Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تدبّر سور القرآن
تدبّر سور القرآن
تدبّر سور القرآن
Ebook944 pages5 hours

تدبّر سور القرآن

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هدف الكتاب هو فَهم وتدبُّر كلام الله تعالى كاملًا كما أنزله في كتابه القرآن الكريم، بحيث يصير القرآن كلُّه كالسورة الواحدة والموضوع الواحد، يشدُّ إليه انتباه القارئ بأسلوب محفِّز ومشوِّق لتدبُّر معاني القرآن، برسالة واحدة متناسقة ومتكاملة، وفي خطِّ سير واحد، باتِّجاه مقصد واحد، وهو الهدى إلى طريق محبَّة الله، بقصد الاتِّباع والتطبيق الصحيح كما يحبُّ ويَرضى ربُّنا سبحانه، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ]ص: 29[ ولتحقيق هذا الهدف تمَّ دراسة كلِّ ما يلزم مِن الكتب والمؤلَّفات، ثم تدبُّر كلِّ سورة على حدة لفهم أسرارها، ولتأخذ حقَّها منفصلة كأنَّه لَم ينزل مِن القرآن غيرها، فتمَّ إحصاء كلماتها وآياتها، وتحديد مقصدها وموضوعاتها، وإظهار تناسقها مع اسمها ومقصدها والأسماء والكلمات والقصص والآيات والأمثال، وتتبُّع سياقها مِن وجهات مختلفة، وإظهار معانيها مِن التفاسير وكتب الدراسات القرآنيّة، ثمَّ الإشارة إلى تناسبها في سياقها مع السُّور قبلها وبعدها وجميع سور القرآن.  وأخيرًا إخراج هذا العمل والتدبُّر للقارئ الكريم في هذا الكتاب.
Languageالعربية
Release dateMay 31, 2024
ISBN9789948753599
تدبّر سور القرآن
Author

عدلي عامر محمد الخطيب

أحبَّ المؤلِّف كلامَ الله (القرآن) منذ طفولته، وظلَّ يتمنَّى ويبحث عن مصدر علم يملأ له وجدانه بالقرآن كالسُّورة أو الكلمة الواحدة، فلَم يجد حتَّى حقَّق بنفسه هذه الأمنيَّة بعد أكثر مِن خمس وثلاثين سنة مِن العمل ملخَّصة في هذا الكتاب.  المؤلِّف لَم يدرس علوم الدين، فهو حاسب كمِّيات قانوني، عمل سبعًا وثلاثين سنة في شركات المقاولات، لكنَّ شغفه بالقرآن جعله يدرس بالتَّوازي مع عمله وواجباته الأسريَّة كلَّ ما هو موجود في المكتبات عن علوم القرآن والتفاسير المشهورة، وغيرها مِن بعض كتب الفقه، والتاريخ، والسيرة، والفلك، والطبيعة، والإنسان، والمجلات، والمقالات، ويستخلص منها المفيد في تأليف وإخراج هذا الكتاب للقُرَّاء بأبسط وأبدع ما يكون.

Related to تدبّر سور القرآن

Related ebooks

Related categories

Reviews for تدبّر سور القرآن

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تدبّر سور القرآن - عدلي عامر محمد الخطيب

    تدبّر سور القرآن

    عدلي عامر محمد الخطيب

    Austin Macauley Publishers

    تدبّر سور القرآن

    عدلي عامر محمد الخطيب

    الإهداء

    حقوق النشر©

    شكروتقدير

    1- تمهيد (الهدف وخطة وقواعد العمل)

    2- مقدِّمة

    3- المخاطبون بالكتاب

    1- سورة الفاتحة

    2- سورة البقرة

    3- سورة آل عمران

    4- سورة النساء

    5- سورة المائدة

    6- سورة الأنعام

    7- سورة الأعراف

    8- سورة الأنفال

    9- سورة التوبة

    10- سورة يونس

    11- سورة هود

    12- سورة يوسف

    13- سورة الرعد

    14- سورة إبراهيم

    15- سورة الحجر

    16- سورة النحل

    17- سورة الإسراء

    18- سورة الكهف

    19- سورة مريم

    20- سورة طه

    21- سورة الأنبياء

    22- سورة الحج

    23- سورة المؤمنون

    24- سورة النور

    25- سورة الفرقان

    26- سورة الشعراء

    27- سورة النمل

    28- سورة القصص

    29- سورة العنكبوت

    30- سورة الروم

    31- سورة لقمان

    32- سورة السجدة

    33- سورة الأحزاب

    34- سورة سبأ

    35- سورة فاطر

    36- سورة يس

    37- سورة الصافات

    38- سورة ص

    39- سورة الزمر

    40- سورة غافر

    41- سورة فصلت

    42- سورة الشورى

    43- سورة الزخرف

    44- سورة الدخان

    45- سورة الجاثية

    46- سورة الأحقاف

    47- سورة محمَّد

    48- سورة الفتح

    49- سورة الحجرات

    50- سورة ق

    51- سورة الذاريات

    52- سورة الطور

    53- سورة النجم

    54- سورة القمر

    55- سورة الرحمن

    56- سورة الواقعة

    57- سورة الحديد

    58- سورة المجادلة

    59- سورة الحشر

    60- سورة الممتحنة

    61- سورة الصف

    62- سورة الجمعة

    63- سورة المنافقون

    64- سورة التغابن

    65- سورة الطلاق

    66- سورة التحريم

    67- سورة الملك

    68- سورة القلم

    69- سورة الحاقَّة

    70- سورة المعارج

    71- سورة نوح

    72- سورة الجن

    73- سورة المزَّمِّل

    74- سورة المدَّثِّر

    75- سورة القيامة

    76- سورة الإنسان

    77- سورة المرسلات

    78- سورة النبأ

    79- سورة النازعات

    80- سورة عبس

    81- سورة التكوير

    82- سورة الانفطار

    83- سورة المطفِّفين

    84- سورة الانشقاق

    85- سورة البروج

    86- سورة الطارق

    87- سورة الأعلى

    88- سورة الغاشية

    89- سورة الفجر

    90- سورة البلد

    91- سورة الشمس

    92- سورة الليل

    93- سورة الضحى

    94- سورة الشرح

    95- سورة التين

    96- سورة العلق

    97- سورة القدر

    98- سورة البيِّنة

    99- سورة الزَّلزلة

    100- سورة العاديات

    101- سورة القارعة

    102- سورة التكاثر

    103- سورة العصر

    104- سورة الهمزة

    105- سورة الفيل

    106- سورة قريش

    107- سورة الماعون

    108- سورة الكوثر

    109- سورة الكافرون

    110- سورة النصر

    111- سورة المسد

    112- سورة الإخلاص

    113- سورة الفلق

    114- سورة الناس

    الملحق الأول

    العقل والقلب والجسد في الإنسان:

