Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الحقيقة دائمًا تسود
الحقيقة دائمًا تسود
الحقيقة دائمًا تسود
Ebook439 pages3 hours

الحقيقة دائمًا تسود

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تحويل المحن إلى نجاحاتٍ يحتاج إلى شجاعةٍ عظيمةٍ.
تلك هي الرّسالة الحقيقيّة لرجل الأعمال الباكستاني الشهير صدر الدّين هشواني، الذي اختار دبي مكاناً لإدارة أعماله، وهذه واحدة من خلاصات الحكمة التي سعينا ليتدارسها القارئ العربيّ من خلال ترجمة السّيرة الذّاتيّة لرائد الأعمال الكبير، حيث يروي فلسفته، ورحلته في عالم الأعمال، والتي يتيح للقارئ خلالها، الاطّلاع على خزانة أسرار النّجاح، وأسس المسير عبر الدّروب الوعرة للوصول إلى أعلى مراحل التّفوّق التّجاريّ والإنسانيّ.
Languageالعربية
PublisherMamdouh Adwan
Release dateJun 5, 2024
ISBN9789933540500
الحقيقة دائمًا تسود

Related to الحقيقة دائمًا تسود

Related ebooks

Reviews for الحقيقة دائمًا تسود

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الحقيقة دائمًا تسود - صدر الدين هشواني

    الحقيقة دائماً تسود

    سيرة ذاتية

    صدر الدين هشواني

    ترجمة: ثراء عليّ الرّوميّ

    مراجعة: د.محمّد حرفوش

    الحقيقة دائماً تسود - سيرة ذاتية

    تأليف: صدر الدين هشواني

    ترجمة: ثراء عليّ الرّوميّ

    مراجعة: د.محمّد حرفوش

    تدقيق اللغة العربيّة: د.صفوان سلّوم

    978 - 9933 - 540 - 50 - 0 :ISBN

    الطبعة الأولى: 2018

    دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع

    سوريا - دمشق - ص ب: /9838/

    هاتف-فاكس: /6133856/ 11 00963

    جوال: 00971557195187

    البريد الإلكتروني: addar@mamdouhadwan.net

    الموقع الإلكتروني: addar.mamdouhadwan.net

    fb.com/Adwan.Publishing.House twitter.com/AdwanPH

    جميع حقوق الترجمة محفوظة للناشر دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع. لا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله، على أي نحو أو بأية طريقة دون موافقة الناشر الخطية.

    إن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع غير مسؤولة عن آراء المؤلف وأفكاره. وتعبر وجهات النظر الواردة في هذا الكتاب عن آراء المؤلف وليس بالضرورة عن رأي الدار.

    شكرٌ وتقدير

    أدينُ بشكرٍ خاصٍّ لابنتي سارة التي أقنعتني بأن آخذَ على عاتقي مسألة إنجاز هذه المذكرات عبر الكتابة، ما يشبع رغبتها في أن يستفيد جيلُ الشباب من خبرتي ونضالي في الحياة.

    وأتوجه بالشكر الجزيل أيضاً إلى الصديق أشوق مالك الذي ساندني في جمع هذه المذكرات. وعليَّ الاعتراف أنّني لم أقرأْ كتاباً واحداً طوال حياتي، ما جعله يبذل جهداً مضاعفاً في مساعدتي في إتمام هذا الكتاب الذي هو الأول. وأنا على يقين أنَّ المزيد آتٍ بعده.

    صدر الدين هشواني

    مقدمة الطبعة العربية

    تحويل المحن إلى نجاحاتٍ يحتاج إلى شجاعةٍ عظيمةٍ.

    تلك هي الرّسالة الحقيقيّة لرجل الأعمال الباكستاني الشهير صدر الدّين هشواني، الذي اختار دبي مكاناً لإدارة أعماله، وهذه واحدة من خلاصات الحكمة التي سعينا ليتدارسها القارئ العربيّ من خلال ترجمة السّيرة الذّاتيّة لرائد الأعمال الكبير، حيث يروي فلسفته، ورحلته في عالم الأعمال، والتي يتيح للقارئ خلالها، الاطّلاع على خزانة أسرار النّجاح، وأسس المسير عبر الدّروب الوعرة للوصول إلى أعلى مراحل التّفوّق التّجاريّ والإنسانيّ.

