Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

قيامة الآخرين
قيامة الآخرين
قيامة الآخرين
Ebook263 pages1 hour

قيامة الآخرين

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في الليلة التي يجهز فيها زوجها وأولادها أنفسهم للسفر، تبدأ أعراض اضطراب نفسي بالظهور على ميعاد، المصورة الفوتوغرافية والمسؤولة عن أرشيف إحدى الجرائد. اضطراب يجعلها ترى جميع الوجوه وجهاً واحداً، هو وجه إله اغريقي ملتحٍ، وشيئاً فشيئاً، مع تفاقم الاضطراب، تتكشف تفاصيل الأحداث الحاضرة والماضية التي قادتها إلى المتاهة الاجتماعية شديدة التعقيد التي تواجهها.
في سرد يكتنفه الغموض، تدمج الكاتبة الخيال مع التراث والأسطورة والفانتازيا والتاريخ، لتصنع من ذلك كلّه نصاً روائياً محكماً، يناقش أسئلة وجودية وفلسفية كبيرة: ما دور الآخر مقابل الأنا؟ ماذا لو كان الجحيم أنا؟ ماذا لو وُجد العالم داخل كينونة فرد واحد فقط وكل ما عداه وهم؟
Languageالعربية
PublisherMamdouh Adwan
Release dateJun 5, 2024
ISBN9789933540951
قيامة الآخرين

Related to قيامة الآخرين

Related ebooks

Related categories

Reviews for قيامة الآخرين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    قيامة الآخرين - إيمان اليوسف

    قيامة الآخرين

    رواية

    إيمان اليوسف

    قيامة الآخرين - رواية

    تأليف: إيمان اليوسف

    تصميم الغلاف: نجاح طاهر

    978 - 9933 - 540 - 95 - 1 :ISBN

    الطبعة الأولى: 2019

    Table

    جميع الحقوق محفوظة للناشرين دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ودار سرد للنشر. لا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله، على أي نحو أو بأي طريقة دون موافقة الناشرَين الخطية.

    «لست على قيد الوجود، إن لم يتمكّن من رؤيتك أحد».

    نيكولا يوون

    «من خرج يبحث عن الحقيقة، حكم على نفسه بأن يبقى دائماً في الطريق».

    رسول حمزاتوف

    شكر

    شكر خاصّ لكلّ من ساعدني في مرحلة البحث التي سبقت كتابة الرواية، وأخصّ بالشكر أختي الغالية فاطمة اليوسف، والأساتذة: وائل صبّاغ، ورهف خوري، وآيات رزوقي، وسونا نامبيار، ولمن لهما الفضل في مراحل التدقيق وما قبل النشر، الغاليتين: عفرا البنا، ورولا المزيني.

    «يمكن لهذه الرواية أن تبدأ بلحظة غليان إبريق ماء ساخن، لأن وجود إبريق من الماء الساخن يعني وجود موقد، أو مصدر للنار، ورمزية النار هي التي دفعت بالحياة من رحم اللاوجود».

    الفصل الأول «التنّور»

    ١

    لا يبدو، في الظلام، سوى وجهي تنيره شاشة الهاتف. الأخبار تتسارع. تتصاعد مع إيقاع أطراف سبّابتي التي تقلب الصفحات. تتصفّح ما تلفظه «الهاشتاغات»: قطر تنتحر، خليجنا واحد، مطالبة بإغلاق قناة الجزيرة، محمد بن زايد يمثّلنا، كلنا معك يا سلمان، قرار بإيقاف بثّ باقة القنوات الرياضية القطرية، أهلاً بالجيش التركي في قطر، تحليل سياسي، تحليل اقتصادي، شماتة بالوضع الحرج لأحلام وزوجها القطري. الدمار الإلكتروني. وقع التصعيد تهتزّ له الثواني، لم يعد فتيله بحاجة إلى شراراتٍ عصيّة على الإيقاد. اختراع النار كانت له «شنّة ورنّة» لإنسان الكهف. انتهى.

    الحقائب التي أُتخمت بأمتعتنا منذ عدّة أيام استعداداً للعُمرة، قدّمناها أضحية. حلقتُ رؤوس ولديّ وأعلنت التحلّل من الإحرام. تحوّلت العمرة الرمضانية وداعاً لزوجي وولديّ. قد يقضون العيد في قطر، وأقضيه هنا. الآن، هم الآخرُ.

    أسمع وقع خطواته. هذا الإصرار غير المبرَّر على ضرب الأرض. سحل الخفّ على المرمر. إثبات الرجولة لا يستفزّني للمرة الأولى، ألأنها الأخيرة؟ يطمئنني أن الوضع لن يطول. مسألة أيام فقط. أستلّ أمتعتي من الحقائب. أُبقي على حاجاتهم. أنتِ، ونحن. أنا وهم. لا بأس، أردِّد خلفه: «مسألة أيام لا أكثر!».

