثراء المتون

    الإصدار ٢.٣

    أ

    مقدمة إثراء المتون

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإنّ مِن أعظم النِّعَم، وأجلّ المِنَن؛ نِعمة نشر العلم وخدمته، ومِنَّة أنْ يَستعملنا الله في تحرير علومه، وإثراء فنونه، وتقريبه للناس على وجهٍ لا يعسر لغموضه على مبتدئ، ولا ينبذه لضعفه وابتذاله متقدِّم.

    وقد عزمت شركة (إثراء المتون) على أن يكون ضمن خدماتها التي تقدمها لشركائها: (تطوير المقررات التعليمية للكليات الشرعية) من خلال ثلاثة مسارات:

    المسار الأول: تطوير كتاب مختار من كتب التراث المعتمدة في التعليم؛ كـ: «الروض المربع»، و«روضة الناظر».

    والمسار الثاني: تأليف كتاب تعليمي جديد من إنتاج الشركة.

    والمسار الثالث: نشر كتاب مختار بعد الاتفاق مع مؤلفه، على أن يكون الكتاب مستوفيًا للمعايير العامة للشركة، مفيدًا في العملية التعليمية الشرعية.

    ثم إنّ تطوير الكتاب التعليمي في الشركة أو تأليفه له أربعة محاور:

    المحور الأول: المحتوى التعليمي الذي يهدف إلى الموازنة والجمع بين يُسْر المادة العلمية، وعمقها وأصالتها، لكنه يسعى إلى أن يكون المحتوى عميقًا؛ فلا تلازم بين التسهيل وإضعاف المادة العلمية، كما أنه لا تلازم بين العمق العلمي والصعوبة، فكم من عالم من علمائنا رزق العمق العلمي وسهولة العبارة، فأنت عندما تقرأ للإمام الموفق موفَّق الدِّين ابن قدامة في «المغني» أو «الكافي» أو «عمدة الفقه» تتعجب من غزارة علمه، وسهولة عبارته.

    المحور الثاني: الوسائل التعليمية التي تساند الأستاذ على أداء واجب البيان والشرح لطلابه، وتساعد الطلاب على استيعاب المادة العلمية، وتحفّزهم وترغّبهم فيها، وتشوّقهم أثناء الدرس إليها؛ وقد حرصنا في هذه الوسائل على الجمع بين الجمال الفني، والدقة العلمية، والالتزام بالمعايير التربوية.

    ب

    المحور الثالث: الأنشطة المهارية؛ فالمعلومات -على أهميتها البالغة- لا تنهض وحدها بتنمية الملكات العلمية، بل لا بد من دمجها في منظومة من المهارات العلمية التي تقدح زناد الفكر، وتوسّع مدارك النظر.

    المحور الرابع: البيئة الإلكترونية التي توسع المدارك العلمية، وتتيح لأهل العلم الوصول إلى مصادر المعرفة، وتعزز التواصل العلمي بين المختصين؛ وقد سعت (شركة إثراء المتون) لإنشاء منصة إثراء (ithraa.io) التي تهدف من خلالها لإيجاد بيئة تعليمية إلكترونية محفّزة، وما زالت المنصة في بداية طريقها.

    ولا نزعم أننا بلغنا الكمال، ولا اقتربنا منه، ولكننا نسعى إلى تقديم عمل يليق بطلاب العلم، ونسأل الله الكريم أن يعيننا على تحقيق الأهداف، وبلوغ الآمال، وألا يحرمنا الرضا والقبول.

    ومن المشروعات التي عزمت الشركة على إنتاجها أو نشرها: تأليف كتب مناسبة لمقررات الفقه وأصوله في كليات الشريعة، تتوافق مع المعايير الأكاديمية، وتتماشى مع التوصيفات المعتمدة في الأقسام العلمية، وستصدر هذه المقررات -إن شاء الله- تباعًا ضمن سلسلة المقررات التعليمية، وقد بدأت الشركة هذه السلسلة بكتاب: «مهارات كتابة البحوث الصفية في الفقه وأصوله».

