Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم
توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم
توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم
Ebook754 pages5 hours

توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

نظرة جديدة كبيرة على كنوز وأسرار مقبرة توت عنخ آمون في الذكرى المئوية لاكتشافها. غالبًا ما يُعتقد أن قصة توت عنخ آمون تنتهي بنقل آلاف القطع والكنوز التي اكتشفها هوارد كارتر واللورد كارنرفون إلى المتحف المصري في القاهرة لعرضها، لكنَّ هناك ما هو أكثر بكثيرٍ في قصة الملك الذهبي. يكشف لنا كتاب "توت عنخ آمون والمقبرة التي غيَّرت العالم" مائة عامٍ من البحث في عالم توت عنخ آمون الذي بدأ منذ اكتشاف المقبرة، فنكتشف أن العديدَ من القطع التي عُثِر عليها في المقبرة صُنِعت من الحديد النيزكي الذي جاء من الفضاء الخارجي، كما ظهرت لنا أدلة جديدة أن توت عنخ آمون ربما كان محاربًا خاض عدة معارك حقيقية. ويأخذ المؤلف بوب براير قرَّاءه إلى ما وراء كواليس عمليات المسح الأخيرة بالأشعة المقطعية CAT لمومياء الملك لكشف أسراره، ويوضح الكتاب أيضًا التأثير الواسع النطاق لاكتشاف قبر توت عنخ آمون في مجالاتٍ خارج علم المصريات، حيث يتضمن دراسة لكيفية تأثير اكتشاف المقبرة على السياسة المصرية، وكيف ساهم في سقوط الاستعمار في مصر. أما خارج مصر، كيف بدأت المعارض الحديثة الضخمة الخاصة بعرض كنوز توت عنخ آمون بجميع أنحاء العالم في جني مبالغ باهظة نتيجة العدد المهول من الزيارات، كما قدَّم اكتشاف المقبرة نظرية جديدة لتوثيق كل قطعة أثرية تم اكتشافها في مكانها قبل نقلها، بالإضافة إلى زيادة حالة الولع بمصر القديمة فيما يعرف بـ Egyptomania مع اكتشاف المقبرة، وهو ما سُمِّي بـ Tutmania أو الولع بتوت عنخ آمون.
Languageالعربية
Release dateApr 3, 2024
ISBN9789778201482
توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم

Related to توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم

Related ebooks

Reviews for توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم - بوب براير

    مقدمة المترجم

    إنه الملك الصبي توت عنخ آمون، الملك الأشهر ليس فقط على النطاق الرسمي بين علماء المصريات في العالم كله، بل باتت شهرته بين الناس في كل مكان بالعالم، ويرجع الفضل في هذا إلى اكتشاف مقبرته وكنوزه التي أحدثت علامة فارقة في عالم الآثار وطريقة التنقيب وأسس علم الحفائر. فما إن وطأت قدما الإنجليزي هيوارد كارتر أرض المقبرة وتهج بريق الذهب في عينيه وأعين مرافقيه، كان على موعد مع المجد الذي قرن اسمه مع اسم الملك المصري المجهول حينها توت عنخ آمون، وانفتح له باب من الشهرة لم يُفتح لأحد من أقرانه. فهذا الإنجليزي الذي قدم إلى مصر رسامًا في الأساس، أيقن أنه أمام مقبرة ليس لها مثيل وكنز لم يظهر مثله، وكان من حسن الحظ أن استعان بفريق من الأفضل على الإطلاق في كل مجال.

    وعلى الجانب الآخر، لم يغفر التاريخ مدى الضرر الذي ألحقه بمومياء الملك وكنوزه، وقدر الصلف والعنصرية الذي تصرف به في تعامله مع المقبرة كأنها ملك شخصي له ولسيده اللورد الثري كارنرفون، وهو ما وضع كارتر أمام طوفان جديد لم يقدره، عُرف حينها بصعود القومية المصرية نتيجة لأصداء ثورة 1919 على المجتمع المصري عامة وحقل الآثار - الذي كان يسيطر عليه الأجانب- خاصةً. فأصبح كارتر خصمًا مباشرًا للحكومة المصرية متمثلة في سعد باشا زغلول ورفيقه مرقص باشا حنا وزير الأشغال الذي كانت مصلحة الآثار تابعة له. ورغم الإضراب الذي نوى كارتر إحداثه لإحراج الحكومة المصرية، فإن الغلبة كانت للأخيرة وبنجاح كبير.

    وهنا يخرج توت عنخ آمون من صمته ويلعب دورًا أكثر خطورة في قضية الحفاظ على إرث المصريين القدماء وعودته بين يدي أحفادهم، بعدما بات عقودًا يترنح بين التجار وجامعي التحف وقناصي الكنوز من الأجانب، حتى أصبح القرار الرسمي بعدم مغادرة أي قطعة من كنوز الملك توت أرض مصر، لتصبح أساس سيناريو العرض المتحفي لواحد من أكبر المتاحف على مستوى العالم هو المتحف المصري الكبير.

