Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

العائد إلى الوطن
العائد إلى الوطن
العائد إلى الوطن
Ebook352 pages2 hours

العائد إلى الوطن

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذه الحياة تعلمنا الكثير. لم أدرك يومًا أننا نعود من الموت..
لنبدأ حياة أخرى!
وهذا ما حدث لي في قصتي، كأني مت في الأسر، وعدت لأجد كل الحياة قد قلبت، وتركني الجميع.. لا أهل، لا بيت، لا وطن..
وحيد مثل صقر مكسور الجناح، لا تلائمني الأرض، أشتاق مثل كل - طير جارح – أشتاق للسماء، كأن الرزق انقطع عني، لكنني رزقت بمثل ما فقد، كما قال الإمام علي: إن ضاق الرزق اليوم، فاصبر إلى الغد، عسى نكبات الدهر عنك تزول.. فعلًا زالت تلك النكبة عند رؤيتي أحبتي من جديد..
Languageالعربية
Release dateJun 9, 2024
ISBN9789778698633
العائد إلى الوطن

Related to العائد إلى الوطن

Related ebooks

Related categories

Reviews for العائد إلى الوطن

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    العائد إلى الوطن - ساجدة إسماعيل المفرجي

    صفحة 15

    انكسر عامود المنزل عند موت أمه، ظل يكرر لي ذلك، ثقلا زاد على كتفي وإذا بنفيسة نائمة غارقة بنومها وأنا كنت منهك التفكير، أخي سلام كيف وأين ومتى ؟؟؟ اره أمامي وتسعد روحي به، وإذا بصوت هادٍ يكبر: الله اكبر. زاد شوق بداخلي، دموعي تنهمر على خدي كطفل اشتاق لأخيه الوحيد، خرجت من فراشي خلسة؛ كي لا تراني نفيسة بهذه الحالة المزرية، لا أريدها ان تنكسر مرة ثانية، هي تقوى بي اخذت مصلاتي ورحلت إلى الحديقة اصلي وادعي إلى إن ظهرت خيوط الشمس كأنها تخبرني بالخير كلما رأيت ضوءًا يخرج من العتمة أتفاءل جلست على مقعدي لأتلو القرآن.

    وإذا بصوت سيارة انطفئ أمام الدار وصوت رجل كبير ينحنح عرفت بأنه عمي وابنه يونس، أسرعت لأفتح الباب لهم: أهلًا بك يا عم، تفضل لنفطر سويا ونأخذ العائلة إلى منزل جدهم.

    الأطفال يقفزون من الفرحة يريدون الخروج ويلعبون.

    - كمال.

    - نعم يا عم

    - يبدو وكأنك لم تنم ليلة أمس.

    - أكذب عليك إذا قلت نعم فأنا لم أعرف نوم ما هو، أريد مجيئ الصبح، أصبحت طويلة كثيرًا هذا الليلة.

    - لا تقلق سيكون كل شيء كما كتبه الله يا بني، دعنا نذهب لأن طريق طويل.

     رحلنا برحلة لا نعلم ما يحمله لنا من أخبار، أضعنا العنوان فمدينة كبيرة ومنازل كثيرًا بنيت، سألنا أحدهم عن الاستاذ أشار إلى طفلة صغيرة تحمل دمية تقف عند باب

    قال لها عمي صباح الخير: يا صغيرتي، أين أبوك؟

    - انه في الداخل.

    - ناديه، قولي له العم أبا يونس يريد رؤيتك.

    انتظرنا ثواني، استقبل عمي استقبالا يليق به، وعرف بأننا جاءنا من قرية البعيدة تكلم عمي عن موضوع أبيك كان، هو محامي العائلة لسنوات طويلة انقطعت أخبار أبيك عنا انشغلنا بأمور الدنيا ولم نعلم أخباره.

    - أبي توفي قبل فترة قصيرة، كان مريض بمرض عضال.

    - رحمه الله، لم أعلم.

    - أنا ابنه المحامي عزيز، يمكنني مساعدتك ان أردت يا عم.

