Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

نسيان
نسيان
نسيان
Ebook326 pages2 hours

نسيان

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تعيش نسيان في بلد غريب وبارد، في حالة اعتقال جديدة. تحكمها القيود والأسر من كل جانب ،فتشعر بالبرد الذي يهيمن علي كل شيء، لكنها تدرك أنها ليست فقط أسيرة النظام الحكام، بل أسيرة لنفسها أيضاً،

تتأمل نسيان في الحقائق المؤلمة التي يواجهها البشر. فهم أسرى الخوف والحرية والحب والماضي والذكريات والأحلام. في هذا العالم الذي يحكمه الحقيقة المؤلمة، يفضل الناس البريق الزئاف على مواجهة الحقيقة الصادقة والمؤلمة. وفي قلب هذه القيود تجد نسيان نفسها تائهة، بينما تحاول الهروب من هذا الواقع المظلم والبارد إلى عالم حيث تترسخ فيه قيم الحرية والإنسانية.

 

 

 

 

Languageالعربية
Release dateMay 19, 2024
ISBN9798227572189
نسيان

Related to نسيان

Related ebooks

Related categories

Reviews for نسيان

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    نسيان - المنتصر بالله

    رواية

    نسيان

    سكوت ج2

    المنتصر بالله

    This is a work of fiction. Similarities to real people, places, or events are entirely coincidental.

    نسيان

    First edition 2023.

    . المنتصر بالله 2023© Copyright

    . المنتصر بالله Written by

    أطلقتُ على نفسي (نسيان) فزادني الاسمُ ذاكرة..

    كيف لي أن أنسى جميع الأحداث والمواقف التي مررتُ بها، والتي بسببها أنا الآن هنا؟

    ها هنا أنا أعيش في عالمٍ ليس عالمي، مع أُناسٍ ليسو ناسي، في بلدٍ بارد جدًا..

    طقسه، شعبه، الطبيعة الجميلة فيه، حتى المشاعر والأحاسيس تتمتَّع بقسطٍ كبير من البرودة.

    فأنا أكاد لا أرى سوى البرد في كل شيء..

    البرد هنا يُمكنك أن تراه بعينيك قبل أن تشعر به بجلد جسدك.. حتى شمس ألمانيا تجدها أحيانًا باردة.

    وسط هذا الصقيع الذي يُسيطر عليَّ كُليًا، أُمارس طقوس الحياة، والتي هي ليست حياتي أصلًا.

    غريبة أنا هنا، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، باختصار أنا لست أنا.

    بعد تجربة الاعتقال التي مررت بها، وبغضّ النظر عمَّا جرى هناك، وبعد أن اقتنعت بفكرة السفر، أو الهروب إلى أوروبا خوفًا من النظام الحاكم من جهة، ومُحاولةً مني لأُلملِم الفضيحة وستر العار من جهة أخرى، بعد كل ذلك.. كنتُ أتوقع أن أعيش الحرية، المعنى البسيط للحرية، إلا أنَّني أدركت فيما بعد:

    أن العيش في بلد أنتَ عنه غريب هو تجربة اعتقال أخرى ولكن من نوعٍ آخر..

    وهذا يصحُّ في كل زمان ومكان..

    ونحن بالأصل مُجرَّد أسرى، مُكبَّلين بسلاسلٍ من الخوف،

    أسرى الحرية.. المستقبل.. أسرى الحب.. أسرى الماضي والذكريات.. أسرى الفرح..

    نحن أسرى غدًا..

    لذلك تجد مُعظمنا قد فشل في تحقيق شيء هامٍّ لنفسه، رغم أنه حاول.

    وهل للأسرى الحق في ذلك؟!

    لا، بل وهل له الحق في أن يحلم حتى؟!

    نحن أسرى الحقيقة، ونتعامل مع الكذب على أنَّه صِدْق، طالما كانت هذه الكذبة برَّاقة..

    بطبعنا نحن نحب البريق واللمعان.

    نحن أسرى الحقيقة، لأنها وكما هو مُتعارف عليه؛ مؤلمة، باهتة وتُسبِّب الوجع في معظم الأحيان. 

    نحن أسرى أولادنا..

