Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سرقة قطار النفط
سرقة قطار النفط
سرقة قطار النفط
Ebook375 pages3 hours

سرقة قطار النفط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

إذا غابت العدالة الاجتماعية فلا تسألوني لماذا أصبحت لصاً.
إذا غابت العدالة القانونية فلا تسألوني لماذا أصبحت منتقماً.
إذا غابت العدالة المهنية فلا تسألوني لماذا أصبحت مختلساً.
إذا لم يكن هناك عدالة في الأجور فلا تسألني لماذا رشوت.
إذا غابت العدالة الصحية فلا تسألوني لماذا أصبحت ذئبا.
إذا غاب كل هذا فلا تسألونا لماذا خطفوا قطار النفط.
تسعة رجال وفتاة، مهندسون، أستاذ جامعي، طبيب، موظف كبير، عامل، وفلاح.
بالتحدي والإصرار والعبقرية الهندسية والتكنولوجيا المنظمة نفذنا أكبر عملية سطو على أكبر قطار نفط في العالم.

Languageالعربية
PublisherReda zaid
Release dateMay 28, 2024
ISBN9798227210883
سرقة قطار النفط

Related to سرقة قطار النفط

Related ebooks

Related categories

Reviews for سرقة قطار النفط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سرقة قطار النفط - Reda zaid

    ****بسم الله الرحمن الرحيم ****

    ****رواية ****

    ––––––––

    **** سرقة قطار النفط ****

    *** المؤلف ***

    رضا زايد

    حقوق الملكيه الفكريه

    تخضع حقوق المليكه الفكريه للروايه للمؤلف ودور النشر الألكترونيه والورقيه التى تم نشر الروايه عبر منصاتها فقط والتى لا يجوز نسخها بأى صورة من صور النسخ وتداولها بغير الطريق الذى رسمه القانون والا سيعرض صاحبه للمسألة القانونيه من دور النشر والمنصات الألكترونيه والمؤلف طبقا لأحكام قانون الملكيه الفكريه ولائحته التنفيذيه .

    بلد المؤلف / جمهورية مصر العربيه

    البريدالألكترونى / redazaid1977@gmail.com 

    سنة النشر / 2024

    ISBN : 9798227210883

    المحتويات

    الفصل الأول .......................................................... نار وغضب

    الفصل الثانى ................................................................ حوار وأتفاق

    الفصل الثالث ........................................................... المصير والمقارنه

    الفصل الرابع   ..........................................................  الحق الضائع

    الفصل الخامس .......................................................... التخطيط والفشل

    الفصل السادس  .......................................................... العزيمة والأرادة

    الفصل السابع  .......................................................... المفاجأة السعيدة

    أهداء

    إلى أولئك الذين ألهموني، دعموني، ووقفوا بجانبي في كل خطوة من خطوات هذه الرحلة الأدبية،

    إلى عائلتي وأصدقائي الأعزاء، الذين كانوا دائمًا مصدر قوتي وإلهامي،

    إلى القراء الأعزاء، الذين أمل أن يجدوا في صفحات هذه الرواية ما يمس قلوبهم ويحرك مشاعرهم،

    إلى كل من آمن بي وبموهبتي، أهديكم هذه الرواية بامتنان لا حدود له.

    بكل الحب والتقدير،

    المؤلف

    رضا زايد

    مقدمه

    أقدم لكم هذه الروايه بعد أن عملت فى مجال القانون على مدى أثنين وعشرون عاما تقابلت فيهم مع كل فئات الناس داخل المجتمع وأحسست فيهم بشيء يخفونه وراء قلوبهم لكن أعينهم تكاد تنطق بها. وقد علمتنا كتب التاريخ فى العلوم الأنسانيه والأجتماعيه أن الفرد فى المجتمع حينما يقدم على أرتكاب جريمه لابد بلا  فكر ولا علم ولا ثقافة أى أنه يفقد نور العقل الأنسانى عند أرتكاب هذه الجريمه ومن الممكن أن يكون معتاد الأجرام عليها لأن البيئه التى يعيش بها هى التى لها الحظ الأوفر فى صناعة فكره ومعتقده ومن أجل ذلك يقدم عليها دون وضع أى أعتبارات للدين أو القيم أو  القانون الذى سيعاقبه ووجدنا أن هناك من يتمتعون بقسط من العلم من خلال التعليم الذى تلقوه فى مهدهم ومع ذلك أيضا يقدمون على أرتكاب الجريمه لكن هذا النوع يكون وراء منه دوافع وأسباب دفعته الى هذا الفعل الأجرامى .