    إنّ الإبحار في المسيرة الجادّة لذلك المفكر الاقتصاديّ الباكستانيّ، عبر صفحات هذا الكتاب، يمكن أن يشكّل حجر زاوية، ومنهج عمل جاد، قادر على معاونة رواد الأعمال في التعاطي مع التحديات التي قد تختطف طاقاتهم أحياناً وتستدرجهم إلى غيابات اليأس، وهو مالم يعرفه أبداً «هشواني» طوال مسيرته الملهمة.

    حينما اجتمعت مع زميلي أشرف جابر، رئيس تحرير مجلة «إي بيزنيس ريفيو» لمناقشة التعاون في إتاحة السيرة الذاتية الثرية للسيد صدر الدين هشواني (وكان بين أيدينا النسخة الإنجليزية من الكتاب) لخص لي حماسه لتلك المذكرات في كونها: قادرة على استنهاض الهمة لدى القراء، خاصة من ينسجون ملامح طريقهم في عالم الأعمال، مشيراً إلى أن بعض التحديات التي واجهها هشواني في حياته العملية، كانت تكفي لتثبيط عزيمة أكثر الناس استبشاراً وتفاؤلاً، وربما القضاء عليهم تماماً.

    وبالفعل فإن فصول هذا الكتاب هي دروس بليغة في علوم الإصرار وامتلاك الرؤية اللذين يمنحانك معاً الشّجاعة لتجاوز كلّ المحن وتحويلها إلى فرصٍ حقيقيّةٍ دون الوقوع في غواية الطّرق الملتوية، فكانت النّزاهة هي شعار رحلته الطّويلة الحافلة بكثيرٍ من القصص والمحن والعبر.

    اختار صدر الدّين هشوانيّ أن يقيم دبي التي يراها حاضنةً للأعمال التّجاريّة العالميّة، ففي عالمٍ مضطربٍ تسوده الأزمات، وشرق أوسط متقلّبٍ تبدو دبي واحة استقرارٍ وأمانٍ في ظلّ حكّامٍ منحوا إماراتهم أفضل المناخات للعمل والاستثمار، بما في ذلك البنى التّحتيّة العصريّة والفرص المتجدّدة والعيش الرّغيد، ومنحوها أيضاً مجتمعاً خالياً من العنف والتّمييز العنصريّ، فكانت مكاناً يجمع كلّ النّاجحين في المجالات كافّةً.

    لقد كانت بداية رحلة السّيّد هشواني كرجل أعمالٍ مغامرٍ في العام 1960م، حين أسّس مجموعة هاشو، وعلى الرّغم من بدايته المتواضعة من خلال توزيع الأغذية في باكستان، وانتقاله بعد ذلك إلى تجارة القطن والأرز، أصبحت شركته مع مرور السّنوات المصدّر الرّئيس للقطن والأرز الباكستانيّ إلى العالم بأسره، ومع دخول باكستان عهد التّأميم في العام 1973م، اختار السّيّد هشواني أن يدخل عالم الضّيافة والسّياحة، فدشّن فندقه الأوّل المعروف باسم ماريوت إسلام أباد عام 1978م، وكان امتيازاً لعلامة فنادق هوليداي إن، ومازال يحمل اسمه حتّى يومنا هذا.

    استمرّ هشواني في توسيع أعماله والدّخول في مجالاتٍ جديدةٍ ضمّت صناعات الطّاقة والتّعدين والسّيرميك والعقارات والسّلع والتّأمين والأدوية والفنادق، وحاز قطاع الطّاقة اهتمام المجموعة عبر استكشاف النّفط والغاز وإنتاجهما، وتوسّعت المجموعة خارج باكستان لتؤسّس لاستثماراتٍ نفطيّةٍ في إندونيسيا والعراق وفيتنام وكازاخستان والفيليبين وشمال إفريقيا وخليج المكسيك حتّى أمست مجموعة هاشو في الوقت الحالي مضطلعةً بدورٍ رياديٍّ كبيرٍ في أعمال الطّاقة والنّمو المستدام في البلاد.