    ومع التطور العلمي الذي شهده العالم مع الألفية الجديدة، كان الملك توت حاضرًا مرة أخرى، ووضع اسمه مشاركة في تطور علوم الجينات والأشعة، فأصبحت لدينا القدرة على اختبار الحمض النووي لخلايا مومياء الملك وتحديد نسبه وشجرة عائلته التي ظلت مجهولة طيلة عقود، حتى أدركنا أنه ابن الملك أخناتون، وبات من الممكن إجراء أشعة مقطعية على عظام المومياء دون الحاجة إلى فك لفائفها وإحداث أي ضرر لها، على عكس ما قام به كارتر والطبيب المشارك له من تشويه للمومياء وتدمير لأوصالها، لمجرد الرغبة في البحث العلمي.

    ولم يقف البحث العلمي عند هذا الحد، بل قدم لنا هدية ثمينة في معرفة سبب وفاة الملك الشاب، ما أتاح لنا إعادة كتابة التاريخ من جديد ورسم شريط لحياته بقدر من التفاصيل كانت غائبة عنا، وهو ما فتح الباب للتخمين والتأويل الذي لم يكن أغلبه على صواب، فاتضح لنا سير الأسرة الثامنة عشرة وتحديد الفجوات التي سقطت نتيجة عصر العمارنة الذي أسسه الملك أخناتون وأطاح بمعتقدات المصريين القدماء وتراثهم الفكري. ومع رحيل هذا الملك، أصبحت تلك الحقبة ملعونة عند المصريين، حتى سُمي بالملك المهرطق، وهو ما دفع الملك توت ثمنه في المحو من سجلات التاريخ لمدة 3 آلاف عام.

    وكعادته في التنقيب بأغوار التاريخ المصري القديم والغوص في ألغازه، يعود إلينا بوب براير عالم المصريات الذي تخصص في الأمراض القديمة بهذا العمل الشيق، الذي يكشف من خلاله العديد من الخبايا والأسرار التي أحاطت بعالم توت عنخ آمون، مع عرض لذكرياته وتجاربه الشخصية المتعلقة بالعديد من المواقف والأشخاص خلال رحلته في البحث عن توت عنخ آمون. ورغم اختلافي معه في بعض من المواضع في هذا الكتاب من الناحية العلمية، فإن الأمانة العلمية حتَّمت عليَّ الإخلاص في ترجمة فكر براير ونقله للقارئ العربي كي يحكم عليه بنفسه. إنه عالم توت عنخ آمون الشيق والمليء بالألغاز الغموض، والذي يجذب كل أنظار العالم باختلاف ثقافاته ولغاته، ليوحد الناس كلهم على حبه والولع به.

    د. شريف شعبان

    الجيزة 2022

    مقدمة المؤلف

    إنني على يقين من أن هناك العديد من قراء هذا الكتاب على دراية مسبقة بقصة الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون والحفائر الخاصة بها، فهي القصة التي لا نمل سماعها؛ عالم الآثار سيئ الحظ الذي تعاون مع لورد إنجليزي ثري للبحث عن مقبرة مفقودة في وادي الملوك، ثم يجدان الكنز، حيث آلاف القطع التي نوى الملك الصبي أخذها معه إلى العالم الآخر، وهي كنوز مهولة في الكم استغرق الأمر من المكتشف هيوارد كارتر وفريقه عشر سنوات لتنظيف المقبرة وتعبئة العروش والأسرَّة والمقاصير والتوابيت، ووضعها على البواخر لإنزالها عبر النيل إلى القاهرة ليتم عرضها في المتحف المصري. بالنسبة إلى معظم الناس، هذا هو المكان الذي تنتهي فيه القصة، لكن في حقيقة الأمر القصة لم تنتهِ، فهناك الكثير لنقوله.

    في السنوات الأخيرة، تم تطبيق تقنيات عصر الفضاء لدراسة ما تم العثور عليه في المقبرة، ما أسفر عن نتائج ملحوظة. فقد تم فحص مومياء توت عنخ آمون بالأشعة المقطعية CT-Scan، وهو ما قدم إلينا معلومات جديدة مفاجئة. أظهرت دراسات أخرى أن بعض القطع التي عُثر عليها في المقبرة قد جاءت من الفضاء الخارجي! كما أظهرت عملية المسح بالأشعة لجدران المقبرة احتمالية وجود مقبرة ثانية خلف الجدار الخلفي لمقبرة توت عنخ آمون، حيث يجزم أحد علماء الآثار المشاهير بأنها ستكون المقبرة المفقودة للملكة نفرتيتي. هذه دراسات حديثة نسبيًا، لكن فكرة البحث عن توت عنخ آمون كانت مستمرة منذ عقود، فقد تقدمت هذه الدراسات على مراحل؛ ففي بعض الأحيان نجد أحداثًا قليلة تمت خلال عقود، ثم فترات نشاط محموم. والآن نحن نعيش واحدة من تلك الفترات ذات النشاط المكثف.