    وقبل الأولاد، نحن أسرى آبائنا..

    وأخيرًا وليس آخرًا..

    نحن أسرى أنفسنا؛ لأننا في خوفٍ دائمٍ عليها ومنها.

    لذلك نحن لسنا أحرار، ولم نتربَّى على سياسة الحريات، لا في البيت ولا في المدارس الحكومية.

    ــ هنا، في هذا البلد أنا لستُ أنا..

    والذنب ليس ذنبه، فهو استضافني بكل حفاوة (مشكورًا طبعًا على ذلك)..

    وحسب اعتقادي فالذنب يكمُن في الإحساس.. أن يكون إحساسك مُذنب بحق نفسك، تلك جريمة كبرى.

    وربما يكون الذنب في السن، فالعمر ليس مُجرَّد رقم كما يتوهَّمون..

    إنه العديد والعديد من التجارب والخبرات، هو تاريخٌ بحدِّ ذاته تكتبه أنتَ بيدك، تكتبه بشقِّ الأنفس، لذلك عندما تكون شابًا يافعًا، فأنتَ بذلك تملك علامةً فارقة من حيث الجودة، من حيث الكمِّ والكيف أيضًا، ويتوجَّب عليكَ المحافظة عليها لتستفيد منها على الوجه الأكمل.. وتحصل على شهادة الأيزو، ولكنكَ وللأسف لن تعرف قيمتها إلا بعد تقدُّمِكَ بالعمر.

    صدقني إن قلت لكَ:  بــأن التاريخ (العمر) لا يُعيد نفسه حرفيًّا..

    لا أذكر مَن قال بـأن التاريخ كالدورة الشهرية؛ يُعيد نفسه.

    مُضحكةً هذه المقولة.. ولكن ماذا يفعل التاريخ عند بلوغه سن اليأس، وتنقطع عنه الدورة الشهرية؟!

    هل سيأكل نفسه؟!

    بعد أن أطلقت على نفسي اسم نسيان ندمت..

    فقد أدركت بأنه من الاستحالة أن أنسى، واستحالة للذاكرة أن تخونني، ويا ليتها تفعل.

    إضافة إلى تعرُّضي لتساؤلات سخيفة، وضحكات استهزاء من الاسم تحت طائلة المُزاح.

    فالألمان مثلًا وبعد أن يعرفوا معنى اسمي الذي هو بالألمانية:

    Vergessen  بمعنى نسيان

    ويتوجهون إليَّ بسؤال:

    Was hast du vergessn?  

    بمعنى: ماذا نسيتي؟

    أو:

    Was willst du vergessen?

    بمعنى ماذا تُريدين أن تنسي؟

    ولذلك غالبًا ما كان هذا الاسم يُعيد لي ذاكرتي وحزني.

    وأمَّا العرب فإن أسئلتهم معروفة طبعًا، وتعليقاتهم على كل شيء مطبوعة في عقولنا، حتى غدت جزءًا لا يتجزَّأ من ثقافتنا العربية.

    الشعب الألماني.. لمست عندهم نوع خاص من الذكاء، هو ذكاء بدون هالة تُحيطه، كتلك التي تلفّ القمر، وتُعطيه جمالية خاصة.. ذكاء يفتقد إلى التكتيك، إلى الخيال، فهُم تقريبًا لا يؤمنون به، على الرغم من تحقُّق أفكار وتجارب كثيرة ولأشخاص عاديين، هي في الأصل من نسج خيالهم، موضوع حياتهم اليومي لا يتضمَّن مُقدِّمة، وصُلْب، ولا حتى خاتمة، مُلتزمون جدًا بالنظام، النظام في كل شيء، حتى في علاقتهم مع أجسادهم.. بصراحة لقد أُعجبت جدًا بهذه الخاصية التي يتمتعون بها..

    أعجبني جدًا جدًا تقيُّدهم بالنظام الاجتماعي والسياسي، طالما أن هذا التقييد لا يؤثِّر على حركتهم بحُريَّة في بلدهم، وطالما أنَّ جميع أنظمتهم متوافقة تمامًا مع أسلوب المعيشة أولًا، وأنها في مصلحة المجتمع وبدون استثناء ثانيًا، هم تقريبًا لا يحلمون.. الحلم عندهم ممنوعٌ بأمر شخصي، صادر من ذواتهم، يعيشون الواقع فقط، بكل ما فيه وما له وما عليه.

