Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الآثم المقدس
الآثم المقدس
الآثم المقدس
Ebook606 pages4 hours

الآثم المقدس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يلعب توماس مان في هذه الجوهرة السردية لعبته الخطرة والمستحيلة، وهو يجعل المفاجآت تتوإلى دون أن يفقد القارئ دهشته! هذه رواية سماوية تتداخل بما هو أرضي، حتى يحار القارئ وهو يمسك الكتاب بين السماء والأرض!قيمة الخطيئة هنا، أنَّها بقليل من السِّحر، أفضل الفضائل. ستشعرُ أيها القارئ أنَّك الهدف، والمرتجى المخبوء بين السطور؛ سيحدث ذلك حينما تضيع بين مفردات "الألم" و"اللذة" و"الهاوية" و"الطمأنينة". هذه رحلة لا تُمَل أبدا؛ في الاتجاهات كلها معاً في آن واحد، وإلى الأبد، وما وراءه قليلاً.
Languageالعربية
Release dateJun 10, 2024
ISBN9789922643472
الآثم المقدس

Related to الآثم المقدس

Related ebooks

Reviews for الآثم المقدس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الآثم المقدس - توماس مان

    الغلافChapter-02.xhtml

    الآثم المقدس

    توماس مان

    ترجمة: علي عبد الأمير صالح

    العنوان بالألمانية:

    Der Erwählte

    العنوان بالإنكليزية:

    The Holy Sinner

    By Thomas Mann

    Translated by Ali Abdulamir Saleh

    الطبعة الأولى: أغسطس ـ آب، 2021 (1000 نسخة)

    This Edition Copyrights@Dar Al-Rafidain2021

    _____________________________________________________________________________________

    تنبيه: إن جميع الآراء الواردة في هذا الكتاب تعبّر عن رأي كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الناشر.

    ISBN: 978 - 9922 - 643 - 47 - 2

    (C) جميع حقوق الطبع محفوظة / All Rights Reserved

    حقوق النشر تعزز الإبداع، تشجع الطروحات المتنوعة والمختلفة، تطلق حرية التعبير، وتخلق ثقافةً نابضةً بالحياة. شكراً جزيلاً لك لشرائك نسخةً أصليةً من هذا الكتاب ولاحترامك حقوق النشر من خلال امتناعك عن إعادة إنتاجه أو نسخه أو تصويره أو توزيعه أو أيٍّ من أجزائه بأي شكلٍ من الأشكال دون إذن. أنت تدعم الكتّاب والمترجمين وتسمح للرافدين أن تستمرّ برفد جميع القراء بالكتب.

    جريمالد وبادوهينّا

    كان يا ما كان، كان هناك دوق فلاندرز(27) وأرتويز(28)، اسمه جريمالد. سيفه يُسمى إكساكس «الرهيب». جواده المُطَّهم الحربي القشتالي يُدعى جوڤرجورز. مُصاناً برعاية اللّٰه لم يكن يشبهه أيّ أمير من الأمراء، وجريئاً كان يُجيل عينيه فوق أراضيه التي آلتْ إليه بالموت والوراثة، ذات المدن الثرية والحصون المنيعة، وكان يستند صارماً ومحترماً ذاتَه، على حاشيته وعلى جذع مرافقه، على السعاة، الطباخين، غلمان المطبخ، الطبالين والبواقين، عازفي الكمانات والفلوتات. كان لديه أيضاً خدمه الشخصيون، اثنا عشر غلاماً من ولادات مميزة وذوي سلوك لطيف ومهذب، بينهم ابنان من العرب المسلمين. الصبيان المسيحيون مُنعوا من مضايقة الغلامين الأخيرين بخصوص حبيبهما محمد. حين يمشي جريمالد مع زوجته بادوهينّا، تلك السيدة المتعجرفة، ذاهباً إلى الكنيسة أو المأدبة، عندئذ، ينبثق هؤلاء الغلمان اثنين اثنين، مسرعين، بجوارب ملوّنة أمامهما، يجعلون أقدامهم بالعرض ويومئون برؤوسهم.

    (27) فلاندرز Flanders: منطقة في أوربا الغربية كانت كونتية مستقلة في القرون الوسطى، لها ارتباط بفرنسا ثم انضمتْ إلى ممتلكات آل هبسبورغ. منذ القرن التاسع عشر ونتيجة للأهمية التاريخية التي اكتبستها مقاطعة فلاندرز في بلجيكا، صار مصطلح «فلاندرز» يطلق على كل مناطق بلجيكا التي تتكلم باللغة الهولندية وهي التي تقع في الشمال من بلجيكا. ترجع كلمة «فلاندرز» إلى معنى الأراضي المغمورة بالمياه نتيجة للفيضان، وتُسمى بالهولندية Vlaanderen ــ م.

    (28) أرتويز Artois: منطقة في شمال فرنسا، تغطي أراضيها منطقة مساحتها نحو 4000 كم مربعاً، ويبلغ عدد سكانها مليون نسمة تقريباً. مدنها الرئيسة: آراس، والقديس عمر، ولينس، وبيثونه ــ م.