    تعمل مصر حاليًّا على مشروع استكمال متحفها المصري الكبير الجديد (GEM)، وهو سيكون من أكبر متاحف العالم، وقد تقرر نقل كل كنوز توت عنخ آمون من المتحف المصري بالتحرير في قلب القاهرة إلى المتحف الجديد بالجيزة. ولأول مرة منذ عقود سيتم استخراج بعض من كنوز الملك توت من فتارين العرض الزجاجية الخاصة بها، لتكون متاحة أمام الباحثين للدراسة عن قرب. تم اكتشاف أن العديد من كنوز الملك توت بحاجة إلى ترميم وصيانة، لذا تتم حاليًّا عمليات ترميم لها في مركز الترميم المتطور التابع للمتحف الكبير. ويعكف عدد من الباحثين على دراسة كل شيء يخص كنوز الملك توت عنخ آمون، من عربات إلى الصنادل التي كان يرتديها وغيرها. هناك نظريات جديدة حول متى سُرقت مقبرته وكيف مات. نحن حاليًّا نعيش في أوقات مثيرة للغاية يلمع فيها نجم توت عنخ آمون عاليًا، وهذا ما يدور حوله هذا الكتاب.

    بينما يكشف لنا البحث العلمي عن معلومات رائعة حول الكنوز الموجودة في المقبرة، كشفت دراسات أخرى عن جوانب مهمة من الديانة المصرية القديمة، فقد كان المصريون مؤمنين بفكرة البعث والقيامة، واعتقدوا بأن الجسد حرفيًّا سوف يبعث مرة أخرى في العالم الآخر. لهذا السبب توصلوا إلى اختراع التحنيط للحفاظ على الجسد. لكن الوصول إلى العالم الآخر كان بمثابة رحلة صعبة وخطيرة، حيث تحاول المردة والشياطين معارضة مرور توت عنخ آمون خلال تلك الرحلة. لذا كان عليه أن يعبر بحيرات النار ويخترق البوابات التي تحرسها تلك الشياطين الذين يطلبون كلمات مرور. ولمساعدته في رحلته الأبدية، كُتبت نصوص سحرية ودينية على المقاصير المذهبة التي كانت تحيط بالتابوت الحجري. ومع ترجمة هذه النصوص، أصبحت لدينا دراية كبيرة بالرؤية المصرية القديمة حول الحياة بعد الموت، وهو ما تم تجاهله لفترة طويلة.

    بعض هذه الأبحاث كان جهودًا منسقة، وبعضها تم إجراؤه بشكل منفصل، لذا فإن الفكرة من وراء هذا الكتاب هي مراجعة وربط تلك الأبحاث من أجل تكوين صورة أفضل للملك الصبي: كيف مات؟ هل كان ملكًا ضعيف البنية ذا قدم متعرجة ويعاني من أمراض وراثية نتجت عن زواج الأقارب في العائلة المالكة؟ أم أنه كان رياضيًّا يستمتع بالصيد في الصحراء مع كلاب الصيد، وعندما أصبح ناضجًا قاد الجيش المصري خلال المعارك؟

    يعرض القسم الأخير من هذا الكتاب جانبًا آخر من جوانب المقبرة لا يعرفه معظم الناس: إرث توت عنخ آمون. فبشكل مبسط، غيرت عملية الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون عالم الآثار، حيث يتعلق جزء من هذا الإرث بكيفية إجراء عمليات الحفائر الأثرية بعد اكتشاف المقبرة. منذ بداية الاكتشاف، أدرك هيوارد كارتر أن الحفائر لن تتطلب حفارًا واحدًا بل فريقًا كاملًا، لكل منهم مهارة مختلفة، ما بين مصورين ومرممين ومهندسين ومترجمين ورسامين لتوثيق وإزالة آلاف القطع المكدسة في المقبرة. وقد كرّس الكيميائي ألفريد لوكاس ما يقرب من عشر سنوات من حياته من أجل الحفاظ على كنوز تلك المقبرة. بينما وضعت أعمال التنقيب وتنظيف مقبرة توت عنخ آمون معاييراً جديدة للحفائر الأثرية في المستقبل، وهو ما يعد أمرًا هامًّا في هذا المجال.

    إن كان هذا جزءًا من إرث الصبي الملك، فهناك إرث آخر لمقبرة توت عنخ آمون نادرًا ما يُناقش هو الإرث السياسي. فعندما تم اكتشاف المقبرة في عام 1922، كانت مصلحة الآثار المصرية تحت سيطرة الفرنسيين، في حين كانت الحكومة المصرية واقعة تحت الحماية البريطانية. وعلى الرغم من أن السيطرة لم تكن رسمية، إلا أنه كان كان عملًا استعماريًّا على أرض الواقع، حيث لم يكن للمصريين رأي يذكر فيما كان يحدث لتراثهم أو كيفية إدارة بلادهم. ولكن بعد اكتشاف المقبرة، حدثت في مصر اضطرابات اجتماعية أنهت بدورها السيطرة الأجنبية على مصلحة الآثار، وقررت الحكومة المصرية عدم مغادرة أي من آثارها أرض الوطن، ووصل الأمر إلى مطالبة المصريين بالاستقلال. ورغم أنه من الصعب جدًّا الإشارة إلى أن الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون تسبب في كل هذه التغييرات، لكن اكتشاف المقبرة لعب دورًا مهمًّا في الواقع. كان توت عنخ آمون ومقبرته نقاط حشد في وقت حرج ضمن التطور السياسي في مصر. هذا الإرث هو جانب آخر من هذا الكتاب. لذا فإنني أعرض عليكم مسرحية من ثلاثة فصول؛ الاكتشاف والبحث العلمي وإرث توت.

