Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

حلاوة
حلاوة
حلاوة
Ebook204 pages1 hour

حلاوة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في أواخر شهر أكتوبر، تقوم كاتبة متخصصة بحياة القديسين بإلقاء محاضرة في إحدى قرى السويد الشمالية النائية. وبعد أن تنتهي المحاضرة يتقدم منها رجل مسن ليخبرها أنها ستبات عنده.
تطول إقامتها لديه بسبب عاصفة ثلجية تقطع الطريق، وخلالها تتعرف أكثر على حياة مضيفها هادار الذي يعاني من مرض السرطان والمنافسة الغريبة التي تربطه بأخيه وجاره أولف الذي يعاني من مرض القلب.
عن شقيقين يتشاركان الكثير وتربطها علاقات متشابكة من الغيرة والتنافس والشعور بالذنب وضيفة غريبة تصبح محركاً لهذه العلاقة، يروي "تورجني ليندجرين" بسخرية سوداوية في روايته "حلاوة" الحائزة على جائزة "أوغست" قصة مختلفة عن الأخوة.
Languageالعربية
PublisherMamdouh Adwan
Release dateJun 5, 2024
ISBN9789933540876
حلاوة

Related to حلاوة

Related ebooks

Related categories

Reviews for حلاوة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    حلاوة - تورجني ليندجرين

    حلاوة

    رواية

    تورجني ليندجرين

    Chapter-1.xhtml

    حلاوة

    كانت ستبيت في فندق صغير بعد أن تفرغ من إلقاء محاضرتها، ومن ثم تغادر في اليوم التالي عائدة إلى بيتها. وضعت ثيابها في حقيبتها التي تحملها على كتفها، ووضعت أدواتها الشخصية في محفظتها: الكتب والدفتر والأقلام.

    عندما جلس جميع الحضور، خمسة عشر شخصاً، على مقاعدهم في الأبرشية، تقدمت عجوز ضريرة على كرسي متحرك إلى الفسحة الواقعة أسفل المنبر. كان لعينيها الجاحظتين غشاء رمادي يغطيهما، حاجباً البؤبؤ والقزحية. قدّمت نفسها موجهة حديثها إلى العجوز العمياء ذات المحيّا الصغير المتهرئ.

    جلست الفتاة التي كانت تدفع الكرسي المتحرك لتقرأ مجلة قصص مصورة، متكئةً على كتف العجوز العمياء لتستريح.

    المجانين المقدسون.

    قالت إن بعضهم تُسبغ عليه صفات القداسة، ولكن لا تجمع بينهم خصائص مشتركة، إذ إنهم حصلوا على هذه التسمية نتيجة ظروف خاصة أو بالمصادفة. وإذا كان ثمة شيء يميزهم، فهي حماسة ملتهبة أو إدراك مؤلم للوجود. وعي وانتباه مكثفان بشكل مرضي، وفي الوقت نفسه، انفصال ساذج عن الحياة اليومية.

    البعض منهم كانت تبدو عليه محبة أخوتهم البشر، أما الآخرون فلا.

    جلس الحضور مرتدين معاطف تفوح منها رائحة الصوف الرطب. كانوا قد قرأوا مقالاً صغيراً عن محاضرتها في الجريدة، وربما لحظوا كذلك ملصقاً على لوحة الإعلانات داخل الجمعية الاستهلاكية أو خارجها.

    إذا لم أذهب أنا، فلن يكون هناك أحد هناك. هكذا تخيَّلوا الأمر.

    كانوا جالسين بهدوء تام، وكانت وحدها الفتاة الجالسة خلف الكرسي المتحرك من يقوم بحركة من حين إلى آخر، إذ تقلب صفحات مجلة القصص المصورة.

    تزوجت القديسة «إيثلريدا» مرتين من دون أن تُمس، إذ منعها شرودها الدائم من الاتحاد النهائي، وحافظ على عذريتها. وعندما أُعدم القديس «ميثوديوس»، بدا أنه غير مدرك لما يحدث، إذ استمرت رأسه المقطوعة تعظ الحضور الوثني عن قيامة الجسد والإرادة الحرة.

    وهكذا دواليك.

    كانت قد ألَّفت كتاباً عن «يوهان آكسل صاموئيلسون»، المجرم الذي قتل الكاهن «موبري» وزوجته في تيلبريا، والذي أراد أن يعيش محاكياً حياة السيد المسيح، لكنه افتقد إلى الجدارة. وفي ذلك الشتاء، قامت برحلات متعددة من مكان إلى آخر لإلقاء محاضرات عن حياة المجرمين. كانت المؤسسات الثقافية والجمعيات التعليمية ومنظمات المحاضرين تدفع أجور هذه المحاضرات.

    كان جلياً أنها تحفظ نص المحاضرة بشكل تام. وفي أثناء حديثها، كانت إحدى يديها تعبث طوال الوقت بأزرار كنزتها الخشنة المخططة بالأبيض والأخضر، وبين الحين والآخر تضع إبهامها على عينها اليمنى، ربما لكي تسيطر على نوع من التقلصات العصبية.