    وثاني هذه السلسلة: كتاب مقرر «تاريخ الفقه» الذي نضعه بين يدي القارئ الكريم، ونأمل من الله سبحانه أن يكون عند حُسن الظن، وأنْ يلاقي القبول الذي نستشرفه؛ وقد تأخر إصدار هذا الكتاب في صورته الأخيرة بسبب صعوبات كثيرة واجهتنا أثناء كتابته؛ مِن ذلك ما كان مِن كتابته ثلاث مرات، وبعض مباحثه لا نحصي كم أعدنا تحريرها وتدقيقها، والسبب الرئيس يعود إلى المعايير التي وضعتها الشركة لإنجاز الكتاب، وأهمها:

    ١- أن يكون الكتاب مناسبًا لعدد ساعات المقرر؛ وغالب الكليات تُدَرِّسه في ساعتين، وفي المستويات الأولى، وهذا يستدعي أن تكون المادة العلمية مناسبة للتدريس في ساعتين، وألا تكون صعبة على طلاب المستويات الأولى، ولكن هذا المعيار يعيقه المعيار الثاني والثالث، وهما:

    ٢- أن يكون الكتاب شاملًا لجميع الجزئيات.

    ج

    ٣- وأن يتناولها بعمق يناسب طلاب المرحلة.

    ففقرات المقرر في مراحل إعداده كثيرة، وجزئياته متشعبة، وكثير منها كان يحتاج إلى دقة التحرير، وتقليب النظر، وتداول الفكر؛ كما أنّ الجمْع بين تلخيص الجزئيات الكثيرة المتشعّبة، والحرص على استيفائها، وعدم فوت شيء منها، مع تناولها بتميُّز وعُمْق؛ ليس بالشيء الهيّن؛ لا شك أنه تحدٍّ، إلا أنه على فريق العمل أن يجتازه، ولاجتيازه لابد من تحقيق المعيار الرابع، وهو:

    ٤- أن تكون اللغة جامعة بين الفصاحة والسهولة، لغة تعين على بيان المادة العلمية، دون تعقيدها، وتنفير الطالب منها؛ فنحن نريد أن نسهل له المعلومة، ونوقعه في غرامها، ولكننا لا نريد أن نغشه فنقدّم له بضاعة مزجاة، نطمح إلى أن نسهل له المعرفة ليصل إلى أعماقها، لا أن يعيش في أطرافها؛ مما استدعى تحرير المادة العلمية، وإعادة صياغتها مرات متتالية؛ مرورًا بمراحل الإعداد والتأليف والصياغة في صورتها الأولى، ثم التحكيم وما يترتب عليه من إعادة نظر في الصياغة وطريقة أداء المادة العلمية.

    وإن أردت مثالًا على ذلك: فطالع -متفضلًا- ما كُتب في (مدرسة أهل الحديث وأهل الرأي) من هذا المقرر «تاريخ الفقه»، ستجد بادي النظر أن صياغته سهلة، وتظن أنها كُتبت في ساعات معدودة، وأن معلوماتها كانت على طرف الثمام، ولكنها في الحقيقة استغرقت أيامًا عديدة؛ ذلك أنّ المحكّم العلمي إذا رضي عن فكرة التقسيم، فقد لا يرضى عن الأمثلة المذكورة تحتها، وإن رضي عن الزمان المحدد، فقد لا يوافق على المكان؛ فكان لزامًا اختبار كل مثال والتأمُّل في صلاحيته، فضلًا عن اختبار صلاحية المعلومة أو الفكرة؛ فكان الملف يذهب ويجيء بين معدٍّ، وباحث، ومحكّم، ومحرّر، ومراجع؛ إنْ وافق هذا اعترض هذا، ولو جُمِعَتْ النقاشات والكتابات التي دارت لزادت على عشرة أضعاف ما صفِّي للقارئ، ثم بعد كل هذا العناء يردّ لإعادة صياغته بلغة واضحة رفيعة؛ لذا نشكر للزملاء جهودهم وصبرهم، وأعظم الله لهم الأجر.

    ٥- كما أن هذا الكتاب لم يغفل القارئ النَّهم الذي يريد الترقي في مدارج العلم، ويتلهّف إلى أنْ يروي غُلَّته وظمأه المعرفي؛ فطرّزنا الكتاب بجملة من الإثراءات المعرفية التي نثرناها في مواضع كثيرة منه، وقد جعلنا هذه الإثراءات في مستندات إلكترونية يمكن الوصول إليها عن طريق شفرات (QR) وُضِعَت بجوار المواضع المثراة.