    كيف يُنطق اسم توت عنخ آمون؟

    قبل أن تبدأ المسرحية، يجب أن أقول شيئًا عن كيفية نطق اسم الشخصية الرئيسية. سترى اسم توت عنخ آمون مكتوبًا بعدة طرق، وقد يكون هذا محيرًا، لكن لا تتحير. يعتقد الكثير من الناس أن الكتابة الهيروغليفية كانت تعتمد على الصور فقط، وهذا أمر خاطئ. فإذا كان هذا صحيحًا، لكان المصريون يتحدثون دائمًا عن الطيور والأرجل والثعابين. الحقيقة هي أن اللغة المصرية القديمة هي في الغالب لغة ذات أبجدية، فأشكال البط والبوم والساقين والثعابين لديها قيم صوتية. دعونا نلقِ نظرة على الكيفية التي كتب بها توت عنخ آمون اسمه يتم نطق الأحرف الثلاثة الأولى من الهيروغليفية «آمن»، ثم الثلاثة التالية هي «توت»، وآخر ثلاثة تنطق «عنخ». إذًا لدينا الآن الكلمات الثلاث التي يتكون منها اسم توت عنخ آمون: آمون وتوت وعنخ، لكن من الواضح أنها ليست في الترتيب الصحيح. سبب كتابة آمون أولًا هو أنه اسم المعبود آمون، ولأن المعبودات ذوو قداسة بالغة تأتي أسماؤهم أولًا في الكتابة، وهو ما يطلق عليه «التقديم الشرفي». أما كلمة توت فتعني «صورة»، وعنخ تعني «الحياة»، وبالتالي فإن اسم توت الكامل يعني «الصورة الحية لآمون» أو ربما «صورة آمون الحية». وعليك عزيزي القارئ أن تتذكر أن الهدف من هذا الدرس المصغر في الكتابة الهيروغليفية هو المساعدة في تفسير سبب كتابة اسم الملك الصبي بعدة طرق مختلفة.

    كما رأينا، كان اسم المعبود مكتوبًا فقط «آمن» مع عدم وجود حرف علة بين الميم والنون، فلم يكتب المصريون دائمًا حروف العلة، لذلك لسنا متأكدين من حرف العلة المفقود. هذا هو السبب في أنك ترى الاسم مكتوبًا توت عنخ آمن Tutankhamen وتوت عنخ آمون Tutankhamun. في الأيام الأولى للاكتشاف نطق كارتر الاسم توت عنخ آمن، لذا كان يضع نقاطًا بين الأجزاء الثلاثة لتوضيح كيفية نطق الاسم، وبالتالي كتبه بالإنجليزية توت. عنخ آمن Tut.Ankh.Amen. وفي وقت لاحق فضَّل عالم اللغات القديمة العظيم السير آلان جاردنر نطق اسمه «توت عنخ آمون»، وهو ما جعل كارتر يتبنى هذا النطق، لكن كتابه المكون من ثلاثة مجلدات حول المقبرة كان يذكر اسم الملك «توت عنخ آمن». أما في الولايات المتحدة واصلنا استخدام نطق الاسم توت عنخ آمن. لذلك عندما أصدرت كتابي The Murder of Tutankhamen «مقتل توت عنخ آمن» استخدمت هذا النطق. والآن، وبعد خمسة وعشرين عامًا، أقنعني زملائي بالانتقال إلى نطق «توت عنخ آمون» الأكثر شهرة، وعندما أقتبس من عناوين الكتب أو الرسائل التي كتبها علماء المصريات، سترى اسمه مكتوبًا كما استخدموه.

    لم يكن توت عنخ آمون اسم توت الوحيد، ولكن كانت لديه خمسة ألقاب. فعندما يصبح المرء ملكًا في مصر القديمة، فإنه يحصل على خمسة ألقاب ملكية(1)، ثلاثة من هذه الأسماء لن نتطرق إليها هنا، بينما المهمان هما اللذان يظهران في الخراطيش التي تحيط بالأسماء. وكلمة خرطوش Cartouche هي كلمة فرنسية تعني «قذيفة» أو «خرطوشة»، واستخدمها جنود نابليون في مصر حيث رأوها على جدران المعابد واعتقدوا أنها تشبه قذائف الرصاص. أما اللقب الثاني لتوت عنخ آمون المكتوب في الخرطوش فكان «نب خبرو رع»، أي «صاحب هيئات رع»، وعادةً ما كانت القطع الموجودة في مقبرته منقوشة بكلا اللقبين، وفي بعض الأحيان نقشت بلقب واحد فقط.

    والآن حان الوقت لعرض قصة توت عنخ آمون المكونة من ثلاثة أجزاء.

    الجزء الأول: تاريخ المقبرة

    أرى أشياءً بديعة...