    الملحق الثاني

    الملحق الثالث

    ما هو الدِّين الإسلامي؟

    الملحق الرابع

    الابتلاء والمصيبة في القرآن:

    الملحق الخامس

    تدبّر سياق القرآن ومقاصده، ومقاصد سوره مجتمعة:

    الملحق السادس

    الله الرحمن الرحيم:

    الملحق السابع

    الدعاء في الإسلام:

    الملحق الثامن

    الإنسان:

    الملحق التاسع

    الشيطان:

    المصادر والمراجع

    القرآن الكريم:

    عدلي عامر محمد الخطيب

    أحبَّ المؤلِّف كلامَ الله (القرآن) منذ طفولته، وظلَّ يتمنَّى ويبحث عن مصدر علم يملأ له وجدانه بالقرآن كالسُّورة أو الكلمة الواحدة، فلَم يجِد حتَّى حقَّق بنفسه هذه الأمنيَّة بعد أكثر مِن خمس وثلاثين سنة مِن العمل ملخَّصة في هذا الكتاب.

    المؤلِّف لَم يدرس علوم الدين، فهو حاسب كمِّيات قانوني، عمل سبعًا وثلاثين سنة في شركات المقاولات، لكنَّ شغفه بالقرآن جعله يدرس بالتَّوازي مع عمله وواجباته الأسريَّة كلَّ ما هو موجود في المكتبات عن علوم القرآن والتفاسير المشهورة، وغيرها مِن بعض كتب الفقه، والتاريخ، والسيرة، والفلك، والطبيعة، والإنسان، والمجلات، والمقالات، ويستخلص منها المفيد في تأليف وإخراج هذا الكتاب للقُرَّاء بأبسط وأبدع ما يكون.

    الإهداء

    إلى محبِّي الحقِّ وهو الله؛

    الباحثين عن الهُدى وهو القرآن، المتَّبِعين الدِّين الصَّحيح وهو الإسلام.

    وإلى أسرتي الكريمة؛

    زوجتي سميرة، وأبنائي أحمد وخالد ومحمد، وبناتي سارة وزينه وفرح!

    الذين صبروا ودعَموا إنجاز هذا العمل.

    وإلى كلِّ مَن قرأ أو سمع أو أحبَّ كلام الله القرآن!

    أهدي إليكم هذا الجُهد الفريد في تدبُّر سوَر القرآن، والفهم السَّهل لكلام الله العظيم وهَديه وآياته.

    حقوق النشر©

    عدلي عامر محمد الخطيب2024

    يمتلك عدلي عامر محمد الخطيب الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948753582 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948753599 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-0039735

    التصنيف العمري:E

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب.

    اسم المطبعة:iPrint Global Ltd

    عنوان المطبعة:Witchford, England

    الطبعة الأولى 2024

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    شكر وتقدير

    قال تعالى:﴿وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾

    [لقمان: 12]

    أتوجَّه بالحمد والشكر لله عزَّ وجلَّ بدايةً الذي بمَنِّه وكرمه هدَى ووفَّق ويسَّر وألهَم وأعان على إتمام هذا العمل مِن غير سابق فضل تقدّم منِّي، ولا حول ولا قوَّة.

    كما أتوجَّه بالشكر والتقدير إلى والدي ووالدتي وجدَّتي رحمهم الله الذين كانوا مصدر إلهام في العطاء وإتمام هذا العمل، وإلى كلِّ الأهل والأقارب والجيران والأصحاب الذين كانوا قدوةَ خيرٍ لي في مسيرة حياتي.

    وأخصُّ بالشكر والتقدير ابنتي العزيزة سارة الَّتي كانت تقرأ وتراجع وتصحِّح كلَّ كلمة في هذا الكتاب، بالإضافة إلى عائلتي الكريمة، زوجتي وبناتي وأبنائي وأُسَرهم الذين أفتخر بهم جميعًا، وأدعو لهم بدوام التقدُّم والتوفيق.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    1- تمهيد

    (الهدف وخطة وقواعد العمل)

    1- هدف الكتاب: هو فهم وتدبُّر كلام الله تعالى كاملًا كما أنزله في كتابه القرآن الكريم، بحيث يصير القرآن كلُّه كالسورة الواحدة والموضوع الواحد، يشدُّ إليه انتباه القارئ بأسلوب محفِّز ومشوِّق لتدبُّر معاني القرآن، برسالة واحدة متناسقة ومتكاملة، وفي خطِّ سير واحد، باتِّجاه مقصد واحد، وهو الهدى إلى طريق محبَّة الله بقصد الاتباع والتطبيق الصحيح كما يحب ويرضى ربنا سبحانه، قال تعالى:

    ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾

    [ص: 29]

    2- تعريف بالكتاب: هذا الكتاب هو مختصَر عن كتاب أوسع استغرَق العمل فيه أكثر مِن خمس وثلاثين سنة (مِن سنة 1983 إلى سنة 2018 ميلادي)، وقد تمَّ حينها تسجيل حقوق المصنّف برقم (2018-222) في وزارة الاقتصاد في أبوظبي بتاريخ الثامن عشر من إبريل عام 2018، وإيداع نسخة برقم (3568/7/2018) في دائرة المكتبة الوطنيَّة في عمَّان بتاريخ الثاني والعشرين من يوليو عام 2018، ثمَّ تمَّ تطوير الكتاب على شكل مدوَّنة سمَّيتُها تسهيل فهم وتدبُّر القرآن، ووضعتُها بتاريخ الثالث عشر مِن سبتمبر عام 2019 على شبكة المعلومات بالاسم taftaq.com، ثمَّ تمَّ الانتهاء مِن هذا المختصَر بتاريخ الثلاثين من يونيو عام 2022 ميلادي، وإيداع نسخة برقم (3463/7/2022) في دائرة المكتبة الوطنية في عمَّان بتاريخ الرابع عشر مِن يوليو عام 2022، وهذه أوَّل نسخة مطبوعة تمَّ إنجازها ونشرها، والحمد لله.