    قلعته الأصلية، حيث كان الدوق جريمالد يتحدث بأشياء شيقة بحيث إنّ الآخرين يجتمعون للاستماع إليه باهتمام، هي «القلعة بيوريـپيير»(29)، وتقع على مرتفعات أرتويز التي توفر العلف للأغنام، إذا ما نظرنا إليها من بعيد تبدو وكأنها مُدارة على مخرطة، بسقوفها، عِليّاتها، تحصيناتها الخارجية، وأسوارها الحلقية المعززة بالأبراج، هي الملاذ ذاته الذي يحتاجه كثيراً أميرٌ كهذا، ضد الأعداء الهمجيين من الخارج وكذلك ضد النوايا الشريرة لأتباعه، لكنها في حقيقة الأمر، أكثر الأمكنة التي تصلح للسكنى، ومبهجة للحواس أيضاً. كان جوهرها حصناً شاهقاً، مربع الشكل، ذو حجرات داخلية ذات أبهة عظيمة، كانت مثيلاتها، على أية حال، مُخبأة ليس فقط في برج السكن نفسه ولكن أيضاً عبر الجدران في بنايات كثيرة خاصة وحَلَقة داخلية أيضاً، ومن القاعة الكبرى للحصن يخرج درج مستقيم يفضي إلى داخل الفناء ومرج الحديقة، وهناك تنتصب شجرة زيزفون ممتدة مطوّقة بالجدران، فوق المصطبة التي من حولها كان يروق للدوق وزوجته الجلوس في عصر يوم صيفي على وسائد حرير phelle ناعم من حلب ودمشق، بينما كان أفراد حاشيته يجلسون مرتاحين عند أقدامهما على سجاجيد فرشها مرافقون على المرج المُعتنى به جيداً، وكانا يرهفان السمع لعدة حكايات حقيقية وعدة حكايات خادعة هي في الأصل حكايات شعبية، تشد أعصابهما، حكايات عن أرتوس، عاهل بريطانيا كلّها، تتعلّق بملك المناخ الجيد أوريندل، كيف عانى من حطام سفينة مرير في أواخر الخريف وأمسى عبداً رقيقاً لعمالقة الجليد؛ تتعلّق بالمعارك بين الفرسان المسيحيين وأناس غرباء، مُخيفين في بلدان نائية جداً من مثل إثنيزي، جيلسترام، أو رانكولات: أناس برؤوس شبيهة بالرافعات، بعيون في جباههم، ذوو أقدام كفية(30)، أقزام، وعمالقة، تتعلّق بالطوافين الاستثنائيين حول جبل المغناطيس وخداع الغرفينات(31) من أجل ذهبها الأحمر؛ تتعلّق بالمعركة من أجل عقيدة القديس سيلـڤستر مع يهودي أمام الإمبراطور قسطنطين؛ حيث تمتم اليهودي اسم ربه في أذن ثور صغير وتهاوى الحيوان صريعاً على الأرض، إلا إن سيلـڤستر ناشد كريستوس، ونهض الثور على قدميه من جديد وأعلن بهدير راعد تفوّق العقيدة الحقيقية.

    (29) القلعة بيوريـپيير: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي Chastel Beaurepaire ــ م.

    (30) ورد في النص تعبير web - footers أي ذوو أقدام ذات أصابع متصلة بأوتار أو جُليدات ــ م.

    (31) الغرفين griffin: حيوان خرافي نصفه نسر ونصفه أسد ــ م.

    هذه كلّها بواسطة الصور الإيضاحية فقط. في أزمنة أخرى كان كلّ واحد منهما يعطي للآخر الألغاز البارعة أو كانا يتابعان حواراً حراً زاخراً باللطف وخِفة الدم، بحيث إنّ ضحكات جد بهيجة من الأصوات المختلطة، أصوات رجال ونساء، ملأتْ الهواء.