    أكتب ولديّ على الورق. ألخّص علاقتي بهم، بعدّة تعاليم: أوقات الأكل، الحساسية تجاه الحليب، طقوس ما قبل النوم، المباح، المحرّم، السجلّ الصحّي، القصص المحبّبة، أفلام الكارتون، الألعاب الإلكترونية المسموح بها لهم.

    أُعلن اليوم فطامهما، انفصالهما الحقيقي، قصّ الحبل السرّي. نُزعت المشيمة. أكتب دستورهما الخاص. أسجّل حيواتهما، شهادة الميلاد والشهادة الصحية... كلّ شيء.

    أحشو كلّ ما كتبت في الجيب الداخلي للحقيبة. لم أطمئنّ، كما توقعت، قبل أن تقفز هذه الفكرة إلى ذهني. من أخبرني أنه يمكن استبدالي بهذه السهولة؟!

    يعتلي السرير. يقطع المسافة المتبقية بين وسادتي ووسادته على ركبتيه. يزحف بصمت، يكاد يكتم أنفاسه، إلا أن المرتبة تفضحه بصريرها. تقترب رائحته من فريسته، أنا. أجلس وديعة طائعة. يحبّني خاضعة حين يأتيني. مستسلمةً له إذ يجوس جسدي كيفما يشتهي. يقرّب ذراعه من خصري. يلفّها مثل حيّة. يسحبني، فأكتم ضحكة دلع. يقرّب رأسه. يلمس رقبتي بخدّه. شيءٌ ما يخدش بشرتي.

    يلتصق ظهري بصدره. يمتلئ جسدي شبقاً. تتعرّق أطرافي. أذوب في بشرتي الناعمة. أستدير نحوه.

    ينعكس نور شاشة هاتفي على لحيته. اللحية التي لم تكن ضمن ملامح وجهه قبل ساعة. تموت شاشة الهاتف. ترتعش يدي، فلا أملك أن أعيد تشغيله. الظلام يلفّنا. أدفعه بقوة عني. يضحك. يظنّه تمنّعاً. يقترب أكثر، فأضربه. ارتطمت كفّي به. لا أعلم على وجه التحديد ما إن كنتُ صفعته أو ضربتُ كتفه. استحال فجأة إلى مجرّد كتلة خرساء في الظلام. العدوّ.

    الوجه الملتحي يظهر من جديد. أصابعه ممسكة بحبلٍ ممتدّ من أبجورة إلى جوار السرير. تتدفق الدماء إلى عينيه. تبرز العروق على جبهته. من هذا الرجل؟ أنا لا أعرفه!

    جسدي يعدو. قدماي ترتعشان بضعف. سأسقط.. سأسقط. أسرعت نحو حجرة ولدَيّ. يتبعني ببطء، محتاراً، غاضباً. الفريسة تسبق الوحش. هل يُعدّ سباقاً إن كان لا يتبعها؟ يقف في آخر الممرّ، كأنه يعرف أن لا منفذ لها إلا إليه. لا خلاص لها من براثنه وأنيابه. أظافره ستنهشها، ولن يتكبّد عناء مطاردة باهتة الطعم، تخلو من الإثارة.

    أسمعه: «ميعاد.. شو بلاج؟».

    أتساءل: كيف يعرف اسمي؟ كيف يرتدي كندورة زوجي؟ كيف سرق رائحته؟ كيف دخل بيتي وسريري؟!

    ولداي نائمان. أسمع أنفاسهما وشخيرهما. سأغامر بالخروج من غرفتهما نحو الممرّ، ثم إلى الصالة، فالبوابة الرئيسية، لأتفادى إمكانية أن يراني. أسرعت بالقفز. أعتمد على الظلام، أمتطيه. كأني عدت تلك الطفلة التي تظنّ أنها، إن هي أغمضت عينيها، فلن يراها الآخرون.

    وصلت إلى البوابة. عالجت مفتاحها. يدي ترتعش. أصابعي تتداخل إحداها بالأخرى. لا إمكانية للضحك على منظري المثير للشفقة الآن.