    وكان للعمل الخيريّ حصّةٌ ملموسةٌ في أعماله، ففي العام 1988م قام بتأسيس مجموعة (هاشو) الخيريّة التي تعمل على دعم قطاعات التّعليم والصّحّة والتّدريب، والتي لعبت دوراً كبيراً في تأمين فرص عملٍ لما يقارب من نصف مليون لاجئٍ أفغانيٍّ، وقد سعى هشواني بإصرارٍ على دعم التّقدّم ونشره في بلاده وتأسيس الرّوابط وتقويتها مع الدّول والهيئات حول العالم، وفي هذا الصّدد كرّمته بلجيكا عام 2014م عبر تقليده الوسام الوطنيّ للملك (ليوبولد الثّاني) من رتبة قائدٍ من قبل الملك فيليب، وتقليده القلادة الذّهبيّة للصّليب المدنيّ من الدّرجة الأولى للملكة البلجيكيّة في العام 2015م، وذلك لجهوده المبذولة في مجال التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة في بلاده، ودوره في تعزيز العلاقات بين باكستان وبلجيكا.

    وتقديراً منها للمسيرة الاستثنائيّة التي حقّقها هذا الرّجل الذي صنّفته الصّحافة الباكستانيّة عام 2016م في المرتبة الخامسة لأثرياء باكستان ورجال أعمالها الرّياديّين، يضع فريق عمل مبادرة دعم الابتكار وتوطين المعرفة والذي تقوده رائدة الأعمال السيدة غادة محمد حمّوش، تجربةً غنيّةً بالإبداع والفائدة والإمتاع بين أيدي الشّباب العربيّ، ويأمل الفريق أن تكون رحلة هشواني مع النّجاح مصدر إلهامٍ تدفع الشّباب نحو اتّباع شغفهم وأحلامهم حتّى تتحقّق على حدّ تعبير هشواني الذي قال: «إنّ تحقيق أحلامي زاد شغفي في متابعة تحقيق أحلام الطّفولة...».

    لقد كانت رسالته إلى الشّباب العربيّ أنّ الحياة اليوم مليئةٌ بالخيارات، وعلى الشّباب أن يجدوا طريقهم عبرها بأنفسهم.

    لقد لخّص لنا هشواني تجربته بالقول:

    «نصيحتي للأجيال الشّابّة:

    اجتهدْ في إعداد نفسك، واتبعْ شغفك في النّهاية...

    على الإنسان أن يستمرّ في التّعلّم والتّأقلم من أجل التّغلب على العقبات جميعاً، وتحقيق النّجاح تلو الآخر، وهذا لا يتأتّى إلّا عبر العمل الدّؤوب واكتساب المعرفة والخبرة..

    لا أنصح أحداً بالاستعجال، ولا أريد له التّردد في الآن ذاته، بل على المرء إيجاد إيقاعه الخاصّ والمحافظة عليه في وجه التّقلّبات..

    يمكن لأيّة بدايةٍ متواضعةٍ أن تكون ركيزةً لحياةٍ ناجحةٍ، لكن على المرء أن يكون جاهزاً للتّعلّم والتّطوّر كي يستطيع السّير باتّجاه طموحه».

    نتمنّى لكم قراءةً ممتعةً تحلق بكم في فضاءات النجاح، وتتلمّسون عبرها خطواتكم في دروب التّفوّق...

    عبدالله سعيد الزعابي

    رئيس مجلس إدارة مجلة ا َ ي بزنيس ريفيو

    مقدّمة المؤلف

    من أنا، ولماذا أكتب هذا الكتاب؟ إنني أكتبه بالقدر عينه من التّفاؤل والأمل اللذين كانا عنوان حياتي التي وضع القدر في طريقي خلالها الأصدقاء والأعداء، وأغناها بالطّاقات الإيجابيّة والسّلبيّة على حدٍّ سواء. وهذا ما يسوّغ رغبتي في أن أبدأ بإهداء كتابي إلى جيل الشّباب في باكستان وإلى رجال بلادي ونسائها الذين هم في مقتبل العمر، إضافةً إلى من ينتمون إلى تلك الرّقعة الأكثر اتّساعاً في آسيا الوسطى والجنوبيّة، والتي تقبع باكستان على مفترق طرقها. وآمل أن يتمكّن كتابي من إلهامهم من أجل بناء باكستان أفضل، وغدٍ أجمل - تغدو فيه بلادنا مجتمعاً مزدهراً عادلاً ومنصفاً، يستحقّه شعبٌ أصيلٌ، وصل عديدُه إلى مئتي مليون نسمة.