    أما بالنسبة لي فيتعين عليّ أن أقهقه، لأن بعضهم قد يفكرون في القاعة الكبرى هناك في الأعلى، الردهة المُشتعلة بمَشاعل التدخين المستعملة للأمسيات والمكوّنة من القش والصنوبر الراتينجي المستعمل للإنارة. أوه لا! حلقات تتدلى من السقف سميكةً ملتصقةً بشموع خافقة، وشمعدانات جدران تحمل حفنات من شموع ذات وميض بعشرة أضعاف في الحجرة. كان هناك رفا موقدين زخرفيين مرمريين حيث كان يشتعل نبات الصبر وخشب الصندل، وسجاجيد عريضة غطتْ الأحجار، في مناسبة ما ربما يحلّ أمير كانـڤوليس أو أمير أنجو ــ أهلاً وسهلاً، أيها السيد الوسيم!(32) ــ ضيفاً على الدوق، كانت هناك أغصان منتشرة ونباتات أسل أخضر وأزهار. جلس اللورد جريمالد وزوجته بادوهينّا إلى المائدة على كرسيين بحشيتين من الأقمردي(33) العربي، قبالتهما قسيسهما التابع للقصر. كان الموسيقيون يجلسون عند أسفل المائدة أو بخلاف ذلك إلى مائدة صغيرة منفصلة، أما أفراد الحاشية فكانوا يجلسون إلى موائد مربعة الشكل مُدلّاة من الجدران، مكسوة بالبياض، وأربعة مرافقين لكلّ مائدة كانوا يمسكون بكؤوس ذهبية كبيرة ومناديل مائدة حريرية زاهية الألوان ويواصلون الركوع. ملائماً كان الطعام للحاشية: مالك الحزين، وسمك وشرائح لحم مشوية مع أضلاعها، وطيور تم اصطيادها في فخاخ نُصبتْ لها في الغابات، وسمك شبوط(بوري) سمين. مع كلّ طبق كانت هناك صلصة، وفلفل، وفاكهة مطبوخة، وبصورة متقنة، وجوههم حُمر كالنار (لأنهم كانوا يشربون أيضاً، خلسة)، كان الغلمان يملأون الكؤوس الكبيرة بالنبيذ وخمر التوت والسنوپل الأحمر و«مشروب صافي» لاذع، أيّ كلاريت(34)، الذي كان اللورد جريمالد يبلّل به، بأعظم سعادة وبصورة متكررة، حلقَه.

    (32) أهلاً وسهلاً، أيها السيد الوسيم!: وردت باللاتينية في النص الإنكليزي bein sois venus, beau Sire! ــ م.

    (33) الأقمردي achmardi: حرير مُطرز أخضر وذهبي ــ م.

    (34) كلاريت claret: خمرة بوردو الفرنسية الحمراء ــ م.

    لكنني لن أحتفل أكثر بالحياة المريحة في بيوريـپيير، مع أنه كان شيئاً كاذباً فعلاً أن تخفي الحقيقة القائلة إن الخزانات كانت تنفجر بالكتان والدمقس، بالأنواع النادرة من الحرير والمخمل، بجلود ثعالب الماء، وكذلك بجلود حيوانات السمور الناعمة، ذلك أن المناضد والصناديق كانت تتألق بآنية خزفية Azagoger رقيقة، من مثل طاسات مجوّفة من الأحجار الثمينة وكؤوس ذهبية. نادراً ما كانت الأدراج تتسع لإمداد من التوابل يُعطر بها الهواء، السجاجيد والكنبات: أعشاب عطرية وخمائل، العنبر، الترياق، القرنفل، المسكات(35)، والهيل؛ ففي خزانات سرية كانت تُوضع ماركات ذهبية عديدة من القفقاس، منتزعة من مخالب الغرفينات، إضافة إلى ذلك الجواهر وأحجار مثيرة للدهشة غير مركبة في إطار الفص، كالعقيق الأحمر، العقيق اليماني، العقيق الأبيض، المرجان، وأي شيء آخر كانت تُدعى: عقيقاً، الجزع العقيقي، اللآلئ، الملكيت، والماس. بحيث كانت الذخائر الحربية والأسلحة تُحشر مع أسلحةٍ لا تُقدر بثمن، مع قمصان من دروع مرنة ذوات زرود، عدّة حرب(36) وتروس من طليطلة بإسبانيا، عدّة حربية للفارس والجواد المُطهم، أغطية مزركشة لسروج الخيل، أطقم، سروج، ولجامات ذوات أجراس، الإسطبلات، زرائب، وجارات الكلاب، والأقفاص كانت متخمة بالخيل والكلاب، بشِراك اللهو، بالصقور، والطيور الناطقة.

    (35) المسكات muscat: عنب طيب الشذا ــ م.

    (36) عدّة حرب: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي resèharnasi ــ م.

    إنما يكفي فيما يتعلق بأناشيد النصر هذه! مع أنه ليس شيئاً صغيراً أن تُصَف وتُحفظ في تسلسل نحوي مدائح من هذا الطراز! بإسلوب متودد جداً، إنه شيء واضح، واللورد جريمالد والسيدة بادوهينّا يمضيان أيامهما، مثيرين إعجاب العالم المسيحي المحيط بهما، وهما ينعمان بوفرة بكلّ الأشياء الجيدة للأرض. هكذا كانت تذهب الحكايات كلّها ومن ثم تذهب للقول: «ثمة شيء واحد فقط كان ينقص مسرتهما». إن حياة الإنسان تتبع الأساليب المُجرَّبة جيداً، إنما في الكلام فقط تكون هذه الأساليب قديمة وتقليدية؛ بنفسها ولنفسها كانت على الدوام جديدةً وفتية، مع أنه لا شيءَ يبقى للراوي باستثناء منحها الكلمات القديمة. إذاً ثمة شيء واحد فقط، يقول الراوي، بحكم الظروف، كان ناقصاً كي يجعل سعادتهما كاملةً: ذلك هو الأطفال. وكم مرةً يرى المرء الاثنين يركعان جنباً إلى جنب على حشيات المخمل، يلويان أيديهما بتوجّع نحو السماء من أجل ما امتنعت عنه! ليس هذا فحسب؛ بل في جميع كنائس فلاندرز وأرتويز كانت تُرفع صلوات كلّ يوم أحد من المذبح إلى الباري من أجل هذه الهِبة، مع ذلك يبدو أنّ جلالته رفض أن يصغي إلى توسلاتهما؛ ذلك أن كليهما كان قد بلغ سن الأربعين ولا يزال متأخراً أمل الذرية والخلافة المباشرة، بحيث إنَّه ذات يوم ربما ستتمزق الدوقية إرباً في نزاع الورثة المتنافسين.