    لكن موضوع الروايه يتحدث عن نوع جديد من الفكر والعقيدة فى علم الجريمه وهو فكر الجريمه الأقناعيه ولعل هذا سبقا فى عالم الجريمه وربما يكون أنذار لقادة المجتمع من هذا النوع الذى يكبت أحزانه فى نفسه ويكظم غيظه ويتحامل على طاقته البشريه ثم ينفجر مبتكرا  فيؤسس لجريمة يعتقد فيها أنها ليست فقط حق من حقوقه أنما هى أهم حقوقه التى لابد وأن يحصل عليها ويراها أنها حقه الملسوب منه بفعل قوانين ولوائح لا تطبق الا عليه لتظلمه ونتيجة هذا يسعى الى أرتكابها أنتقاما لذاته . وأمثال مرتادو هذا النوع من الجريمة الأقناعيه يضربون أمثالا  لتبرير أفعالهم فيقولوا لا بأس من سرقة السارق أذا كان فى هذا أستعادة المسروق وعند أستعادة المسروق يكون أستعادة الحق .

    أما الذين يقدمون على ارتكاب مثل الجرائم نسميهم أرباب الجريمه الأقناعيه  أو الجريمة الوظيفيه أو جريمة المثقفين لأن مرتكبها الذى معنا فى هذه الروايه هم طبقة المثقفين والحاصلين على مؤهلات علميه كبيره ويحتلون وظائف حكوميه فهل يا ترى تكون ثورة المثقفين كما سيسميها البعض أم سيعطونها تسميتها الحقيقيه كما وصفها القانون فى كل المجتمعات وهل سيوجد من يؤيد فعل أبطال الروايه أم سيعارض فعلهم هذا ما سنعرفه مع تمنياتى بقراءة ممتعه ,,,,,,,,.

    المؤلف

    رضا زايد   

    الفصل الأول

    نار وغضب

    اليوم كُسر ظهري والنار تشتعل في صدري بعد أن شيع ولده الى مثواه الأخير وتأكد من أنه قدَ وارى جسدهُ في التراب  أغلق عليه باب قبره وكانت عينيهِ المتحجرتينِ تحتِ حاجبيهِ ما زالت شاخصتينِ من شدة الصدمه لدرجة أن الدموع قد خاصمتها طيلة هذا الوقت ولكنَ نظراته الحاده المترصدة كانتْ تفوح منها نارا تنم عن نيةٍ دفينةٍ سوداء يكنها بينَ ضفتيْ صدرهِ ثم يهمس فى نفسه بقوله من سيدفعُ ثمنُ هذا وما بينَ صمته وصدمتةِ ظل يعصر على قبضة يديه تغيظا وحسرة ولم يكن العرق الذى اغرق وجهه وأشبع كتفيه كان من حرارة الطقس وأنما كان من شدة لهيب الحرارة التى فى جوفه والرغبة فى محاسبة المسؤلين عن هذا الحزن والبكاء و لكنَ بكاءَ الأم زاد المشهد توترا وحرارةٌ فلمَ تنقطعُ عنْ البكاءِ والعويلِ طوال مراسم الدفن وسالت دموعها كالأمطارِ الحارقةِ وأنينٍها الدائمٍ تنطق بكلمات ينفطر لها القلب أنها الأم واا حسرتاه على قلب الأم  رفعتْ المرأةُ رأسها للسماءِ تبثُ عجزها وقلةَ حيلتها ثمَ تنظرُ الى قبر فقيدها وتكاد تجن فهى لا تصدق أنها ستنصرف من هنا بدونه الى الأبد ثم وجهت وجهها إلى زوجها الذي ظلَ يحدقُ في جموعِ الناسِ المرابطين حولهُ وبنظرة عميقةٍ صاحبها زفير حارٍ كاد يحرق بها الأخضر واليابس ثم بدءً ينطقُ بكلماتٍ  منْ شررِ القولِ اليوم كُسر ظهري والنار تشتعل في صدري كلمات ظل ينطق بها اثناء سيره على قدميه وسط أُنَاس قريته فِي مَشهَد مهيب مِن الحسْرة  والحزن والْمواساة مِن أَهْل القرية الَّذين حضروا للعزاء فِي فَقيدِه لَكنَّه لم يعرهم أى اهتمام لأنه ربما لم يراهم من ثقل سحابة الغضب التى غيمت الرؤية على عينيه وظلَّ يسير مُترجِّلا يَجْر قدميْه زحفا ويتمتم بِكلمَات الغضب آه من هذا الغضب  اليوم كُسر ظهري والنار تشتعل في صدري.