    وعلى الرّغم من أنّ العادة درجت أن تحتفي مذكّرات المرء بالحياة والإنجازات، إلاّ أنّني لا أنوي جعل كتابي أنشودة نصرٍ تروي ظمأ النّفس التوّاقة للعلا، وإنّما سأجعله تسبيحة شكرٍ لبلدي وأهله، ولله عز وجلّ الذي وهبني أكثر ممّا استحقّ وأتمنّى. على الرغم من ذلك، كان من الممكن، ومن الواجب، أن تكون الحياة أيسر، ذلك لو كانت ظروف باكستان أفضل ممّا هي عليه، ولو كانت نيّات أولئك الذين يديرون سدّة الحكم فيها سنواتٍ عديدةً أنزه. ومن المحزن أنّ القضيّة لم تكن على هذا المنوال في أغلب الأحيان، ولذلك كلّه فإنّ كتابي لن يقتصر على إنجازاتي وميزانيّة شركاتي، بل سيكون قصةَ رجل أعمالٍ ناضل ضد السّياسيّين والدّكتاتوريين الفاسدين بهدف تعزيز نظرية المشروع التجاري.

    ويعد المشروع التجاري عدو الدّكتاتوريّة، إذ يتطلّب الشّفافيّة، ويخلق أعمالاً ويطلق فرصاً، والشّفافية والفرص ليسا من الأشياء التي يسعى إليها السّياسيّون والدّيكتاتوريّون في المجال العام؛ فهم يتهرّبون من تأمين فرص العمل للشّباب، ويسعون إلى استغلالهم من أجل تحقيق غاياتهم الخاصّة، وغالباً يكون ذلك من خلال أسباب عاطفية. ويبدو الأمر كأنّ لديهم مصلحةً مكتسبةً في الفقر - أو هذا ما أوحت به تجربتي. وللأسف، هكذا كانت تجربة باكستان على مدى العقود السّتّة الماضية.

    أنا فخورٌ بانتمائي إلى الإسلام، وفخور بانتمائي إلى باكستان. فأسرتي عاشت في هذا البلد سبعة أجيالٍ، وحياتي النّاضجة الواعية قد التبس عليها تاريخ باكستان كأمّة حرّة... فأنا نتاج حالات مدّها وجزرها، سرّائها وضرّائها، وانتصارات التّطلعات البعيدة، ومراحل الرّكود الاقتصاديّ، وآمالها الغضّة وأحلامها الرقيقة ومخاوفها البريئة وكوابيسها المروّعة. وأنا لا أساوي شيئاً إن تجرّدت من كوني باكستانيّاً، لأنّ معرفتي بهذا البلد وتاريخه لا تقتصر على كوني ولدت فيه، وأحببته، لكنّها تعود إلى أنّي قد ترعرعت وأصبحتُ كهلاً فيه.

    لقد تشكَّلت باكستان أمّةً، في عام 1947م، وحملت طموحاتٍ ذهبيّةً، إذ كانت غنيّةً بالموارد البشرية، وعاشت نعمة الوفرة الزّراعيّة، وضمّت قاعدةً صناعيّةً وموارد معدنيّةً أيضاً، ومرفأً ممتازاً في كراتشي، هو أحد أفضل مرافئ آسيا في فترة ما بعد الحرب. صمّم الشّعب الباكستانيّ على تسيير أموره بنفسه، وبناء أمّةٍ سعيدةٍ، حيث استطاع المواطنون كلُّهم - سواء كانوا أغنياء أم فقراء - أن يتعايشوا بصرف النّظر عن مشاربهم المختلفة.

    وقد تُرجم هذا الحلم على أرض الواقع على نحوٍ جزئيٍّ. فباكستان اليوم تواجه تحدِّياً هائلاً في العلاقات الدّوليّة، وتشتهر بالعنف وانعدام الاستقرار والفساد المزمن والبطالة، وفي الوقت عينه بدأت تعاني من تقليص الطّاقة والانهيارات الاقتصاديّة. لماذا؟ بالتأكيد؛ تمّ استنزاف الأمّة الباكستانيّة بحروبٍ لم تبدأها، ولم ترغب فيها. وتركت الأزمة الأفغانية أثرها في البلاد على مدى أربعين عاماً على الأقلّ، وكذلك فعلت الحروب المتعاقبة التي شنّها الاتّحاد السّوفييتيّ في عام 1979م عبر غزواته، أو شنّها الأمريكيّون وحلفاؤهم عام 2001م، فباتت باكستان مسرحاً للنّزاعات، وعانت شرَّ معاناةٍ في معظم مفاصلها الحيويّة والاقتصاديّة والإنسانيّة.