    اسم المؤلف: عدلي عامر محمد الخطيب.

    3- محتويات الكتاب: ويتضمَّن تدبُّرًا لكلِّ سورة مِن سور القرآن المائة وأربعة عشرة (114) مِن الفاتحة إلى الناس على انفراد، ثمَّ إظهار تناسبها فيما بينها وفي القرآن كلِّه كالسورة الواحدة والموضوع الواحد، وفي نهايته تمَّت إضافة بعض الملحقات الضرورية جدًّا لتسهيل فَهم رسالة القرآن متكاملة كالعنوان الواحد والموضوع الواحد، والملحقات هي التالية:

    1- العقل والقلب والجسد في القرآن مع رسم توضيحي.

    2- جدول يلخِّص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمِعة، هي: العقل والقلب والجسد، وأنَّ النَّاس فريقان شقيٌّ وسعيدٌ.

    3- شرح عن الدين الإسلامي بأجزائه الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان، مع رسم توضيحي.

    4- الفرق بين الابتلاء والفتنة والمصيبة، مع رسم توضيحي.

    5- الإشارة إلى أنَّ القرآن يتكوَّن من ثماني مجموعات مِن السُّوَر: تبدأ ببيان طريق الهدى، يليه إظهار نِعَم الله التي لا تُحصَى، ونعمة اتِّباع طريق الهدى بأسلوبَين: نظري ثمَّ تجريبي، مع جدول يلخِّص ذلك.

    6- الله الرحمن الرحيم.

    7- الدعاء في الإسلام.

    8- الإنسان.

    9- الشيطان.

    ** المصادر والمراجع: في الصفحة الأخيرة.

    4- جديد الكتاب: منِ الأشياء والأبواب الجديدة التي سيضيفها – إن شاء الله – هذا الكتاب إلى علم فَهم وتدبُّر القرآن ما يلي:

    1- تسهيل فَهم وتدبُّر القرآن كاملًا، وكلّ سورة على انفراد، بالقصَّة والتجربة والمثال.

    2- بيان رسالة القرآن كاملة، وإظهار تناسُبها وترابطها في القرآن كلّه، كالسورة الواحدة، والموضوع الواحد.

    3- تحديد المقصد لكلِّ سورة، بالدليل مِن السورة نفسها، وإظهار تناسبه مع محتوياتها، ومع مقصد القرآن ككلٍّ (انظر الملحَق رقم 5).

    4- تحديد موضوعات كلِّ سورة على انفراد، مع بيان مكان هذه الموضوعات في الآيات.

    5- إظهار تناسُب ذِكر الأسماء الحسنى والصفات (وكذلك تكرار بعض الكلمات والآيات) مع موضوعات السورة وفي القرآن كاملًا.

    6- الإشارة إلى أنَّ القرآن يتكوَّن مِن ثماني مجموعات مِن السور، تبدأ ببيان طريق الهدى، يليه إظهار نعمة اتِّباع طريق الهدى، بأسلوبين: نظري ثمَّ تجريبي، ثمَّ عمل جدول يلخِّص ذلك (انظر الملحق رقم 5).

    7- تناظر وتشابه نصفَي القرآن حول نفس الموضوعات، مع تحديد السور المتناظرة في الجدول المذكور (انظر الملحق رقم 5).

    8- سياق القرآن وسياق السُّوَر يبدأ بالإسلام ثم الإيمان ثمَّ الإحسان، وأنَّ الطريق الواصل بينها هو التقوى (انظر الملحق رقم 3).

    9- بيان أنَّ القرآن خاطَب الإنسان بكلِّ مكوِّناته، عقله وقلبه وجسده، وعمل جدول يلخِّص كلَّ ذلك (انظر الملاحق رقم 1، 2، 8).

    10- إظهار أنَّ التشابه والتكرار (في الكلمات والأسماء والقصص والأمثال والآيات والسُّوُر) هو مِن الآيات المقصودة في القرآن، بغرض إبراز المعاني لمكوِّنات الإنسان الثلاثة (مجتمِعة ومتفرِّقة)، ولغرض خطاب جميع أفهام واهتمام وأماكن التأثُّر المختلفة في الإنسان.

    11- سعادة الإنسان لا تتمُّ إلا بعمل العقل والقلب والجسد مجتمِعة (انظر الملحق رقم 1 و2).

    12- الإنسان مخيَّر، وأن الله جعل الدنيا ليقيم عليه الحجَّة بكشف نيَّته بعمله وباختياره، وأنَّ الإنسان (في كل أحواله) هو ما يريده لنفسه (انظر الملحق رقم 4 و8).

    13- إظهار أنَّ مقصد خلق الإنسان هو السعادة بمعرفة الله، ثمَّ محبَّة الله وطاعته، ثمَّ الخلود في النعيم بالدليل مِن القرآن والحديث الصحيح (انظر الملاحق رقم 1، 2، 3).

    14- التدريب على الترقي في سُلَّم الإيمان وعلى نقيضه بالهبوط في الظلمات، بالتجربة والممارسة (انظر الملحق رقم 3).

    15- إظهار أعداء الإنسان، وأسباب كفره، وأسباب إعراضه عن الحق (انظر الملحق رقم 8 و9).

    16- الدين هو السبب في جمع الناس ونهوضهم بالعلم وبناء الحضارات، وأنَّ تاريخ الإنسان بعيدًا عن الدين كلِّه إفساد وكفر وتكذيب.