    صدق مَن قال: بأن الشعب الألماني عبارة عن مكنات

    ولا أدري إن كانت هذه الصفة التي أطلقوها عليهم مديح لهم أم هي ذميمة؟!

    هم مُختلفون عنَّا نحن العرب، نحن نَبسِط كل ما لدينا أمام الآخرين، حُسن الضيافة والكرم من طبعنا، كُرماء نحن، حتى في أفكارنا، أحلامنا، مشاريعنا الصغيرة.

    نُعطي الآخرين كل المعلومات التي تخصّنا، والتي تخص عائلاتنا أيضًا، نمنح بدون مقابل حتى، وبدون أن يُطلَب منَّا، والخطورة تكمُن أنَّه عندما تسوء العلاقة - وهي حتمًا ستسوء مع مَن عرف عنا كل شيء - وقتها نخشى مِن الفضيحة، ونخاف مِن أتفه معلومة يملكها عنَّا، مِن أن يقولها - وهو حتمًا سيقولها - أمام الآخرين، مهما كانت هذه المعلومة بسيطة..

    طالما أنها سوف تتسبَّب في إحراجنا، فقد تأصَّلت فينا عادة نصب المكائد، والخوازيق لبعضنا البعض، هذه هي السياسة التي ترعرعنا عليها، الشعب الألماني لا يخاف من الفضيحة، فهو لا يعرفها أصلًا، لأنه بكل بساطة هو شعبٌ بخيل.

    لذلك أتساءل:

    ـ هل هناك ارتباط بين الكرم والبُخل من جهةٍ، وبين الفضيحة والستر من جهةٍ أخرى؟!

    ذلك أنَّك عندما تتمتَّع بصفة البخل، فإنَّك لن تخاف من فضح أسرارك؛ وذلك لشُحِّ المعلومات التي أفصحت بها عن نفسك أمام الآخر.

    وبالمقابل، عندما تكون كريمًا فإنك حتمًا سوف تخشى من الفضيحة فيما بعد نتيجة سعة صدرك ووفرة المعلومات التي بُحتَ بها أمام الآخرين.

    قابعةٌ أنا في غُربتي، وأشعر بأنني في منفى قسري

    كل شيءٍ هنا مختلف..

    أفكر في اللغة الألمانية التي مُطالب أنت بتعلُّمها، وإتقانها أيضاً، ليصير بعدها دخولك مجال العمل والاندماج بالمجتمع الألماني الذي لا يريد غالبية شعبه الاندماج بنا.

    أفكر في أنه كيف لي أن أبدأ الدراسة الآن؟

    وكيف أنَّ هذا بحدِّ ذاته عقوبة بالنسبة لي!

    وبصراحة أقول:

    لقد حاولت أن أتعلَّم اللغة الألمانية من خلال الكورسات التي توجَّب علينا حضورها والمدفوعة بالكامل من قِبَل الحكومة، إلا أنني لم أستطع استساغتها، شعرتُ شخصيًا بأن وقع هذه اللغة ثقيلٌ على مسمعي، وعصيٌّ جدًا على نُطقي، موسيقاها ليست جميلة، رنين الكلمات الألمانية غير موزون بنوتات تتماشى مع ما تألفه أُذني، وحبالي الصوتية بالكاد تستطيع أن تنطق بعض الكلمات والجمل الألمانية.

    عدا ذلك قواعدها المُعقَّدة والصعبة جدًا، وهذا برأي الألمان أنفسهم أيضًا، ومع كل ذلك فإنني مُستمرةٌ بالمحاولة لأكسب شرفها، فيما بعد شعرت بالأسى على حالتي، فقد كان يتوجب عليَّ ومنذ البداية أن أضغط قليلًا على نفسي وأتقبَّل هذه اللغة، وأتعلَّمها، لا بل وأُتقنها أيضًا، فالواقع الألماني طبعًا كغيره من واقع جميع البلدان يُحتِّم عليك العمل، أيًّا كان هذا العمل حتى تستطيع العيش هنا، وبدون لغة لن تجد عملًا مناسبًا لك بالطبع، حتى الشهادة الجامعية بالحقوق التي أحملها من سوريا لم تُفدني بشيء طالما أن لغتي الألمانية ضعيفة.

