Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس
هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس
هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس
Ebook399 pages3 hours

هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس إلهان عمر تروي أول لاجئة إفريقية منتخبة في الكونجرس حكايتها الفريدة إن مسار حياة إلهان عمر مثير ومذهل بكل المقاييس؛ ولدت عام 1982 لعائلة محبة في مقديشو، الصومال، ونزحت في سن الثامنة بسبب الحرب الأهلية التي أطاحت بحياة مئات الآلاف في وطنها، إلى مخيم بائس وخطير في كينيا وأمضت أربع سنوات فيه إلى أن سُمح لها ولعائلتها بالدخول إلى الولايات المتحدة حيث تعرضت عمر لأزمات مستمرة أولها عدم إتقانها للغة الإنجليزية لكن هذا لم يثبط رغبتها بالتعلم والمواجهة. تطورت شخصية عمر لتصبح زعيمة في مدرستها الثانوية. وبعد نيلها شهادة جامعية عادت لتنخرط في شؤون السياسة المحلية. في عام 2018، أصبحت هي ورشيدة طليب من ميشيغان "أول امرأة مسلمة تنتخب للكونجرس". وقد اكتسبت سمعة سيئة بسبب جرأتها في مواجهة هجمات دونالد ترامب التي استهدفت عرقها ولون بشرتها ودينها وجنسيتها ودعوتها السياسية. ومع ذلك، انتظرت بحكمة حتى آخر صفحات كتابها قبل أن تحول انتباهها إلى تكتيكات ترامب التافهة. الكاتبة شقت طريقها في خضم كفاحها للعثور على مكانتها بين أفراد أسرتها الذين لم يوافق جميعهم على المسار الذي انتهجته. وصفحة إثر صفحة تظهر إلهان عمر شرسة، تنتقد نفسها وتعزز ثقتها، وبمساعدة من صديقتها بالي قدمت لنا هذه السيرة يسيرة الفهم. بغض النظر عن الرأي الشخصي للقارئ، فإن حياة إلهان عمر ملهمة بلا شك

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateMay 18, 2024
هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس

Related to هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس

Related ebooks

Reviews for هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    هذه أمريكا رحلتي من اللجوء إلى الكونجرس - إلهان عمر

    تمهيد

    شكرًا لك على المساعدة في دعم العديد من الفتيات من كل مكان! محبتي لك من سياتل.

    سلام يا أختي - من الجانب الغربي في السنغال إلى ديترويت، ابقي قوية. أنت تجعلين صوتنا مسموعًا.

    لا أتذكر عندما ظهرت أول مرة على الجدار خارج مكتبي في مبنى الكابيتول: ملاحظات مع كلمات الإعجاب والتشجيع تركها أشخاص من مناطق بعيدة مثل دولوث ودلهي.

    سيدتي عضوة الكونجرس، لقد جئت من ولاية أوريغون ويجب أن ألتقي بك. شكرًا لأنك شجاعة وجريئة وصريحة. إن جئت يومًا إلى يوجين، يمكنني أن آخذك جولة في المكان.

    شكرًا جزيلًا لك على كل ما تفعلينه لحماية محاكمنا!.

    استمري في النضال من أجل المهاجرين.

    وأدرك جيدًا متى أصبحت الملاحظات مشكلة فعلية في ذلك المكان. كانت قد مرت بضعة أشهر بعد أن أصبحت أول امرأة أمريكية مسلمة صومالية تُنتخب لعضوية الكونجرس في عام 2018، مباشرة بعد أن بدأ الرئيس دونالد ترامب هجماته عبر تويتر ضدي.

    إلهان بطلة أمريكية!.

    بغض النظر عما يقولون، سوف نساندك دائمًا!.

    بين عشية وضحاها، نشأت فسيفساء كبيرة من المربعات متعددة الألوان حول العلم الأمريكي ولوحة تحمل اسمي واسم الولاية التي أمثلها، مينيسوتا. طلبت منا الصيانة إزالتها؛ لذا قام طاقم العمل بإزالة الملصقات ووضعها مرة أخرى على الجدار داخل مكتبي. لكن زوار مبنى مكتب الكونجرس، المفتوح للعامة من الإثنين إلى الجمعة، من 7:00 صباحًا إلى 7:00 مساءً، واصلوا إلصاقها على الجدار.

    شكرًا جزيلًا لكونك صوتًا لمن لا صوت له.