    - شكرًا جزيلًا لك، ابن أخي سجن بظلم ونريد ان تأخذ دعوة عساها أن تربح. سأخبرك بموضوع، نحن أولاد عمومة، دائمًا نشتري ونبيع أراضي معًا، لكن هناك أخي الصغير جشع يريد الاستيلاء على كل أملاكنا، اعطيناه ما يريد، لكن بدون فائدة بقى الطمع يجري في عروقه حتى أفسد أبناءه علينا، أخي الذي يصغرني بسنتين كان شيخ عشيرتنا، ابنه الكبير هذا ابنه كمال عميد ركن.

    - تشرفت بمعرفتك.

    - شكرًا جزيلًا.

     كان كمال في ساحة الحرب وابنه الصغير سلام مهندسًا، إنسان متواضع وغيور وشهم وأنا كنت خارج البلاد، وصلني خبر أن سلَّام في سجن، قد قتل رفيق ابن عمه وأنا اكثر الناس أعلم بطبعه لا يحب الثرثرة ولا الجلوس مع أحد، كان يقضي أكثر أوقاته بالمزرعة، لا يترك أباه ثواني، لم أصدق أمرا أولًا، وثانيا هو في الأساس يخاف دهس نملة، كيف يقتل بشرًا؟ كان جعفر لا يحب أعمامه أبدًا يريد كل أملاك جده من الأراضي، هكذا طمع نحن نعرفه يتحجج بأن الأراضي كلها له بسبب بيع الأراضي بين الأعمام شراء بدون مكاتبة، وكل الذين بقوا من الأعمام يقولون ليس كل الكلام صحيح بل الحقيقة، لكن هناك رجال ونساء تشهد على تسلم والده المال، كان يقول إن أبي فقير من دونكم أنتم تحايلتم عليه وأخذتم الأرض منه بالقوة، والآن هذا الشقي دس بعقل أولاده بأن الأرض لهم، رغم كل ما كان إلا أن سلام بقى اتصاله بهم يحب أن يهدأ الأوضاع وهو مسالم وطيب، لا يعرف كيف تورط بقضية قتل، كل ما أعرفه يا أستاذ بأن الشرطة مسكت به كونه قتل الشاب في بيته، أقسم بانه لم يرتكب الجريمة، لأنه يوم ذهب مع باقر، لا يعرف كيف وجد نفسه هناك، أنا قابلته في السجن وظل يشرح لي، أعرف أنها مكيدة ووقعت برأسه، لكن المسدس الذي قتل به مهند هو نفسه سلاحه، أقسم سلام بأنه كان مع باقر تلك الليلة، لم يعرف من ضربه على رأسه ولمَّا صحى وإذا بجثة مهند أمامه والمنزل كان به صخب وآثاث مبعثر، وإذا ومن شدة خوف وقع فوقه لما يعانيه من الم في رأسه وهنا دخلت الشرطة، وإذا باقر يصرخ هل قتلته؟ لم؟ اللعنة على المال والطمع وهو يصرخ. قال له: لم اقتله أنت ماذا تقول؟!

    هذه كل الحكاية يا أستاذ عزيز. وهنا صمت عمي.

    كنت أتألم لكل الكلام الذي أسمعه وأتخيل بماذا عانى أخي الطيب الذي فعلًا اسمه يشبهه.

     المحامي عزيز قال وقطع أفكاري: فهمت الأمر الآن، الآن أول خطوة سوف أبحث عنه وأقابله وادقق معه الحوادث بالدقة.

    هنا أنا قلت: بسرعة أريد أن أرى أخي ليعرف أني حي وأعيش لأنهم قد أخبروا اهلي باستشهادي.

     - عزيز، أول شيء أريد وكالة لأترافع عنه.

     أكملنا معه الكلام لنستأذن منه الرحيل، منعنا وأصر على بقائنا عنده الليلة، واقفنا على ان نذهب ونزور بعضًا من أقربائنا عندها نرجع إليه، وودعنا الأستاذ وغادرنا.

    كان يومًا قبيحًا مثل قبح قبور مبعثرة التي لا اسم على رثاء موتاها.

