Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد
نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد
نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد
Ebook382 pages2 hours

نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الرواية من نوع روايات الواقعية السحرية، تدور أحداثها في العراق خلال الإحتلال الأمريكي بعد العام 2003.

استخدم فيها الترميز والفانتازيا، المؤلف والراوي كلاهما يشتركان في الأحداث، البطولة فيها لشخصيتين رئيسيتين الأولى شهرزاد المرأة التي أسرها الجيش المحتل وأصيبت بمرض نفسي جراء الصدمة يفقدها القدرة على الوقوف، والبطل الثاني هو نؤاس الرجل البغدادي المريض بمرض نفسي نادر يجعله يرى تاريخ اليوم الذي يموت فيه كل من يراه

   

 

 

Languageالعربية
Release dateMay 19, 2024
ISBN9798227906571
نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد
Author

عبد الرحمن الهويش

•قاص وروائي من العراق •صدرت له مجموعتان قصصيتان الأولى بعنوان ( كذبة الحياة ) عن دار الفكر اللبناني / بيروت ٢٠١٠ ، والثانية بعنوان ( مغارة السعلوة ) عن دار تموز / دمشق ٢٠١١ •صدرت له رواية بعنوان ( بلابوش ) عن دار شمس / القاهرة ٢٠١٤ •يكتب النص المسرحي وله عدد من النصوص منشورة في المواقع الادبية والمجلات والصحف.

Related to نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد

Related ebooks

Related categories

Reviews for نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    نؤاستراداموس البغدادي وخالص شهرزاد - عبد الرحمن الهويش

    رواية

    نؤاستراداموس البغدادي وخلاص شهرزاد

    عبدالرحمن الهَويش

    شُكرٌ وعِرفانْ

    لا شك أن الحركة الأدبية خاصة والثقافية بشكل عام، وتطورها وتقدمها في أي مدينةٍ أو مجتمع إنما  تعتمد على مجموعةِ عناصر: أهمها الكاتب أو الأديب أو المثقف نفسه، وثانيها المؤسسات الثقافية والأدبية والتعليمية، وثالثها الأشخاص الداعمين والمشجعين لهذه الحركة .

    وهنا أجِدُ نفسي مُلزَمًا بتقديم الشكر والامتنان إلى كل من وقف معي وساندني ولو بكلمةِ تشجيعٍ واحدة، وأخص بالذكر كلاً من:

    الدكتورة خديجة ادري محمد، أستاذة الأدب في جامعة تكريت.

    الاستاذ محمد عبدالله صالح الشبالي.

    الاستاذ محمود مانع صالح العيث .

    الاستاذ عادل أحمد علي السحل

    لما قدموه من دعم ومساندة تشجيع ودعم لي خاصة، في إنجاز كتابة وطبع ونشر روايتي هذه.

    المؤلف

    الفصل الأول

    امرأةٌ ليست كَكُلِّ النِّساء

    يُقال   

    " النساء كالمدن

    والنساء  كالكتب

    و النساء كالفاكهة

    والنساء كالألوان

    وأقول:  ما أصبر النساء علينا

    محمد العرفج

    -١-

    لأنها شبقة، لا تَصبِر أيامًا بِلا رَجُل، يطفئ نار غريزتها المتأجِّجَة، وروحها المتعطشة، لأيدٍ تحتضنها، وتعيد الطمأنينة والإحساس بالأمان إلى نفسها، عادت ( غادة ) من جديد تبحث عن مَنْ يأخذ مكان رَجُلِها المقتول منذ سويعات: ( مثل لبوةٍ أنا، لا يمكنني الصبر لساعات، أشعر أن الكون سَيَبْلى، وأن شراييني تتقطع، وتفور لِدَمي حمامات ) .

    هكذا بدأت ( غادة ) كلامها.

    قلت لها: ( والعدَّة، أليس لكِ عدة مثل بقية النساء ).

    ضحكت بأسىً وحسرة، مثل ظَمِئٍ  تطلب منه البسملة، وهو يلاحق  القطرات، قالت: ( أتريدني أن أتحول إلى عاهرة )، صدمني  كلامها، حسبتها مجنونة، أو عاشقةُ جنسٍ مهووسة، جاءت كي تغويني ،أو لتأخذ مني تبريرًا يقنعها بالفضيلة، وهي تتوه في دروب الرذيلة. تفحصت هيئتها؛ وجهٌ طفولي بريء، بنظرات مُستكينة خجلة لا تؤيد ظنوني .

