Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

روائع عائض القرني
روائع عائض القرني
روائع عائض القرني
Ebook601 pages2 hours

روائع عائض القرني

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

القرني والمنهج لا يفتأ القرني وهو يجول بك بين الخمائل وبساتين الفوائد، أن يقعِّد ويؤصِّل لمنهج المؤمن في حياته، وطريقته في تعامُلاته سواء في فَنّ التعامل مع الخالق جل وعز، أو مع الخلق، أو مع النفس، أو مع الآخرين كل بحسبه.. ولم أجد أحسن مساساً بمعالجة النفوس من وقفاته وفوائده المنهجية الناجعة للقلوب المؤمنة؛ وهذه ميزة تميز قلمه.. فهو يحمل هَمَّ الناس، ويكتب بأحاسيسهم ومشاعرهم فيقع على جراحاتهم.. وقد وقفتُ على بعض المنهجيات سواء في الحياة عامة، أو في القراءة، أو في الكتابة، أو في التجارب اليومية.. فأفدتُ منها.. وإليك شيئاً منها.. العبيكان للنشر
Languageالعربية
PublisherObeikan
Release dateMay 20, 2024
ISBN9786035032681
روائع عائض القرني

Related to روائع عائض القرني

Related ebooks

Related categories

Reviews for روائع عائض القرني

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    روائع عائض القرني - محمد اليامي

    ((وما يدريك))

    ((عائض)) وما أدراكم من ((عائض)).

    روضٌ بالجَنى فائض..

    أبدع..، ونفع، وسطع، ولمع..

    ((عائض)) سهلٌ في العبارة..، لطيفٌ في الإشارة..

    ((عائض)) بحرٌ خضمّ، وسيلٌ جَرّار، وحدائق وأزهار..

    فاح عَرفهُ من عطره المصنوع في المدينة النبوية..

    وطاب حديثهُ، لأنه من تلاميذ الجامعة المحمدية في كلية الإيمان قسم السلفية ..

    بَزّ أقرانه، وسبق معاصريه..

    وعاش مع سلفه وسابقيه..فيا لله العجب!!

    وإن تعجب فعجبٌ قولهم: «طنطاويُّ عصره)) و فرید دهره.

    وهو كذلك حوى، فأوعى، وجَمَعَ فأوعب وصَنّفَ فأشجى وأطرب..

    كلامُه فيه إبداع..

    و شواهدهٔ فیها الروعه..

    ولا أعلم أحداً قَتَلَ حُسادهٔ مثله..

    فإن أعظم قتل للحاسد الجاحد هو لزوم المحامد، وترك المساند ..

    و کأنهُ عقوبةٌ لحاسدیه ..

    هو ((عائض)) ...

    فا ((العين)) علمٌ صاف، وفهمٌ شاف، وفقهٌ واف..

    سبق بعض أهل زمانه برتوه؛ ونهل طُلابه مِن إنائه والركوه..

    لوذعيُّ يكادُ من فـــــــــــرط علمٍ

    يقطر الشـــــهـــد والجَنيَّ المذابَا..

    و((الألف)): للأفكار إبداع، وللسامع إمتاع، وللنفع إسراع.

    روضهُ بالإبداع غنيّ ..

    روضهُ بالإبداع غنيّ ..

    وهمهُ إصلاحٌ عالمي

    لم یخنهُ ذهنه، ولم یترکهُ فهمه، ولم يتخل عنه ذوقه..

    دقيقُ الإجابة، واضح النجابة، حاضر الشواهد.. لاقطُ الشوارد..

    لا يحبُّ الجمود؛ لأن المنهل عذبٌ مورود..

    اللسانُ ((سحباني)).

    والدينُ ((يماني)).

    والمنهج ((عدناني)).

    و((الهمزة))أخذ العلم من معينه، وأحسن في توصيله، وأسعد العيون، وأسر القلوب، وأفحم الخصوم فأسفر عن علم عذب مورود..

    وعن خُلق عبدٍ حامدٍ محمود …

    ((والضاده)).. ضَربٌ بأبيات القصيد، وضبابٌ من المعاني الأخّاذة، وهو ضامن لما أتلف من القلوب بحب بيانه..

    هو لاعبٌ بارعٌ بالعواطف..

    یحرکها بالمواقف ...

    فتارةً أنت آمن ...

    وتارةً أنت خائف..

    يتبسطُ معك حتى تقبض على صدرك

    وتمسك نفسك ..