    أنت جندي يدافع عن الشعب من أجل السلام والعدالة للجميع.

    لقد استمروا في القدوم، فاستسلمت هيئة المرافق. الآن أصبحت رقعة ملاحظات النيون الصغيرة بقعة مضيئة دائمة على الجدران البيضاء الباردة لممر البلدية.

    إن أكثر ما أشعر بالفخر به ليس التعبير المرئي عن الدعم لعملي كمشرّعة تقاتل من أجل تمكين جميع الناخبين من المشاركة في ديمقراطيتنا، كما أنه ليس الثناء الكبير أو عمق العاطفة، على الرغم من أن هذه المشاعر أثرت بي في بعض الأوقات الصعبة. إن أكثر ما أثّر بي هو التنوع المذهل لكتّاب الرسائل. يأتون من أماكن مختلفة ومن مشارب ووجهات نظر مختلفة. هناك رسائل من فتيات مراهقات، يضعن قلوبًا صغيرة حول ملاحظاتهن، ومن أعضاء مجلس الشيوخ الذين أخذوا لحظة من أيامهم الطويلة في مدينة مفعمة بالنقد السلبي لتدوين عبارة إيجابية.

    تم لصق ملاحظة زرقاء على شكل قلب مكتوب عليها النساء الجمهوريات يدعمنك بجانب ملصق أصفر عادي كتب عليه من مهاجرة سوداء إلى أخرى، أرجو أن تعلمي أنني أحبك. تعلمت الحروف العبرية من خلال ملاحظة زرقاء، עיבערלעבן זיי וועלן מיר، كانت في الواقع باللغة اليديشية وتعني سننتصر عليهم، والتي حولها اليهود الحسيدية في عام 1939 إلى أنشودة المقاومة في وجه الزعيم النازي. إن اختيار كل هؤلاء الأشخاص وغيرهم الوقوف ورائي -ومن بينهم مهاجر مسلم وصل إلى هذا البلد من إفريقيا ويتحدث كلمتين فقط من اللغة الإنجليزية- هو دليل كافٍ على وجود روابط أقوى من الهوية.

    وحيث إنني لاجئة فرّت من الحرب الأهلية عندما كنت طفلة، ما زلت أحاول معرفة المكان الذي أستقر فيه، ولعلّ هذا السبب في أن أهم ملاحظة وجدتها ملصقة على الجدار خارج مكتبي تحتوي على ثلاث كلمات فقط.

    أنت تنتمين إلى هذا المكان.

    1

    الكفاح

    1982 - 1988

    مقديشو، الصومال

    نهض المعلم مستعجلًا وعيّن طالبًا مسؤولًا عن تلاميذ الصف الثالث قبل أن يخرج من الفصل. كان هذا معتادًا في مدرستي الابتدائية، حيث يبقى الطلاب في نفس الفصل الدراسي بينما يتناوب علينا مدرسونا في مواد مختلفة. وعند الانتقال بين الحصص، يقوم المدرسون عادةً بتعيين تلميذ لمنع البقية من إثارة الشغب الشديد.

    وكنت كغيري من الأطفال، عرضةً لسوء استغلال هذا المنصب. إذ سرعان ما شعر الصبي المسؤول بعظمة السلطة الممنوحة له. فأمر فتى آخر أصغر منه حجمًا بالذهاب إلى السبورة وكتابة وظيفته.

    أتوسل إليك، دعني وشأني صرخ الولد راجيًا عريف الصف.

    لكن غرور الصبي الطويل المسؤول جعله مصرًّا على إذلال زميله في الفصل الذي كان من فئة الأقلية بكل معنى الكلمة؛ فتى فقير صغير ويتيم، لم يكن ممن يرتدون القمصان البيضاء الناعمة والسراويل الموحدة المكوية، والأحذية المدرسية اللامعة التي يتمتع بها تلاميذ الطبقة الوسطى التي أتيت أنا والفتى الضخم منها.

    واصل الولد الكبير السخرية من ضحيته، وصعّد تهديداته عندما رفض زميله النهوض من مقعده لدرجة أنه شتم والدته بكلمات نابية Hooyadawus! .