    قلت:( وهل تعتقدين أن بإمكاني أن أجِدَ لكِ رجلاً يحل مكان رجلك المقتول ) .

    أحنَت رأسها وأطرقت للحظات، ثم رفعته وقربت وجهها ليكون بمواجهة عيوني، ردت عليَّ بغضب وكأنها تحسب أن لي يدًا في ما صار إليه رجلها، قالت: ( قتلوا رجلي، إن كان شيطانًا أو ملاكًا، صنديدًا، رعديدًا، عدوهم ... صديقهم، أحبه أو لا أحبه، ألَمْ يَكُنْ لهم عندما قرروا قتله، أن يفكروا ولو لدقائق بطريقة تطلق لي حريتي في اختيار رجل غيره، من غير أن أرزَحَ تحت مسمى عدة النساء، لو أنهم سألوا أنفسهم حينها: هل يمكن لامرأة اعتادت وجود رجل فوقها أن تبقى من دون رجل، أنا لا يهمني الرجل الذي أفقده، ما يهمني عندها هو أن يكون هنالك غيره؛ فأنا امرأةٌ لا تشبه باقي النساء، وهم يعرفونني، ويعرفون أنني لا يمكنني الصبر حتى المساء ).

    -٢-

    عندما دخلت عيادتي للمرة الأولى، فوجئت بها، كان جمالها مُستَتِرًا، مُخبأ بقوة، وحزينًا،  لكنه كان أخَّاذًا ساحرًا، يشع بقوىً خفية تجذبك نحوها، لكأنها تُفقِدُك القدرة على تحاشيها، أو عدم  الاهتمام بها، عيونها السوداء الواسعة ذكرتني بفنانة رسم بغدادية قضت ذات حرب، شفتاها  مثل زهرة كبر نَديَّة تشدك لتمتص رحيقها، لكن مفاجئتي الأعنف كانت بكرسيها المتحرك الذي تقتعده.

    امرأة يصعب أن تحدد بالضبط، أو حتى بالتقريب سنين عمرها، تبدو لمن يراها أول وهلة هَرِمة، كئيبة،  قاسية، بتقاسيم وجهها الذابلة، ولونه الشاحب، والموحش، وما أن تتعرف إليها، وتكلمها، وتتفحص قسماتها، تظهر لك صورتها الحقيقية الكامنة تحت أنقاضٍ، وخرائب،  خلفتها أيامٌ صِعاب، وحوادِثُ مُرَّة، مرت عليها؛  فتتكشف لك شيئًا فشيئًا تضاريسها الحقيقية، وانحناءات رسمتها الأصيلة؛ فتجدها لَمْ تزل  تحتفظ بِطَلَّةٍ زاهية وعنفوان صبية في ريعان شبابها، وتظهر لك صورتها الحقيقية، القابعة خلف كل ما يغلفها من انطفاء، بوجهها المدور، مثل قمر غطته غيوم أواخر أيار، وصدرها النافر، مثل بالونين نفخهما طفل لا يقوى على الشدة، وجسدها المتناسق، مثل حضارةٍ عريقة ضربها الإعصار؛ فتكدست طبقات الرمال، وعوامل الزمن فوق تضاريسها، لكن خطوط الجمال ظلت صلدة، راسخة،  واضحة  وجلية في صورتها القابعة تحت الرمال، تُنبيء عن ماضٍ عريق، وجمالٍ بَهي .

    -٣-

    أردت أن أعتذر لها، وأن أبين لها ضيق الوقت لدي؛ فأنا مُقيَّدٌ بما عزمت المضي نحوه، لكنها لَمْ تمنحني الفرصة، قالت: ( ليس لي أن أدور بين أطباء العلاج النفسي ... أنت لا تعرف كيف استطعت أخيرًا المجيء إليك) .