    صفحة 16

    - هذه ليس كل شيء يا عم، كمال سيأتي علينا زمان حتى أسامينا تتخلى عنا، تعمى العيون عن قول الحق.

    - المشكلة ليس هنا يا آمنة، المشكلة أنهم يسيئون إلينا ويطلبون أن نعتذر لهم، هذا ليس عدلًا ولا إنصافًا يا بنيتي أصبحنا بزمن من يخطئ هو مظلوم ومن على حق هو ظالم، كأن ميزان الحياة تختلف معانا كثيرًا في هذه الأيام العصيبة.

    - إنها أيام سوداء مرت عليك كغيمة محملة بمطر، لكنها تعالت تكبرت أن تروي أرضك، غادرت لتطفئ نار أخرى بهذه الأرض الظالمة، دائمًا كنا أنا وأبي نزور أقارب لنا بعيدين منسيين فقراء راضيين بما أقسمه الله لهم، نقدم لهم ما في جيوبنا ونقاسم خبزنا معهم، هذا ما علمني به والدي رحمه الله بيومها، غادرنا لهم أنا وعمي ويونس لنكمل هذا الواجب معًا.

    - عندما تجلسين معهم تستلذين في الحديث معهم، أرواحهم تجعلك تقتربين منهم دائمًا تشعرين بسعادة وخفة الروح كأنك تعانقين السماء الصافية رغم أن المنزل من الطين. وميسورو الحال إلا أنهم يحسبون ارواحهم ملوك على نفوسهم الغني والفقير عندهم نفس الحال الفقر ليس فقر المال الفقر قلة حيلة الإنسان بما قسمة الله له فهم أغنيا ء جداً بما رزقوا من الله

    حفيف الأشجار البرتقال ترد الروح من قهر الحاضر تعيدك إلى الماضي الحنين المفقود بزماننا.

    الماء الزير الصافي والهواء النقي المنعش تسقي روحك نقاوة و زيادة في الصحة، هذه الأجواء الطيبة تشعرك بأن الخير باقي تسرقك وترسي بك على أمواج النخيل متراقصة، تلك أناس حافظوا على قلوبهم قيدوها بسلاسل من الطيب والنقاء، بقوا أوفيا ء على أرواحهم الطاهرة، معروفين بالكرم والشيم دائمًا، كلام جميل على لسانهم، يفرحون بمسرات صغيرة تمر بأيامهم الجميلة، أصوات ضحكاتهم كعود رنان تدندن مسمعك يبتدئ يومهم وينتهي بابتسامة فقيرة.

    بقينا فترة وجيزة الفرحة لم تسعهم بحضورنا، الابتسامة لم تفارقهم، العمة جازية تمسك يدي وتمسح برأسي وتقول: ابن العزيز، رحم الله أباك.

    تلك الوشوم المرسومة على يدها خضراء داكنة اللون كأنها تبرعم بكل مواسم، وجهها كطيف حمام هديل صافية اضافر شعرها بيضاء مخبئ خلف شالها الأسود، مطرز تلبس طوق قرنفل حول عنقها رائحتها ترمز لأيام الخير.

    كانت دائمًا تجلس وتروي لأبي ما رأته عينها من الملوك والرؤساء، كانت تحب عبد كريم قاسم كثيرًا وتحكي قصصًا عنه بغاية الجمال وعن الملك فيصل وحقبه زمانه الجميل، عندما أنهت كلامها قالت إن هذا الزمان سيفاجئكم بأشياء كنتم ترونها في الأحلام، سيصبح كل شيء على الواقع.

    استاذنا منهم ورحلنا، أخذنا بعضنا نتمشى على أطراف المزارع الخضراء، عمي عندما يمشي كأنه جدي يضع يداه خلفه ماسكا عباءته وينظر إلى الأرض ويتحدث معنا، حركات عيونه وحاجبيه وخطواته كله يشبهه، حدثنا عن وصية أبيه قبل وفاته، استلمها أبي من بعده والآن أنا استلمته من بعد أبي، وصيتهم كانت أن نزور الفقراء والمحتاجين بين الحين والآخر ولا نترك أحدًا من عشيرتنا يحتاج إلى غريب أو يطلب العون من أحد، هذا كان قانون الكبار عندنا ونحن نستلمها من بعدهم.