    إِنَّه فَارِس فَتحِي مُهنْدِس مِيكانيكَا دِيزل فِي مَصْلَحة السِّكَّة اَلحدِيد مُتَزوج مِن شَرِيكَة اَلعُمر وَحُلم شَبابِه هَنَاء الحاصله على الماجستير فى الهندسه المَدَنيَّة بدرجة جيد جدا لَكِنهَا لَا تَعمَل ويُقيمَان فِي شَقَّة إِيجَار بجوار عمله فى المدينه وينْعمان بِحياة بَسِيطَة دُون المتوسِّطة كأى موظف مكافح فى الحياه القاسيه وله مِن الأبْناء غَيْر اَلذِي تُوفِّي بِنْتيْنِ وَولَد آخرين أُمًّا البنْتيْنِ فهْمًا أَسمَاء وعمرها ستة سنوات ومديحه ثلاثة سنوات وولده اَلصغِير فَتحِي عام واحد أَمَّا مَسقَط رَأسِه فَهِي قَريَة الصغرى وهى مِن إِحْدى قرى الدِّلْتَا البسيطة فى طبيعتها والهادئه حكال اى قريه أخرى  وهى تعج بالفلاحين والعمال والبسطاء من الناس والتى لا تبلغ نسبة المتعلمين فيها أكثر من عشرون بالمائه وهى قريبة لِمَحل عَملِه بِمصْلَحة السِّكَّة اَلحدِيد .

    وبعْد أن ظهرت بوادر الشَّيْب فى رأسه ربما لأنه يَبلُغ مِن اَلعُمر الآن ثمانية وأرْبعون عامًا إِلَّا أَنَّه اِحتفَظ بِمتوَسِّط قَامَتِه وبشرَته الشَّاحبة اَلتِي يَعِج مِنهَا الشَّقَاء النَّاجم عن الفقْر وَقلَّة الغذَاء والْحياة الوظيفيه الرَّتيبة اَلتِي يَستدِين فِيهَا صاحبَهَا آخر كُلُّ شَهْر لِيكْفي قُوتَ بَيتِه مِن الطَّعَام وهكذَا دُنْياه اَلتِي يَدُور فِيهَا مِثْل مَا يَدُور الثَّوْر فِي السَّاقية ليلا ونهارا .

    بدءت الشمس تميل للغروب وقد وصل إِلى بَيتِ والده القديم فِي قريته وَهُو يَدُور فِي رَأسِه اَلعدِيد مِن التَّساؤلات مَاذَا جنيْتُ على نَفسِي حَتَّى يَنظُر لَيُّ وَلدَى هَذِه النَّظرات القاتلة وَهُو فِي رَمقِه اَلأخِير مِن الموْتِ هل كان مُعاتِبًا لِي إِذ إِنَّني لَم أَستَطع أنَّ أَوفَر لَه ثمن الدَّوَاء واجراء اللازم من الفحوصات هل كنت مقصرا الى هذا الحد وهل كنت أملك شيئا ولم أفعله أه يا ويلى  من عذاب الضمير ما السبيل يا ربى .