    اشتعلت غضبًا في مقعدي. لطالما كرهت أن يستخدم الناس لغة بذيئة، وأشعر بالغضب الشديد عندما يساء ذكر الأمهات اللواتي عرفت منذ البداية أنهن مقدسات -حتى لو لم يكن لدي أم-. أعني أن الجميع يتحدث دائمًا عن أهمية الأمهات. ووفقًا للإسلام -الدين الرسمي لبلدي الأم- فإن الجنة تحت أقدام الأمهات. ومن الواجب علينا الانحناء لأمهاتنا وأن ندعو لهن دائمًا بالصحة والخير وأن نقدّرهن بدلًا من أن نحط من قدرِهن.

    كانت هناك أيضًا عوامل أقوى وأعمق من أن يستوعبها دماغ طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات في ذلك الوقت. لقد توفيت والدتي قبل دخولي سن المدرسة ولكن بفضل أخواتي الأكبر سنًّا والعديد من الخالات المحببات لم أفتقر يومًا إلى رعاية الأمومة. لا أحمل أي ذكرى عنها، رغم أنني أتذكر أشياء أخرى من ذلك العمر، مثل شجار أفراد الأسرة بشأن ما إذا كان ينبغي أن أذهب إلى المدرسة أم لا. اعتقد بعض أخوالي وخالاتي أنني صغيرة جدًّا، إذ من الناحية الفنية من المفترض أن أنتظر على الأقل حتى تتساقط أسناني اللبنية. قال أحدهم ستضيع  كتبها. جادل آخر: لن تعرف إلى أين تذهب، وسيسرق الأطفال الآخرون أشياءها. لكنني لم أتوقف عن الاعتراض حتى وافق الجميع أخيرًا. ولم أفقد كتبي أو أتعرض للسرقة حتى بوجود كامل أسناني اللبنية.

    أتذكر كل ذلك بوضوح، ولكن لا أذكر شيئًا عن أمي. ولا حتى شكلها أو كلامها ولا حتى سبب وفاتها، لا شيء على الإطلاق. وعندما كبرت ذهبت إلى إخصائي في التنويم المغناطيسي لمعرفة ما إذا كان بإمكانه مساعدتي في استحضار شيء ما، أي صوت أو لمسة ولكن لم يظهر شيء! وأعتقد أن الأمر غريب نوعًا ما.

    سواء كان ذلك التزامًا مبكرًا بتعاليم ديني أو حقيقة أن الغياب يمكن أن يترك أثرًا أكبر من أي واقع، فإن الأمهات يمثلن قيمةً كبيرة بالنسبة لي، ولم أقبل عدم احترام أي شخص لهن.

    قلت للفتى: لن ينهض. من المفترض أن تتأكد من عدم خروج أي تلميذ من مقعده فقط وليس تكليفنا بأي وظائف. لذلك ستجلس وتصمت، وسننتظر المعلم.

    لكن الصبي الأطول مني برأسين على الأقل، لم يتأثر بكلامي. قال مهددًا: إذا لم تصمتي، ستندمين.

    كنت صغيرة جدًّا؛ لذا فإن أي شخص لا يعرفني يفترض أنني جبانة. أو الهزيلة التي تتعرض للتنمر دائمًا في المدرسة. بيد أنني لم أكن خائفة من العراك. شعرت أنني أكبر وأقوى من أي شخص آخر، حتى لو عرفت أن هذا واقع الحال.

    قلت: سألتقي بك في الفناء الخلفي بعد المدرسة. والفناء الخلفي هو المكان الذي ذهب إليه جميع الأطفال للعراك.

    قبل دخول معلم الحصة التالية إلى الغرفة مباشرة، همس لي الصبي الذي دافعت عنه: بعد المدرسة، سأهرب؛ لأنهم بعد أن يضربوك، سيضربونني.

    أجبته: إذا أردت ألا يعبثوا معك كل يوم، عليك أن تدافع عن نفسك.

    ربما كان واهنًا، لكنه لم يكن كاذبًا. ما إن انتهى دوام المدرسة حتى وفى بكلمته وفرّ هاربًا.

    اجتمع حشد من الأطفال يصرخون حولنا، وبدأت المعركة بيني أنا والمتنمر. كنت صغيرة الحجم لكنني مقاتلة جيدة. سحبت الصبي إلى أسفل ومسحت وجهه في الرمال. عندما وصل أخي ملاك، الذي كان في الصف الثامن حينئذٍ، لمشاهدة القتال ورآني أطحن الصبي في الأرض، صرخ، إلهان! ما هذا بحق الجحيم؟.