    ثم يعود يتهدج بأسلوبٍ رخيم فلا تملكُ دمعك..

    عصاه.. تضربُ الأوتار..

    يشجي المسامع، ويُطربُ السامع، ويسيل المدامع، ويحفظ الجوامع، ويبهي المرابع.. فلله دره، و در أبيه و جده ..

    شجرةٌ مباركة، وغرِاسٌ حُسنٌ، طلعها طلعٌ بهي، ونفعها نفعٌ جلي..

    فسبحان من أنبات ثمارها شتى وهي واحده ... و تسقی بماءٍ واحد وفنونها عديدة.. كلها مفيدة.. وتسقى بماء الإيمان والعقيدة..

    أصل الشجرة ((قرنية))، وأرضها ((محمدية))وثمرتها ((عالمية))، وماؤها ((سلفية)) والسحابة الهتانه..((حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين))..

    - عائضٌ.. إيه يا شيخُ عائض.

    - روضکم - شیخنا - علی الکون فائض ۔

    - وترمقه الأجفان في حلة الآدب.

    درّس، و تمرس..

    وألقى، وأشجى...

    وألّف، وصنف …

    ورمى في كل غنيمة بسهم، وحمل في كل حالٍ هَمّ..

    قلق، وبَكى، حَزِنَ، واهتمّ.. لحال أمته

    وذرفت عینهُ حين مَرّ ربيع العمر..

    لا لشيء .. إلا ليقدم لأمتهِ ما أمكنه..

    فأبدع :

    وخَطَّ برأسي الشيب خطة عاشقِ..

    يقول: احذروني أيها الثقلان..

    لکنهُ أشرق علی عالم..

    بشمس التفاؤل، فما تركت في قلبه بيت مدرٍ ولا وبر إلا ودخلت منه ..

    فانقلب الهَمُّ همّةً، وزال هَمّه..

    وقويت عزيمتهُ؛ وفَلَّ ساعده بالتوحيد صخور الوثنية في عالمٍ فَطَرهُ الله على الإيمان..

    وعلَّق فأسهُ في رأس كل حاسدٍ وجامد...

    ((علاقة))

    عرفُته داعيةً، أديباً ..

    - كان يدغدغ مشاعري، ويَهُزُّ خواطري .. بعلمه، وبحسن إلقائه، وبحسن استشهاده، وبدقة استنباطه..

    - تعلمت من (عائض) مشافهة بلا ترجمان، وتعلمت منه بمسموعاته، وتعلمتُ منه بالكتابة والمؤلفات..

    - وحُقَّ لي أن أقول:

    صحبتكمُ فازددتُ نوراً وبهجةَ

    ومن يصحب الطيب المعطر يعبقُ

    - إي والله…

    فحبي كمصباحِ وقلبي زجاجة

    وفي القلبِ مصباح يضيء زجاجتي

    - نقشتُ حبهُ في قلبي؛ لما علمتُ من علمه، و فهمه، و همه، ونفعه…

    نقشتُ على قلبي من الشِّقِ حبكم

    وفي شقةٍ أخرى نقشتُ إلى النعشِ

    وأستغفر الله

    ولكنني أُسَجِّلُ ما يجول بخاطري؛ فلا تعتب عليّ..

    تجرعني الليالي كأسَ هجرٍ

    ويوحشني الزمانُ من الصحابِ

    وكَفُّ الهجر تلطم ثغر حزني

    فتزدادُ الجراحُ على التصابي

    وقلبي ثابتٌ في حُبِّ خلي

    فلا أغلو بحبٍ أو أُحابي

    - رقيق الحاشية، لَيّنُ العبارة، لطيف الإشارة: شجاعٌ، مُطاع..

    ضرب بعصاه بحر الأدب فانفلق، فكان كُلٌّ فرق كالطود العظيم..

    ورکل الجمود، بقدم الصمود، والمنهج تحقيق أمر المعبود ..

    - قرنيٌّ.. أزديٌّ.. محمديٌّ ((حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين))..

    - رعى الغنم..، وصاغ الحكم، وألفَ ونظم فلله دره.

    - رابط الجأش .. لهُ صبرٌ عظيم في تعليم الناس؛ ولهُ صبرٌ أعظم في تزيين القرطاس..، بِدُرِّ الحكم وبديع الألماس..