    د

    ٦- ووضعنا في بداية كل باب أهدافًا له، تساعد الفقيه والمتفقه على معرفة الأهداف التي يدور حولها هذا الباب؛ ليركز عليها، ويعتني أكثر بها.

    ٧- وفي بداية كل باب أُدْرِجَ نشاط استهلالي؛ ينشّط المتفقه قبل قراءة الدرس، ويكون مدخلًا تشويقيًّا للأستاذ عند بداية درسه، ويمكن أن يستفيد منه أثناء تحضيره للطلاب؛ بأن يكلفهم بالإجابة عنه ريثما ينتهي التحضير، أو حتى يجتمع الطلاب.

    ٨- وفي نهاية كل باب ستجد جملة من الأنشطة التي تساعد على تنمية مهارات التفكير العليا، وتحفيز جانب التعلّم الذاتي لدى المتفقّه؛ فلم تكن مجرد أنشطة نقصد من ورائها استدعاء المتفقه للمعلومة.

    ٩- وهذا العمل محكّم من نخبة من الفقهاء المتميزين، كما أن كل مذهب من المذاهب الأربعة أعيد تحكيمه على حدة لمتخصص في المذهب نفسه، أما الأمور التربوية فقد عُهِد تحكيمها إلى متخصص تربوي؛ حتى نطمئن إلى إخراج الكتاب بالصورة اللائقة المرجوة.

    وفي ختام هذه المقدمة نحمد الله على إتمام هذا العمل، ويسرنا أن نتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم معنا في إخراج هذا الكتاب، سواء أكان ذلك بمقترح، أو توجيه، أو تصحيح، أو كتابة، أو بحث، أو تحرير، أو تحكيم، أو مراجعة، أو متابعة، أو تنسيق؛ فنشكر للجميع جهودهم، ونقدّر لهم صبرهم، كما نسأل الله أن يبارك في عملهم، كما أشكر الزملاء في شركة إثراء المتون على اجتهادهم في العمل، وحرصهم على إنجازه على أكمل وجه، كما أتقدم بالشكر للإخوة في شركة عطاءات العلم على إشرافهم المالي والإداري على المشروع، وأختم بشكر الجهة الرائدة في العمل الخيري: مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية على مساهمتها في تمويل الجوانب العلمية لهذا الكتاب، فأسأل الله أن يبارك في جهودهم، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يبارك في عمل الممول وذريته، والحمد لله أولًا وآخرًا.

    عن فريق العمل

    أ.د. عبد العزيز بن إبراهيم الشبل

    * * *

    ١

    أولًا:

    التمهيد

    ٣

    الأهداف

    بعد نهاية هذا التمهيد يتوقع من المتفقه أن:

    * * *

    ٤

    نشاط استهلالي

    قبل أن تقرأ هذا التمهيد، أجب عن الأسئلة التالية بـ (نعم) أو (لا)، ثم أجب عنها بعد قراءتك للدرس:

    * * *

    ٥

    تمهيد

    الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغنيّ الأكرم، وأنّ محمدًا عبده ورسوله إلى العرب والعجم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تمسَّك بهديهم الأقوم، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد:

    فهذا كتاب «تاريخ الفقه» حلقة من حلقات خدمة هذا العلم الشريف، ومساهمة في تأصيله وتيسيره، وتقريبه للطلاب والباحثين؛ تناول التأريخ لأطواره، وتفصيل معالمه، ودراسة أبرز مذاهبه، والكشف عن رجالاتها وعلمائها وفقهائها، وكتبها ومصطلحاتها، وأصولها ومصادرها التي تأسّست واعتمدت عليها وانطلقت منها، والبحث في أسباب انتشارها أو انحسارها؛ وفي طيّات ذلك مسائل وموضوعات ومهمّات نرجو من الله العليّ القدير أن ينفع بها.