    «ميعاد!». أسرع نحوي. الوحش يشعر بابتعاد الفريسة. يخسرها، تسيل منه بخفّة سيلان الدماء من جرحٍ طازج. أُسرع إلى سيارتي. في مرآة السيارة ألمحه يرفع هاتفه إلى أذنه. تضغط قدمي الحافية على دوّاسة الوقود. يدوّي في أذني وفي الحيّ السكني الهادئ صوتُ عجلاتها على الإسفلت. لا بدّ أن جارةً عجوزاً لا تزال مستيقظة حتى هذه الساعة المتأخرة، ترفع يديها وتحوقل على هذا الشاب الطائش الذي لا يعرف حرمة الشهر ولا البيوت.

    على بُعد كيلومتر تدوس قدمي الحافية على الفرامل. تتوقف السيارة، في منتصف الطريق. حركة هوجاء. جسدي يقرّر عني ويتصرف، بحُمق ربما. رفعتُ يداً أغطّي شعري، وبالأخرى صدري المكشوف حتى المنتصف. لا أذرع تكفي لستر كلّ هذا العُري.

    السيارة لا تزال هامدة في وسط الشارع. إضاءة سيارة ضخمة تنعكس في المرايا. تقترب بسرعة. تكبر في المرايا الجانبية التي تؤكد لي أن أحجام الأجسام ليست كما تبدو عليه في المرآة. تنحرف السيارة عن الطريق. يدوّي صوت البوق. ترعد سمائي وتبرق. لا أعود قادرة على الرؤية جيداً من كشّاف السيارة. تختفي وتختفي معها البقع الملوّنة. يعود الظلام. أتذكّر ظلام حجرة ولدَيّ. كيف تركتهما مع ذلك المجرم المعتوه؟!

    أدير المقود كدفّة سفينة ثقيلة عن بحر من الظلمات. أعود إلى حيث منزلي. أتوقف بالسيارة تحت لوزة الجيران الضخمة. أدير المفتاح في فم سيارتي، أكتم أنفاسها. يذوي صوتها، ويبقى نبض قلبي المتسارع وحفيف أوراق اللوزة.

    تتحرك أصابعي على أرقام الهاتف بصعوبة. تسترجع ذاكرتي أرقام النجدة بصعوبة. أردّ على الشرطي بصعوبة. أصف له عنوان منزلي بصعوبة. بلّغت عن وجود رجلٍ غريب في منزلي. سرق رائحة زوجي وصوته، هل هذه جريمة؟ أستدرك: حاول الاعتداء عليّ. أبدو كمتأخرة ذهنياً، كمن خرجت من مذبحة. أشرق بريقي. أبتلع دموعي التي تتجمّع على زاوية شفتي العليا المكتنزة. البديهيات أضحت شديدة الصعوبة. كلّ شيء بعيد. مشوّه الملامح، عدا ذلك الوجه الغريب الملتحي. يُفرَز من الظلام كقيحٍ من دُمَّل.

    لويت رقبتي لأرى نافذة غرفة الأولاد وأنا جالسة في سيارتي.

    يُطمئنني الظلام هناك، ويوحش قلبي هنا. يستر كلَينا: جسدي شبه العاري، وجسدَي ولدَيّ. عرفت أنه لم يُصِبهما مكروه لأن الغرفة معتمة.

    ما الذي يفعله المجرم الآن في غرفتي؟ أين زوجي؟ متى تصل النجدة؟ سارعت بإغلاق صوت هاتفي. يتدارك دماغي الهفوات، جيّد. يتحرك جسدٌ في الظلام أمامي. أخفض رأسي بسرعة. أعود فأرفعه ببطء من خلف المقود. الرجل الملتحي. يقطع الشارع. هل أنهى مهمّته؟ لم يكن يحمل شيئاً، يبدو أنه لم ينوِ السرقة.

    يرتدي بنطالاً مقلَّماً يرفعه حتى كاحله. ينتعل خفَّين بلاستيكيين. «ها مب جنّه لبس نجم الدين راعي البقالة؟» تساءلت بصوتٍ مسموع. واثقة أن السيارة تحجب صوتي. بدأت أحدّث نفسي. مُطمئنة لفكرة أنها معي، كما لو كانت هي «الآخر».

    غادرت سيارتي. تسحّبت إلى داخل الحديقة، فالبوابة الرئيسية، فالمنزل. أدرت المفتاح، مرّةً.. اثنتين. هو الآن خارج المنزل. استعدت سلطتي، ومكمن قوّتي. حرّرت حدودي من المعتدي. أسرعت على المرمر البارد نحو غرفة ابنيّ. لا يزالان نائمين بسلام. يبدو أني جرحت باطن قدمي اليمنى، إذ بدأت تحرقني. التفتُّ خلفي وإذا ببقعٍ من الدم تتبعني. تقف عند غرفة الولدين، ثم تستدير، تمضي نحو غرفتي.

