Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سدهارتا
سدهارتا
سدهارتا
Ebook191 pages1 hour

سدهارتا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كانت هناك شجرة على ضفة النهر، شجرة جوز هند. اتكأ سدهارتا عليها، ولف ذراعه حول جذعها ثم تطلع إلى المياه المخضرة التي تتدفق تحته. تطلع إلى الأسفل وملأته رغبة في أن يرخي نفسه ليغرق في الماء. فالفراغ الرهيب في الماء كان يعكس فراغاً مرعباً في روحه. نعم. كان في نهايته. إذ لم يعد هناك شيء قد تبقى إلا أن يزيل نفسه. هذا هو العمل الذي كان يتوق للقيام به، أن يدمر الصيغة التي كان يكرهها! فلتلتهم الأسماك قلب سدهارتا هذا، هذا المعتوه، هذا الجسد الفاسد المهترئ، تلك الروح البليدة المستهلكة! فلتلتهمه الأسماك والتماسيح ولتمزقه الشياطين إرباً.

بملامح متشنجة راح يحدق إلى الماء فرأى وجهه وبصق عليه. أبعد ذراعيه عن جذع الشجرة وتحول قليلاً لعله يسقط على رأسه ويغوص. وانحنى بعينين مغلقتين نحو الموت.
Languageالعربية
PublisherMamdouh Adwan
Release dateJun 5, 2024
ISBN9789938833393
سدهارتا

Read more from هرمان هيسه

Related to سدهارتا

Related ebooks

Related categories

Reviews for سدهارتا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سدهارتا - هرمان هيسه

    توطئة

    حيث إن الرواية تدور في عالم بوذي، يرى المترجم من المفيد أن يلمّ القارئ ببعض المعلومات عن الأسماء التي سوف ترد في الرواية، لزيادة المتعة وزيادة الفهم، وهذا هو الأهم، لأسلوب هيرمان هيسه ولتفاصيل لعبته الذكية. على الرغم من أنه في الإمكان قراءة الرواية والاستمتاع بها من دون هذا الإلمام.

    براهما: الذات العليا، العلة الأولى، روح الكون وجوهره.

    ابراهما ( البراهمي ): أحد أفراد طبقة الكهنوت العليا.

    أتمان: أحد أهم المفاهيم الأساسية للفلسفة الهندوسية، وهي لوصف جوهر الشخصية الخالد الذي يبقى بعد الموت والذي يتقمص في حياة جديدة أو يتحرر من قيود الوجود.

    براجاباتي: (رب المخلوقات بالسنسكريتية) هو أحد الآلهة في مرحلة الفيدا.

    أوبانيشاد: تفصيلات تأملية نثرية وشعرية في الفيدا.

    الفيدا: الكتب الدينية المقدسة لدى الهندوس.

    الفيدانتا: الفلسفة الهندوسية المستقاة من الفيدا.

    أوم : مقطع صوتي مقدس في الهندوسية والأديان الهندية الأخرى.

    ويعتبر المقطع الأعظم في المانثرا كلها (المانثرا عبارات مقدسة ذات طاقات صوفية)، وهي مؤلفة من ثلاثة أصوات (آ، أو، ام) وتمثل أكبر ثالوث هام: العوالم الثلاثة (الأرض والجو والسماء)، والآلهة الهندوسية الكبرى (براهما، فينسو، سيغا)، وكتب فيدا المقدسة الثلاثة (رغ، ياجور، ساما)، وبالتالي فإن أوم تشتمل، صوفياً، على جوهر الوجود. تلفظ في بداية ونهاية الصلوات والأناشيد والتأملات.

    سامانا: أحد المتصوفين الزهاد الداعين إلى المساواة.

    كريشنا: إله محبوب. هو الظهور الثامن (أفانتارا) للإله الهندوسي فيشنو.

    سامسارا: تعبير عن مفهوم التقمص. الركض دائرياً عبر الأجيال.

    نيرفانا: الهدف الأسمى من التأمل، وحالة التخطي في البوذية. هي السعادة القصوى التي يتم بالدخول فيها تجاوز الألم ويتم الوصول إليها بقهر الجسد وقتل الشهوات.

    غوتاما: اسم بوذا (سدهارتا غوتاما).

    بوذا: هو بوذا المعروف مؤسس الديانة البوذية. واسم بوذا يطلق على كل من بلغ حالة الكمال والصفاء.

    فازوديفا: اسم آخر لكريشنا. مذهبه هو الحركة الأساسية والأولى في الهندوسية. مثّل ظهورها مع جماعات أخرى، مثل باغافاتا، بداية مذهب عبادة فيشنا (فيشنو).

    كامالا: اسم شجرة هندية يستخدم مسحوق بذورها في الصباغة والمعالجة.

    أغني: لفظياً تعني النار. ودينياً إله النار في المرتبة التالية بعد إندرا. هو نار الشمس والبرق ونار الموقد التي تضرم لغرض العبادة.