    هذا، وقد رُصِدَ في هذا الكتاب أبرز موضوعات «تاريخ الفقه»، ومسائله التي يحتاج إليها طلّاب العلم عامّة، وطلّاب الشريعة خاصة؛ لذا جاءت موضوعاته وتقسيماته وتفصيلاته متوافقة مع توصيف مقررات تاريخ الفقه أو تاريخ التشريع في الكليات الشرعية السعودية.

    وقد جاء في مقدمة، وتمهيد، واثني عشر عنوانًا يمثّل كل منها مرتكزًا وأصلًا لمسائل كثيرة، وموضوعات متعددة، وبيانها كما يلي:

    أولًا: التمهيد، وفيه ثلاثة مباحث:

    المبحث الأول: مبادئ الفقه؛ اسمه، وحدّه، وموضوعه، ومسائله، وثمرته، واستمداده، وواضعه، وحكمه، ونسبته، وفضله.

    المبحث الثاني: في علم تاريخ الفقه: أهميته، واستمداده، وأبرز المؤلفات فيه.

    المبحث الثالث: خصائص الفقه الإسلامي.

    ثانيًا: عصر النبوة والتأسيس الفقهي؛ وفيه:

    مبدأ العهد النبويِّ وأهميتُه في تأسيس الفقه، ومراحله ومصادر التشريع فيه، وخصائصه.

    ٦

    ثالثًا: الفقه في عصر الصحابة؛ وفيه بيان:

    منزلته، وعناية الصحابة -رضي الله عنهم- بالوحيَيْن، والاجتهاد ومصادر التشريع في هذا العصر، واختلافهم في الفقه والاجتهاد، وأقسام الخلاف الفقهي الذي وقع بينهم، وأبرز أسبابه، وأدب الخلاف عندهم، وأبرز فقهائهم، ومقام فقههم، وخصائصه، ومظانُّه.

    رابعًا: الفقه في عصر التابعين؛ وفيه بيان:

    منزلته، وأبرز معالمه، وتدوين السُّنة والفقه في هذا العصر، ومقام فقه التابعين، وخصائصه، وتكوُّن المدارس الفقهية.

    خامسًا: الفقه في عصر الأئمة المجتهدين؛ وفيه بيان:

    منزلته، وأبرز معالمه، والمذاهب الفقهية ونشأتها وتكوُّنها، ومفهوم المذهب الفقهي، ومجاله، ونماذج من فقه بعض الأئمة أصحاب المذاهب المندثرة، وأسباب بقاء المذاهب الفقهية الأربعة دون غيرها، وحكم التمذهب، وأسبابه، وأصول ومصادر التشريع في هذا العصر.

    سادسًا: الفقه بعد عصر الأئمة المجتهدين، وفيه ثلاث مراحل:

    المرحلة الأولى: من منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن الخامس الهجري، والثانية: من منتصف القرن الخامس إلى منتصف القرن السابع الهجري، والثالثة: من منتصف القرن السابع إلى منتصف القرن الثالث عشر الهجري.

    سابعًا: الفقه في العصر الحاضر.

    ثامنًا: أسباب اختلاف الفقهاء؛ وفيه بيان:

    أنواع الخلاف الفقهي، وتحقيق القول في هل الاختلاف الفقهي رحمة؟ وأسباب اختلاف الفقهاء، والموقف منها.

    تاسعًا: معالم في المذهب الحنفي؛ وتتمثّل في:

    سيرة الإمام أبي حنيفة والظروف المؤثرة في تميز منهجه الفقهي، وأصول مذهبه، وأبرز خصائصه، ومراتب مسائله، وأبرز مصطلحاته ومصادرها وأعلامه، ومصادره المعتمدة، وأطواره، ومواضع انتشاره وأسبابه.

    عاشرًا: معالم في المذهب المالكي؛ وتتمثّل في:

    سيرة الإمام مالك والظروف المؤثرة في تمَيُّزِ منهجه الفقهي، وأصول مذهبه،

    ٧

    وخصائصه، وأبرز مصطلحاته وأعلامه، ومصادره المعتمدة، ومراحل تطوره، ومدارسه، ومواضع انتشاره وأسبابه.