    ألأن رئيس أساقفة كولون، وأوتريخت، وماستريخت، وليج دخلوا القوائم مع جماهير مهيبة ومواكب مبتهلة إلى اللّٰه؟ أعتقد هذا؛ لأنه بعد تردد طويل من قبل «اللّٰه» رُفعتْ اللعنة أخيراً وتطلعتْ الأميرة إلى مباهج أمومية، مباهج، وا أسفاه، كان مقدّراً لها أن تخمد فقط في عذابات مخاض كان كَرْبه يشهد على الهواجس المتبقية لـ «الحكمة كلّها» في ناحية آمالها. لأنه يا للمحنة! السيدة لم يُقدّر لها أن تتماثل للشفاء من التوأم الذي حملته بصرخات لا إنسانية حتى ضوء النهار. نورها الخاص أخفق، والدوق جريمالد أصبح أباً لمجرد أن يجد نفسه في الوقت عينه قد أمسى أرملاً.

    يا للغرابة التي تمزج فيها العناية الإلهية لنا السعادة والحزن القاتلين في كأسٍ واحدة! رئيس الأساقفة، متأثراً بصورة غير سارّة بالنجاح المشكوك فيه الذي أحدثه إلحاحه على «الرب»، ترك الأمر إلى أسقف كامبري كي يبقي الجنازة في الكاتدرائية الكائنة في يـپرس(37). الآن حين عاد الدوق جريمالد إلى الحجر اللوحي الذي غطى القبو الذي حفظتْ فيه السيدة مخاضها البارد، فإنه عاد إلى بيروپيير لكي يستمتع بما أُعطي له، بعد حِدادٍ مناسب على ما أُنتزع منه. التوأمان المقمّطان، سليلا الموت العزيزان جداً، ولد وبنت، دمه ولحمه، وريثا منزله، كانا جنته في الموت، وكانا جنة المدينة بأسرها، لذلك سُميا معاً joiedelacourt، أي بمعنى «سعادة القصر»، لأن العالم بأسره لم يرَ وليدين أكثر فتنةً وجمالاً منهما، وما من رسامٍ من كولون أو ماستريخت كان بمقدوره أن يرسم بالصبغ أجمل منهما، كانت لهما هيئة صافية، يفيضان من حولهما بكلّ النسمات العذبة، بشعرِ قليل كزغب الكتاكيت وعينين كانتا في البدء مليئتين بنور السماء؛ نادراً ما يبكيان، مستعدان دوماً لأن يبتسما بسمات ملائكية يذوب لها فؤاد المرء، ليس حين يبتسمان للآخرين حسب بل كذلك حين يتطلع أحدهما إلى الآخر جالسين على الشيفونية(38)، يصفقان بأيديهما معاً، ويقولان: «دا، دا!».

    (37) يـپرس Ypres: مدينة تقع في فلاندرز الغربية ببلجيكا ــ م.

    (38) الشيفونية chiffonier: خزانة ضيقة عالية ذات أدراج ــ م.

    «سعادة القصر»، بطبيعة الحال، كانا يُسميان هكذا فقط بصورة مشتركة وفي دعابات الإطراء. في التعميد المقدس الذي منحهما إياه قسيس القصر، أخذا اسميْ فيليجيس وسيبيلا؛ ومع أن الطفل فيليجيس، الذي كان يصفق بصورةٍ أقوى بكثير حين يقول «دا، دا» من شقيقته سيبيلا، كان الشخص الرئيس والوريث، مع ذلك عليها هي أيضاً، كما على جنسها كلّه، سقط وميض من بهاء «ملكة السماء» وكان الدوق جريمالد ينظر إلى ابنته بعين أكثر رقة مقارنة بالابن الضروري جداً والوسيم حقاً. ابنه سيكون فارساً مثله، شجاعاً وجسوراً، مناسباً تماماً للنساء، فبعد المقارعة بالسيف مع فارس آخر سيغسل عن بدنه صدأ درعه المُبلل بالعرق؛ مناسباً لخمرة الكلاريت أيضاً، أجل، بوسع المرء أن يقول ذلك. الغرابة العذبة للأنوثة الرقيقة، الموهوبة من الأعلى، تستحوذ بطريقة مختلفة تماماً على القلب الغليظ للرجل، حتى لو كان قلباً أبوياً؛ وهكذا كان اللورد جريمالد يسمي ابنه فقط الفتى اليافع والسعدان بينما كان يدعو البنت الصغيرة جداً «فاتنتي»(39) ويُقبّلها في حين يربت على الولد ويعطيه إصبعه كي يمسكه.