    لم يتفاجأ أخي في الواقع برؤيتي وسط العراك لكنه شعر بالاستياء. لطالما جاء عدد كبير من الآباء إلى منزلنا يشتكون لعائلتي تعرض أطفالهم للضرب على يدي. وكان والدي يكتفي بالضحك لا أكثر. الطفل الوحيد الذي لا ينبغي لأحد أن يأتي إلى هنا ليشتكي منه هو أصغر أطفالي.

    نعم، كنت الطفلة الأصغر سنًّا وحجمًا وسط عائلة كبيرة.

    لكن هذا لا علاقة له بالعصي التي تنمو في الشجيرات بالقرب من البوابة خارج منزلنا، والتي كانت مثالية لضرب أي طفل طاردني من المدرسة إلى المنزل. كان لدي عقلية مستقلة لطفلة وحيدة. لم أشعر يومًا بأنني صغيرة لأنني لم أعامل أبدًا معاملة طفلة. لم يدللني أحد في عائلتي الرائعة والصاخبة.

    في مجمعنا في مقديشو -المليء بالفن الإفريقي وكتب التاريخ والشعر الصومالي والموسيقى- كانت الخلافات مستمرة. نحن عائلة متعددة الأجيال: الخالات والأخوال وأبناء الخال والإخوة من جانبي الأم، كلهم يعيشون معًا.

    ولم نشبه في عاداتنا الأسرة الصومالية التقليدية ذات التسلسل الهرمي، حيث عندما يتكلم الأب أو الأم لا يجرؤ أحد على النطق بكلمة. بل يشارك الجميع، حتى أصغر طفل -وهو أنا- في اتخاذ كل قرار. أحيانًا كنت أتمنى أن يقوم أبي أو جدي بدور أكثر سلطوية، لكنهما ينسجمان بشكل مزعج مع رأي كل شخص ويصبران على الدالات التي تنشأ عن ذلك. يتحدث الجميع دائمًا بما يشبه الصراخ بشأن ما يجب أن نفعله، حتى عندما يتعلق الأمر بما سنأكله على العشاء. لقد جعلنا الصراع المستمر قريبين وبعيدين عن بعضنا في آنٍ معًا. على الرغم من وجهات نظرنا المختلفة، اعتدنا جميعًا على الخلافات وكأنها شيء مألوف يجمعنا.

    لم يكن ثمة ما يجعل عائلتي عادية. وحتى يومنا هذا، لم أعرف عائلة تشبه عائلتنا تمامًا. لكن في الصومال، حيث يكون أفراد الأسرة الممتدة الذين يعيشون معًا دائمًا من طرف الأب، فقد تميزت عائلتنا بشكل خاص بأن أبي انتقل للعيش مع والدتي وعائلتها بعد الزواج. عادة ما يتحمل الأبناء مسؤولية إعالة والديهم مع تقدمهم في العمر. ولكن لم توافق أمي على الزواج من أبي ما لم تتمكن من البقاء مع عائلتها.

    لم يشعر والدي بتقدير كامل لما أقحم نفسه فيه عندما قرر التخلي عن كل ما يعرفه في سبيل الحب. على الرغم من أنني شهدت تناقضات مختلفة فيه عندما كبرت، فإن أعظم ما لاحظته في طفولتي كان يتعلق بنظامه الغذائي. أبي الذي يرفض تناول المأكولات البحرية، تزوج من عائلة كانت الأسماك هي المصدر الأساسي للبروتين في غذائها. علاوة على ذلك، على الرغم من أنه ينسجم ظاهريًّا مع عالم والدتي، لم يكن بوسعه أن ينسى تمامًا العادات التي نشأ عليها. كان والدي معلمًا، جاء من أسرة أبوية صومالية تقليدية حيث تربى الأولاد، المستفيدون الأساسيون من الاستثمار التعليمي، ليصبحوا أرباب أسرهم المستقبلية.

    في هذه الأثناء، عندما رحب جدي بطفلته البكر -والدتي- وعد نفسه بأنها ستُعامل مثل أي بكر ذكر، إن لم يكن أفضل. تملي الأعراف أن ولادة الصبي مصدر فخر للعائلة. لكن جدي الذي تمتع بحضور كبير، شعر بفخرٍ لا يضاهى عند ولادة أمي. كان عنيدًا وواثقًا من نفسه وله في ذلك كل الحقّ. كان يتمتع بأقوى ذاكرة عرفتها عند إنسان يومًا. أجاد القراءة واكتسب معرفة من خلال العديد من الكتب التي وقعت في متناول يده. وعندما توقف عن العمل في وظيفته الحكومية في مجال إدارة شبكة المنارات في البلاد، استمتع بممارسة الصيد ولعب الورق. كان جدي أيضًا طباخًا رائعًا. وبدا متطرفًا جدًّا عندما يتعلق الأمر بالمكونات التي يستخدمها لإعداد أطباق من تخصصه، أي المطبخ الإيطالي. كان طبقه المينيستروني [حساء كثيف من الخضار والباستا] طعامي المفضل.