    خشيت من ربط نفسي مع حالة مرضية قد تؤخرني عن ما عزمت السير نحوه؛ فأنا مقتنع تمامًا بعدم جدوى البقاء في هذا الوطن، بعدما تحول كل شيء فيه إلى خراب، وأن الهجرة منه صارت واجبة، حتى أنني اعتذرت من جميع المرضى الذين كنت أنظر في حالاتهم، وأحاول علاجها، وأحَلْتُهم كلهم إلى أطباء آخرين ، ولَمْ أُبْقِ منهم سوى مريض واحد، ( حكيم الثائر )، اعتقدت أن حالته لَن تحتاج إلى طبيب، وأنها ستزول مع الوقت، وكنت سَأعْلِمُه بعدم الحاجة إلى مراجعتي أو مراجعة أي طبيب آخر، لكن أمرًا آخر قد حدث، جعلني أُبقيه تحت رعايتي، وسأروي لكم ما حدث مِن أمرٍ معه عندما يحين الوقت المناسب لذلك. 

    المهم أن إصرار ( غادة ) - صحيح تذكرت؛ فأنا لَمْ أخبركم أنني عرفت اسمها الحقيقي من نفس المريض الذي ذكرته قبل هُنَيهة،(حكيم الثائر)، والذي وعدتكم برواية حكايته بعد حين- وحضورها الطاغي، وماأحسسته حينها من رابطةٍ غريبة، تجذبني إليها، جعلني أُنصِت لها، بِنيَّةِ أن أعتذر لها في جلستنا التالية، إلا أن ما ذكره الكاتب ـ المؤلف ـ لي في مابعد  بشأنها: (استمع إليها .. ستكون مفيدةً لنا في ما اتفقنا عليه)، جعلني أتراجع عن الاعتذار إليها في الجلسة التالية .

    نعم؛ فما أنا سوى راوٍ يقول ما يريده المؤلف في روايته، وقد يتكرم فيمنحني دورًا فيها، أو يجعلني راويًا عليمًا من الخارج، وللحقيقة، وكي تكونوا على معرفة أكبر بحالي؛ فأنا لست راضيًا عن كلا الدورين، كل ماأريده هو أن أروي روايتي أنا، التي تتحدث عني أنا، قصة حياتي، أو يومياتي، سَمُّوها كما تشاؤون، و لا أريد منه كمؤلف إلا أن يحدد لها تقنية سرد، وحبكةً تشد القاريء لإكمال قراءتها، بخبرته في كتابة الروايات التي لا زلت مبتدئًا في فك أسرارها، والسير في متاهاتها؛ فأنا لاأريد لروايتي أن تخرج بمستوى لا يليق بها، وقد كان هذا شرطي الذي وافق عليه، مقابل أن أكون راويًا لروايته هذه، وبعدها سأروي روايتي أنا، بقلمه هو .

    الآن وقد عرفتم سبب رضوخي لطلبه في مُعاينة (غادة)، والاستماع لحالتها؛ فسأعود الآن  لأروي لكم ما بدأته معها .

    خُروجٌ أول عَن نَصِّ الرِّوايَة

    المؤلف

    كلمة لا بد منها

    كما ترون، أجبرني الراوي على التدخل المباشر في ما أسندت إليه من مهمة؛ فأخذ يتبرم إليكم من توجيهي له، وقيادتي لمجرى ما يرويه، وكأنني لست المتحكم بكل ما يقوله، مثلما أنا المسؤول عن كل حرف ينطقه أمامكم، وهو أمر متوقع من الرواة؛ فلطالما سمعت عن رواةٍ انقلبوا على مؤلفيهم، و ألغوا وجودهم؛ فادعوا أن ما يروونه هو من تأليفهم، لكن ما هو غير المتوقع هنا: هو أن هذا الراوي يستهل بداية الرواية مُتَعجلاً ليعلن عدم مطاوعته، و إنني إذْ أوضح سبب هذا التدخل، لا بد لي مِن أن أُطلِعَكُم على حقيقةٍ مهمة مفادها؛ أن تدخلي هذا وإن كنتم قد وجدتموه في بداية الرواية، إلا أنه في الحقيقةِ أُضيف بعد إتمام الرواية .