    17- تفصيل عن بعض الموضوعات الضروريَّة والملحَّة في حياة الناس، وتسهيل وتبسيط فهمها بآيات مِن القرآن الكريم والحديث الصحيح: كعوامل سلامة ودوام المجتمع، وهي: الإنفاق، والقتال، وحفظ الحقوق بالتقوى، ترابط الأسباب الماديَّة والمعنويَّة، المجتمع الإسلامي والأسرة والتعارف بين الناس، الفرق بين الابتلاء والفتنة والمصيبة، والمشيئة والنيَّة في العمل، تعريف الدِّين الإسلامي، الفرق بين الحب والعبادة، رحمة الله الرحمن الرحيم، الدعاء، منافع التوبة ومساوئ الذنوب، النعمة، الهدى، التقوى، الاستعاذة بالله والتوكُّل عليه، التعلُّم بالتجربة، حمل الأمانة، الجبر والاختيار، الإنسان مِن طبعه الفساد، وغيرها.

    أدعو الله أن يجعل مِن هذه الأشياء الجديدة طرقًا وأبوابًا إلى الكشف عن المزيد مِن كنوز القرآن الذي لا تنقضي عجائبه، وحافزًا للمسلمين للإقبال على كلام الله المبارَك، ذي العطاء الذي لا نهاية لعطائه.. آمين.

    5- خطَّة وقواعد العمل:

    هذا الكتاب اعتمد في الوصول إلى نتائجه على ما يلي:

    1- اعتماد القرآن الكريم كمصدر أوَّل وأساسي في البحث، وفهم تفسير آياته مِن الحديث الصحيح وأقوال الصحابة، وبما يتوافق مع كتب التفسير الشهيرة والمنتشرة بين المسلمين قديمها وحديثها (مِن غير تحديد).

    2- دراسة محتويات كلِّ سورة وكأنَّها نزلَت وحدها.

    3- إحصاء كلمات السورة، وأسماء الله الحسنى، والقصص، والأمثال، والآيات، والإشارة إلى تناسبها بعضها مع بعض، ومع موضوعات السورة.

    4- تحديد المقصد لكلِّ سورة، وبيان مكانه في السورة، وإظهار تناسبه مع محتوياتها، ومع مقاصد القرآن ككلٍّ.

    5- دراسة تناسب اسم السورة مع محتوياتها.

    6- أخذ العِبَر مِن آثار تعاليم القرآن على حياة المسلمين، أفراد، وأُسَر، وجماعات.

    7- أخْذ العِبَر مِن أسباب هلاك الأمم السابقة أفرادًا وجماعات.

    8- أخْذ العِبَر مِن آثار تعاليم القرآن على تاريخ المسلمين وحضارتهم.

    9- مطابقة فَهم القرآن مع خبرة المؤلِّف الشخصيّة، وتجربته في تطبيق تعاليم القرآن، ونتائجها على نفسه وعلى غيره.

    10- دراسة مكوِّنات الإنسان الثلاثة الرئيسة: (العقل، والقلب، والجسد)؛ وتأثُّرها وتفاعُلها مع البيئة المحيطة: (الأعداء كالشيطان، والأولياء كالملائكة، والمخلوقات المُسخَّرة) عبر كلِّ مراحل وجوده: (ماضيه، وحاضره، ومستقبله)، مِن خلال آيات القرآن الكريم والحديث الصحيح.

    11- تدبُّر وتأمُّل عوامل وأسباب تأثُّر غير المسلمين – مِن اليهود والنصارى والملاحدة وعبدة الأوثان – بالقرآن، ثمَّ اقتناعهم واعتناقهم الإسلام بكامل حرِّيَّتهم واختيارهم، واعترافاتهم بذلك المسجَّلة والمصوَّرة على شبكة المعلومات وغيرها.

    12- تدبُّر سياق القرآن باعتبار ترتيب سُوَره في القرآن، وباعتبار ترتيب النزول.

    13- تدبّر سياق القرآن باعتبار أسماء الله تعالى والقصص والأمثال والآيات.

    14- الاستشهاد عند استخلاص النتائج بالآيات القرآنية فقط، والصحيح مِن الحديث قدر الإمكان.

    15- الأخذ بقول القرآن والحديث الصحيح والتفاسير أساسًا للفهم، ثمَّ ما يليه من وسائل الفهم الأخرى، كالقصَّة الحقيقيَّة والتجربة العمليَّة وغيرها، واعتبارها علومًا وتجارب تراكمية للعقل والقلب والجسد لا يمكن تجاوزها، وأساسًا مهمًّا لا يمكن تجنُّب البناء عليه في فهم عملي وتطبيقي لعلوم وآيات ورسالة القرآن، مع تدبُّر الثَّمار والنتائج وأخْذ الدروس والعِبَر، وكلّما ازدادَ علمُ الإنسان ومعرفتُه، وارتقَت أحواله، ازدادَ طرديًّا عطاءُ القرآن وارتقى خطابُه.

    2- مقدِّمة

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، لا شريك له ولا وسيط، الحمد له بذاته، وبجميع صفاته، وبربوبيَّته ورحمته للعالمين، الذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين.

    نحمده، ونستعينه، ونستغفره، مالك الملك، وخالق الخلق، الأول بلا بداية والآخِر بلا نهاية، والظاهر والباطن، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، وهو على كل شيء قدير، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والخير كلّه بيديه، والشرُّ ليس إليه.

    بعث النبيِّين وأرسَل المرسَلين، بشرًا يوحى إليهم مبلِّغين وشهداء، لا شافعين إلا بإذنه، لو شاء لجعل الناس أمَّة واحدة، ولكن جعلهم مختلفين، وأحرارًا مختارين، وبإرادتهم متسابقين، يَنعمُون إن شاؤوا بمعرفة وجوده بوجودهم، وأسمائه الحسنى بدعائهم، وصفاته الفضلى بفعله فيهم وفي العالمين.

    هيَّأ لهم أسباب السعادة قبل إيجادهم، ووعدهم بواسع النعيم، وابتلاهم بمعرفة الحق، وصاحب الفضل عليهم وطاعته، وتحدَّاهم باختبار صدق وعده ووعيده، وبشائره ونذره، وبالحفاظ على دوام فضله عليهم، بذكره وشكره والمسارعة إلى طلب المزيد، ليبلُوَهم أيُّهم أحسن عملًا، ثمَّ إليه مرجعهم جميعًا في يوم الدين، فرادى بلا أنساب بينهم ولا يتساءلون، فيحاسبهم بلا وسيط ولا شفيع، إلا مِن بعد إذنه، كلُّ نفس بما كسبت رهينة.