    ثُمَّ دخل بيت أبيه القديم وصعد الى غُرفَة كَانَت قديمًا غُرفَتَه أيَّامًا أن كان عازبًا قبل الزواج وَهِي بَسِيطَة مُكَونَة مِن سرير ومكْتب وَكرسِي وَسجادة قديمه مَفروشه على الأرْض وبعْض اَلكُتب اَلتِي ظلَّ مُحْتفِظًا بِهَا مِن أَيَّام الجامعة وصورَته مع اِبْنِه اَلفقِيد مُعَلقَة على الحائط فَجلَس على طرف اَلسرِير ثُمَّ بدأ يَتَذكَّر يَوْم أنَّ ولدً لَه اِبْنِه المتوفَّى منذ ستة عشر عاما  والسَّعادة الغامرة اَلتِي كَانَت تُحيط بِالْأسْرة وَأنَّه قد أَصبَح اليوْم أب لِصغير جميل سَوْف يَقُوم على ترْبيَته وعنايته ورعايته وَتوفِير كُلِّ شَيْء مِن أَجلِه وكيْف كَانَت الفرحة والسعادة تملئ بيت أبيه المتواضع وكيْف كَانَت فَرحَة وَالدِه وَأُمه بمولوده الأول .

    وَيُتذكَر أيَّامه فِي بداية شبابه يوْمًا بِيَوم ثُمَّ أخذ نفسًا عميقًا وأغْمض عيْنيْه ورْفع رَأسُه لتقع عيناه على صورة ابنه أَيَّام أنَّ كان معه فِي أحدى الرحلات التى كانت تقيمها القريه بمناسبة التفوق الدراسى ومَا أن نَظرَا إِلى صُورته حَتَّى ذَرفَت الدُّموع أخيرًا مِن عَينِيه وَهُو يَئِن بِالْبكاء وَرأسِه مَرفُوعة كمَا هِي مُثَبتَة على صورته وَكَان بَيْت وَالدِه اَلقدِيم مَبْنى مِن الطُّوب والطِّين وسقْف مِن الأخْشاب وَمِن طابقَيْنِ يُوصِّل بيْنهم سُلَّم مَصنُوع مِن الخشب وَإِذ بِه يَسمَع صَوْت خُطوات تَدِب على السُّلَّم الخشَبيِّ قَادِمة نحْوه ثُمَّ دقَّ باب غُرْفته فَقَال فِي عَصَبيَّة بَالِغة وَهُو يَبكِي .

    لا أُريد مِن أحد أن يُعَزينِي ولَا أُريد الكلَام مع أيِّ شَخْص اُتْركونَى وَشأنِي فَسمِع طارق اَلْباب هذَا الكلَام قائلا أنَا مَحمُود يَا فَارِس اِفْتح اَلْباب أنَا أُريد اَلحدِيث معك ومَا أن سَمِع صَوْت صديق العمر حَتَّى هبَّ واقفًا وَذهَب مُسْرِعا فاتحًا لَه باب اَلغُرفة ومَا أن رآه أَلَّا وألْقى بِنفْسه فِي حِضْنِه واشْتَعل بُكَاء وَهُو يَقُول ولدى يَا لَيتَنِي كُنْت أنَا مُتُ قَبلُك يَا بُنَي ومع سُرعَة ضَرَبات قَلْبه أُغْشِي عليْه فَأَجلسَه مَحمُود ثُمَّ خرج مُسْرِعا مُسْتدْعيًا الدُّكْتور عَادِل نُجيب طبيب القرْية اَلذِي حضر على الفوْر وَأمَر بِأَلا يَدخُل عليْه أحد أَثنَاء الكشْف ثُمَّ قام بِإفاقته مِن غيْبوبته ومَا أن أَفَاق قال مَاذَا حدث لِي مَا اَلذِي يَحدُث هُنَا يَا مَحمُود ووقعتْ عَيْناه على صَدِيقَة الآخر وَهُو دُكْتُور عَادِل نُجيب زميل اَلعُمر والْكفاح مِثْل مَحمُود أيْضًا . فحاول القيَام لِمعانقة الدُّكْتور عَادِل فَعَاجلَه بِأنَّ أَمسَك بِذراعه وعناقه عَادِل وقبْل رَأسِه وَهُو يَقُول لَه مَاذَا حدث لَك هل أَنْت مُعْتَرِض على قَضَاء اَللَّه أَنْت رَجُل مُؤْمِن ولَا بُد وأن تَكُون أَكثَر قُوَّة وصبْرًا مِن ذَلِك .