    - حمل الحُبَّ والإيمان والطموح بيده في مشعل.. ليضيء للکون، وليثبت للدنيا كل الدنيا.. أن الإسلام هو الحَلّ..

    - عمد ((عائض))إلى جنان العلم فنهل منها رحيقها، وارتشف من عذاب المعاني ريقها.. ثم خلطها خلطةً سرية.. قرنية فظهرت.. تُعجب القراء يكاد سنا برقها يذهبُ بالأبصار..

    - إناء القرني ((سُني)) إسلاميٌّ.. أزدي..

    ماؤه من الوحي والعقيدة ..

    صفاؤه من منهج السلف..

    نَفعُهُ عَمَّ الخلف، بلا غلوٍ ولا سرف .

    - عزمٌ مَوّار، وسيلٌ جَرّار تدفق بالإيمانِ على الحدائق والأزهار، فعادت رياضاً ناضرة .. بالعلم زاخرة..

    - سدرة القرني طلعها بهيّ، ونبعها عذي.. وعودها قوي، راسية في أرض العقيدة السليمة..؛ وشامخة في سماء الكون.. ولا نزكي على الله أحداً..

    - تميز القرني عن غيره بالذوق الرفيع، فهو ممن يسبك الكلمة في مصانعه الخاصة فتخرج بيضاء نقية..

    - يختار إلا البارع مرن الشواهد، ولا یستشهد بها إلا في أحسن المواضع وأليقها..

    - وتميز – أيضاً – في الطرح الجديد.. فقد حطم تقاليد الخطباء بعصى الإبداع؛ وقام في سوق ((الكلمة)) بعباءة النصح ينادي :

    هذا هو العلم لا طينٌ ولا حجرُ

    ولا خُيولٌ ولا عيسٌ ولا بقرُ

    هو النجاة هو الرضوان فاحظَ بهِ

    وما سوى العلم لا عينٌ ولا أثرُ

    - هو عجیب في استطراداته، فهو يفتح باباً ثم یترکه ویدخل باباً آخر، فيوقفك على أكثر من مرادك، وتستملح استطراده..

    وقد يطول به المقام في الاستطراد، فتكون المفاجأة بعد مقام طويلٍ من الحديث يعود بعد ذلك لأصل المسألة، ولسان حاله يقول:

    عُدّ، فإن العود أحمد ..

    - وهذا يقودنا إلى موسوعيته

    فما أعلم أحداً يُزاهيه في تبحره..

    فمحفوظاته بالآلاف من الآيات والأحاديث والآثار والأشعار..

    هو البحر من أيّ النواحي أتيـــــتـــــهُ

    فدرتهُ المعــروف والجـــود ســــاحـله..

    - هو الضابط لما حفظ..

    حاضر البديهة، سريع التدفق بمــا يحضره في موضوعه، وهو يتكلم في الأمر بلا تحضير ولا إعداد، فيأتي بما لم يأت به من أعدّ واستعد..

    ويبحر بك في نهر العلم فلا يكاد يرسو له زورق..

    وهو مع هذا ملمٌ بكثيرٍ من أطروحات زمانه، مطالع للقضايا المعاصرة بعين الشرع المحمدي وهذا دأب المتميزين..

    - لهُ النظم الرائع والرجز البارع، وهو مع هذا خفيف ظل، ورقيق الحاشية، لا يكاد يجرح أحداً..

    - له وللحب صولة، وبينهُ وبين المحبين جولة..

    الحبُّ عنده: ماء الحياة وغذاء الروح، وقوت النفوس..

    وله فيه نظره: فهو يقسمه إلى: ((حب أرضي طيني سفلي)) ويعرفه بأنه هو: ((هيام وغرام)).

    و((حب علوي سماوي إلهي)) ويعرفهُ بأنه هو: ((طاعة وعبادة وشهادة وسيادة)).

    ((وهو حب الإله والتعلق بشرعه والانقياد لأمره، والامتثال لدينه، والتقرب منه))(١).

    الحبُ للرحمن جَلَّ جلالهُ، فهو مستحق الحب والأشواق.

    - يسمى ((الحب)) الكلمة العامرة..

    ويصف ((الحب)) بعالم المودة والصلة والأنس والرضي

    ويتخيل عند سماعة لكلمة ((حب)): سفراً بالذكريات..

    وصوراً ومشاهدات لا تمحى من ذاكرة الزمان.

    ويتصور بكلمة ((حب)): السماء وشمسها اللقاء، ونجومها الذكريات، وسحبها الدموع..