    قال تعالى:

    ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ۝﴾

    ]الزلزلة: 7- 8[

    وقد قدّم إليهم بالوعيد، وأمرهم بالعمل الصالح لأنفسهم، وبالعبادة التي فيها سعادتهم، وأن يستبقوا الخيرات استعدادًا ليوم معادهم وخلودهم ومستقرِّهم الأبدي، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

    ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    قال تعالى:

    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا۝﴾

    ]الأحزاب: 70- 71[

    اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنَّك حميد مجيد.

    وارضَ اللهمَّ عن أصحاب رسول الله والتابعين وتابعيهم، وعن إخوانه الذين يأتون مِن بعده، واجعلنا منهم ومعهم في رضوانك ورحمتك إلى يوم الدين، وأدخِلنا معهم في جنات النعيم خالدين.

    أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار، وبعد.

    إن القرآن الكريم هو أحسن الكتب المنزَّلة مِن كلام الله، وهو أحسن الحديث على الإطلاق، في لفظه ومعناه، وفصاحته وتأليفه وتشابهه في الحسن والمناسبة والوضوح، وعدم الاختلاف بوجه مِن الوجوه، قال تعالى:

    ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ﴾

    ]الزمر: 23[

    وهو كلامٌ مبارك، وعطاؤه مستمرّ لا ينتهي إلى قيام الساعة، وكلَّما ازداد علم الإنسان ومعرفته وارتقت أحواله، ازداد طرديًّا عطاء القرآن، وارتقى خطابه.

    أنزله على رسوله ليخرج به الناس مِن الظُّلمات إلى النُّور، قال تعالى:

    ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

    [البقرة: 257]

    ومِن معجزات كمال كلام الله أنَّه يسَّره للفهم، قال تعالى:

    ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾

    [الدخان: 58]

    فهو سهل الفهم على كلِّ مَن خاطبه إلى قيام السّاعة، وهو كلامٌ مبين سهل الفهم والتدبّر على مَن سهَّل الله عليه، وفتح له قلبه، واتَّخَذ أسبابه، واتَّبع سُبُله، كسهولة الحصول على كل الأشياء التي خلقها الله في هذه الحياة وسخَّرها للإنسان إذا اتَّخذَت أسبابها، واتّبعَت سُبلها التي جعلها الله لها وفطرَها عليها.

    وهو خطابٌ ميسَّر لكلِّ النَّاس صغيرهم وكبيرهم، جاهلهم وعالمهم، عربيِّهم وأعجميِّهم، أسودهم وأبيضهم، ذكرهم وأنثاهم، لا يُستثنَى منهم أحد، فجميعهم مأمورون بقراءة كلامه صباح مساء، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، وأن يتدبَّروا آياته، فيعلموا منها مُراد ربِّهم، وأنَّه ما خلق هذا الوجود باطلًا، قال تعالى:

    ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

    [آل عمران: 191]

    وسيجد قارئ القرآن فيه من الأدلّة الوفيرة التي ساقها في ثناياه على سهولة كلامه، وواسع عطائه، وتكرار معانيه، وتجديد خطابه لكلِّ جيل، وكلّ عقل وقلب وجسم حيّ، إلى قيام السّاعة، ما تقرّ به عينُه وينشرح له صدره ويهتدي به قلبه، ويعلم أن إعجاز القرآن بتجدُّد وتعدُّد طُرُق فهمه، وتدبُّر آياته وتفسيره، ودوام عطائه بلا نهاية، بإذن الله تعالى.

    ثمّ إنَّ مقصد تنزيل القرآن الكريم هو تعريف الإنسان بخالقه، لكَي يسعد بمعرفته، وبمعرفة أسمائه وصفاته.

    أنزله الله تعالى برحمته ورعايته وإنعامه ليعمل به قومٌ يحبهم ويحبونه، فيهتدوا بهداه، ولا يخافوا مِن العمل في حبِّه لومة لائم.

    وإنَّ مقصد القرآن أيضًا أن يَعرِفَ الإنسان نفسه، وأن يعلم أنّ الله جعل سعادته في عبادته، فقد هيَّأ له أسباب السعادة في الأزل قبل دخوله في الوجود، وقد أنعم عليه برعايته ورحماته جنينًا، ورفع عنه القلم طفلًا، فلمَّا نَضَج عقله وبلغ الحُلم، تلا عليه آياته، وعلَّمه الكتاب والحكمة، وفرض عليه العبادة ليزكِّيه، ويرفع في العليِّين درجته، كلُّ ذلك بمجرَّد الفضل والإحسان منه إليه مِن غير موجب، ولن يكافئ فضله شكر ولا عبادة أو طاعة؛ لأنَّ عطاءه سابق على الهداية والطاعة، قال تعالى:

    ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ﴾

    [طه: 50]

    أي خلقه ثمَّ هداه لما فيه صلاحه وسعادته؛ فالسعيد مَن عرف الله فاتَّقاه حتَّى اجتباه، وسار على هديه فارتقى بنفسه حتَّى أفلح بأن زكَّاها، والشقِيُّ مَن أعرض عن الهدى وبقي على جهله وفي الضلالة، واتَّبَع هواه، قد زيَّن له الشيطان سوء عمله، وزيَّنَت له نفسه حبَّ الشهوات حتَّى خاب بأن دسَّاها.

    وقد أمرنا تعالى أن نفهم كلامه العظيم، ونعلم مراده فيما يرضيه، وأن نسعد بمعرفته، ونستعين باسمه الرحمن الرحيم، ونستعيذ به ونلجأ إليه، ونتَّصِف بجميل الصفات، ونشكره على فضله الواسع المبارَك الكريم، حتَّى ننجو برحمته فلا نهلك؛ فالقرآن هو الكلام الفصل وما هو بالهزل، كلام ميسَّر سهل لمن أقبل عليه بقلبه يطلب الهدى، قال تعالى:

    ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾

    [الدخان: 58]

    سهَّل لفظه ومعانيه، ويسَّر فَهمه لعلَّهم يتَّعظون فيؤمنون، ونحن في هذا الكتاب عقدنا العزم بعد أن قطعنا مشوارًا طويلًا في تعلُّم هذا العلم الحق، على أن نشارك إخواننا ما تعلَّمناه في مشوارنا هذا، مِن وسائل تدبُّر القرآن، الذي فيه معرفة الله الحقّ كما وصف نفسه، فنسعد بوجوده، ونثني عليه، ونسبِّح بحمده، ونعظّمه، ونسير على هديه إلى الصراط المستقيم، ونعبده وحده كما أمرنا بعبادته، وننتهي عن الشرك وعن معصيته، وعن طاعة الشيطان الرجيم كما نهانا، ثمَّ نعمل على تسهيل فهم كتابه وكشف أسراره، وفتح الأبواب التي تعين على تدبُّره وتفسيره، ندعو الله أن يعيننا على ما قصدناه مِن خدمة كتابه، وتشجيع الناس على الإقبال على الاستمتاع بتلاوته وتدبُّر معانيه وآياته، إنَّه قريب مجيب.