    وَعلَى الفوْر أَرسَل الدُّكْتور عَادِل مِن يَحضُر لَه دَوَاء مُهَدئا حَتَّى يُسَاعدَه على النَّوْم والرَّاحة ولَا سِيمَا أَنَّه يَرَاه شَاحِب الوجْه تَبدُو عليْه علامَات الإرْهاق والتَّعب اَلشدِيد فجعله يَرقُد على سَريرِه مُطْمئِنًّا وسمْعه وَهُو يَقُول آه يَا بُنَي كَيْف حَالُك الآن فِي أَوَّل لَيلِية لَك فِي قَبرِك آه يَا بُنَي كمٍّ سأشْتَاق إِلَيك كثيرًا أنَّ الوحْشة اَلتِي تَرَكتهَا بيْننَا اليوْم لَا تَنسَى أبدًا ثُمَّ عاد لِلْبكَاء . وبعْد أن بدأ فِي تَناوُل الدَّوَاء اَلذِي أَحضَره الدُّكْتور بَدْء يَغمُض عيْنيْه ويبْعد بِكلماته عن مَسمَع اَلجمِيع لِينام على الفوْر مُرْتاحًا مِن عَنَاء هذَا اليوْم الصَّعْب .

    أَمَّا عن مَحمُود فَهُو صديق اَلعُمر مِن نَفْس قرْيته حصل معه على بكالورْيوس الهنْدسة مِن نَفْس دفعتْه تَخرجَه لَكِن مَحمُود هَندسَة مَدنِي يَعمَل بِمصْلَحة السِّكَّة اَلحدِيد زميل لِفارس حَتَّى فِي نَفْس مَحطَّة القطارات لَكِن عَملَه مُهَنْدسا لِلْبنْية التَّحْتيَّة مِن تَجهِيز الطُّرق وأَعمَال الصِّيانة لِلْأبْنية المدنيَّة والطُّرق العامَّة وَكَان طويل القامة نحيل بَعْض الشَّيْء شِعْره دائمًا يُمَشطه لِلْورَاء ذُو بَشرَة بِنْيَة اللَّوْن ويدخِّن اَلكثِير مِن السَّجائر يوْميًّا ومتزَوِّج مِن سَيدَة تُدعَى وَفَاء جَمِيلَة بَعْض الشَّيْء تَعمَل رَبَّة مَنزِل وَكَان زواجه مِنهَا مُنْذ أَكثَر مِن عِشْرين عامًا ولم يُرزَقَا بِأطْفَال حَتَّى اليوْم . ولم يَختَلِف عَنهُم فِي الصَّداقة عَادِل نُجيب فَهُو أيْضًا كان صديقهم الثَّالث إِلَّا إِنَّه كان أَكثَر تفوُّقًا عَنهُم فِي دِراسَته فقد تَخرَّج مِن كُليَّة الطِّبِّ ويعْمل طبيبًا فِي الوحْدة الصِّحِّيَّة كطبيب مُمَارِس على رَغْم مِن حُصوله على الماجسْتير فِي الجراحة العامَّة وَكَان يَرتَدِي نَظَّارة طِبِّية وَيحِب الطَّعَام جِدًّا فَكَان بدينًا مُتوسِّطًا فِي بدانَته وأصْلع الرَّأْس قليلا وَكَان مُدَخنا أيْضًا .