    إلى جانب الباب، جلس رجل مستغرق في نومه، رأسه ملقى على صدره، وصلعته اللامعة والناصعة تعكس ضوء الثريا بأضلعها السبعة ذات المواشير. لم يبدُ عليه أنه يتنفس إلا عبر تنهيدة بين آونة وأخرى: إما خشوعاً، أو كي لا يختنق.

    في العادة، كانت تتحدث لخمسين دقيقة، أو لخمسة وأربعين دقيقة في حال أثار حماستها سبب ما.

    في هذه الحياة، إن الأتقياء، أو من يوصفون بذلك، غارقون في الوعي الذي يمثلونه، وهم يرمزون إلى أمر مجهول لا يمت لهم بصلة. بدلاً من أن يعيشوا المشاعر المعتادة، عالمهم متخيل، بالطريقة التي يقلد فيها الكلب صاحبه. لا، «التقليد» ليست بالكلمة المناسبة: في حياتهم يدمجون حياة مجهولة، بشكل مجازي هم مرتبطون بشخص أو شيء لا يعرفونه، لكنهم يودون معرفته. وحتى في هذا الشحوب والخواء تراهم يحتوون على قطرة من هذه الحياة الغريبة، وعلى الرغم من الأظافر المتساقطة والأجسام الذابلة، فإنهم يشكلون خليطاً من الرغبة والذاكرة.

    ظلوا يستمعون إليها حتى بعد أن انتهت من الحديث. لماذا ينبغي لهم أن يفهموها؟ ومن دون أن يوجهوا إليها سؤالاً، ومن دون أن يبدو عليهم الامتنان أو الشكر، نهضوا واحداً تلو الآخر مغادرين القاعة. ودفعت الفتاة، صاحبة القصص المصورة، المرأةَ العمياء على كرسيها المتحرك خارجاً.

    لم يبقَ سوى الرجل الذي كان نائماً، واستيقظ عندها.

    قال: «أنا الشخص الذي ستباتين عنده».

    لم تبدُ عليها أية دهشة. المبيت الرخيص، هذه الطريقة ستوفر المال على منظّمي الأمسية. أخذت معطفها وحقيبتيها، واقتربت من الرجل.

    حدّقا أحدهما في الآخر.

    هو يرتدي سترة جلدية سوداء قذرة فوق قميص ذي مربعات وبلوفر من صوف، ووجهه مغطى بكثير من الدمامل. يبدو أنه كان في السابق رجلاً ضخماً إلى حد ما، لكن قوى مجهولة قد التهمت ضخامته. وكانت تصدر منه رائحة نتنة.

    هي امرأة وحيدة في الخامسة والأربعين من العمر، إنسانة غريبة من الجنوب ألّفت كتباً عن الحبّ والموت والقدّيسين. كتبٌ من النادر أن يهتم أحد بقراءتها، متحدثة ذات صوت حزين وقويّ ورتيب من شأنه ألا يقنع أحداً بشيء على الإطلاق. أما عن المظهر الخارجي، فهي نحيلة وحادة ومنطوية على نفسها.

    قال لها: «قودي أنت السيارة»، وناولها المفتاح الذي كان مثبتاً بقطعة خشب عديمة الشكل سوداء اللون بسبب تراكم الأوساخ والشحوم. عندما نهض من مقعده ترنّح، وسار متراخياً وهو يتأرجح كما لو أنه يحمل عبئاً ضخماً على كتفيه. ملابسه الفضفاضة متهدلة على جسده النحيل. كأنه قد استعارها من أحد ما، عملاق ما.

    أخبرها باسمه: هادار. وأخبرته هي باسمها، على الرغم من أنه -من المفترض- يعرفه.

    كانت السيارة مركونة أمام البوابة.

    قال لها: «ليست المسافة بعيدة كثيراً. إنّها عشرة أميال تقريباً».

    ثم سألها: «هل تجيدين القيادة؟».

    «نعم، أجيدها». أجابت.

    قادت السيارة من دون أن تبدي أي اهتمام، وكأنها لا تبالي بأي شيء. كانت سيارته قديمة مبعوجة صدئة. ولم يكن هناك داع أن يرشدها: إذ لم تكن أمامها سوى طريق واحد.

    مع أن الظلام كان قد خيم، إلا أن السماء من جهة الغرب كانت ما تزال تتوهج باللون الأصفر فوق قمم الأشجار. كان اليوم هو العشرين من تشرين الأول/أكتوبر، وبقع الثلج ما زالت على أطراف الطريق.

    «إن الطبيعة والدروب التي تتعرج خلالها لها ميزاتها وخصائصها». قالت ذلك وكأنها تكلم نفسها: «وكذلك لها نقائص وعيوب، فهذا طريق رفيع ومستقيم يمر عبر أراضٍ مهملة».