    - أتعلم يا كمال، كان أبوك دائمًا يعطيني المال، كنت أقول له عندي ما يكفي كان يقول مالك لـ أطفالك وزوجتك، أما المال الذي أعطيك فهو مني، اشترِ لك ثيابا أو تزكه به، افعل ما شئت به فأنتم أمانة عندي منذ الصغر، أبوك لم يتركنا حتى ونحن كبار في السن، يحدثني ودموعه تجري بالخفاء. قبلت رأسه: لم البكاء يا عم؟

    - هذا ما كتب الله لنا نودع ونستقبل وندفن ونرزق ونبكي ونضحك، كلها مكتوبة بدفتر أرزاقنا، أنا ابنك.

    - صحيح بأن أبي توفي، لكن كمال موجود وتحت أمرتك، أنت تطلب وهو ينفذ، أنت من تبقى من بركات بيتنا.

     نظر إلي وعيناه تتلألأ مثل ياقوت، ابتسم وحضنني وربت على كتفي يا عزيز الروح: يا بني كمال أنت شبيه أبيك، حنانك ونخوتك وطيبة قلبك، قوتك عزمك إصرارك غيرتك كأنك توأمه فـ يحفظك الباري.

    - يا حنون، لقد تأخرنا على أستاذ عزيز.

    كان الجلوس معه ممتعًا، دار الحديث بنا على الأراضي والزراعة، كان فكرة عزيز شراء مزرعة كبيرة كل فترة واخرى يأتي لسفرة العائلية ولأن ابن أخته لم يملك شهادة ففكر بشراء أرض ليستفيد منه ويصد حاجيا ت منزله، أشياء كثيرة دارت بيننا حتى نسينا أنفسنا من شدة الكلام.

     أتعبنا الرجل الكريم شكرناه لحسن ضيافته ورقي نبله لأن هناك أمورًا كانت تنتظرنا، أخبرناه بأن هناك هاتفًا عموميا في محل بعيد عن المنزل، بين حين وآخر سنتصل به ونأخذ أخبارًا منه عن أخي سلام.

    بدأنا رحلة العودة إلى القرية، تأخرنا كثيرًا لحين الوصول فلم أستطع اصطحاب عائلتي، رحل يونس إلى بيته، طلب عمي إن أمكث هذه الليلة معه فقد تأخر الوقت على رجوعي عند دخولي، تألمت كثيرًا أخذ عمي نفسه لكي يصلي ويرتاح، بقيت في أرض الدار، مشيت في أرجاء الدار، تذكرت عمار وزهير اللذان استشهدا في الجبهة، عمار كان حلمه منزل كبير ويتزوج امرأتان، يرزق بأولاد كثر والقدر شاء أن يستشهد بعز شبابه، وزهير حلمه بأن يصبح طبيبًا عسكريا ، شارك بعدة معارك، رأى صديقه جريحًا على الأرض، ذهب كي يحمل صديقه مروان وإذا برصاصة اخترقت قلبه من الخلف واستشهد بمكانه وصديقه يبكي ويحضنه: زهير، انهض، اذهب إلى مكانك أنا بخير، ولكنه قد فارق الحياة بثوان وخاتم خطبته بيده ينتظرون عودته ليتزوج وجائهم شهيد، أعان الله قلب عمي كيف يعيش والذكريات تجري أمامه؟ أستغفر الله العظيم، يا رب أطلب منك أن تخفف عن ألمه أتذكرهم لا زالت أماكنهم خالية، كلامهم، شقاوتهم، ضحكاتهم تملأ الأرجاء، دائمًا أتردد وأسهر طوال الليل معهم نلعب الطاولة بضوء الشمعة ضعيفة، لم نشعر بتعب أيام رغم عملنا شاق في مزرعة جدي الكبير، والآن المكان خالٍ، ذكريا ت جميلة تتراقص أمامي مخالب الفراق تنهش النوم أيضًا من عيني التعاسة والفراق أصابنا بعد الحرب، أكلت كثيرًا من شبابنا مثل الورد نحمدك يا الله ونرضى بكل قضائك.