    ثُمَّ دَخلَت زوْجته هَنَاء واسْتقْبلهَا مَحمُود والدُّكْتور عَادِل مُعزيَين لَهَا فِي فَقْد اِبنهَا أَمَّا هَنَاء فبعْد أن أَصبَحت أُمُّ لَأرْبعة أَبنَاء لَم تَتَغيَّر كثيرًا فِي جَمالِها فكانتْ بَيْضاء البشَرة مُدَورَة الوجْه ومتوسِّطة الطُّول وكانتْ عيْناهَا تَشِع ذَكَاء وَدَهاء لَكِن لا شَيْء يَبقَى على حَالَتِه فمًا حدث لَهَا اليوْم كَافِي لِأنَّ يَقتُل الصِّبَا والْجمال مع بَعضهِما البعْض وكانتْ تَصغُر فَارِس بِسنتَيْنِ مِن اَلعُمر وَتَزوجَت عن قِصَّة غَرامِية كَبِيرَة نُشبَت بيْنهَا وبيْن فَارِس فِي رَيْعان شبابهمَا لَكِن اليوْم مَا أن رَآهَا الرجلان أَلَّا وقالَا لَهَا اَلبقِية فِي حَياتِك يَا بشمْهنْدسه ونسْأل اَللَّه أن يجْعلَهَا آخر الأحْزان ومَا إِلى ذَلِك مِن عِبارَات المواساة فبعْد أن جَففَت دُموعَهَا رَدَّت عَليهِم يَغفِر اَللَّه ذنْبكم ولَا أحد يُعزِّيكم ثُمَّ نَظرَت إِلى زوجها وَهُو مُستلقِي على اَلسرِير وتسْأل الدُّكْتور فِي لَهفَة ومضْطربة مَاذَا حدث لَه وعادتْ تَبكِي خَائِفة على زوْجهَا طريح الفرَاش عاجلَهَا بِقوْله لَا تُقْلِقي إِنَّه بِخَير لَكِن الصَّدْمة العصبيَّة اَلتِي تَعرَّض لَهَا اليوْم كَانَت ثَقِيلَة جِدًّا عليْه فانْهارتْ أعْصابه فأعْطيْته مُهدِّئ لَيِّنام ولَا بُد وأن يَسترِيح دُون أن يُوقظه أحد وعنْدَمَا يَستيْقِظ لا مِن تناوله لِلْغذَاء فَإِن حالته ضَعِيفَة جِدًّا فَردَّت وَفِي يَدهَا منْديل تُجفِّف بِه دُموعهَا هُو لَم يَأكُل مُنْذ أَكثَر مِن ثَلاثَة أَيَّام مِن يَوْم مَا أن اِشْتدَّ على على أَبنَنا ومن مِنَّا يستطيع تناول الطَّعَام  فى هذه الظروف يَا دُكْتُور فَقَال لكن هذَا خطر على صِحَّته فَكمَا أخْبرَتْك لَابُد مِن تناوله الطعام عِنْد الاسْتيقاظ ثم جلستْ بِجوار زوْجهَا عِنْد رَأسِه وأَجهَشت بِالْبكاء فسارْعهَا مَحمُود بِقوْله معاتبا لها بقوله أَيْن إِيمانك بِاللَّه وهل من يَذهَب لِلْموْتِ يَعُود مرة أخرى قَولِي إِنَّا لِلَّه وَإنَّا إِلَيه راجعون . . .