    ثمَّ إنَّ عِلم تدبُّر وفهم معاني القرآن هو مِن أعظم العلوم المقصودة لذاتها، يتطلَّع النَّاس بأمر الله تعالى إلى تحصيلها على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم وتعليمهم وثقافاتهم ولغاتهم، فقد أمرنا الله تعالى جميعنا بتدبُّر كتابه وآياته، فقال:

    ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾

    ]ص: 29[

    كما وبَّخ سـبحانـه مَن يقرأ القرآن ولا يتدبـَّره، فقال:

    ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾

    ]محمد: 24[

    إنَّ فهم القرآن الكريم هو أعظم عِلم يتعلَّمه الإنسان، فهو كلام الله العليم، وهُداه إلى الصراط المستقيم، وهو حبله المتين، والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسَّك به ونجاة لمَن اتَّبعه، أنزله على رسوله، فيه تذكرة للمتقَّين، وإنذار للكافرين، وفيه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وفيه حبّ الخير وكراهية المنكر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن الشر، وهو الحق المصدِّق لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه، وهو النبأ العظيم والخبر اليقين، فيه قصة خلق آدم ونفخ الروح فيه، وفيه نبأ عداوة إبليس، وخبر الأوَّلين والآخِرين، أنزله الخبير بشؤون عباده، الحكيم بتدبير أمورهم، السميع لكلامهم، البصير بأعمالهم، سيحاسبهم ويجازيهم على ما اقترفَته أيديهم، مَن تمسَّك بما فيه نجا مِن المهالك، ومن اهتدى بهديه اهتدى إلى النعيم.

    ثم إنِّي لأدعو وأرجو أن يبارك ويجعل الله في هذا الكتاب الخير الكثير.

    3- المخاطبون بالكتاب

    قال تعالى:

    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾

    [إبراهيم: 3]

    وهذا مِن لطفه تعالى ورحمته بخلقه أنَّه يرسل إليهم رسلًا منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم.

    أمَّا آخِر المرسلين نبيّنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد جاء لكلّ الأمم على اختلاف لغاتها، بلسان واحد ولغة واحدة هي العربية، وكتاب واحد تكفَّل الله بحفظه، لتهتدي به كلُّ الألسنة وكلُّ الأمم إلى قيام الساعة.

    ثمَّ إنَّ لغة القرآن هي آية ومعجزة للعرب الذين أتقنوا العربية في أوج فصاحتها، أمَّا في عصرنا هذا فالذين يُتقنون اللغة العربية الفصحى على أصولها ندرة، فلا شكَّ أنَّ {العزيزُ الحكيمُ} الذي ما شاء كان وما لَم يشأ لَم يكُن، الحكيم في أفعاله، العليم بمخلوقاته، يضلُّ مَن يستحقُّ الضلال، ويهدي مَن هو أهل للهدَى، قد سبقَ في علمه تعالى أنه سيأتي زمان على الناس يهجرون فيه اللغة العربية، فجعل في القرآن إعجازه حتَّى وهو مترجَم إلى اللغات الأخرى، وأبقاه قرآنًا يتكلَّم بلغات لا تخطر على بال، ويفهمه الناس بكلّ لغات العالم وبكلّ ألسنتها، وحتَّى الصُّمُّ البُكم لهم لغة يخاطبهم بها القرآن، فإن لَم يكن باللغة المترجَمة ففي القصص، وإن لَم يكن في القصص ففي الآيات أو الأمثال.

    ليس هذا فحسب، بل رأَينا بأعيُننا وسمعنا بآذاننا وعلمنا، بفضل ما أنعم الله به على النَّاس في زماننا هذا مِن نعمة الاتِّصالات والمواصلات والشَّبكات، ما يرويه المسلمون الجدد في الشرق والغرب وكلّ بقاع الأرض بأنفسهم عن قصص حقيقية حدثَت لهم ومعهم، عن الكثير مِن وسائل الخطاب الإلهي للنَّاس في القرآن وغيره، ما تحار له الألباب، وتذهل في فهمه العقول، فالبرامج والتسجيلات على الشَّبكات مليئة بقصص عن أناس غير مسلمين يعترفون بألسنتهم وبالتقارير المصوَّرة أنَّهم آمنوا بسبب آية واحدة مِن القرآن المترجَم إلى لغاتهم، أو بسبب البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم}، أو اسم من أسماء الله مثل {الله أحد}، أو {الرحمن الرحيم}، أو بسبب حادثة مذكورة فيه، أو قصّة، أو مثل، أو آية علمية، أو تطبيقات عملية، أو حقيقة جغرافية، أو تاريخية، أو صفة كونية، أو نفسية، أو اجتماعية، أو بسبب يقظة وجدانهم عند سماعهم لقراءة القرآن على الرّغم مِن عدم فهمهم ما يقول، وبعضهم آمنوا لسماع نظمه، وبعضهم لموسيقاه، وغيره الكثير، وبعضهم آمَن بسبب وسائل الخطاب المذكورة في القرآن، كالترغيب والترهيب، والخوف والشكر، والابتلاء والجزاء، والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، والمصيبة والغِنَى والفقر واستجابة الدعاء، والعقل والعاطفة والفكر، وغيره الكثير.