    كلّ يُصرح ويقول:[((حب)) إشراقة في عالم الملكوت وإطلالة من ديوان الخلود، ووقفةٌ في بساط العظمة](٢).

    - عجبت له ولحديثه عن الحب، وإنما أردت- أيها القارئ الكريم- أن أوقفك على شئ من إبداع هذا المتميز.. فهو يتكلم عن موضوعٍ عاطفي، غرامي، بعيد عن عالم العلم الشرعي، والحواشي والمتون، ومع هذا فهو يتهدر كالسيل، بل كأنهُ مجنون ليلى، أو صاحبُ لُبنى، أو حبيبُ عزة..

    وكأن الحبَّ شفَّهُ، وأضنى حاله، فجاد بيانُه وعَذُبَ لسانهُ.. فلله درُّه..

    - مات ((الطنطاويُّ)) – رحمه الله – وفقدنا بفقده عَلَماً موسوعياً، حوى علماً وأدباً، وإني لأحسبُ عزاءنا في ((القرني)) شيخ الأدباء، وأديبُ المشايخ..

    وليس في هذا الأمر عجب، فبينهُ والطنطاويُّ وشائج منها:

    أ- أنهما ((رحم)) فالعلم رحمٌ بين أهله..

    ب- الجمع بين العلم الشرعي الأصيل، وبين صناعة الأدب الجميل..

    ج- الاستطراد، والتدفق العجيب مما ينبئ عن معلوماتٍ ثرّة، وعن حقول بالعلم مثمرة.. وجودة ذهن، ونباهةٌ وفطن..

    د- الطنطاويُّ هام بدمشق بعد خروجه منها، والقرنيُّ هام بالجنوب كذلك.

    ه- إفادة الطنطاوي – رحمه الله – من جميل الحكمة وبديع الفكرة، ولو كان في الأدب الغربي، ونجد هذا في القرني، فلا تكاد تخلو فقرةٌ في كتبه إلا وفيها شاهدٌ أو حكمةٌ أو فكرة أفادها.. ومن ذلك: كتابهُ البديع ((تحزن))، ومن ذلك: ترديد الأمثال، والأبيات المترجمة، والمقولات المشهورة الحكيمة النافعة.

    ((والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى بها)).

    و- والبراعة في الأسلوب، وصدق العاطفة فكأن أحدهما يكتبُ بشريانٍ من شرايين قلبه، ومداده الدمُ القاني.. فالعاطفة صادقة والأسلوب مؤثر.

    ز- العفوية خصلة مشتركة.. العفوية في الكلام، والعفوية في الكتابة، والعفوية في التعامل، فهم لا يحبون أصحاب ((الأتيكيات))..

    ح- صيتهما ذائع، والحبون المبجلون المقدرون كثير.. جِدٌّ كثير.. لا أعدمهما الله المثوبة والأجر.

    ط- يحملون هَمَّ الشارع الإسلامي، فالأديب لهُ من كلامهما نصيب، والناقد، والعاميُّ والغنيُّ والفقير، والحقير والأمير.. فسبحان من سلط بعض خلقه على مفاتيح القلوب..

    ي- استغلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في نشر الخير، من مذياعٍ، ورائي، وصحفٍ ومجلات، ودوريات..؛ والحرص في تبليغ الخير للغير واهتبال الفرص المساعدة على نشر الخير.

    مع روح الدعابة والمرح لا يكاد يخلو منها حديث...

    ووجود عنصر التشويق في الخطاب، والإلقاء..

    تلك عشرةٌ كامله...

    ____________________________

    (١) ضحايا الحب: ص ١٢ بتصرف.

    (٢) ضحايا الحب ص ١٦ بتصرف.

    ((مدرسة القرني))

    أعترف أني قد تعلمت منه الكثير.. بالمباشرة والسماع والقراءة، وجعلت أعيدُ ما طالعتهُ في كتبه فارى السحر الحلال يكاد يذوب منه، ويحلق بي بين العلم والعمل والإنسانية والعاطفة والعالمية؛ لأنه موسوعيّ، وقد نفعني ذلك كثيراً..

    ومما تعلمتُ في مدرسته:

    ١- الإحياء الصادق للإيمان في القلوب، وتحريك العواطف الإيمانية في النفوس؛ فهو بارعٌ مبدعٌ في ذلك، وإن شئت فطالع كتبه تذق اللُباب، وتر العجب العجاب..