    لقد عانت باكستان أكثر من أي بلدٍ آخر، سواء من عبء اللاجئين الهائل، أو من إزهاق المئات أو الآلاف من الأرواح بالرّصاص والقنابل، أو جنود العدوّ أو الهجمات الإرهابيّة. وبالنسبة إلى القوى العظمى في العالم، كان كلٌّ من الحرب الأفغانية بين عامي 1979م و1989م والمعارك التي اندلعت في عام 2001م، مباريات شطرنجٍ محكمة، أو إذا ما سُمِحَ بخلط الصور البيانية، صراعاً تديره قوى خفيّةٌ من خلف الكواليس، أشبه بألعاب الأتاري أو الكومبيوتر. أرهقت هذه الحروب والمعارك باكستان مادّيّاً ومعنويّاً، وفترتْ معها حيويّة جيلين من شعبنا. ونتيجةً لذلك، باتت باكستان تتصدّر العناوين الرّئيسة للصّحف العالميّة، بما لا يرغب فيه أيّ باكستانيٍّ أصيل أو أيّ شخصٍ ينضوي تحت لواء الإسلام.

    كيف وصلنا إلى هذا المأزق، وكيف لنا أن نخرج منه؟ أسئلةٌ أطرحها في كتابي هذا، وأبحث لها عن أجوبةٍ موضوعيّةٍ مستعيناً بخلاصة خبرتي في الحياة، وسيرتي المهنيّة. يجب عليّ الاعتراف بأنّني لست مثقّفاً، فمعرفتي بالعالم لم تكن عبر الكتب أو أطروحات الدّكتوراه، بل نشأت عبر التّجارب، فنمتُ في مقطورات الشّاحنات في صحاري بلوشستان الباردة، وفي غرف الفنادق الورديّة ذات النّجوم الخمس. والامتياز الذي أتمتّع به هو أنّني تعلّمت من كلا التّجربتين، وواظبت على التّعلُّم باستمرار. وفي الحقيقة، عندما تتتبّع تعاليم الرّسول محمّد عليه السّلام، وتدرّب نفسك على الابتعاد عن المتع الماديّة ليكون تركيزك الأوحد على إغناء الرّوح، فلن يهمّك إن نمت ملتحّفاً السّماءَ، ورملُ الصّحراء يلفح وجهك، أو نمت على فراشٍ وثيرٍ في جناحٍ فندقيٍّ مكيّف الهواء.

    لا أكتب هذا الكتاب لأخبركم كيف استطعت أن أنجح في الانتقال من الصّحراء إلى جناحٍ في فندقٍ، ومن منشأ متواضعٍ في طبقةٍ متوسّطةٍ إلى حالةٍ أملك فيها ما يكفي ويستر بحمدٍ من الله ونعمةٍ، إذ يصعب عليّ كثيراً أن يكون هذا الأمر مدعاة فخرٍ وسبباً للكتّابة؛ ذلك بعيدٌ عن المنطق إلى حدٍ كبيرٍ، وسأحاول توضيح السّبب في ذلك. لدي ارتباطاتٍ مع شركاتٍ وكياناتٍ متعدّدةٍ، لكنّ ما يهبني الرضا العميق هو مؤسسة هاشو التي تديرها ابنتي. وقد عملت هذه المؤسسة في ميادين شتّى، كالتعليم والصّحّة العامّة، وتطوير منتجات الحليب، وإنتاج عسل النّحل، وصاغت مشروعاً استراتيجيّاً ناجحاً متعلّقاً بتطوير مهارات اللاجئين الأفغان في باكستان. وقد أمّن هذا المشروع المساعدة لما يناهز نصف مليون شخصٍ في صراعهم ضد الفقر، وفي سعيهم إلى حياةٍ أفضل.