    مايا: ماها – مايا أم بوذا، وفي الفلسفة الهندوسية هي السحر والعرافة والوهم. وهي تعبير مهم من تعابير الفلسفة. كانت تعني في الأصل قدرة الإله (أي إله) على جعل البشر يؤمنون بشيء ثم يتبين أنه وهم أو غير حقيقي. وبالنسبة إلى المذاهب غير الأثنية (الأثنية هي الإيمان بثنائية الجسد والعقل، خضوع الكون لمبدئي الخير والشر، الإنسان روح وجسد) مايا هي القوة الكونية التي تقدم البراهما (الذات العليا) اللامحدودة في عالم ظاهراتي محدود. وعلى مستوى الفرد هي الجهل البشري (أجنانا) بالطبيعة الحقيقية للنفس والتي أخطأ الإنسان واعتبرها الذات المجربة والتي هي في حقيقتها متطابقة مع البراهما.

    القسم الأول

    ابن البراهمي

    في ظلال البيت، وفي ضوء الشمس على ضفة النهر قرب القوارب، وفي ظلال غابة الصفصاف وأشجار التين، ترعرع سدهارتا، الابن الوسيم للبراهمي، مع صديقه غوفندا. لفحت الشمس كتفيه الهزيلتين على ضفة النهر وهو يستحم للطهارة في أيام الأضاحي. وكانت الظلال تمر على عينيه وهو يلعب بين أشجار المنغا بينما أمه تغني وأبوه يعطي دروسه وهو بين المتعلمين، وكان سدهارتا قد شارك في أحاديث المتعلمين وخاض مجادلات مع غوفندا كما مارس معه فن التأمل الروحي والاستغراق في التفكير. ولقد تعلم كيف يلفظ «أوم» بصمت، وهذه كلمة الكلمات، على المرء أن يقولها في أعماقه عبر مجرى الهواء فيما يزفر بطاقة روحه كلها وجبينه يشع بوهج الروح الصافية. وتعلم أيضاً كيف يتعرف على «أتمان» في أعماق كينونته، الخالدة، والمتوحدة مع الكون.

    كانت السعادة تملأ قلب الوالد لأن ابنه ذكي ومتعطش للمعرفة. وقد رآه ينمو ليصبح متعلماً عظيماً، كاهناً وأميراً بين البراهما.

    كما كان صدر أمه يمتلئ بالزهو وهي تراه يمشي ويجلس وينهض، سدهارتا قوي وسيم لين الأطراف ويحييها بكياسة تامة.

    وكان الحب يتأجج في قلوب بنات البراهما الشابات عندما كان سدهارتا يسير في شوارع المدينة بجبهته السمحة وعينيه الملكيتين وقوامه الرشيق.

    وكان غوفندا صديقه، وابن البراهميين، يحبه أكثر من أي شخص آخر. كان يحب عيني سدهارتا وصوته الصافي. كان يحب طريقته في المشي والنبل الكامل في حركاته. وكان يحب كل ما يفعله أو يقوله سدهارتا ولكنه كان يحب فيه، أكثر من أي شيء آخر، ذكاءه وأفكاره المتوهجة الجميلة وإرادته القوية وحميته. وعرف غوفندا أنه لن يكون براهما عادياً، مسؤولاً كسولاً للقرابين، أو متعاطياً جشعاً للأقوال السحرية، أو خطيباً تافهاً مغروراً، أو كاهناً شريراً ماكراً أو مجرد غنمة غبية طيبة في القطيع الكبير. كلا. وغوفندا، نفسه، لم يكن يريد أن يصبح شيئاً من هذا القبيل. كان يريد أن يقتدي بسدهارتا الحبيب العظيم. وإذا ما صار إلهاً، وإذا ما تسنى له أن يدخل الألق الكلي، فإن غوفندا يود أن يتبه كصديقه ومرافقه وخادمه وحامل لرمحه وظل له.

    هكذا كان الجميع يحبون سدهارتا. لقد كان يثير البهجة والسعادة في الجميع.

    لكن سدهارتا، نفسه، لم يكن سعيداً. فخلال تجواله على الطرق المزهرة لكرم التين، وجلوسه للتأمل في الظل المزرق للغابة، وغسيله لأطرافه في حمام التفكير اليومي، وتقديمه القرابين في أعماق غابة المنغا المظللة ببهاء وعظمة كاملين، وهو محاط بمحبة الجميع، وهو يثير الغبطة لدى الجميع، فإنه لم تكن هناك غبطة في قلبه. كانت الأحلام والأفكار المقلقة تتدفق إليه من النهر ومن النجوم المرتعشة في الليل ومن أشعة الشمس الحارقة. كانت الأحلام وتوثبات الروح تأتي إليه، صاعدة من دخان القرابين ومنبعثة من أشعار ريغ فيدا وراشحة عبر تعاليم البراهما العجائز.