    حادي عشر: معالم في المذهب الشافعي؛ وتتمثّل في:

    سيرة الإمام الشافعي والظروف المؤثرة في تميز منهجه الفقهي، وأصول مذهبه، وأبرز خصائصه ومصطلحاته وأعلامه، ومصادره المعتمدة، ومراحل تطوره، ومواضع انتشاره وأسبابه.

    ثاني عشر: معالم في المذهب الحنبلي؛ وتتمثّل في:

    سيرة الإمام أحمد بن حنبل والظروف المؤثرة في تميز منهجه الفقهي، وأصول مذهبه، وأبرز خصائصه ومصطلحاته وأعلام، ومصادره، وأسباب تعدد روايات، ومراحل تطوره، ومواضع انتشاره وأسبابه.

    فهرس المصادر.

    فهرس المحتويات.

    والحمد لله أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا، وله الحمد في الأولى والآخرة.

    * * *

    ٨

    المبحث الأول:

    مبادئ الفقه

    يحسن بطالب العلم قبل البدء بدراسة تاريخ أي علم أن يكون متصوِّرًا تصورًا إجماليًّا للعلم الذي سيدرس تاريخَه، ولتصوُّرِ العلوم عمومًا وضع العلماء مبادئ عشرة أساسية تسمى بمبادئ العلوم، وقد يكتفي البعض بذكر بعض تلك المبادئ في تعريفه بعلم من العلوم، دون التعرض لجميعها، ويحصل بمعرفتها تصور إجمالي لهذا العلم؛ وهي الحد، الاسم، الموضوع، المسائل، الثمرة، الاستمداد، الواضع، الحُكْمُ، النسبة، الفضل.

    وقد نظمَ العلَّامة الصَّبانُ هذه المبادئ، بقوله:

    إنَّ مَبَادِي كلِّ فَنٍّ عَشَرَهْ

    الحَدُّ والموضُوعُ ثمَّ الثَّمَرَهْ

    وَفَضْلُهُ، وَنِسْبَةٌ، وَالوَاضِعْ

    وَالاسْمُ، الاسْتِمْدَادُ، حُكْمُ الشَّارِعْ

    مَسائِلٌ، والبَعْضُ بِالبَعْضِ اكْتَفَى

    وَمَنْ دَرَى الجَمِيعَ حَازَ الشَّرَفَا (¹)

    إذا عرفتَ هذه المبادئ على وجه الإجمالِ، فهاكَ تفصيلها.

    المبدأ الأول: الحدّ.

    الفقه في اللغة: الفَهم، قال تعالى: ﴿قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ﴾ [هود: ٩١]، أي: ما نفهم (²) ؛ وقالَ أعرابيٌّ لعيسى بن عُمَر: «شَهِدْتُ عليك بالفِقْهِ»، أي: الفَهْم، فتقولُ: (فَقِهَ الرجلُ) بكسر القاف، أي: فَهِم، و(فقُه) بضمِّ القاف: صارَ الفقه سجيَّة له (³) ؛ ثمَّ غلبَ إطلاقُه على عِلْم الدينِ؛ لسِيَادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النَّجمُ على الثُّرَيَّا (⁴) .


    (1) ينظر: حاشية الصبان (ص ٣٥).

    (2) الوجيز للواحدي (ص٥٣١)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٤٢٣)، المحرر الوجيز لابن عطية (٣/ ٢٠٢).

    (3) الصحاح للجوهريِّ (٦/ ٢٢٤٣)، المصباح المنير للفيومي (٢/ ٤٧٩).

    (4) المحكم لابن سِيدَهْ (٤/ ١٢٨).

    ٩

    وأما الفقه في الاستعمال الشرعي، فهو: فهم الدِّين كله مع العمل به.

    ويدخل في ذلك الدِّينُ بجميع أحكامه؛ من الاعتقاد، والأحكام العملية والسلوك، وهو المراد بقوله ﷺ: «من يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين» (⁵) .

    قال ابن القيم -رحمه الله-: «لم يكن السّلف يطلقون اسْم الْفِقْه إلا على الْعلم الَّذِي يَصْحَبهُ الْعَمَل» (⁶) ، ثم ذكر من الآثار عن السلف ما يشهد لذلك.