    وكما لم يتنازل جدي يومًا عن جودة الطماطم التي يضعها في حسائه، لم يتنازل كذلك عن قناعاته. وظل وفيًّا لعهده بأن يربي ابنته على قدم المساواة مع أبنائه. عندما التقت أمي بأبي، كانت في العشرينيات من عمرها، وكان ذلك نادرًا جدًّا في ذلك الوقت، حيث تتزوج النساء في الغالب في أواخر سن المراهقة. ليس ذلك فحسب، بل عملت أيضًا بأجر سكرتيرة لدى وزير في الحكومة. لا أدري إن كان جدي بحاجة إلى دعم مالي، لكن تملّك والدتي شعور بالواجب حيال تحمل المسؤولية والامتيازات غير العادية التي منحها لها والدها.

    وأدرك الجميع أنهم لو احتاجوا إلى أن يوقع جدي على شيء ما أو أن يهدأ بشأن نزاع ما، فعليهم التحدث إلى ابنته. كانت صديقة جدي الحقيقية. لم أفاجأ بالقصص التي سمعتها مرارًا وتكرارًا حول كيف أنها حين كانت على قيد الحياة كل ما تقوله يُطاع. وذلك لأن جدي استمر في إنفاق الكثير من الوقت والطاقة على فتيات العائلة (أكثر مما فعل مع الأولاد، وفقًا لأقوال أخوالي). لذا كان مقربًا جدًّا منا ولم يتبنَّ الدور الحامي الأبوي التقليدي الذي عادة ما يمارسه الرجال الصوماليون عند التعامل مع الجنس الآخر. لقد عاملنا على قدم المساواة.

    من الصعب دائمًا معرفة سبب مخالفة الشخص للعادات والتقاليد. وربما أن جزءًا من تفكير جدي المتحرر يُعزى لحقيقة أنه لم ينحدر من إحدى العشائر الرسمية في البلاد. كانت عائلتي من جهة الأم تنتمي إلى أقلية البنادريين، وهي أقلية عرقية صومالية ترجع نسبها إلى شعوب الفرس والهنود والبانتو من غرب إفريقيا واليمنيين العرب. ويُنسب إلى التجار الناجحين الفضل في المساعدة على نشر الإسلام في الصومال، حيث استقروا في مدن ساحلية مثل عاصمة البلاد مقديشو، حيث ولد جدي وترعرع. وأعتقد أن جدي تبنى فكرة أنه إذا لم تستطع التأقلم مع محيطك، يمكنك أن تفعل ما تشاء.

    إن المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالألفة تمامًا في طفولتي كان داخل جدران منزل عائلتي الكبير. خلاف ذلك، لم أشعر بالانتماء لأي شيء. على الرغم من أنني أنتمي رسميًّا إلى عشيرة والدي -والتي تعدّ من أقوى العشائر في البلاد- بيد أنني لم أكن صومالية بالكامل بسبب والدتي. ولم يعلم أحد بذلك بخلاف جيراننا؛ لأننا لم نكن نشبه البنادريين التقليديين المعروفين ببشرتهم الفاتحة وطبيعتهم العدوانية. إذ إنّ العديد من أخوالي وخالاتي، وكذلك جدي، كانت بشرتهم داكنة مثلي، ولا أحد في عائلتنا يتسم بطباع عدوانية أيضًا.

    بصفتي الأصغر سنًّا، كنت مدللةً، ولست كذلك في الوقت نفسه. عمل أفراد عائلتنا في وظائف حكومية وفي التعليم وكنا ميسوري الحال بما يكفي للحصول على منزل كبير مزود بحراس وسائق. لكن لم يعجبني الحفاوة التي تلقيتها من الأطفال الآخرين بفضل امتياز امتلاكنا سيارة تويوتا كورولا بيضاء وسائقنا فرح، ولا القيود الناجمة عن ذلك. كرهت أن أعود إلى المنزل بعد المدرسة بالسيارة، وكنت أحاول المشي مما أثار المشاكل لأبي بسبب الشجارات التي كنت أخوضها مع الأطفال الآخرين.