    هيوارد كارتر

    1

    فُقدت ولم يُعثر عليها

    جهز مرقدك في الوادي

    المقبرة التي ستخفي جثمانك

    ضعها أمامك باعتبارها مصدر اهتمامك

    اقتدِ بالراحلين العظماء

    الذين هم في راحة داخل مقابرهم

    الحكيم آني 1400 ق. م

    قبل توت عنخ آمون بألف عام، نحو 2400 قبل الميلاد، دُفن ملوك مصر في أهرامات شمالي البلاد، فقد كانت هذه هي الطريقة التي يحمون بها مؤنهم الجنائزية للعالم الآخر. في تلك الأحيان لم يكن من المتخيل أن مقبرة الملك قد تتعرض للسرقة. ولكن على مر القرون كانت هناك فترات من الفوضى والاضمحلال، حينها دخل لصوص الأهرامات وسرقوا كنوزها. بعد ألف عام، في عهد الملك تحتمس الأول، كانت الأهرامات الضخمة بمثابة إشارات للصوص تبين لهم أين يمكن العثور على الكنوز. لذلك كان لا بد من إيجاد طريقة مختلفة أكثر أمانًا لدفن ملوك مصر.

    «لا أحد يرى، لا أحد يسمع»

    نعرف اسم الرجل الذي وجد الحل، إنه المهندس المصري القديم «إنيني». لم تكن مقبرته بعيدة عن وادي الملوك، حيث كتب على جدرانها سيرته الذاتية لتراها المعبودات حتى يكافئوه في العالم الآخر. لقد كان إنيني رجلًا هامًّا ذا مكانة مرموقة، فقد نال لقب «المشرف على أعمال الملك» تحتمس الأول، أحد أجداد توت عنخ آمون الذي عاش قبل الملك الصبي بمئتي عام. من بين كل إنجازاته، كان إنيني فخورًا بأنه حفر لملكه مقبرة لن تكون عرضة للسرقة أبدًا. مفتاح اللغز كان السرية، فلا مزيد من الأهرامات الضخمة، كما كتب إنيني على جدران مقبرته: «تفقدت أعمال التنقيب في مقبرة جلالته، وحدي، لا يرى أحد ولا يسمع أحد... كان من عمل قلبي وكانت فضيلتي هي الحكمة. لم يأمرني بعمل ذلك من هو أكبر مني. سأُمدح بسبب حكمتي لسنوات، من قبل أولئك الذين سيقلدون ما فعلته».

    كان المكان الذي اختاره إنيني هو وادي الملوك، وكان على حق، فالذين أتوا من بعده قلدوا ما فعله لملكه. يعد وادي الملوك أحد أكثر الأماكن قسوة على وجه الأرض، فلا شيء ينمو هناك. في الصيف تتجاوز درجات الحرارة 48 درجة مئوية ويؤدي وهج الحجر الجيري الأبيض إلى عمى الناظر إليه. كان الوادي غير مضياف في زمن توت عنخ آمون؛ لهذا اختاره إنيني لدفن ملكه. كان هذا المكان هو المثالي لإخفاء المقبرة. مع عدم وجود ماء أو نبات، لن يرغب أحد في العيش هناك. بفضل منحدراته شديدة الانحدار ووجود مدخل واحد فقط تمكن حراسته بسهولة، وفَّر الحجر الجيري الأبيض الرتيب للوادي منظرًا قاحلًا حيث يمكن إخفاء المقابر بسهولة، ونسيانها عبر القرون.

    عندما زار الرحالة الإغريقي تيودور الصقلي الوادي في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، أخبره كهنة طيبة أن قوائمهم سجلت سبعًا وأربعين مقبرة، ولكن لم يبق منها سوى خمس عشرة مقبرة؛ في حين تم تدمير المقابر الأخرى من قبل لصوص المقابر.

    بعد خمسة عشر قرنًا، تحديدًا في عام 1739، أبحر الكاهن الإنجليزي ريتشارد بوكوك عبر نهر النيل وزار الوادي، لكنه لم يجد سوى تسع مقابر يمكن دخولها. كان بوكوك أول من نشر خريطة للوادي، حيث كانت محاولة ساذجة لكنها كانت البداية. أما الرحلة المهمة التالية إلى الوادي كانت حملة نابليون بونابرت.

    بونابرت في مصر

    عندما غزا بونابرت مصر عام 1798 أحضر معه مجموعة من العلماء لوصف وتسجيل عجائب مصر ونقلها للعالم الأوروبي. وسرعان ما أسس المعهد المصري لدراسة ذلك البلد الذي غزاه للتو. في الاجتماع الأول، طرح بونابرت مشكلات عادية على علماء الحملة: هل يمكن تصنيع البارود في مصر؟ ما أفضل طريقة لتنقية مياه النيل؟ هل يمكن إنتاج النبيذ هناك؟ ولكن كان العلماء أيضًا على قدر من الحرية في دراسة موضوعاتهم الخاصة بهم. كان أحد أصغر أعضاء الحملة يدعى إدوارد ديفيلييه، وهو طالب هندسة يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، جاء مع أستاذه وأحضر معه كتبه المدرسية. وفي أكتوبر 1798 اختبره أستاذه في القاهرة وأعلن أنه أصبح مهندسًا مدنيًا. خلال أغلب مدة الحملة، تعاون ديفيلييه مع جان بابتيست بروسبر جولوا، وهو مهندس يبلغ من العمر 21 عامًا. ومن وحي مذكراتهما، نسي الشابان بناء الجسور والطرق ووقعا في عشق الآثار القديمة. فمن بين العديد من الزخارف، قاما بعمل أول رسومات دقيقة لزودياك معبد دندرة الشهير، ذلك السقف المنحوت الذي يظهر الأبراج السماوية المصرية، وأحدثت رسوماتهما ضجة كبيرة في باريس. لكن الأهم من ذلك بالنسبة إلى قصتنا هو أنهما رسما أول خرائط احترافية لوادي الملوك، حتى أنهما اكتشفا مقبرة جديدة.