    قُرِعَ الجرس. أرتدي عباءتي ثم ألفّ شيلتي على شعري المسترسل. تتشرّب العباءة والشيلة بعضاً من العرق. أُسرع نحو الباب، لا بدّ أنها النجدة. أقف على رؤوس أصابع قدميّ. ينزّ الدم تحت كعبي. يتخثّر. أرفع جسدي نحو ثقب الباب.

    ثلاثة رجال بزيّ الشرطة. يتقدّمهم واحد. الوحيد الذي يمكنني الكشف عن ملامحه. وجه الرجل الغريب الملتحي. يتقافز قلبي. تسبق النبضةُ النبضةَ، سيقف في أيّ لحظة.

    يقرع الجرس بإلحاح. صوت الشرطي يرتفع بهياج خلف الباب. يهدّد باقتحام المنزل. كيف تنكَّر بزيّ الشرطة؟ كيف علم بأمر البلاغ؟ لمَ عاد؟

    ابتعدت بخطواتٍ عن الباب دون أن أستدير، اجتهدت أن تكون خفيفة خوفاً من أن تصلهم طرقات قلبي. ضرباته متلاحقة بجنون. يكاد ينخلع من مكانه، يتخبّط بين أضلاعي مثل ثكلى حاسرة الرأس في طقس عزاءٍ. تصمّ أذنَيّ. تخدشهما بأظافر من نواح.

    ثلاثة رجال وأنا. يفصلنا باب بثقبٍ. يطرق الرجل الملتحي الباب بعنفٍ أكثر هذه المرّة. يُريد لها أن تصلني، وأُريد لطرقات قلبي ألّا تصلهم. سطوة الضجّة تُخرس كلّ شيء.

    إبليس برأسٍ ملتحٍ، وفأرة برعبٍ أمرد. كيف له أن يتلبّس بكلّ هذه الشخصيات وبهذه السرعة، بينما أُسجن أنا في جسدٍ واحد؟ معركة غير عادلة. طرفان غير متكافئين.

    مزيجٌ من الطرقاتِ الغاضبة والنداءات. تتكسّر على الباب. تذوب في المساحات الخاوية الهزيلة من الليل. تخبو، ويبقى فوح الرعب من مساماتي.

    أتنفس للمرة الأولى منذ ما يزيد عن العشرين دقيقة. عجيبٌ أمر الحياة التي تنازع اختناقاً في هذا الجسد ولا تستسلم. أضغط على أول اختيار في قائمة الأرقام المفضّلة. أهاتف زوجي. أسمع الرنّة من هاتفي. أسمعها من حيث أقف، في نهاية الممرّ. أسرع نحو حجرتنا، هاتف زوجي على طرف السرير تحت ثنية البطانيّة.

    ينقطع الاتصال. الخط الأخير الوهمي بيننا يذوب، وها أنا ذا أحمل هاتفَينا معاً. أتكوّم عند حافة السرير. ركبتاي بمستوى عينَيّ. الساعة تسبق الثالثة فجراً بخمس دقائق. أهاتفها. رقمها التالي بعد رقم زوجي. أضغط عليه. يرنّ. ينقطع. أحاول من جديد. يرنّ. يأتي صوتها قلقاً:

    «كعب ريلي اليمين يعورني. ميعاد إنتي بخير؟!».

    لم أفلح بتمويه اضطرابي. تهدّج صوتي. ارتجفت زفراتها المتسارعة عبر الخط قبل أن تُقفل على وعد: «ركبت سيارتي.. أنا في الدرب!».

    احتضنت كتفي بذراعيّ، أزمّ صدري. أعتصر قلبي. أهدهده. أخادعه. أسكب وعود منيرة خمرةً أُسكِر بها مخاوفي. على ذمّة الانتظار أستجدي الصمود.

    الساعة تشير إلى الثالثة وثلاث عشرة دقيقة. ستقطع الطريق من مستشفى لطيفة إلى هنا بقرابة الخمس عشرة دقيقة. قلبي يستحيل ساعة، ميزاناً يجاري الزمن على كفتي راحتيه. كلّ نبضةٍ بثانية. ترتجّ الغرفة من صوت العقرب الصغير. يرتجّ جسدي من صوت الثانية يُحدّدها قلبي.

    أُصغي إلى صمت المكان. هيبة الغياب. ثلاثة جوازاتٍ عنّابية اللون على طاولة التسريحة. ثلاث حقائب في الصالة. تنتظرهم ليتسيقظوا بعد سويعاتٍ ويغادروا. جوازٌ أزرق واحد وحقيبةٌ واحدة فارغة تنتظر الوحدة. جسدي أمسى حقيبة سفر. الولدان نائمان. زوجي، أين هو؟

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1