    أنا أيضًا لم أكن أميل لسلوك الفتيات، على الأقل بالمعنى التقليدي. لم يكن من المتوقع أن تقوم أي من النساء في عائلتي بالطهي والتنظيف -مثل معظم النساء الصوماليات-. وكان لدينا بالتأكيد عدد من الآراء، إن لم يكن أكثر، من آراء الرجال في المنزل. لكنني أيضًا فعلت ما كان يفعله الصبيان خارج المنزل؛ لعبت كرة القدم، وتسلقت الأشجار، وتسللت إلى السينما. لم تفعل الفتيات الأخريات اللواتي أعرفهن أيًّا من ذلك.

    لم تؤدِّ طرقي الصبيانية إلا إلى إثارة الحديث بين نساء الحي حول إلهان المسكينة التي تكبر دون أم. بغض النظر عن كل الحبّ والاهتمام الذي حظيت به من حشد من البالغين المهتمين، فقد ظنوا بأنني أشعر بالحرمان من عاطفة الأم وتوجيهها.

    وانتشرت الكثير من الافتراضات حول ما كان من المفترض أن أكون عليه، ولم ينطبق أي منها على الوصف الذي لدي عن نفسي. لكنني لم أكلف نفسي عناء التفكير في هذا التناقض. في الواقع، لم أزعج نفسي بالرد عليه حتى. بل فضلت اعتماد مبدأ جدي. إذا لم يكن هناك عالم يقدرني تمامًا لما أنا عليه، فلا داعي للقلق بشأن استرضاء أي شخص.

    2

    الحرب

    1989-1991

    مقديشو، الصومال

    كنت في الثامنة من عمري عندما اندلعت الحرب الأهلية في الصومال. في يومٍ كان كل شيء على ما يرام، وفي اليوم التالي انهمر الرصاص كالمطر ولم يخترق المباني فحسب، بل الناس أيضًا.

    لم يتوقف الرصاص المنهمر من السماء. ومع ذلك -في بعض الأحيان- كان القتال صاخبًا للغاية حتى بالنسبة لنا نحن الذين اعتدنا عليه. بسبب القلق الذي شعر به البالغون خشية أن تعمد الميليشيا على تضييق الخناق على حيّنا، هربنا إلى حي جدتنا. ولم نرغب بالجلوس في وضعية القرفصاء رغم اشتداد إطلاق النار والشائعات. خلال الحرب، يجعلك الهروب نحو مكان آخر تشعر بالأمان، حتى لو لم يكن آمنًا بالفعل. في الطريق إلى منزل جدتي، شاهدت جثثًا متراكمة في الشارع. واضطررنا للسير فوقها.

    لم يفهم الكبار ما كان يحدث رغم أنني شعرت أن من واجبهم أن يعرفوا. ولكني ما فتئت أسمعهم يكررون الكلام نفسه مرارًا: لا أفهم كيف انقلب كل شيء على هذا النحو.

    أتذكر أنّ كل شيء بات مغلقًا. وأولها المدرسة، ولاحقًا أغلقت المساجد والخدمة البريدية ومحطات التلفزيون وحتى السوق.

    يقع السوق الخارجي الرئيس للمدينة على يمين منزلنا. وعلى الجانب الآخر يوجد طريق رئيس. في أي يوم عادي قبل اندلاع الحرب، كانت تزدحم المنطقة بالناس والسيارات التي تأتي وتذهب طوال الوقت. في حين اختلف النشاط أثناء الحرب جدًّا.

    وجعل علي مهدي محمد، الرجل الذي سمى نفسه الرئيس الجديد للصومال، من فندق مكة المكرمة القريب من منزلنا مقره الرئيس. وعندما تتطاير قذائف الهاون والرصاص من جانب إلى آخر في خضم النزاعات، كانت تعبر مباشرة فوق منزلنا. لم ينقطع الضجيج لحظة تقريبًا، وأضاءت النيران السماء طوال الليل. أثارت الغبار طوال اليوم عند اصطدامها بالأرض أو المباني الخرسانية. وتعرض منزلنا للقصف عدة مرات، ولكن لحسن الحظ لم يصب أحد بأذى.

    وفي المرات النادرة التي تتوقف الضربات فيها وتهدأ، كنا نشعر بالقلق. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ ذات

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1