    عندما احتل نابليون مصر، كانت هناك إحدى عشرة مقبرة مفتوحة في الوادي. في أثناء استكشاف البر الغربي للوادي، وجد المهندسان حفرة صغيرة في جدار الجرف، وتسللا إلى الداخل وفي أيديهما الشموع، وعندما أطلا في الظلام رأيا مناظر جدارية حية للملك بين المعبودات. في البداية لم يعرفا تفسير ذلك، لكنهما اكتشفا مقبرة جد توت عنخ آمون، أمنحتب الثالث. على أرضية المقبرة، وجدا تماثيل صغيرة، بعضها منحوت من الخشب، وبعضها مصنوع من الخزف. مرة أخرى، لم يجدا تفسيرًا لما وجداه.

    اعتقد المصريون القدماء أن الحياة الأخرى ستكون إلى حد كبير مثل حياتهم الدنيا وإن كانت أفضل. وتلك التماثيل التي اكتشفها كل من ديفيلييه وجولوا كانت تماثيل الخدم التي ستقوم بالعمل بدلًا من الملك في العالم الآخر. عندما يفيض نهر النيل كل عام، كانت الحكومة تجلب جميع المزارعين لحفر القنوات الداخلية من النيل لري الأرض. عندما يتم استدعاء اسمك في العالم التالي، ستحل هذه التماثيل الصغيرة مكانك وتعمل حتى لا تضطر إلى ذلك العمل الشاق. حتى إن هناك تعويذة سحرية مكتوبة على الجزء الأمامي من تلك التماثيل تقول في الأساس: «عندما يُطلب اسمي للعمل على الأرض، أجيب» أنا هنا! باسمي». كانت هذه التماثيل الصغيرة تحمل في أيديها أدوات زراعية، بينما كانت أكياس بذور الزراعة معلقة على أكتافها. ولأن تماثيل الخدم هذه سوف تجيب بالنيابة عن المتوفى كان يطلق عليها اسم «أوشابتي»، وهي مشتقة من الكلمة المصرية القديمة وشب wesheb، التي تعني «الإجابة».

    أخذ كل من ديفيلييه وجولوا بعضًا هذه التماثيل إلى بلادهما كهدايا تذكارية؛ فلا يزال أحفاد ديفيلييه يمتلكون أربعة تماثيل أوشابتي ضمن التي جيء بها إلى فرنسا. كما وجد العالمان الشابان رأسًا صغيرًا من الشست الأخضر للملك أمنحتب الثالث، وهو المحفوظ حاليًّا في متحف اللوفر.

    يمكنك مشاهدة أعمال هذين المهندسين الشابين المغامرين في مجلدات وصف مصر، ذلك العمل الضخم الذي تم تأليفه على يد علماء حملة بونابرت عندما عادوا إلى فرنسا ووصفوا كل ما رأوه في مصر. تضمنت الموسوعة أحد عشر مجلدًا ضخمًا ذات رسومات، العديد منها من عمل ديفيلييه وجولوا، بما في ذلك أول صورة نُشرت على الإطلاق لجد توت عنخ آمون، ورسوم إيضاحية لبعض أوشابتي الملك. كما قاما بنشر خريطتهما لوادي الملوك مع الإشارة إلى المقبرة التي اكتشفاها بكل فخر.

    الشكل 1.1 رسم مهندسي نابليون لأول خريطة دقيقة لوادي الملوك. (تصوير بات ريملر).

    كان مسحهما السريع للوادي إنجازًا رائعًا، مع الأخذ في الاعتبار أن الحرب كانت تدور رحاها وأن الرصاص كان يتطاير حولهما، بينما خاطر المهندسان الشابان بحياتيهما لقياس وتسجيل مقابر الوادي. فقد أنتجا أول تخطيط دقيق للمقابر في وادي الملوك، لكن لم يكن لديهما أي فكرة عن أصحاب تلك المقابر، فكان يتعين عليهما الانتظار حتى يقوم مواطنهما جان فرانسوا شامبليون بفك رموز الهيروغليفية بعد عشرين عامًا.

    عملاق بادوا

    في العقود التي تلت حملة نابليون، جاء المغامرون إلى الوادي بحثًا عن الكنوز. أجرى جيوفاني باتيستا بلزوني، وهو رجل سيرك إيطالي ضخم الجثة يبلغ طوله 184 سم، أولى عمليات التنقيب في الوادي في أوائل القرن التاسع عشر. إذ جاء بلزوني إلى مصر بحثًا عن الثروات، بعدما تحول إلى مغامر وتم تدريبه ليكون «مهندسًا هيدروليكيًّا». من عام 1815 إلى عام 1819، حفر بلزوني مواقع أعلى وأسفل نهر النيل، وكان أول شخص في العصر الحديث يدخل هرم الملك خفرع ثاني أكبر هرم في مصر، وكان أيضًا أول من دخل معبد أبو سمبل، الذي بناه رمسيس الثاني العظيم في النوبة.