    وكي تكون الصورة واضحة عندكم، كان لابد لي من إخباركم بأمرٍ مهم يخص التخطيط لكتابة هذه الرواية، وهو أنني كنت أنوي كتابة رواية تكون ثيمتها، النفس البشرية، وما يطرأ عليها من تغييرات، تنتج عن المرض النفسي، أو العصبي، القلق، المرض العقلي، وكل ما يحول الشخصية البشرية، إلى شخصية أخرى، عن التغيير الذي يحصل لهذا المنجم العميق، السري، والعصي على الفهم، عن عقل الانسان الذي يُسَيِّرُه في الأغلب عقلٌ جمعي، وأعراف، وتقاليد، تسلبهُ أخطر خواصه في الرؤية الحادَّة والواضحة، في الإبداع، و في الوصول إلى الحقيقة الناصعة دون مؤثر، ودون مُكَبِّل يعيق هذه الرؤية، ولأن هذه الرؤية نادرةٌ وقليلة، وتحدث عند أشخاص قد لا يكتشفهم أحد، ولا تجد من يُجهِدُ نفسه لاكتشافهم، بسبب أن تصرفاتهم تتشابه في أحايينَ كثيرة مع المجانين، وأصحاب العاهات العقلية، والنفسية، وهم كُثر، يقابله ندرة لهؤلاء العباقرة، أو المتنورين؛ فيتوهون وسطهم ويصعب تمييزهم والكشف عنهم .

    ولأن السيد نوح ـ الراوي ـ طبيبٌ متخصص في الأمراض النفسية، وهو مثل الكثير غيره، يرغب في كتابة رواية يقول فيها ما يقول، ولأنه بحاجة إلى من يرشده إلى الطريق الصحيح في إتمام مايرغب، ولأنه أيضًا زميلي في مراحل عديدة من دراستنا، وصديقي في أطوارٍ عمرية طويلة، وجدت فيه خيرَ وسيط، يُمَكِّنُني من استكشاف هذا الوسط ، علّني أجد فيه ضالتي، في ( خامة ) تنفع في ثيمة ما أخطط  لكتابة روايتي، وهكذا جرى الاتفاق بيننا، أن أستخدمه راويًا لروايتي هذه، على أن نكتب روايته التي يريد، وقد وجدتها صفقةً مناسبة، نجحت حتى الآن في إثنائه عن فكرة الهجرة خارج البلاد، التي سيطرت عليه مؤخرًا .

    أمرٌ آخر أريدكم أن تعرفوه، هو أنني سأعاود الظهور المباشر كلما وجدت حاجة لهذا، أو وجدت أن الراوي قد حاد عن ما خططت لكتابة هذه الرواية .انتهى.

    -٤-

    سألتها وأنا أجهز سجلاً خاصًا بحالتها، ( اسمك...)، نظرت إليَّ وكأنها لَمْ تستمع لسؤالي، أعدت سؤالي لها: ( اسمك ... إعطيني اسمك).

    دارت بنظراتها في أرجاء غرفة العيادة، كأنها تستجدي وقتًا لتنتقي خيارًا من عدة خيارات، قالت: ( شهرزاد ..خلي نقول شهرزاد)  .

    سألتها وأنا أدوِّن اسمها أعلى السجل، ودون أن أنظر إليها،   (اسم مستعار يعني)؛ فقد تعودت أن يلجأ قسم من المرضى إلى اسماء مستعارة لهم في بداية علاجهم، ثم سرعان ما يبوحون بأسمائهم الحقيقية بعد جلستين أو ثلاثة معهم، ردت: (هكذا أفضل...).

    - ما تحصيلك الدراسي ... و هل أنتِ موظفة.

    -  أستاذة في التاريخ ... في جامعة بغداد.

    - ممتاز ... ما شاء الله.

    أردتُ أن أُشعرها أنني أقف إلى جانبها، وأستشعر معاناتها، قلت لها: ( التعب واضح عليكِ ...)، نظرت إليَّ وهزَّت رأسها مؤكدةً كلامي، لكنها احتفظت بنظرتها الحادة دون انكسار، أحسست لحظتها بالندم لقولي هذا؛ فمن الممكن أن ينهار المريض عند سماعه مثل تلك الكلمات، ليرمي حمله كله، ويبدأ بالبكاء الهستيري، أردفت على عجل: ( لكنكِ امرأةٌ قوية ... تقدرين أن تتجاوزي الظروف الصعبة ..)، أومأت برأسها مؤيدةً .

    حملت مفكرتي وانتقلت لأجلس قبالتها، سألتها: ( هاه ... من وين نبدي)، ( انت الطبيب ...)، ردت، ورفعت حاجبيها وفتحت ذراعيها وكأنها تدعوني للدخول إلى صالة عرض .

    ( من البداية  ؟)، سألتها، أومأت برأسها، وقالت: ( من البداية ).

    -٥-

    قُلت لها: ( تفضلي).