    أُدرك تمامًا أن لغة أي بلد هو مفتاحها، ولكن بالنسبة لي لم أعُد أملك تلك الطاقة على تعلُّم شيءٍ جديد، فدراستي الجامعية في سوريا استنفذت كل طاقة كامنة عندي للتعليم، من الممكن أن أقرأ، أن أطّلع، أُثقِّف نفسي بكتبٍ مختلفة، أما أن أبدأ دراسة من حيث أنا بالأساس مُنتهية منها فهذا الذي لا أستطيعه وللأسف الشديد، هنا بلد العمل ويتوجَّب علينا جميعنا أن نعمل، خصوصًا نحن الأجانب، فالمساعدات المالية والمعونة التي تُقدمها الدولة الألمانية لكل لاجئ على حدٍ سواء والتي تشمل المصاريف الضرورية للحياة هنا، سوف تتوقَّف في وقتٍ ما، ريثما ينقضي الوقت المُخصَّص لك لتعلُّم اللغة الألمانية.

    الآن أصبحتُ في وضعٍ اجتماعي خطر نوعًا ما، لأنني وبعد مُضيّ حوالي خمس سنوات على وجودي هنا وأنا أُماطل وأتهرَّب من العمل بحُجَّة تعلم اللغة، فقد استنفذتُ المُدَّة المسموح لي بها للتعلُّم، لذلك تجدني في هذه المرحلة أتخبَّط كثيرًا في القرارات التي أحاول اتخاذها.

    في المساء أُقرّر أن أقوم بعملٍ معين، ثم أتراجع عن هذا القرار في الصباح، فكلام الليل غدى الآن حقيقةً بأن يمحوه النهار، أفكار ومقترحات كثيرة تدور في رأسي، ولكن دون جدوى، وبالمقابل ألَّا تملك عملًاً ولا تملك خبرة في أي مجال، ذلك أسوء ما يكون في وضعك الاجتماعي، فأنت بذلك غير مستقر عمليًا وغير مُستقر ماديًا، لذلك تجد نفسك في هذا الوضع الذي لا تُحسد عليه، ولا يُحمَد عقباه.

    حتى أعمل في مجال المحاماة هنا، يتوجَّب عليّ ليس فقط أن أتعلم اللغة الألمانية، وإنما أن أُتقنها أيضًا، وبعد ذلك لا بُد لي أن أدرس من سنة إلى سنتين في الجامعة، وهذا ما أجد فيه عقوبةً قاسية لي، علمًا بأنَّ هناك أشخاص حالتهم كحالتي، استطاعوا تخطِّي هذه المرحلة، وأثبتوا جدارة علمية وعملية أيضًا، إلا أنَّ عددهم قليلٌ جدًا، ومع أنَّني كنت طوال عمري أُحب الاستثناءات في الحياة، وأن أكون استثناء من أي قاعدة، إلا أنني عجزت تمامًا عن إتمام هذا الأمر، وأكون واحدة من هؤلاء الذين تصالحوا مع اللغة الألمانية والمجتمع الألماني.

    أمر اللغة كان يُعذّبني من الداخل كثيرًا، كان بإمكاني أن أعمل في مجال التمريض، وأن أستغل الخبرة التي اكتسبتها أثناء عملي بالمشفى في مدينتي، مدينة حماة أثناء فترة المظاهرات، إلا أنَّني وبصرف النظر عن موضوع تقبُّلي للدراسة من جديد فقد قررت الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يُسبِّب لي الحزن والأسى، فالعمل بالأمراض، والعناية بالمرضى يُسبِّب الوجع الذي هو أحد أسباب هروبي للبعيد البعيد.