    عدا عن أنَّ بعضهم آمَن برؤية ظهور آثار ما يأمر به القرآن على مسلمين امتثلوا بأمره، وتخلَّقوا بأخلاق القرآن، واتَّبعوا تعاليم الدِّين، أي كسماع الأذان أو رؤية الوضوء أو التيَمُّم أو رؤية الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الصَّدقات أو رؤية مصلٍّ ذاهب إلى المسجد، أو مسلم يغضُّ البصر، أو السَّكينة والرِّضا والسَّعادة البادية على جوارحه؛ عدا عن أنَّ بعضهم آمَن بسبب التجارة مع المسلمين، أو بسبب برّ الوالدين، أو صلة الأرحام، أو اللّباس، أو الطعام والشَّراب، أو الأعمال الصَّالحة، أو الإحسان، أو أخلاق المؤمنين ومعاملاتهم التي تتحرك على الأرض، أضِف إلى ذلك أنَّ القرآن أمر أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالاستقامة على الدّين، فكلّهم شهداء على النّاس بإسلامهم، ودعاة مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العدل والسلام والدِّين الذي فيه أنَّ الذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم خير مِن الذي لا يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم، والذي فيه أنَّ الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وغيره الكثير.

    كذلك فالنّاس مختلفون في تغليب أفهامهم وفي ترتيب أولويات مصالحهم، فمنهم مَن يغلِّب عقله فيؤمن بأسباب علميّة، ومنهم من يغلّب قلبه فيؤمن بأسباب عاطفية، ومنهم من يغلّب جسده فيؤمن بأسباب ماديّة، وقليل منهم يوازن بين هذه المكوِّنات الثلاثة لأصل خلقته، وكثير من الناس مُعرِضون، وللحقِّ كارهون، فهم لا يؤمنون، قال تعالى:

    ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾

    [الزخرف: 78]

    وقال:

    ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ۝﴾

    [هود: 118- 119]

    فجاء الخطاب في القرآن موجَّهًا للنَّاس على اختلاف أفهامهم، ومؤكِّدًا خطابه بقصص عن هذا الاختلاف في أفهام الناس وتوجُّهاتهم، وعن تجارب الأمم مِمَّن سبقهم، وهو ما أشرنا إليه في كتاب تسهيل فهم وتدبُّر القرآن، وكذلك ذكرناه مفصَّلًا، كلٌّ في مكانه المناسب في سور القرآن.

    هذا الكتاب نخاطب به الناس العاديِّين مثلنا الذين لم يسعفهم وقتهم بالتدبُّر الكافي، والتفكُّر المطلوب في كلام الله الذي فيه ذِكرهم وصِفَتهم لانشغالهم بعمل الدنيا، أي هم الذين شغلتهم ضرورات حياتهم وشؤون صناعاتهم وتخصُّصاتهم التي اتَّخذوها لأجل إعمار الأرض كما أمرهم ربهم، قال تعالى:

    ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾

    ]هود: 61[

    ولَم يتخصَّصوا في دراسة القرآن والدِّين، وفيه أيضًا فائدة للمتخصِّصين، نقول لهم إنَّ كلام الله إلى الإنسان سهل الفهم، يخاطب به كل طبقاتهم، المتعلِّمين وغير المتعلِّمين، فهو خالق كلّ النّاس (والجانّ) لعبادته، ويريدهم جميعًا أفرادًا وجماعات أن يتدبَّروا آياته ويفهموا كلامه، ويراقبوا أثره على مجريات حياتهم، ويتفكَّروا في عواقب إقبالهم وإعراضهم، فيُقبلوا على قراءته وتدبُّر آياته بعيدًا عن تفاصيل العلماء وشروح المفسِّرين التي لا يسعفهم وقتهم بقراءتها.

    هذا مِن ناحية، ومِن ناحية أخرى فإنَّه بمتابعة التفاصيل المختصرة في هذا الكتاب تدبُّر سور القرآن، يستطيع أي إنسان عادي، عربي أو أجنبي، سواء كان يتقن أو لا يتقن اللغة العربية، أو دارس أو غير دارس (متخصِّص) في علوم القرآن والتفسير، يستطيع فهم مقاصده وتدبُّره، ومعرفة أثره في كلّ تفاصيل حياتهم دون الحاجة إلى التفرُّغ الكامل لذلك، وهذا ما سيشجِّع محبِّي القرآن على اختلاف ثقافاتهم على الغوص في آياته، وتذوُّق حلاوة كلام الله وبديع بيانه، وعظيم حكمته، وتنوُّع أساليب خطابه، وفهم هدايته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، وفي النهاية الوصول إلى السّعادة الغامرة التي خلقه الله لأجلها، وهي محبَّة الله العظيم، لعظيم أسمائه وصفاته وأفعاله، وعبادته والتمتُّع بنِعَمه التي أنعم بها عليه.

    اللهمَّ إنَّا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة مِن عندك، وارحمنا إنَّك أنت الغفور الرحيم.

    اللهمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وصدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.

    اللهم اجعل هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم.

    ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۝﴾

    ]الصافات: 180- 182[

    ********

    بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

    1- سورة الفاتحة

    هي واحدة مِن السُّوَر التي نزلَت في وقت مبكِّر جدًّا مِن العهد المكّي، وأوَّل سورة نزلَت كاملة، وما نزل قبلها كان فقط بعض الآيات المتفرِّقة، والتي هي أجزاء مِن سورة العلق والقلم والمزِّمل والمدَّثِّر.

    ومقصدها الثناء والدعاء وطلب الهداية من الله إلى الصراط المستقيم ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، أمَّا باقي الآيات، فالتي قبلها حمد وثناء وتمجيد لله، والتي بعدها بيان صفة الصراط المستقيم المطلوب الاهتداء إليه.

    وهذه هي مقاصد القرآن الكريم كلها، أي التعريف بالله، والحمد والثناء وتمجيده، وعبادته والتفويض إليه وحده؛ لأنَّه المربِّي والمحاسِب يوم الدين، فهي بذلك هدَت إلى صراطه المستقيم، وبيَّنت طريق الهداية إليه.

    وفيها بيان أنواع عظيمة مِن نِعَم الله على الإنسان في الدنيا، فالناس تحتاج إلى شيئين في حياتها: الأول العبادة لأنَّ الله فطر الناس على العبادة، فإن لم يعبدوا الله مالك الملك ورب كل شيء، عبدوا غيره مِن الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع.