    واسمع لهُ في مقطوعة نثرية رائعة يقول: .. من الذي ما اساءَ قطّ؟...

    ومن لهُ الحثسنى فقط؟ ومن هو الذي ما سقط؟ وأين هو الذي ما غلط؟.. يا كثير الأخطاء، أنسيتَ: ((كل ابن آدم خطّاء)).

    كم يقتلك القنوط كم؟ وأنت تسمع: ((والذي نفسي بيدهِ لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم)).

    أطرق البــــــــــــاب تجــــــدنا عنــدهُ

    بســــــــخـــــاءٍ وبــبـــــــذلٍ وكـــــــــــــرَمْ

    لا تقل قد أغلق البــــــــــــــابُ ولا

    تحــمـــــل الــيــــــأس فَتلـــــــْقىَ في ندمُ

    إذا اذنبت فتب وتندم فقد سبقك بالذنب أبوك آدم ومن يشابه أباه فما ظلم، وتلك شنشنةٌ نعرفها من أخزم، فلا تقلد أباك في الذنب وتترك المتاب، فإن أباك لّما أذنب أناب بنص الكتاب..

    أصبحت وجوه التائبين مُسفرة لّما سمعوا نداء: ((لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة)).

    اطرح نفسك على عتبة الباب، ومُدّ يدك وقل يا وهّاب، أرغم أنفكَ في الطين وناد: رحمتك أرجو يارب العالمين))(١).

    وليس هذا الإبداعُ عجباً، إنما العجب.. أنت تجد الآية، والحديث، والبيت العذب من الشعر، والمثل العربي المشهور، والمثل الأجنبي النافع، والتوجيه الحسن لذلك، فلله درُّه..

    ٢ ـ التأثير البارز بشخصيات إسلامية لها شأنها في تأريخها ..

    فهو يعيش مع هذه الشخصيات من خلال قواسم مشتركة، أعظمها وحدة المعين، ويليه سلامة المنهج، ثم التقديم لله والبذل والتضحية..

    وكم سمعتُ منه ـ والشهادة لله ـ أنهُ يسألُ الله أن ترتفع كلمة الحق ولو على جمجمته، ولو بسكب دمه، وليس هذا بعد ـ توفيق الله ـ إلا بالتأثير البارز بالشخصيات الإسلامية الصادقة الطاهرة في حياته..

    وهذه الشخصيات تمثل في حياة القرني..

    القدوات.. التي يحتذي تأريخها، ويسير على منهجها، وهذه الشخصيات حقيقه على ارض الواقع، ولست محض خيال..

    ولذلك كان التأثير في حياته بها- ولا نزكي على لله أحداً- واضحاً، والناظر فيما كتب القرني يجد ان كتب الشيخ تفيض بالأثر البالغ بهذه الشخصيات، ولستُ مبالغاً إن قلتُ: إنك لا تكاد تجد صفحة أو موضوعاً إلا وفيه عبقٌ من سيرتهم، وشممٌ من عرار ذكراهم الخالدة..

    والعجيب أن قلمهُ يدلجُ إن ذكرهم فلا يكاد يقف، ولسانهُ يلهج كأنه بعير في ميدان سباق لا يردهُ راد، ولا يصدهُ صاد..

    وخذ مقطوعةً نثرية من تُحفه، وتأمل معي:

    ((من قرأ التاريخ هيّجه على البكاء، والاتّساء، والاقتداء. كم في التاريخ من زفرة وحسرة وعَثرة؟ لقد كان في قصصهم عِبرَة))(٢).

    ثم ينطلق بك، ويحلقُ على ارتفاع القيم، وسمو الهمم، فيقول عن قدواته)) قدَّم المهاجرون أربعة خلفاء، فقدم الأنصار أربعة قرّاء، أهدَت قريش مصعب بن عمير، فأهدى الأنصار ابن الحمام عمير.

    تأخّر أنس بن النضر عن بدر، فجمع بين الغزوتين في جَمْعٍ وقَصْر، فقتل في أُحُد بعد الظهر.

    لـمّا عَذَرَ الله عثمان يوم بيعة الرضوان، عَلِمَ الله صدقه فسَعَت إليه الشهادة إلى الديوان.

    أبو بكر صدِّيق، والمخطوطة لا تحتاج إلى تحقيق، والرجل غنيّ عن التوثيق، فلم يقتل لأنه أخد حكم الرفيق.