    قلتُ في نفسي:

    كيف ومتى سأعيش السعادة؟! رُغم أن السعادة لا تليق بي، لذلك أحاول قدر الإمكان اتخاذ أي خطوة، أو مبادرة مُعيَّنة من شأنها أن تُسبِّب لي ولو جزء بسيط من السعادة، والابتعاد قدر المُستطاع عمَّا يُسبِّب عكس ذلك، حتى الحب والذي من المفروض أن يُسبِّب السعادة، كان سببًا في تعاستي أكثر، وأتمنَّى لو أنه لم يكن، لأنه استغرق كثيرًا من تفكيري دون جدوى.. المال سعادة، إلا أنني لا أملكه بوفرة.

    الأولاد أيضاً سعادة، إلا أن ابني أحمد الذي ضاع مني لأكثر من ثلاثين عامًا، خلالها كنت مُدمَّرة وليس فقط غير سعيدة، وعندما وجدته تمنَّيت من كل قلبي لو أنني لم ألتقي به، ذلك أنَّ هذا اللِّقاء سبَّب لي وجعًا ما بعده وجع، فقد حملت منه، ولم أستطع أن أتقبَّل ذلك لأنه من المفروض أن يكون حفيدي فقط وليس ابني أيضًا!

    يا الله كم هي مُعقَّدة هذه الحياة!

    وكم هي عميقة فاجعتي!

    أنا أُؤمن بأنَّ المال والبنون زينة الحياة الدنيا ولا أعترض على هذه الآية الكريمة، كون أبنائي لا يُزيّنون حياتي، إلا أنني مُتفائلة بما يليها، والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابًا وخيرٌ أملًا، علّ وعسى أن أحصل على المزيد منهن، وبذلك يزداد رصيدي من الحسنات عند الله.

    ––––––––

    بعد أن تمَّ قمع المظاهرات السلمية في مُختلف المحافظات السورية، وذلك قبل حلول عام 2013 تقريبًا من قِبَلِ النظام السوري، مُستخدمًا لأجل ذلك كافة وسائل وأساليب القمع من مذابح جماعية بحقّ شعبه في مختلف الأرياف السوريّة، إلى قصف المدن الرئيسية مثل دمشق وحلب بقذائف الهاون، كما استخدم الغازات الكيماوية السامة في مناطق أخرى ليتخلَّص من بعض الناس المعارضين له.

    بالإضافة إلى تشديد القبضة الأمنية داخل المحافظات وما حولها، كإقامة الحواجز العسكرية بأعداد هائلة، وكان أفراد هذه الحواجز وعناصرها من جيش النظام عبارة عن أشخاصٍ متوحشين، همجيين، ولا يتمتَّعون بأدنى صفة من صفات الإنسانية، ويملكون سلطات واسعة على الشعب، فقد أطلق يدهم بشكل واسع، وأيضًا كثرت الاعتقالات لسببٍ أو بدون، وامتلأت الأفرع الأمنية بالمُعتقلين الذين لم يكن أمامهم سوى الموت مصيرًا، فكل مُعتقل هو مشروع جثة.. جثث تُرمى في حفر كبيرة، ولا أحد يعلم مَن هم، وأين تلك الحفر، جثث أخرى يتم حرقها باحترافية إجرامية عالية، لم نشهد قبلها إلا في العصور الغابرة والتي تتَّسم بالدكتاتورية والوحشية.

    لن أقول بأن النظام السوري وخلال هذه الفترة قد انتصر على الثورة السورية، فهي لم تشهد حربًا، وإنما مُجرَّد مُظاهرات تُطالب بالحرية فقط، ولكن يُمكنني القول بأن النظام الحاكم في سوريا قد سيطر على أكثر من ثلاث أرباع الجمهورية العربية السورية، فقد احتكر كل شيء.. كان كالتاجر الجشع، الجائع رغم الفائض الذي يملكه، كان مسعورًا، لا يعي ما يُقدِم عليه، يكفيه ذُلًا أنه احتكر الحياة وجميع سُبُلها ومقوّماتها من مأكل ومسكن ومشرب، وكل طاقة تتمتع بها البلاد، حتى التعليم احتكره، وخصّ به أفراد عائلته وحاشيته، كالتعليم العالي مثلًا، والبعثات التعليمية الخارجية، فهم وحدهم يملكون حقُّ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1