    والثاني الإعانة: فالإنسان له حاجات كثيرة، ولا يمكن بمفرده أن يلبِّيها، فهو يحتاج إلى عون الله، ويحتاج إلى الجماعة، والجماعة أيضًا تحتاج إلى عون الله، فإذا استعان العبد بالله أعانه، وسخَّر كذلك أفراد الجماعة ليعينوه.

    والعبادة الحق التي ينتفع بها المؤمن، هي عبادة الله الذي لا إله إلا هو، والاستعانة الصحيحة والدعاء لا يكون إلا بالله الذي بيده كل شيء.

    وكل كلمة من كلمات السورة تحمل بحرًا مِن المعاني والعلوم التي لا تنتهي؛ لذلك فلا يمكن تلخيص موضوعاتها، فهي نفسها تلخيص، وقد جمعَت كل مقاصد رسالة الله تعالى السهلة البسيطة إلى الناس، والتي مفادها أنه خلقهم برحمته ليرحمهم ويُنعِم عليهم فيسعدوا بعبادته وعَونه وهَديِه لهم في الدنيا، ويسعدوا بنعيم الجنة الخالد المقيم في الآخرة.

    والسورة كذلك بشارة عظيمة للناس بأنَّ الله خلقهم ليُنعم عليهم، وأنَّه يريد أن يسعدهم ويُسلِّمهم مِن غضبه والضلال، وهي بنفس الوقت إنذار شديد لمن يفعل فِعل اليهود المغضوب عليهم أو النصارى الضالِّين، كما يلي:

    - ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ الاستعانة باسم الله الأعظم {الله}، الجامع لجميع صفات الكمال، وهو أخصُّ أسماء الله تعالى، ولا يسمَّى به غيره سبحانه، {الرَّحْمَنِ} ذي الرحمة العامة، {الرَّحِيمِ} بالمؤمنين، وهما اسمان مِن أسمائه تعالى.

    - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الحمد والثناء على الله بكمال صفاته، وبِنِعَمه التي لا تُحصَى، فهو سبحانه المنشئ للخلق جميعًا، القائم بأمورهم، المربِّي لهم بنِعَمه، وللمؤمنين بالدين والعمل الصالح.

    - ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ الرحمن الذي وسعَت رحمته جميع الخلق، الرَّحِيمِ بالمؤمنين.

    - ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ مالِك يوم القيامة، وهو يوم الحساب والجزاء على الأعمال.

    - ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إنَّا نعبدك وحدك لا شريك لك، ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا.

    - ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ندعوك أن تدُلَّنا، وترشدنا، وتوفِّقنا إلى الطريق المستقيم الموصِّل إلى السعادة برضوانك وجناتك.

    - ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ طريق الذين أنعمتَ عليهم، لا طريق المغضوب عليهم، الذين عرفوا الحقَّ ولَم يعملوا به كاليهود، ولا طريق الضالِّين الذين لَم يهتدوا فضلُّوا الطريق كالنصارى.

    وتصلح هذه السورة لأن تُفتَتَح بها جميع سور القرآن، ويظلُّ التناسب قائمًا فيما بينها، سواء مِن حيث احتوائها على صفات الله سبحانه واستحقاقه للحمد والعبادة، أو لبيانها الصراط المستقيم، أو لإثباتها {يَوْمِ الدِّينِ} الذي فيه الحساب.

    واستهلال القرآن بها يشير إلى حكيم وجميل نَظم سوره وآياته، وكذلك ابتداء كلِّ ركعة مِن الصَّلوات بقراءتها.

    قال صلَّى الله عليه وسلَّم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أمُّ القرآن وأمُّ الكتاب والسَّبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أمُّ القرآن باحتوائها على ملخَّص وجوهر تعاليم القرآن، والمثاني لأنَّها تثنَّى وتكرَّر في ركعات الصَّلاة، والقرآن العظيم لأنَّها تقابِل ما نزل مِن القرآن الكريم.

    نسألك اللهمَّ العظيم الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين أن تهدينا الصَّراط المستقيم.

    بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

    2- سورة البقرة

    سورة البقرة نِصفان: نِصف قصص وأمثال، ونِصف آخَر شرائع وأحكام، ومقصدها يكمنُ في بيان طريق الهدى، وهو الصراط المستقيم، ببيان أركان الإسلام وأركان الإيمان وأحكام المعاملات في الشريعة، أي بيان طريق الهدى بكل خصائصه ومميِّزاته، والبشارة بفوز سالكيه وفلاحهم ترغيبًا باتِّباعه، وطرق المغضوب عليهم والضالِّين ومصائرهم تحذيرًا مِن اتِّباع أفعالهم، والإشارة إلى اختلاف الناس باعتبار الإيمان إلى ثلاث فئات: مؤمنين وكافرين ومنافقين، وكادَتِ السورة لتحصي الدين كلَّه بما احتوَته مِن القصص والأمثال والأحكام.

    1- ثمَّ إنَّ تدبُّر سورة البقرة باعتبار ترتيب آياتها يُظهِر أنَّها تنقسم إلى نصفَين متساوِيَين تقريبًا في عدد آياتها، النِّصف الأوَّل هو كالمقدِّمة والتمهيد للنصف الثاني، ويغلب عليه الطابع العملي مِن قصص وأمثلة وآيات خُتِمَت بقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾، والنصف الثاني هو خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لكَي يتعلَّموا مِن أخطاء وتجارب الأمم التي خلَت، ويغلب عليه الطابع الخبري في بيان أركان الدين والأحكام، وخُتِم بقوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، وَكُلٌّ مِن النِّصفَين يتكوَّن مِن خمس مجموعات مِن الآيات كما يلي:

    النصف الأول، ابتدأ بِـ (الآيات 1- 20) ببيان طريق الهدى، وأنواع الناس الثلاثة، والدعوة إلى تطبيق الهدى أي العبادة، ثمَّ ملخَّص مختصَر (في الآيات 21- 29) عن بدايات الإنسان ومصيره، وعن المقصد مِن خلقه وتعليمه، والعوالم المحيطة به، وضرب الأمثال، وتدبّر الآيات والأسباب ونتائجها، ثمَّ ثلاث قصص، هي قصة آدم

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1