    بحثًا عن القطع الأثرية التي يمكنه قنصها من مصر لبيعها، بدأ بلزوني أولًا البحث في مقابر النبلاء بالقرب من وادي الملوك. وكانت حكاياته عن رحلاته لاكتشاف مقبرة من المقابر تعد بمثابة مادة لمغامرات شديدة التشويق:

    «هذا ليس كل شيء. إنه المدخل أو الممر حيث يمكن قطع الأحجار تقريبًا في الصخور، ويؤدي سقوط الرمال من الجزء العلوي من سقف الممر إلى امتلاء المساحة تقريبًا. في بعض الأماكن، لا يوجد سوى موطئ قدم، وهو ما يضطرك إلى الزحف مثل الحلزون على حجارة مدببة وحادة يمكن أن تقطع مثل الزجاج... والعرب ممسكون بالشموع أو المشاعل بأيديهم عراة وأجسادهم مغطاة بالغبار يشبهون المومياوات الحية يشكلون بالتأكيد مشهدًا لا يمكن وصفه. كثيرًا ما كنت أعود منهكًا وفي حالة إغماء، حتى تعودت أخيرًا ذلك وغير مبالٍ بما عانيت منه، إلا من الغبار الذي لم يعد يخنق حلقي وأنفي. فعلى الرغم من أنني لحسن الحظ أعاني من فقدان حاسة الشم، فإنني تذوقت طعم المومياوات وكان كريهًا. بعد مجهود الدخول إلى مثل هذا المكان، عبر ممر طوله خمسين أو مائة أو ثلاثمائة أو ربما ستمائة ياردة، كدت أتغلب عليه، بحثت عن مكان للراحة ووجدت واحدًا وخططت للجلوس عليه؛ لكن عندما حملت بوزني على جثة مصرية سحقتها مثل صندوق قبعات. قد لجأت إلى يدي بشكل طبيعي للحفاظ على وزني، لكن لم أجد دعمًا أفضل، لذلك غرقت تمامًا بين المومياوات المكسورة مع تحطم العظام وخرق القماش والصناديق الخشبية، ما أثار مثل هذا الغبار الذي جعلني بلا حراك طيلة ربع ساعة انتظارًا حتى يهدأ مرة أخرى».

    تاركًا تلك المغامرة وراءه، انتقل بلزوني إلى وادي الملوك للبحث عن كنوزه. عندما تم نقر المقابر الملكية في جنبات الوادي، كان لا بد من إزالة كميات هائلة من الكتل الحجرية وإلقائها خارج المقابر، فقد ظلت دون أن تمس لآلاف السنين. استخدم بلزوني أكوام تلك الكتل كوسيلة لتوجيهه إلى موقع المقبرة، فقد تمت تغطية مداخل العديد من المقابر بهذه الأكوام حتى اندثرت. في بعض الأحيان انهارت المنحدرات الهابطة وتساقطت على المداخل، كما مرت عواصف مطيرة عرضية عبر الوادي جرفت الطين والرمل وحتى الصخور في تلك المداخل. مع مرور الوقت امتلأت المقابر تدريجيًّا بالركام، ما أدى إلى إخفاء مداخلها أحيانًا لعدة قرون. قرأ بلزوني روايات الرحالة القدامى إلى الوادي ولم يصدق رواية الجغرافي سترابو الذي قال إنه عندما كان هناك - قبل ما يقرب من ألفي عام من زيارة بلزوني - أخبره الكهنة أنه يوجد سبع وأربعون مقبرة بالوادي. لم يستطع بلزوني رؤية سوى عشر أو إحدى عشرة مقبرة عندما شرع في الاستكشاف.

    استخدم بلزوني نحو عشرين عاملًا محليًّا في وقت واحد، وحفر في المواقع الأكثر احتمالًا، وعلى الرغم من أنه اكتشف العديد من المقابر، فقد تعرضت جميعها للنهب والسرقة في العصور القديمة. أجمل هذه المقابر كانت مقبرة سيتي الأول والد رمسيس الثاني العظيم، حيث تم نحت الجدران بتعاويذ سحرية لضمان رحلة سيتي الآمنة إلى العالم الآخر والتي عرفت باسم كتاب البوابات وكتاب ابتهالات رع وكتاب ما هو في العالم الآخر، وهي كلها تعاويذ ذات رسوم إيضاحية للمعبودات التي ستساعد سيتي على هزيمة أعدائه. فوق حجرة دفنه، يظهر سقف فلكي مزين بالأجرام المصرية على سماء ليلية زرقاء داكنة. أمضى بلزوني - الذي أذهلته ألوان المقبرة الرائعة الزاهية التي بقيت كما كانت في اليوم الذي دفن فيه سيتي - عامًا كاملًا في عمل طبعات ورقية للجدران المنحوتة، حتى يتمكن من بناء نسخة طبق الأصل من مناظر المقبرة لعرضها في معرض في لندن. وقد أحدث ذلك العرض ضجة كبيرة، فقد خلق موجات من الهوس المصري في جميع أنحاء أوروبا.