    (39) فاتنتي: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي ma charmante ــ م.

    الطفلان

    بأية عناية الآن كان الطفلان الصغيران النبيلان يُربيان بواسطة نساء ذوات خبرة، كانت تسريحة الشعر تطوّق جبين وذقن كلّ واحد منهن! هؤلاء النسوة غذين الطفلين بعصيدةٍ مُحّلاة وبطعامٍ لين، وقمن بتحميمهما بماء النخالة، ودعكن لثتيهما الخاليتين من الأسنان بالخمر فمن الجائز أن تبزغ الأسنان اللبنية عبرها بصورة أسهل وأسرع وتزين بسماتهما. فعلن هذا، وفي الحال، من دون مزيد من البكاء والأسنان كانت كما اللآلئ، مع أنها كانت حادةً أيضاً. لكن بما أن التوأمين لم يعودا الآن في ربطات القماط، لم يعدْ هنا في الأسفل أرق القادمين الجدد، الضوء العذب الذي جلباه معهما من الأعلى مرَّ كما تمر ظلال الغيوم، وأصبحا أكثر دكنةً وصارا يتخذان شكلاً أرضياً، مع أنه كان شكلاً غاية في الجمال، يتعين عليّ أن أقول هذا. تحوّل زغب الكتكوتين اليافعين على رأسيهما إلى شعر بني أملس تغاير بصورةٍ فاتنة تماماً مع الشحوب الغريب غير الاعتيادي للوجهين الصغيرين الجميلين وبشرة جسديهما الناميين، من الجلي أن هذا يُعزى إلى وراثة من أسلاف بعيدين، وليس إلى أبويهما، لأن السيدة بادوهينا كانت بيضاء وحمراء كما التفاح، والسيد جريمالد كان ذا وجه قرمزي. عيون الطفلين، التي كانت أشعتها في البدء لازوردية، أضحتْ أكثر قتامةً شيئاً فشيئاً وتحولتْ إلى السواد مع عمق أزرق، لا تُرى إلا لماماً وهو غريب تقريباً، إن لم نقلْ إنه أيضاً لم يعدْ سماوياً (هذا لا يشير إلى مسألة لماذا ينبغي لبعض الملائكة الصغار ألّا يملكوا عيوناً ذات زرقة ليلية كهذه). فضلاً عن ذلك كلاهما كانت له طريقة في النظر الجانبي من زاوية واحدة كما لو أنهما كانا ينصتان وينتظران شيئاً ما. لا أستطيع أن أجزم ما إذا كانت هذه الطريقة جيدة أم سيئة.

    في سن السابعة، زمن فقدان أول الأسنان اللبنية، أُصيبا بجدري الماء(40) وبينما كانا يكشطان البثور بقيتْ علامة على جبين كلّ واحدٍ منهما، ندبة وحفرة مسطحة، بالضبط في الموقع نفسه والشكل نفسه، أي بمعنى أشبه بمنجل. شعرهما البني الحريري سقط فوقه إلا إن اللورد جريمالد في بعض الأحيان بهزل أو بدهشة كان يرده إلى الوراء عن جبينهما، في كلّ مرة تُحضِر فيها النسوة ذوات الشعر المُسَرح في ساعةٍ محددة من اليوم الطفلين أمام مَسند قدميه، حين يجلس مع كأس كلاريت في متناول يده. المربيات ينسحبن برؤوس محنية بضع خطوات إلى داخل القاعة كي لا يعكرن بقربهن الوضيع سعادة العائلة النبيلة. أو يبقين واقفات عند الباب ويجعلن الطفلين يذهبان إلى أبيهما، سيبيلا بثوبها المنزلي الصغير الحرير متموج الألوان(أو مهما يدعو المرء نمطاً مُحاكاً بصورةٍ بارعة بخيط ذهب)، فيليجيس بسَمَقه المخمل ذي الحافة المصنوعة من نسيج صوفي ثقيل، شعرُ كلّ واحد منهما يتدلى على كتفيه. فيليجيس بالإدراك الحسي وبالتدريب كان يعرف جيداً كيف يثني ركبته،Dieu vus sal, dear Herre wert، يقولان بأصواتٍ واهنة مبحوحة نوعاً ما يخالطها الذعر. ومن ثم يتحدث معهما الأب من دون كلفة ويمزح معهما، يدعوهما «فأر ظريف»(41) و«حبيبان»، يسألهما كيف قضيا يومهما، ويودعهما أخيراً لدى القديس إسبيرت، صافعاً ڤيلو ومُقبّلاً سيبيلا. كان يقول لهما: «كونا طفلين طيبين!». كانا يردان بانسجام، بصوتيهما الضعيفين الأجشين: «عسى اللّٰه أن يجازيك!». ويبتعدان عنه راجعين إلى الوراء كما يقضي العُرف، بينما تسارع النسوة نحوهما من الباب ويأخذن يديهما، يديهما الخارجيتين، بما أن كلاً منهما كان يمسك بيد الآخر.