    سرحت قليلاً تسترجع مخزون ذاكرتها العميق، ولتنتقي فاصلة البداية التي ستبدأ كلامها من عندها، أخذت نفسًا طويلاً، وكأنها تستعد لترفع أنقاضًا متكسرة، كثيرة، وكبيرة، كي تصل إلى القاع الذي ستبدأ من عنده، وقالت: ( من سنوات، جرت في حياتي أحداث صعبة، صعبة للغاية، وكثيرة، ظننت أنها ستنتهي، لكنها تفاقمت يومًا بعد آخر، صحيح أنني نَعِمتُ ببعض الأوقات الجميلة والمريحة، إلا أنها سرعان ماعادت لتنقلب إلى ماهو أسوأ، لَمْ أعد أستطيع التحمل، ترددت كثيرًا قبل أن آتي هنا ) .طأطأت رأسها، أردت منها أن تسترسل في كلامها؛ فتوقفها الآن سيصعب عليها أن تعاود الكلام، وسيُعرقِل عليَّ فهم مشكلتها بوضوح، ومعرفة ماتعاني منه بالضبط، ولن أتمكن من تكوين قناعة تامة عن مرضها، قلت لها: (ما نوعية هذه الأحداث الصعبة .

    ردت دون تأخير: ( قصة طويلة، وأحداث كثيرة، فيها الكثير من الخوف، والألم ... تحتاج إلى وقتٍ طويل لشرحها ) .

    قاطعتها: (وقتي كله لكِ، ثم أنني هنا لأجل سماعك، وكي أتمكن من تحديد مشكلتك بالضبط، وبعدها نرى كيف يتم علاجك ) .

    ضَحِكَت؛ فتعجبت من ضحكتها،  ويبدو أنها رأت علامة تعجب أو استغرابٍ ارتسمت على وجهي، قالت: ( علاجي !، انا أعرف أن علاجي صعب جدًا، خصوصًا بعدما تعقدت الأمور ووصلت إلى ما وصلت إليه، لكنني أحتاج إلى مَن أتكلم معه، إلى من يفهمني ، إلى من يستمع إليَّ دون أن تكون لديه أية أطماع ) .

    قلت: ( تكلمي، ها أنا أستمع إليكِ، وسأحاول فهم ماتقولين، ولست أطمع بشيءٍ سوى تجاوزكِ لما تعانين منه ) .

    -٦-

    حدقت في وجهي، وكأنها تستجمع نفسها لقول شيء ذي أهمية، ثم قالت: ( نعم، سأحكي لك كل شيء، لكن قبلها أود أن أطلب إليكَ طلبًا ) .

    قلت: ( اطلبي ما تشائين).

    أخذت نفسًا عميقًا، وقالت: ( حكايتي فيها الكثير من التفاصيل، وكي تكون واضحة لك، لابد من قولها كلها، لكنها قد تظهرني في صورة أنا لاأريدها، خصوصًا وأن فيها أحداثًا يصعب ذكرها، والكلام عنها، لكنني كما قلت لك سأبوح بها، ولَنْ أُخفي منها شيئًا، ولذا فإنني أطلب إليكَ أن تكون حكايتي محصورةً بيننا ) .

    سادَ الصمت بيننا للحظات، استعدت في ذهني كلماتها الأخيرة، قلت لها: ( إنكِ تُسَهلين الأمر عليّ، كنت سأطلب إليكِ أن تقولي كل شيء، وهو أمرٌ مهم كي نعرف ونحدد المشكلة بالضبط، أما سرية ما تقولين، فهو جزء مهم من عملي، ولا يمكن لأحدٍ أن يطلع عليه، ثم إنكِ أعطيتني اسمًا مُستعارًا لن يستطيع أحد التعرف إليكِ من خلاله ) .

    في هذه اللحظة بالذات خطرت في ذهني صورة المؤلف الذي يعرف كل ما يجري، لكن ذلك لَمْ يكن ذا أهمية بالنسبة لاتفاق السرية الذي قطعته لها، طالما أنه هو من يوجه الأحداث في الآخر .

    كانت تنتظر مني إشارةً للبدء بسرد حكايتها، قلت لها: ( تفضلي، لكن قبل أن تبدأي، اسمحي لي بتسجيل ماتقولينه على آلة التسجيل هذه)  ـ رفعت آلة التسجيل الصوتي المرمية أمامي على المكتب بيدي ـ كي أعاود الاستماع إليه وأحلله، وهي طريقة نستعملها مع جميع الحالات التي نعالجها .