    لَم تَكُن هَنَاء رَاضِية عن وُجُود أُنَاس كثيرون فِي أَسفَل البيْتِ ولَا سِيمَا أنَّ البيْتَ قديم ولَا يَتَحمَّل كُلُّ هؤلاء النَّاس بِجانب أَنهَا تُريد أن يَأخُذ زَوجُها قِسْطًا وافرًا مِن الرَّاحة بَعْد كُلِّ هذَا التَّعب والْعناء وَرُبمَا هِي أيْضًا تريد قسطا من الراحه فمًا لَحِق بِزوْجِهَا قد لَحِق بِهَا أيْضًا فطلبتْ مِن مَحمُود أن يَستأْذِن النَّاس المعزِّييْنِ أَسفَل البيْتِ وَخارِجه بِأَنه لَن يَكُون هُنَاك عَزَاء فَنهَض الرَّجل واقفًا على قدميْه بِحماس وَخرَج إِلى أَهْل قريته المعزِّييْنِ وَقَال لَهُم شُكْر اَللَّه سعْيكم العزَاء قَاصِر على تَشيَّع الجنازة يَا حَضَرات المعزِّييْنِ و مِن فضْلكم نُريد أن نَترُك أَهْل المتوفَّى لِيرْتاحوا مِمَّا هُم فِيه وَعلَى الفوْر اِسْتجَاب أَهْل القرْية لِكلام مَحمُود وانْصرفوا وَهُم يُهمْهمون بِالْكلام أَنهُم يعْتبرون أَنفُسهم أَهْل المتوفَّى وأنَّه مَثَّل أَبنَهم فَقَال أَحدُهم وَكَان رَجُلا شيْخًا كبيرًا طاعنًا فِي السِّنِّ يُكلِّم المنْصرفون معه مِن بَيْت فَارِس مَا فَائِدة الكلَام اَلكثِير فلَا تُهمْهمون واتْركوا الرَّجل يَرْتاح فَللَّه مَا أَعطَى وَللَّه مَا أخذ وَإنَّا لِلَّه وَإنَّا إِلَيه راجعون ثُمَّ نظر مَحمُود لِلدُّكْتور عَادِل مُشيرًا إِلَيه بِالْخروج وَطلَب مِنْه أن ينْصرفوا هُم أيْضًا الآن لِيتْركوا فَارِس وزوْجَته لِلرَّاحة فَفهِم عَادِل ثُمَّ وَقْف وَقَال لِهناء سَأمُر عليْه غدًا لِلاطْمئْنان عليْه ولَا تُقْلِقي مِن شَيْء فَكُلنَا إِخوَتك وَكرَّر لَهَا عَزائِه كمَا فعل مَحمُود ذَلِك أيْضًا . وَظلَّت الزَّوْجة الحنون بِجوار زوْجهَا تَجلِس عِنْد رَأسِه وتمرِّضه وتدْعو اَللَّه أن يُخفِّف عَنهُم ألم الفرَاق ويعينهم على تَجاوُز هَذِه المرْحلة وَبَينمَا هِي فِي حَالَة مِن الرَّجَاء والتَّوسُّل إِلى اَللَّه يَستيْقِظ فَارِس ويفْتح عَيْناه وينْظر إِلى سَقْف غُرْفته ثُمَّ يَغمُض عَيْناه مَرَّة أُخرَى ثُمَّ يفْتحهَا وَيظَل يُحدِّق فِي سَقْف اَلغُرفة ثُمَّ يَبدَأ شريط الذِّكْريات يَمُر أَمَام عيْنيْه ويبدء شريط ذكرياته بيوم إِعلَان نَتِيجَة الثَّانويَّة العامَّة اَلتِي وَقتُها عِلْم بِأَنه مِن المتفوِّقين وَأنَّه الأوَّل على مُحافظته وَحصَل على الدَّرَجة الكبيرة اَلتِي تُمَكنه مِن الالْتحاق بِكلِّيَّة الهنْدسة حُلْم حَياتِه كمَا كان يَحلُم بِذَلك أيْضًا والده المسْكين وَكَان يوْمًا مليئًا بِالْفرْحة والسَّعادة وعنْدَمَا دخل وَالِده الأسْطَى فَتحِي وَكَان رَجُل مُتَوسط الطُّول نحيل ويرْتَدى على رَأسِه طَاقِية مَلِيئَة بِغبار اَلطحِين الأبْيض وَيَداه يَظهَر فِيهَا أثر اَلعجِين وَكَان يَبدُو عليْه دائمًا علامَات الشَّقَاء رُبمَا لِأنَّ مِهنَته صِناعة اَلخُبز فِي إِحْدى الأفْران أيَّ أَنَّه كان يَعمَل خبَّازًا ويحْصل مُقَابِل ذَلِك على أُجرَة أُسْبوعيْه يعيش مِنهَا هُو وزوْجَته وابْنه حَيْث فَارِس اِبْنه اَلوحِيد ولم يُنْجِب غَيرَه خوْفًا مِن أَعبَاء المعيشة الضَّنْك اَلتِي يعيشهَا وضيق الرِّزْق وَثقَل المسْؤوليَّة . فَلمَّا عاد مِن عَملِه صباحًا حَيْث كان يَعمَل فترة مَسائِية سَمِع دَوِي الزَّغاريد والتَّهْليل تَأتِي مِن بَيتِه والنَّاس يُسارعون إِلَيه لِيصافحوه قَائلِين أَلَّف مُبَروك يَا أَسطِى فَتحِي فَارِس نجح فِي الثَّانويَّة وَحصَل على دَرجَة كَبِيرَة وَكَمان هُو الأوَّل على المحافظة أَلْف مُبَروك فذرفتْ مِن عَينَة دُمُوع الفرح وساعتهَا أحسَّ المسْكين أنَّ أجراس الفرح والسَّعادة بَدأَت تَدُق باب بَيتِه وان الشَّقَاء اَلذِي عاناه طِيلة حَياتِه لَم يَذهَب هَبَاء ثُمَّ دخل إِلى بَيتِه فَأَسرعَت إِلَيه زوْجته السِّتَّ أُمّ فَارِس وكانتْ سِتُّ بَيْت مِن أُمَّهات القرْية اَلتِي تَهتَم بِشؤون بيْتهَا وأسْرتهَا ولَا تَعمَل غَيْر ذَلِك وكانتْ تَصغُر سِنًّا عن زوْجهَا فَتحِي بِخَمس سَنَوات أيْ أنَّ عُمرَهَا خَمسَة وأرْبعون عامًا ومَا أن لَمحَت زوْجهَا إِلَّا والْفرْحة والسُّرور تَكَاد تَقفِز مِن وجْههَا والْبشاشة والْفرْحة اَلتِي رُبمَا ستجْعلهَا تطير مِن مَكانِها هِي فَرحَة اَلأُم لا شك أنها لا تُعادلهَا فَرحَة فَأَسرعَت إِلَيه وَهِي تُزَف إِلَيه التَّهْنئة والْبشْرى السَّعيدة وَتقُول أَلْف نَهَار أَبيَض يَا أبًا فَارِس رَبنَا جَبْر بِخاطِرك وَخاطِر فَارِس اِبْنك حصل على الدَّرَجة الكبيرة ويقولوا فِي الرَّادْيو أَنَّه يَبقَى الأوَّل على المحافظة خَلَاص يَا فَتحِي اَلحُلم أتَحقَّق وابْنك هَيبَقِى مُهنْدِس كبير .