    (40) جدري الماء أو الحمّاق chickenpox: هو مرض فيروسي مُعدٍ يصيب الجلد والأغشية المخاطية أيّ الملتحمة وباطن الفم، ويترافق بحكة شديدة، وربما باختلاطات مثل التهاب السحايا والدماغ السليم بعد عشرة أيام من بدء المرض. يُسمى بالدارجة العراقية «أبو خريان» ــ م.

    (41) فأر ظريف: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي gent mignotte de souris ــ م.

    كانا متلازمين على الدوام أينما ذهبا، في سن الثامنة والعاشرة، وكانا أشبه بزوجٍ من الببغاوات القزمات أو بزوجٍ من طيور الحب، كانا معاً في الليل والنهار، ذلك أنهما من البداية تقاسما حجرة نومٍ تقع في أعلى البرج حيث كانت البومات الصغيرات يطرن ناعبات وحيث كان يقف هيكلا سريريهما مع أربطة من جلد السمندل(42) رقد فوقهما الفِراشان وكانت أعمدة السريرين من أفاعٍ ملتوية. كان التنجيد تحت الفراشين من سعف البلميط(43). أما النسوة ذوات الشعر المُسَّرح اللواتي ما زلن يرافقنهما ويخدمنهما فقد كن ينمن قربهما على أفرشةٍ من قش، كانا يسألان عادة «نحن لا نزال صغيرين حتى الآن، ألسنا كذلك؟»، «نحن حمامتان برّيتان صغيرتان، شريفا النسب وجميلان»، «سنكون صغيرين زمناً طويلاً، أليس كذلك، هل هذا متعادل؟»(44)، «أجل، أيها النبيلان، حلاوات، أمامكما زمن طويل حتى الآن» ــ «لكننا نريد أن نبقى صغيرين دوماً على الأرض»، قالا. «لقد رتبنا الأمر على هذه الشاكلة، حين نكون متمتعين بالدفء والراحة معاً. سيكون أسهل لنا عندئذ أن نغدو ملاكين صغيرين في الجنة. لابد أن يكون أمراً عسيراً، لمّا يكون المرء ببطن ولحية وصدر، أن يتحول المرء إلى ملاك صغير عندما يموت» ــ «أوه، هذا شيء سخيف بعض الشيء، لأن اللّٰه هو الذي يقدّر!(45) وإن جلالته لن يشاء بأن يبقى المرء طفلاً إلى الأبد، مهما كانت القرارات التي ربما تكونان اتخذتماها. اللّٰه لا يريد(46)». «لكن ماذا لو عاقبنا أنفسنا وامتنعنا عن النوم طوال ثلاث ليال واكتفينا بالدعاء بأن يُبقينا اللّٰه صغيرين؟»، «أنصتوا إلى البساطة الحلوة! أنا أؤمن بأنكما ستنامان بسرعة وستكبران بصورة حلوة أثناء النوم».

    (42) السمندل salamander: حيوان يشبه العظاية، قادر على العيش في الماء واليابسة على السواء ــ م.

    (43) البلميط palmat: ضرب من النخيل قصير مروحي السعف ــ م.

    (44) هل هذا متعادل؟: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي n’est - ce voire? ــ م.

    (45) اللّٰه هو الذي يُقدّر!: وردت باللاتينية والإنكليزية في النص الإنكليزي que Dieu dispose! ــ م.

    (46) اللّٰه لا يريد: وردت باللاتينية في النص الإنكليزي Deus ne volt ــ م.

    وهكذا جرى الأمر. لا أعرف ما إذا جرّبا العقوبة جدياً؛ أميل إلى الاعتقاد بأن كلمات المربيات جعلتهما يحجمان. إنما شيئاً فشيئاً، حين مرّتْ الأعوام على القصر والبلاد، مورقة ومزهرة وهاجعة، رمادية كالثلج وبعدها ثانيةً خضراء مع ربيع الحياة، بلغا التاسعة والعاشرة والحادية عشرة، برعمان سيتفتحان، وحتى إذا لم يكنْ بوسعهما أن يتفتحا، مع أنهما كانا يوشكان أن يتفتحا، فإنهما لم يعودا صغيرين، بل صارا يافعين، جميلين كصورتين، وجهاهما الشاحبان، بالجبينين الناعمين كالحرير، بالعيون النابضة بالحيوية، المناخر النحيفة التي كانت ترتجف بنحو جلي، وشفة عليا طويلة مقوّسة بعض الشيء؛ بجسدٍ تشكّل بهدوء على وفق مصيريهما؛ لم تكنْ تناسباته صحيحة، بل كانا بالأحرى أشبه بكلبين يافعين بكفين كبيرتين جداً؛ هكذا حين قفز فيليجيس في الصباح، نشيطاً بعد نومٍ هادئ، عارياً كإله وثني، علامته المنجلية في شعره المضطرب، حول حوض الاستحمام الخشبي أمام سريره، الذي سبحتْ عليه أوراق الورد، الذي يختلف به عن شقيقته، عضو ذكورته بدا ضخماً ونامياً جداً مقارنةً بجسده الرشيق الذي بلون العاج. هذا المشهد أورثني الحزن بشكلٍ من الأشكال. طفولياً وجميلاً وحكيماً في الأعلى الرأس الصغير فوق الكتفين الرشيقتين ومن ثم في الأسفل سوط كهذا! إلا أن المربيات أطلقن تباعاً صوتاً حاداً مُبديات إنزعاجهن ورحن ينعمن النظر في إحداهن الأخرى، قائلات: «آمال السيدات!»(47). أما الفتاة، فقد جلستْ، برعماً لم يكدْ يتفتح إلى النصف على حافة السرير، العلامة على جبينها جلية تماماً بما أن شعرها كان مسحوباً إلى الوراء لأن الوقت ليل؛ بصورةٍ سرّية تقريباً نظرتْ من زاوية عينها إليه وإعجابه بالجنس اللطيف. أعرفُ ما كانت تفكر فيه. فكرتْ: «سوف ــ آمال! الحبيب ملكي. تلك هي الآنسة التي تناسبه ــ سوف أتلف(48) ولن أنال قصاصاً عن ذلك، أنا، الابنة الصغيرة للدوق!».