    صفحة 17

    بيومها من شدة قهر الذكريات والألآم والفراق لم أشعر إلا بصوت يشدني من بعيد، يقرأ القران بكامل إحساسه، فتحت عيني وخيوط الفجر تلمع في السماء، التفت وإذا بعمي صاحب ذاك الصوت الجميل المُحمَّل بحزن عميق، هرعت مسرعًا لكي أصلي وأجلس قربه، جلست إلى حين صدق قبلت يديه الدافئتين، أتمنى من الله أن يطيل بعمرك وألا يحرمني من صوتك يا عماه.

     جاء يونس، فطرنا سويا ، أخذنا الحديث عن المزرعة، كان يحب أن يشاركني به لنزرعها قمحًا لأنه مهنتنا المفضلة.

    يونس: هل يمكن ان أستعير سيارتك لجلب عائلتي، ولي بعد أشياء تلزمني.

    كان سيف معلقًا بي جدًا، عندما ذهبت وجدته أمام الدار ينتظر قدومي شوقه لي لا يوصف طلبت مني نفيسة البقاء مع اخاها فهد هو كل ما تبقى لها من أهلها، وورث المنزل من عمي الصغير حاتم، كان يريد أن أمكث معهم هذه الليلة، لكنني اعتذرت منه وقلت له مرة أخرى سآتي وأبقى مطولًا معك.

    كان الشباب ينظرون الغداء في المزرعة، دائمًا أذهب إلى العم جرجس فهو طباخ ماهر يشوي السمك بطريقته الخاصة وبنكهة مميزة.

    - كيف الحال يا عم جرجس؟

    - أهلًا بك يا كمال العزيز، بخير، وأنت كيف حالك؟

     كان بشوش الوجه، جميل الشكل، نظيف القلب، حنون ملتقى، هناك وجوه لو رأيتهم تشعر بفرحة طوال اليوم قلت لنفيسة تودون بقاء معي في المزرعة لحين المساء أم تودون ان تذهبوا إلى المنزل؟ سيف من خلف يمسك بعنقي ويقبلني، يريد الذهاب إلى المزرعة.

    - حسنًا سأذهب بكم إلى هناك.

    كان عمال يعملون منذ آذان الفجر، نزل سيف بسرعة، ركض على عمه عبد الرحمن: لقد اشتقت اليك. وأنا أيضًا يا بطلي، كيف حالك؟ كيف هم أهلك، بخير؟

    - أجل، كلهم بخير ويحملون سلاما كثيرًا لك ولعمي ياسين وعمي طلال.

     ذهبنا لنكمل عملنا بقيت نفيسة مع الأولاد، هناك نساء أيضًا يعملن في المزرعة كانت أحيانًا تجلس وتحدثهم، يحبونها كثيرًا حتى قرعت الساعة الواحدة ظهرًا اجتمعنا تحت الشجرة التوت الكبيرة والشاي على الحطب تغلي ومضخة الماء صوتها كمزمار.

    جلسنا معًا لتناول الغداء، سيف لا يترك عمه عبد الرحمن متعلق به تعلقًا فظيعًا، ونفيسة ابتسامتها لا تفارق وجهها، وابني الصغير بأحضاني وإذا بسيارة دخلت الأرض، وإذا بعمي هو ويونس نزل عمي ووجهه شاحب، خفت عليه كثيرًا ساعات قصيرة فارقته، هرعت إليه: لقد طلبت من يونس أن يأخذني عندك فقد ضاق صدري من الوحدة.

    بكل سرور: هل يؤلمك شيء؟

    - لا لا، فقد اشتقت لك.

     ساعته على صدره مرتديا زيه العربي القديم، عندما يحضر ابني زهير يلعب تحت عباءته.

    - كفاك يا بني، اتركه.