    بدأ سدهارتا يحس ببذور عدم الرضى في داخله. بدأ يحس أن حب أبيه وأمه، وحب صديق غوفندا أيضاً، لن يجعله سعيداً على الدوام أو يمنحه الراحة ولن يكفيه أو يشبعه. وبدأ يشك في أن أباه المحترم ومعلميه الآخرين، البراهما الحكماء، قد أعطوه خلاصة حكمتهم وأفضل ما فيها وأنهم قد سكبوا زبدة معرفتهم في وعائه المتلهف، ولكن الوعاء لم يمتلئ وعقله لم يحس بالاكتفاء وروحه لم تهدأ وقلبه لم يركن.

    لقد كانت عمليات التطهير ممتازة، لكنها بالماء، فهي لم تغسل الخطايا ولم تخفف عن القلب المكروب. الأضحيات والتضرعات للآلهة رائعة، ولكن هل هي كل شيء؟ وهل القرابين تمنح السعادة؟ وماذا عن الآلهة؟ وهل أن براجاباتي، حقاً قد خلق العالم؟ أوليس أتمان الواحد الأحد، هو الذي خلقه؟ أوليست أشكال الآلهة مخلوقة؟ مخلوقة مثلي ومثلك وبالتالي فهي فانية وزائفة؟ فهل هو خير وحق، وهل هو معقول ومجد تقديم الأضحيات للآلهة؟ ولمن غيرهم على المرء أن يقدم أضحياته ولمن على المرء أن يقدم الولاء إن لم يكن لأتمان الواحد الأحد؟ وأين يمكن العثور على أتمان؟ أين يقيم؟ وأين يخفق قلبه الخالد إن لم يكن داخل النفس، في الأعماق في الأبدي الذي يحمله كل إنسان في داخله؟ ولكن أين هي هذه النفس، هذه الأعماق؟ ليست سمكاً وعظماً وليست فكراً أو وعياً. هذا ما كان الحكماء يلقنونه. فأين هي إذاً؟ الضغط باتجاه النفس، باتجاه أتمان، أكانت هناك وسيلة أخرى جديرة بالبحث؟ لم يكن لأحد أن يدل على الطريق فما من أحد كان يعرفه، لا أبوه ولا أساتذته ولا الحكماء ولا الأغنيات المقدسة. البراهما بكتبهم المقدسة يعرفون كل شيء، كل شيء، ولقد تبحروا في كل شيء، خلق الدنيا، وأصل الكلام والطعام، الشهيق والزفير، ترتيب الحواس وأعمال الآلهة. كانوا يعرفون عدداً هائلاً من الأمور، ولكن هل لمعرفة هذه الأمور من قيمة إذا كانوا لا يعرفون أمراً مهماً واحداً، هو الأمر المهم الوحيد؟

    أبيات كثيرة في الكتب المقدسة وخاصة «أوبنيشادا ساما-فيدا» كانت تتحدث عن ذلك الشيء الداخلي. والمكتوب هو «روحك هي العالم كله» ويقول أيضاً إنه حين يكون الإنسان نائماً فإنه يخترق أعماقه ويحل في أتمان.

    وكانت هناك حكمة هائلة في هذه الأبيات: معرفة الحكماء كلها مروية هنا بلغة ساحرة ونقية كالعسل الذي يجمعه النحل. ولكن لا. هذه الكمية الهائلة من المعرفة، المجموعة والمحفوظة خلال أجيال متتالية من البراهما الحكماء لا يمكن التغاضي عنها بسهولة، ولكن أين هم البراهما والكهنة والحكماء الذين لم ينجحوا في الحصول على هذه المعرفة العميقة فقط بل وفي تجريبها؟ وأين هو ذلك المبتدئ الذي، بعد التوصل إلى أتمان في نومه يستطيع استعادته في الصحو، في الحياة، وفي أي مكان، في الكلام وفي الفعل؟ كان سدهارتا يعرف العديد من البراهما المحترمين، وعلى رأسهم أباه، التقيّ المتعلم بمكانته الأرفع. كان أبوه جديراً بالإعجاب فطباعه هادئة ونبيلة. كان يعيش حياة خيرة وكانت كلماته حكيمة وكانت أفكارٌ جميلةٌ وساميةٌ تملأ رأسه، ولكن حتى هو الذي يعرف الكثير، هل كان يعيش في سعادة؟ وهل كان هانئاً؟ ألم يكن هو الآخر باحثاً قلقاً؟ ألم يكن يذهب باستمرار إلى الينابيع القدسية بظمئه الذي لا يرتوي، وكذلك إلى الأضحيات والكتب ومجادلات البراهما؟ فلماذا عليه هو، الذي لا يلام، أن يزيل خطاياه ويحاول التطهر مجدداً كل يوم؟ أيعني هذا أن أتمان ليس في داخله؟ ألم يكن المنبع إذاً في قلبه؟ على المرء أن يجد المنبع في نفسه ذاتها، وعليه أن يستحوذ عليها. وكل ما عدا هذا بحث وتوهان وخطأ.

    تلك

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1