    وأما في اصطلاح العلماء، فقد عرّفوه بـأنه: «العلمُ بالأحكامِ الشَّرعيةِ العمليةِ، المكتسَبُ من أدِلَّتِها التفصيلية» (⁷) .

    والمراد بـ(العلم): مطلقُ الإدراكِ، فيشمل العلمَ القطعيَّ والظنيَّ؛ لأنَّ كثيرًا من أحكام الشرع مبناها على الظن.

    والمرادُ بـ(الأحكام الشرعيَّة): التي يتوقَّف معرفتها على الشَّرع، فخرج بهذا القيد: الأحكامُ العقلية، مثل: الواحد نصف الاثنين، والأحكام اللغوية، مثل: الفاعل مرفوع، والأحكام الحسية، مثل: النار محرقة.

    والمراد بـ(العمليَّة): ما تعَلَّقَ بأعمالِ العباد؛ كالصلاةِ، فهذا احترازٌ من الأحكام العقدِيَّة، وهذا وصفٌ أغلبي؛ لأنَّ هناك أحكامًا في الفقه مُتَعلَّقُها القلبُ، كأحكام النية، ووجوب الإخلاص.

    والمراد بـ(المكتسب من الأدلة): ما استفادَهُ الفقيهُ باجتهاده من خلال النظر في الأدلة لا عن تقليد، فعِلْمُ الفقهِ ليس العلمَ بالحكم الشرعي فقط، بل العلمُ به وبدليله الجزئي الذي استُنْبِط منه، ووجه استنباطه.

    المبدأ الثاني: الاسم.

    تعددت أسماء هذا العلم الشريف، ومن أشهر هذه الأسماء:

    ١- علم الفقه: وهذا أشهر الأسماء المستعملة في الدلالة على هذا العلم الشريف.

    ٢- علم الفروع.


    (5) أخرجه البخاري (٧١)، ومسلم (١٠٣٧) من حديث معاوية -رضي الله عنه-.

    (6) مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ٨٩). وانظر: بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله لفتحي الدريني (ص٢٠ - ٢١).

    (7) رد المحتار لابن عابدين (١/ ٣٦)، شرح مختصر خليل للخرشي (١/ ٣١)، منهاج الوصول للبيضاوي (ص ٥١)، جمع الجوامع للسبكي (ص ١٣) -ويمكن الرجوع إلى شروحه للتوسع في شرح التعريف-، كشاف القناع للبهوتي (١/ ١٧). وللاستزادة ينظر: المستصفى للغزالي (ص٥)، معجم مصطلحات العلوم الشرعية (٣/ ١٢١٤).

    ١٠

    ٣- علم فروع الفقه.

    ٤- علم الأحكام العملية.

    المبدأ الثالث: الموضوع.

    موضوعُ علم الفقه: أفعال المُكلَّفين من حيثُ حُكمُها (⁸) .

    فموضُوع علمِ الفقه: فعلُ المُكلّف من حيثُ كونه واجبًا، أو مباحًا، أو محرَّمًا، أو مكروهًا، أو مندُوبًا.

    المبدأ الرابع: المسائل.

    مسائل الفقه هي: قضايا الفقه التي يعالجها الفقهاء، ويمكن أن تقسم إلى سبعة أقسام:

    القسم الأول: الأحكام المتعلِّقة بعبادة الله تعالى من صلاة وصيام وزكاة وحجٍّ، وتسمى: العبادات.

    القسم الثاني: الأحكام المتعلِّقة بأفعال الناس وتعاملهم في الأموال والحقوق، وتسمى: المعاملات.

    القسم الثالث: الأحكام المتعلِّقة بالأسرة مِن نكاح وطلاق ونسَب، وتسمى -بِلُغة اليوم-: الأحوال الشخصية.

    القسم الرابع: الأحكام المتعلقة بسلطان الحاكم على الرعيَّة، وبالحقوق والواجبات المتقابلة بينهما، وهي من قَبِيل ما يسمى: بالسياسة الشرعية.

    القسم الخامس: الأحكام المتعلِّقة بعقاب المجرمين، وضبط النظام الداخلي بين الناس، وتسمى: العقوبات.