    لا أشعرُ بالغرور نتيجةَ إنجازات مؤسّسة هاشو، بل هو شعورٌ صادقٌ بالامتنان لله عَزَّ وجَلّ الذي وهبني ميزة مساعدة إخوتي في الإنسانيّة وأخواتي وإخوتي الباكستانيّين. لا أهدف من عملي إلى تحصيل الشّهرة، وعلى الرّغم من إلحاح الأصدقاء، فلن أكتبَ عن انخراط المؤسّسة في الأعمال الخيريّة في هذا الكتاب. وهذا ليس مبتغاي. إنّ غايتي هي الوصول إلى السّلام الدّاخليّ والرّضا الدينيّ والدّنيويّ؛ إنّه حمد لله وشكر له. وعليّ أن أضيف بالأسلوب ذاته أنّ سيرتي المهنيّة، والشركات والأعمال التي أسّستها وأديرها تهبني جميعها الرّضا، بوصفها في خاتمة المطاف تساعد النّاس في خلق فرص عملٍ، وتعزّز الاقتصاد المحليّ، وترفع من مستويات معيشة النّاس العاديين البسطاء الذين يعيشون على تخوم الفنادق والمصانع التي تدعمها مجموعة هاشو. وبالنسبة إلي، هذا هو المطلب الأساس للعمل. هو جوهر الرّأسماليّة، وبما يثير دهشة قرائي غير المسلمين، جوهر الإسلام أيضاً.

    لم أستفد أبداً من حضور مدرسة إدارةٍ افتراضيّةٍ، لأحصل على درجةٍ عاليةٍ في إدارة الأعمال، فتقنيات الإدارة والأعمال التي أمارسها قد تعلمتها باجتهادٍ شخصيٍّ. وإن كان لا بدّ من ذكر مصدرها، فهي مستوحاةٌ من القرآن الكريم - مستودعِ الحكمة الذي أنهل منه جلّ علومي، والذي يتركني في حالةٍ أكثر سلاماً، وأعمق غنًى ثقافيّاً في كلّ مرّةٍ أعيد قراءته - ومن الإسلام حسبما تلقيت التعليم أن أحبّه وأثمّنه. وعلى الرغم من المغالطات بشأنه، على وجه الخصوص في الغرب، هو معتقدٌ سهلٌ وتحرّري. وهو لا يُثقلُ كاهل معتنقيه، ويدعو إلى التّكافؤ والمساواة، ويحضّ على العدل والإنصاف، تجاه الله الواحد الأحد. ولعلّ ما ذكرته يلخّص الرّسالة الإسلاميّة الجميلة والبسيطة والعميقة في آنٍ معاً. وهي ما تجعل من الإسلام ديناً عمليّاً جداً، وطريقة حياةٍ من السّهل التكيّف معها.

    لم يكنْ أمراً من دون سبب أن الرسول (ص) كان صاحب أسرة، وجمع بين الحكمة الرّوحيّة والبصيرة العمليّة في الحياة من خلال عمله كتاجرٍ. وهو يتحدّر من جدّه الأكبر الجليل هاشم الذي كان سبّاقاً في التجارة في مدينة مكّة. وهذا الجانب من حياة الرّسول (ص) ما فتئ يدهشني ويؤثّر فيّ، وقد حاولت أن أسير على خطاه. ولعلّ بناء الشّركات وتأسيس ثروة لزملائي وشركائي والموظفين لديّ لم يمثّل التزاماً دنيوياً بالنّسبة إليّ بقدر ما كان التزاماً روحياً. إنّه صورةٌ من صور خدمتي لهذا الدّين الحنيف، وواجبٌ مترتّبٌ عليّ بوصفي مسلماً.

    لقد علّمني الإسلام كيف أرى في العمل دعوةً اجتماعيّةً، وليس غايةً في ذاتها. لقد استندت في العديد من قراراتي في العمل إلى رهاناتٍ مرتبطةٍ بمستقبل باكستان، وليس على أساس حسابات الرّبح المباشر. وفي كلّ مرّةٍ أقوم فيها بمجازفاتٍ جريئةٍ يتملّكني إيمانٌ بأنّ باكستان ستستفيد إن نجحت مجازفتي. وهذا ليس تبجّحاً مغروراً أجوفَ؛ فقد بقيت بلادي ومواطنوها محوراً لخططي في العمل، سواء من خلال بناء فندقٍ في غوادار ضمن ناحيةٍ معزولةٍ، ومن دون وجود أيّ زبائن، أم عبر التّنقيب عن النّفط واستكشاف الغاز حرصاً على تزويد باكستان بالطّاقة وتحقيق أمنها في هذا المجال. وفيما مضى أخبرت صديقاً أمريكيّاً أنّ باكستان ليست اسماً على جواز سفري فحسب، بل هي شغفي. وقد استمرّ هذا الشّغف، مع أنّني أرغمت على قضاء خمس سنواتٍ خارج بلدي الحبيب في منفى افتراضيٍّ في دبي. لقد بقي هذا البلد نبضي الأبديّ، على الرّغم من أنّني أدرجت على لائحة الممنوعين من السفر، بوصفي شخصاً لعيناً ومداناً بجرمٍ شائنٍ مدّة اثنتي عشرة سنةً، والتي تمنع الباكستانيين المدرجين فيها من مغادرة البلاد. كنت شغوفاً إلى درجة أنّني ربّما أكون الباكستانيّ الوحيد الذي أدرج اسمه في لائحة الممنوعين من الخروج، وهو خارج البلاد، وبدلاً من البقاء وراء البحار، اخترت العودة إلى وطني، ومواجهة العواقب.