    يهز رأسه بلا: أنا أحب جدي. فهو يناديه جدي، لأنه لم ير أبي، عمي لا يقبل إني يتركه متعلقًا به كثيرًا.

    - انظري إلى ابنك المشاكس.

     ضحكت: دعه فهو يحبه، هو من أسماه.

     شربنا الشاي ونحن نرى، عمي ضحكاته لا يفارقه أثناء الحديث والمزاح، وضع يده على وجهه وغفوة ونفيسة تجلس عند رأسه، رحلنا بهدوء نكمل عملنا نسرع لأنه موسم الزرع، ساعات ونحن نعمل إلى أن غربت الشمس، أكملنا وإذا بعمي يريد الرحيل إلى منزله، أخبرته بأني سأقله في طريقي، رحل الكل لمنازلهم اوصلته وزهير لا يقبل ان يتركه قلت له غدا سآتي واقلك معي إلى مزرعة، لا تبق وحيدًا في المنزل، غادرنا والأولاد ودعوا جدهم.

    صفحة 18

    كنت كل يوم آتي وأُقِلَ عمي إلى المزرعة، طلبت من ونفيسة أن تجهز الغرفة الكبيرة؛ كي ينام بها أيام بقائه عندنا حتى لا يشعر بوحدة وأولادي يحبونه، عندما يبقى معنا يأتي الأصحاب عبد الرحمن وطلال وياسين يسهرون طوال الليل معنا ولنا ديوان ضيوف كبير، بداية منزل حتى لا تنزعج عائلتي، كان عمي ينفرد ويحب ياسين أكثر من الكل، يتحدثان كثيرًا حتى بعض الأيام يذهب عمي عنده في بيته الصغير الذي وهبته له ويبقى يهتم به، كنت أحب تقربهم كلاهما يشعر بالوحدة وكلاهما ربما وجدا بالقرب هذا ما فقداه من عائلة، شعرت أن أحكي له سر أقربائه، عمي يعرف كل الناس القريبين من ديا رنا تقريبًا، كنت أفرح عندما اشاهده حولنا يدورون الأولاد حوله ويعتني به سيف كثير، الأولاد لا يوجد لديهم أجداد من كلا الطرفين _مني ومن أمهم_ لم يعرفوا أجدادهم لذا يصبوا كل عواطفهم لعمي، ولما بعث لنا المحامي خبرًا فرحت أني سوف أرى أخي سلام، وفعلًا جاء يوم اللقاء، إنه شيء أكيد يتصور بأني قد توفيت حتى أنا طلبت من المحامي ألا يخبره حتى يراني بأم عينه، وفعلًا دخلنا السجن في قاعة كبيرة والكل يحضن أقربائه وأهله إلا أنا بقيت أنتظر، وأتى به المأمور وأشار له هذا محاميك لذا نهضت له وقلبي يخفق وبقى هو جامدًا في ملامح وجهي ينظر للمحامي، والمحامي ينظر بعطف له كأن عيونه تسأل المحامي من هذا، هل تغيرت حتى أخي يجهل ملامحي أم الصدمة جعلته ينظر للمحامي ولي؟

    فتحت ذراعي على آخرها، وقلت هذا أنا كمال، تراجع للخلف وكأنه غير مصدق.

    - من ك كما كمال؟!

    وانفجرت دموع عيونه: لا لا لا، هذا حلم، هذا أحلى حلم، آه يا أستاذ عزيز، هذا أخي، هذا حلم، أليس كذلك؟

    اقتربت منه: ليس حلمًا، ولست شبحًا، تعال احضني.

    قفز لأحضاني: حتى لو كنت شبحًا فأنت كمال روحي.

     وحين حضني أدرك بأنها الحقيقة التي انحرم منها طوال تلك السنين، تصور أنه بقى وحيدًا بلا أخ، لكن كأن الحياة عادت له، ينظر إلى لوجهي كطفل ويقبلني ألف، مرة فاقد الحنان أبكي معه وأمسح دموعه.

    - هل أنت حي قالوا.

     قلت له: "لم أمت ولم

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1