    قال: «لن أقود أبداً بعد الآن. هذه كانت رحلتي الأخيرة».

    لم يقلها بهذا الشكل، إذ إن لكنته شمالية ذات أصوات غريبة بمخارج مطولة ومبهمة. ما سمعته كان ترجمة من النوع الذي يتخيل الزائر أنه يسمعه عندما يزور بلداً أجنبياً.

    «قرأت عنكِ في الجريدة»، قال لها. «ربما أنت مرسلة من الله. لم يزرنا أحد مثلك من قبل هنا. لا يعني هذا الأمر وجود الله أو رحمته، لكن حتى لو كان».

    فتحت النافذة قليلاً، كانت رائحته تخترق أنفها، وتلتصق بمسامات وجهها ويديها.

    سألته: «كيف أرسلني الله إذا لم يكن له وجود؟ ولماذا سيرسلني؟».

    - إنّه يعرف عنك وسمع عنك بسبب كل هؤلاء القديسين الذين تجولين متحدثة عنهم. إنّه يقرأ جريدة «نورّا فيستربوتن».

    كان بين الحين والآخر يرفع يده وهو يشير إلى ضوء المصباح الكشاف عبر الزجاج الأمامي للسيارة وكأنّه يريد أن يقول: «اسلكي هذا المسار، قودي السيارة بهذا الاتجاه!».

    «هكذا تسير الأمور»، قالت. «لقد كتبت عدة كتب عن المجانين المقدسين، من دون أن تحمل أي معنى، يمكنك أن تكتب عن أيّ شيء».

    ثم أضافت: «هذه المحاضرة ستكون الأخيرة، سأسافر في الصباح الباكر إلى مكان آخر، أيّ مكان».

    أجفلتْ عندما استدار إليها لاهثاً بزفيره، وأحست أنه تصرف عدائي. من النادر أن تكون رائحة الإنسان كريهة إلى هذا الحد.

    كان الطريق يتجه صعوداً، والطبيعة حولهم تزداد بياضاً. قال: «كان لدي بعض الإيمان مسبقاً، لكن في نهاية الأمر لا يمكننا رؤية ما هو أبعد من يدنا. كل شيء يتفسخ وينهار. أنا أعاني من مرض السرطان وسأموت قريباً».

    وأضاف: «لكنني لستُ متعجلاً. على المرء ألَّا يندفع من أجل أي شيء».

    لم تحاول أن تنفي حتمية موته قريباً، إذ كان ذلك واضحاً عليه تماماً؛ كان ينبغي أن يموت قبل هذا الوقت بفترة طويلة.

    لم يصادفا في طريقها أي سيارة أو يشاهدا أي بيتٍ بنوافذ مضاءة.

    ربما كانت لديه مدبرة منزل أو زوجة تنتظرهما، وقد أعدت لهذه المتحدثة سريراً في الصالة، سريراً قابل للطي ومليئاً بالتعاريج، أو فراشاً على الأرض. وربما أعدت مائدة طعام مكونة من خبز الشعير اليابس القديم والزبدة والجبن.

    انحنى إلى الأمام، وأدار وجهه إليها رافعاً قطعتي القماش المتدليتين من قبعته المزخرفة بالمربعات. كان يبدو أنه ينتظر جواباً، ربما أراد منها أن تعلق على اقتراب موعد موته.

    سألته:

    - هل ما زال أمامنا مسافة طويلة؟ هل اقتربنا؟

    - تجاوزنا مستنقعات ليندجرين، وها نحن نقترب من البيت.

    استمر في التحديق إليها، على الرغم من الظلام المخيم في السيارة، وكأنه يريدها أن تتحدث إليه. خففت من السرعة قليلاً، وأخبرته بوجهة نظرها عن الحوارات، وآرائها عنها بشكل عام.

    لم تجذبها أو تعجبها الحوارات أبداً. في الحوارات تقاد الأفكار إلى طرق غير متوقعة من الخداع، تحرف وتلوى كي تسعد أو تغضب. يمكن أن يُغدر بها بِخسَّة. في المقابل، الأفكار التي تحافظ على عزلتها تحفظ سيادتها، تبقى معتدة بنفسها من دون أي تنازلات. حتى عندما يتصارع المرء مع أفكاره الخاصة فإنه يبقى متكاملاً. كانت تريد أن تُترك بسلام مع أفكارها الخاصة. لكنها في الحقيقة لم تكن متحمسة للتفكير، فالأفكار تتآكل.

    وهكذا، عندما يكون لديها شيء لتقوله، كانت تضع ملاحظة عنه في كتبها، أو تذكره في محاضراتها.

    كان المحرك يصدر حشرجة بين حين وآخر، لكن لم يبدُ أنها تلاحظ ذلك. أما هو فكان في الغالب معتاداً عليه.

    أخبرها: «أريد التبول».

    خففت من سرعة السيارة وتوقفت على جانب الطريق.

    فتح باب

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1