    أعتبر نفسي في الخارج، النّاطقَ باسم باكستان، المدافع عنها، وسفيرها الذي نصّب نفسه ذاتيّاً. ولقد قمت بدعم الجيش ومنظومة الأمن في البلاد في العقد المنصرم، حينما كانت هذه البلاد تتعرض للهجوم - على نحوٍ ظالم على ما أعتقد - من قبل وسائل الإعلام الغربيّة. وفي عام 1998م، وبعد أن أطلقت الهند قنبلةً نوويّةً بطريقةٍ استفزازيّةٍ، كان من الواضح بالنّسبة إليّ أنّ باكستان عليها أن تردّ عبر اختباراتها النّوويّة الخاصّة، على الرّغم ممّا سينجم عن الاختبارات من عقوباتٍ اقتصاديّةٍ، وتراجع عملي - لكنّ ذلك كلّه لم يمنعني من الإصرار الشّديد على أن الاختبارات النّوويّة في باكستان أساسيّةٌ لا محيد عنها. لم تكنْ مكاسبي وخساراتي الشّخصيّة في لبّ الأمر، بلْ مثّل كلٌّ من باكستان وأمنها الأولوية بالنسبة إليَّ.

    تكمن مشكلتي في أنّني صريحٌ جداً، فأنا أسارع للإفصاح عمّا في يدور في خلدي، بطريقةٍ أكثر عفويّةً ممّا قد ينصح به أيّ دبلوماسيٍّ. أتكلّم بلا وجلٍ ولا حقدٍ، وحديثي فيه كثيرٌ من الصّراحة والقوّة. وهذا ليس محطّ تقديرٍ دائماً وأكسبني عداوة أناسٍ متنفّذين - من منافسيّ في العمل أحياناً، وخصوصاً أصحاب المال الرّاسخين المتأصّلين الذين رأوا فيّ شخصاً مزعجاً، ومحدث نعمةٍ، في أيّام شبابي الأولى؛ وموظّفين مدنيّين مغترّين بأنفسهم، وطغاة أقوياء أنانيّين، وسياسيّين متعجرفين. وثمّة أناسٌ وضع شعب باكستان ثقته فيهم لمواجهة قدر البلاد، لكنّهم خانوا تلك الثقة، أذوني أيضاً. إنَّ أذيتهم لي ليست إلاّ قصة هامشية، أما الأذى الذي تسببوا به لباكستان فلا يمكن حصره.

    أنا لا أحمل أيّة أحقادٍ. حسبما تخبرني حفيدتي، أنا أفقد أعصابي في لحظاتٍ، لكنّني سرعان ما أستعيد هدوئي. وأخلد إلى النّوم ليلاً في منتهى الهدوء والسّكينة وراحة البال، ولا أفسح مجالاً لأيّة نزاعات أو مجادلات أن ترافقني إلى صباح اليوم التّالي. إنّها دروسٌ قديمةٌ تعلّمتها من والديّ في مرحلةٍ مبكرة من حياتي وعادت عليَّ بالنفع في تعاملاتي على الصّعيدين المهنيّ والشّخصيّ. فإن طعنني أحدهم من الخلف أو حاول أن يضعفني، أفوّض أمري إلى الله ليحميني وينصفني وفق حكمته.

    على الرغم من ذلك، أشعر أنّه من الصعب عليَّ أن أغفر أو أنسى خيانة باكستان. إنّ من تعاليم الإسلام الجوهريّة أنّه لن يرافقنا إلى قبورنا شيءٌ مما نملكه،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1