    لَم يَجِد اَلأَب الحنون المسْكين كلمات يُعبِّر بِهَا عن فَرحَتِه غَيْر دُموعه اَلتِي زرفت من عينيه وَهُو يَقُول لَهَا أيُّ نَهَار جميل هذَا اَلذِي أعيشه اليوْم يَا أُمّ فَارِس أنَّ السَّعادة والْفَرحة لَم تَدخُل بيْتنَا المتواضع هذَا مُنْذ زَواجِنا فضحكتْ اَلأُم الطَّيِّبة بَعْد أن جَففَت دُموعَهَا وقامتْ بِمناداة فَارِس لِيعْلم أنَّ والده حضر ويريد تهْنئَته . ولما سَمِع مُنادَاة أُمِّه هبَّ مُسْرِعا إِلى النُّزول إِلى أَسفَل البيْتِ فِي الطَّابق الأوَّل ومَا أن رأى والده حَتَّى أنكب على يديْه يقْبلهَا ثُمَّ وَقْف وَقَام بِعناقه بِشدَّة وَدمُوع اَلأَب والْأمِّ معًا لَم تَنقَطِع وَيهمِس فَارِس فِي أُذُن وَالدِه أَنْت تَبكِي يَا وَالدِي هذَا يَوْم فرح لَنَا جميعًا فَضحِك اَلأَب وَهُو يَقُول إِنَّها دُمُوع الفرح يَا بُنَي كان الطَّابق الأرْض لِهَذا البيْتِ المبْنى مِن الطُّوب والطِّين وسقْف لَه عُرُوق خَشَبيَّة تَحملُه وطابق فَوقَه بِه غُرفَة الابْن فَارِس فقط وَفِي الطَّابق السُّفْلى غُرفَة لِلضُّيوف بِهَا كذَا أَرِيكَة مِن الطِّرَاز البلَديِّ وحوائط مَدهُونة بِطلاء الجير الأخْضر وَغُرفَة نَوْم اَلأَب والْأمِّ وِصاله بِهَا أَرِيكَة خشب وَكرسِي مَصنُوع مِن الخشب الخرزان مُتَهالِك الحالة لَكنَّه يَستعْمِل فِي اَلجُلوس عليْه

    فَأَجلسَت اَلأُم زوجها على الأريكة اَلتِي فِي الصَّالة حَتَّى يَهدِء بَعْض الشَّيْء وَفِي حِضْنِه مَا زال  الابْن اَلمطِيع ينْظر إِلَيه والده وَهُو يَقُول مِن فِي هَذِه الدُّنْيَا أَكثَر سَعادَة مِنى اليوْم يَا فَارِس فَردَّت اَلأُم لا أحد طبْعًا فابْنك حصل على

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1