    (47) آمال السيدات!: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي L’espoirs de dames! ــ م.

    (48) سوف أتلف: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي j’arrachera les yeux ــ م.

    كانوا قد خصصوا لها أرملةً نبيلةً، كونتيسة من كليـڤيه، أنشدتْ معها كتاب المزامير في مقعد النافذة وعلّمتها تطريز أقمشة من الصوف الثمين. الفتى بدوره كان له مُوجه(49) يُدعى إيزينجرين، مستشار القصر Cons du Châtel، أي بمعنى كونت قصر مُحصن في بحيرةٍ ذات خنادق مائية واسعة وعميقة ومطل على البحر لأن القصر كان يستريح في السهل، حيث كان يُسمى روزيلير(50) وتورهاوت(51)، قريباً جداً من البحر. (خذْ حذركَ ولاحظ هذا القصر المائي، قرب البحار الرنانة! سوف يكون له تأثيره في هذه القصة.) من ذلك المكان جاء السيد إيزينجرين، الأول في الأرض وخادماً مخلصاً، إلى بيروپيير خصيصاً ليكون اللورد المنتظر للفتى، وأستاذ كياسته(52). خُصص له أيضاً من أجل الخدمات الجسدية المرافق پاتافريد. لكن مع أن اللورد جريمالد كان على الدوام، بسبب البهاء، يفضّل كثيراً الفتاة على الابن، وكلما كان البرعم أكثر تفتحاً أمسى أكثر طراوةً وشجاعةً، مع أنه كلّما كبر الفتى أكثر أمسى الأب أكثر فظاظةً مع ابنه، مع أنه كان يعي بصورةٍ أبوية صحيحة بالتنشئة الجيدة للوريث وأعطى الأمر بأنه أصبح لطيفاً، متكلّفاً، حسن الكلام، متعلّماً وهكذا من هذين الاثنين تعلّم الفروسية والأخلاق الحميدة. من پاتافريد تعلّم (سواء بسعادة خاصة أو من دونها) كيف يثب فوق جواده من دون العنان ومن الأستاذ إيزنجرين تعلّم أنه عندما يمتطي المرء من أجل المسرة وهو يرتدي ثياباً فاخرة يضع المرء بخفة(53) ساقاً واحدة أولاً على الحصان. مع المرافقين الرئيسيين كان يلزمه أن يقارع بسيفه فارساً بدرع حديدي من سويسونز ويتعلّم كيف يصوّب المرء بالرمح على المسامير الأربعة في ترس الخصم، بينما كان يسر پاتافريد أن يسقط من على صهوة جواده وأن يعطي الكفالة. كما تعلّم كيف يقذف المرء الـحربة القصيرة فضلاً عن استخدام الرمح الطويل أثناء الركض. مع مُوّجهه ومدربي الصقور كان يعتلي حصانه ليصطاد مستعيناً بصقرٍ في الغابة الخضراء، تعلّم كيف يقذف بقوة الصقر المروَّض جيداً والمزوَّد بجرس من يده ويصفّر بمهارة فائقة على نصل عشب بحيث إنّ جميع الطرائد البرية ظنتْ أنها تسمع صراخ الحيوانات التي من نوعها.

    (49) موجّه أو مُرشِد: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي gouvernail ــ م.

    (50) روزلير Roeselare: مدينة في شمال غرب بلجيكا، في «فلاندرز الغربية». هذا هو اسم المدينة باللغة الفلمنكية (لغة الفلاندرز). اسمها مشتق من كلمتيْ «قصب» و«فضاء مفتوح». أما اسمها بالإنكليزية فهو: رولرز Roulers ــ م.

    (51) تورهاوت Torhout: بلدية في المقاطعة البلجيكية «فلاندرز الغربية»، تضم هذه البلدية مدينة تورهاوت الأصلية وقريتيْ Wijnendale وSint - Henricus وقرية De Driekoningen الصغيرة. في العام 2012 بلغ عدد سكان تورهاوت 20 ألف و159 نسمة، وتبلغ مساحتها نحو 45 كيلومتراً مربعاً ــ م.