    القسم السادس: الأحكام التي تُنَظِّم علاقة الدولة بالدول المُجاورة في حالتي السلم والحرب، وتسمى في كتب الفقه: بالسِّيَر -الجهاد-، ويُطلق عليها حديثًا: العلاقات الدولية.

    القسم السابع: الأحكام المتعلِّقة بالحِشمة والأخلاق والآداب والمَحاسِن


    (8) البحر الرائق لابن نجيم (١/ ٣-٤)، شرح مختصر خليل للخرشي (١/ ٣١)، تحفة المحتاج للهيتمي (١/ ٢٠)، كشاف القناع للبهوتي (١/ ١٧).

    ١١

    والمساوئ، وتُسمَّى: الآداب (⁹) .

    وقد جرى كثير من الفقهاءِ على ترتيب مسائل الفقه بحسب شرفها ومدى حاجة الناس إلى معرفتها: فابتدؤوا بالعباداتِ لشرفِها، ثمَّ المعاملات لشدَّة الحاجةِ إليها، ثمَّ المُناكحات لأنها دون المعاملات في الحاجة، ثمَّ الجنايات لقلَّة وقوعِها بالنسبة لما قبلها، وهكذا (¹⁰) .

    المبدأ الخامس: الثمرة.

    ثمرةُ تعلُّم الفقه: امتثالُ أوامرِ الله تعالى، واجتنابُ نواهِيه؛ وبهذين يحصلُ خيرُ الدُّنيا والآخرة (¹¹) .

    المبدأ السادس: الاستمداد.

    يُستمد علم الفقه من الأدلَّة، وهي على مرتبتين:

    ● المرتبة الأولى: أدلَّة مُتَّفق عليها؛ وهي الكتابُ، والسُّنة، والإجماعُ (¹²) .

    ● المرتبة الثانية: أدلَّة مختَلَفٌ فيها؛ كالقياس عند الجمهور خلافًا للظاهرية، وعمل أهل المدينة عند المالكية، ونحو ذلك.

    وباعتبار آخر: يُستمد علم الفقه من مصدرين رئيسين: كتاب الله وسُنة نبيه ﷺ، ويلحق بهذين المصدرين: الإجماع والقياس، ومردُّهما إلى الكتاب والسُّنة؛ فلا إجماع إلا على ما ثبت بكتاب الله أو سنة نبيه ﷺ، وأما القياس فإنه يعتمد في أحد أركانه على الأصل، وحكم الأصل مستَمَدٌّ من الكتاب أو السُّنة.

    وتعدّ هذه الأصول: الكتاب، والسُّنة، والإجماع أصولًا متَّفَقًا عليها بين المذاهب؛ في حين تعدّ الأصول الأخرى مختَلَفًا فيها بين المذاهب؛ إذ اعتمد كل مذهب على بعض الأصول التي يخالفه فيها مذهب آخر، ومن تلك الأصول: الاستحسان عند الحنفية، وعمل أهل المدينة عند المالكية، وما شابه ذلك، ولولا خلافُ الظاهرية في الأخذ بالقياس لكان من الأدلة المتفق عليها، على الرغم من كون خلافهم ضعيفًا.


    (9) تقسيم موضوعات الفقه وترتيبها لأديب فايز (ص ١٧٥).

    (10) الغرر البهية لزكريا الأنصاري (١/ ١٢)، نهاية المحتاج للرملي (١/ ٥٨).

    (11) رد المحتار لابن عابدين (١/ ٣٨)، الفواكه الدواني للنفراوي (١/ ٣٢)، حاشية الجمل (١/ ٢٢)، حاشية ابن قاسم (١/ ٤٦).

    (12) في الإجماع خلافٌ ضعيفٌ لبعض المعتزلة، وفي القياس خلافٌ ضعيف للظاهريَّة.

    ١٢

    المبدأ السابع: الواضع.

    إنّ الفقه ثمرة الفهم عن الله وعن رسوله ﷺ، وهو عمل ذهني تتابعت عليه الأمة مِن لدن النبي ﷺ إلى مَن بعده، حتى خرج في أشكال مصنّفات ومدونات فقهية؛ وقد اختلفوا في واضعه؛ فقيل: بأنّه الله تعالى من خلال القرآن الكريم (¹³)

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1