    والسلام على الشهداء، فهم عند ربهم سعداء(٣).

    ومن علامات الحب كثرة ذكر المحبوب، و«عائض)) كثير الذكر لهذا الجيل العريق؛ جيل المثل، والكرمات، والشهادات.. في الكتابات، والمقالات، والأشعار، والكلمات..

    ولهذا فهو ينسى من نفسه، ويغفل عن قلمه، فلا يقف به القلم إلا على سير هؤلاء القمم.. وطالع ما خطَّ قلمه بعين قلبك، قبل عينك، وانظر إليه بعين بصيرتك قبل عين بصرك.. ((بكى عمر بن عبدالعزيز ثم قال: اللهم إنك قلتَ: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وأنا شيء فلتسعني رحمتك))(٤) ثم تأمل كلامه في شيخه إذ يقول: ((الأمعية هبه يهبها الله من يشاء، وابن تيمية له القدح الـمُعلّى في هذا الباب، فإذا كانت الأمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن؛ فإن ابن تيمية الأول في هذا الباب عند أهل العلم؛ فقد كان يفهم المسألة بقوةٍ وجدارة، وكان يعي ما يقرأ، وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطاً عجيباً؛ وكان إذا حاور يفهم كلام محاوره، ويرد عليه في سرعةالبرق، وكان إذا كتب يسبق خاطرهُ قلمه))(٥).

    ثم يعرفهُ فيقول: ((والرجل كالقمر الوهّاج، والبحر الثجاج، سديد المنهاج، قويِّ الاحتجاج، وهو صاحب قيامٍ وتهجد، وأذكار وتعبد، ويُلازم المسجد، ويحبُّ احياناً العزلة والتوحد، لا يفاخر، ولا تعجبهُ المظاهر، ولا يكابر، ولا يكاثر.. إلى ان يقول...: وكأن هذا الإمام للدنيا عبن إنسانها، وهدية إحسانها، ضَنَّت بمثله الأعصار، وطَنَّت بذكره الأمطار، نحوُ سيبويه من شفتيه ينساب، ولغة الخليل في فمه تُذاب، كأن الـمُزني قطرةٌ من مُزنه، والكسائي درهمٌ في ردنه))(٦).

    ولو أخذت في التمثيل لطال المقام، والقلادةُ تفي بالغرض.. وأدعك أخيراً- أيها القارئ الكريم- مع القرني، وهو يفيض بالبديع من القول في سيرة الرسول ﷺ: ((مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات، وتسابقت المشاهد والمقالات؛ صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه، وبارك الله على ذاك الأسوة ما اكملهُ وأعلاه، عَلّمَ الأمهَ الصدقَ، وكانت في صحراء الكذب هائمة، وأرشدها إلى الحق، كانت في ظلمات الباطل عائمة، وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة))(٧).

    ثم يلمعُ بأسلوب رصين فيقول: ((للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين، أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من الانحراف، ومحفوفٌ بالعناية ولألطاف))(٨).

    ٣ ـ أخذ الفائدة ولو كانت في «حُش)) إذ إنها دُرة ٌحسنة، المياهُ المحيطةً آسنة، وفي السنة ((الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أولى بها)).

    فلا يكاد يخلو كتابٌ من كتبه من شواهدَ، وشوارد بلاغية، وحكم نافعة، إما أجنبية، وإما عربية.. والحكمة ضالة المؤمن..

    وانظر لكتابه الماتع...«لا تحزن))، وتأملهُ حق التأمل تجد ما قلتُ لك واضحاً جلياً، وطالع شواهدهُ الشعرية تجد الحال أبلغ من المقال؛ فهو أسيرٌ في هوى الكلمة الرائعة، والعبارة البارعة، ولذلك، لو كان المتنبئ حياً لقلنا إنهُ عملَ لهُ عملاً، ولكن سحر البيان؛ وبلاغة سحبان، جعلت من شيخنا أسيراً مكبولاً أمام الإبداعات، وبالرغم من هذا إلا أنهُ يُسيّر الكلمة تيسييراً شرعياً، ويُعملها إعمالاً إسلامياً، وكأنهُ في مشروع ((أسلمة)).. لروائع المتنبي، وبدائع الشعراء، والأدباء، وأهل الحكمة الفطماء..

    وبالرغم من هذا إلا انه حذرٌ كالذئب، ينام بإحدى مقلتي البلاغة، ليفتح عين الإيمان على

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1