    أشارت بإيماءةٍ من رأسها على الموافقة، ضغطت على زر التسجيل ووضعته بالقرب منها .

    -٧-

    قالت: ( منذ أكثر من سبع سنين، كنت أعيش حياةً عادية، مثل كل النساء الشرقيات، متزوجة، وعندي بيت، لَمْ تكن حياتي سعيدةً بمجملها، لكنها لَمْ تكن تعيسةً أيضًا، زوجي يشغل منصبًا رفيعًا في الدولة، وله نفوذ كبير، اليوم أعتقد أن جزءًا كبيرًا مما جرى لي، كان بسبب هذا المنصب وهذا النفوذ، صحيح أنه كان يعشقني بجنون، لكنني كنت أعرف أن عشقه لنفسه كان أكبر ، وكنت أعتقد أن هذا أمر طبيعي؛ فمَن مِنا لايعشق نفسه، تزوجني بطريقة تكاد تكون انتزاعًا، أجبر أهلي على الموافقة؛ فما أن رآني، جُنَّ جُنونه، وكأن لاهدف آخر له في الحياة سواي، كان جَسُورًا لا يهاب شيئًا، و له قدرة عجيبة على مواجهة الصعاب، والتحدي، يستخدم منطقًا خطيرًا في الوصول إلى ما يريد، هو منطقُ فرض الأمر الواقع مع من يواجهه؛ فتجده يختار أصعب الحلول، ويجبر الطرف الآخر على الرضا والرضوخ لإرادته، وأعتقد أن هذا المنطق كان سببًا آخر لِمَا آلَ إليه حالنا اليوم، فكما يقال: ( ليس في كل مرة تَسلمُ الجرة).

    تزوجني، ورضيت بقسمتي؛ فلست ممن يدخل في قصص حب وغرام، لَمْ يكن يهمني ممن يريد الزواج مني، سوى أن يكون مُحِبًا لي، ويخاف عليّ، الكثير ممن يعرفوننا، وصفوا زواجنا  على أنه زواجٌ قسري، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك ، ووصفوه على أنه (نهيبة )، لكنني أقول اليوم أنه تزوجني مثلما يتزوج معظم الرجال الشرقيون، الاختلاف الوحيد أن هذا الرجل كان صلفا ، ولا يعبأ بالآخرين، مما زاد من نقمتهم عليه، وقد اكتشفت بعد زواجنا، أن رجالاً كُثر كانت أعينهم عليّ، وكانوا يخططون للاقتران بي ، وأنني إذ أقول هذا؛ فليس معناه غرورًا مني، إلا أنه كان أكثرهم إقدامًا وجرأة، لذا فَهُم، أو لنقل قِسمٌ منهم، اتهموا زواجنا بكل تلك التهم.

    الأيام الأولى من زواجنا كانت جميلة، أستطيع الآن تذكرها، وكان هو في أوج سعادته، لكن المشاكل بدأت بالظهور مع مرور  الأيام، هو كان يخبرني : أعدائي كثر ويحاولون النيل مني ، طلبت إليه أن يحاول التودد إليهم قليلاً، وأن يعمل على تحويلهم إلى أصدقاء، أو على الأقل يعمل على تحييدهم، إلا أنه كان، وهذا مااكتشفته لاحقًا، مع ما يُظهِرُه من برجوازية، كان لايزال يرضخ لتأثير الأعراف القبلية والعشائرية، ومفاهيمها وشعاراتها، في عدم التنازل، والتحدي،والعناد،وهي متغلغلة وراسية في تفكيره .

    بدأت المشاكل تثار حوله، وبدأ خصومه يتآمرون للنيل منه، هذا ما كان يقوله لي كلما سألته عن سبب عصبيته الزائدة، وطبعه الذي يزداد حِدَّة .

    عدت وطلبت إليه أن يحاول التوصل معهم إلى حلولٍ تكفيه شرهم، كان يقول لي أنهم لا يريدون حلاً، وأنهم مصرون على إلحاق الأذى بنا، وكان يزداد إصرارًا على مواجهتهم وتحديهم .

    جاءني يومًا وكان مُثارًا، وعصبيته واضحة،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1