    (52) أستاذ كياسته: وردت باللاتينية والإنكليزية في النص الإنكليزي his maistre de courtoisie ــ م.

    (53) بخفة: وردت بالفرنسية في النص الإنكليزي légèrement ــ م.

    ما الذي أعرفه عن الفروسية والصيد؟ أنا راهب، في الواقع أنا جاهل بكلّ هذه الأمور وحتى خائف نوعاً ما. لم يحدثْ أبداً أن واجهتُ خنزيراً برياً ولا سمعتُ بأذنيّ قربوس السرج المنسحق عند سقوط المهر، ولا جيءَ بي إلى اللعبة وبوصفي ضليعاً في المطاردة أكلتُ أطعمةً شهية مشوية على الفحم. أنا أتصرف حصراً كما لو أنني أكاد أقول حقاً كيف تمتْ تنشئة الفتى فيليجيس، وأُخصص الكلمات للقص. لم يسبقْ لي أن لوّحتُ بحربة في يدي ولم يحدثْ أن رميت الرمح الطويل تحت ذراعي؛ ولا حتى «تم تصفحي» ــ نُفختُ على ورقة ــ كي أضلل المخلوقات الوحشية؛ هذه الكلمة تحديداً التي أستعملها براحة واضحة التقطتُها تواً. لكن هذه هي طريقة وروح سرد القصة الذي أجسد به كلّ ما تحكي عنه، هي تتظاهر بأنها جرّبتْ وأنها أخذتْ حريتها بداخلها. الـ buhurd أيضاً، المبارة السعيدة بين الفرسان في القرون الوسطى التي مارسها الفتى فيليجيس في قاع الوادي الناعم أسفل تل القصر مع النبلاء والمرافقين، حين يكونون في أقصى سرعة يهاجم حشدٌ حشداً وكلّ واحد منهم يسعى لإخراج الآخر عنوةً من ساحة القتال، بينما تجلس النسوة في الشرفات الخشبية المحيطة بالمكان، إما يسخرن من المتوددين إليهن أو يصفقن لهم. هذا القتال العنيف أيضاً، أقول، هو في الواقع بعيد عني كثيراً وهو بالأحرى كريه ومزعج أكثر من أي شيء آخر. مع ذلك أنا قادر على أن أستمر فأقول كيف أن ڤيلو مع مضيفه مدفوعاً بقوةٍ مطرّدة إلى الأمام، مع التراب المتطاير، ألطف غلام في الخامسة عشرة يمكن أن يتخيله المرء، على جواده المطهم الأرقط، من دون درع باستثناء العنق وقطعة الكتف المصنوعة من درعٍ حديدي خفيف أطّر وجهه الصبياني الجميل الشاحب، بطبرد(54) وسترة ضيقة من الحرير الأحمر الاسكندري؛ وكيف أنهم قاطبةً وبكياسةٍ تامة تجنبوه، جعلوه يهمّ بالاندفاع عبر الحشد المقاوِم بأجمعه، لأنه كان ابن الدوق؛ وكيف أن السيدات هنأن سيبيلا، شقيقته الحلوة، التي قهقهتْ بسرعةٍ وتنفست سريعاً عند نصره.

    (54) الطبرد tabard: رداء فضفاض كان الفرسان يرتدونه فوق دروعهم ــ م.

    إن كونه انتصاراً صُورياً أمرٌ يواسيني نوعاً ما وأن أتحدث بمثل هذا التدفق الزائف عن قضايا لا تمت إليّ بصلة. لكن حتى من نصرٍ زائف يغدو المرء متحمساً كذلك، ومتحمساً وفخوراً لأنهم كانوا لطيفين جداً معه حين رجع فيليجيس إلى القصر ووقف قبالة شقيقته، التي بدورها عرفتْ جيداً جداً أنه فاز بالموافقة التامة، وعلى الرغم من ذلك أو بسببه، كانت متحمسة وفخورة بالدرجة ذاتها التي كان هو عليها. هل تعرف ماذا كانت الفتاة(في احتفال اليوم) مرتديةً: كانت تلبس ثوباً نسائياً أخضر كالعشب، من مخمل Azagoger، عريضاً وطويلاً جداً كثير الثنيات، وفي الأمام كان يتدلى بثنيات واسعة بحيث يرى المرء أن البطانة من الحرير الأحمر والتنورة الداخلية من الحرير الأبيض. حول حنجرتها الـعاجية كان الثوب منطبقاً على قياسها وكان مُخيّطاً كالمعصمين باللؤلؤ والأحجار الكريمة التي تنزل إلى أسفل الصدر وتلتقي كي تكوّن زخرفة واسعة. الحزام أيضاً كان مرصعاً بالأحجار الثمينة وأكاليل العذراء فوق شعرها المُرسَل تألفتْ بالمثل من ياقوتات وعقيقات

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1