    على الرغم من تعرض المقبرة للسرقة، فإن بلزوني وجد شيئًا بداخلها لبيعه، فقد كان يرقد في حجرة الدفن التابوت الجميل ذو النقوش والمصنوع من الألباستر الذي وضعت فيه مومياء سيتي (انظر اللوحة الملونة 1). انبهر بلزوني بهذا الأمر حتى كاد يصفه شعرًا:

    «إنه تابوت حجري من أجود أنواع المرمر الشرقي. لا يمكنني إعطاء فكرة مناسبة عن هذه القطعة الأثرية الجميلة التي لا تقدر بثمن، ولا يسعني إلا أن أقول إنه لم يتم إحضار أي شيء إلى أوروبا من مصر يمكن مقارنته بها» فلم يكن بلزوني يبالغ، فهي حقًّا قطعة مذهلة.

    سحب بلزوني التابوت الحجري من المقبرة ونقله عبر النيل من أجل شحنه إلى إنجلترا لبيعه، حيث عرضه على المتحف البريطاني، لكن سعره كان باهظًا للغاية، لذلك باعه بلزوني إلى تاجر الآثار جون سوان. اليوم هذا التابوت هو نجم المتحف الذي أحضره إليه السير جون سوان في لندن. كانت مقبرة سيتي اكتشافًا رائعًا لبلزوني. وبالإضافة إلى بيع تابوت سيتي، فقد أقام بلزوني معرضًا ناجحًا للغاية لرسوماته المقلدة للمقابر، لكن لم يعرف بلزوني قط أنه على بعد 91 مترًا فقط من مقبرة سيتي يوجد أعظم اكتشاف أثري على الإطلاق؛ مقبرة توت عنخ آمون. في الواقع، لم يعرف بلزوني بوجود توت عنخ آمون من الأساس.

    بعد بلزوني، جاء مغامرون آخرون إلى وادي الملوك بحثًا عن الكنوز، وغادروا دائمًا بخيبة أمل كبيرة. فلم يعثروا على الكنز فحسب، بل لم يعثر أي منهم على مومياوات الملوك. لقرون نُهبت المقابر لكن لم يعثر أحد على أي مومياء، لأن لصوص القبور بالتأكيد تركوها وراءهم لأنها لن تكون لها قيمة بالنسبة إليهم. إذًا أين كان ملوك مصر؟

    المومياوات الملكية أخيرًا

    ظهرت الإجابة عن السؤال الخاص بمكان وجود المومياوات الملكية خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما ظهرت قطع أثرية بديعة تحمل أسماء ملوك وملكات مصر في متاجر الآثار بالأقصر. بدأت هذه القطع النادرة في الوصول إلى سوق الآثار، في الوقت الذي أفلست فيه مصر بسبب حفر قناة السويس وأصبحت واقعة تحت إدارة قوى أجنبية، كانت الحكومة المصرية مدينة لها. اهتمت فرنسا بالسيطرة على الآثار المصرية، من خلال ظهور أوجوست مارييت كأول مدير لمصلحة الآثار التي تم تشكيلها حديثًا. كانت إحدى أعظم مساهمات مارييت هي محاولته وقف نهب الآثار الذي استمر لعقود.

    في الوقت الذي كان فيه مارييت مديرًا لمصلحة الآثار، بدأت القطع الملكية عالية الجودة التي ظهرت في سوق الآثار في جذب جامعي التحف وأمناء متاحف من جميع أنحاء العالم. حتى مارييت نفسه أُجبر على شراء نسختين رائعتين من كتاب الموتى لمتحف بولاق الجديد قبل أن يشتريهما الآخرون ويغادرون بهما من مصر. كان مارييت مصممًا على العثور على الخبيئة قبل أن يتم تفريق كل الكنوز أو تدميرها، لكنه توفي في عام 1881 قبل أن يتمكن من تحقيق رغبته. إلا أن خليفته الناجح جاستون ماسبيرو جعل البحث عنها على رأس أولوياته ونشر في النهاية تقريرًا عن الاكتشاف.

    أشارت الأدلة إلى تورط عائلة عبد الرسول، وهي عائلة من لصوص المقابر تعيش بالقرب من وادي الملوك. بعد استجواب مكثف، قاد أحد إخوة العائلة إميل بروجش مساعد ماسبيرو إلى طريق متعرج مرتفع يطل على وادي الملوك. واصطفت نتوءات صخرية شبيهة بالمدخنة في الطريق عبر منطقة غير مأهولة على بعد نحو 1 كم ونصف من معبد الملكة حتشبسوت. بالقرب من قاعدة نتوء صخري، عثر على بئر مستطيلة تبلغ مساحتها 2،4م X 3م ويصل عمقها إلى نحو 12م. بعد وضع جذع نخيل عبر الجزء العلوي من الحفرة لتثبيت الحبل، نزل أحمد عبد الرسول أولًا ثم بروجش من بعده. عندما نزل المساعد الشاب من خلال المدخل في الأسفل، كان أول ما رآه هو تابوت ضخم؛ خلفه ثلاثة توابيت أخرى، وكان وراء تلك التي على اليمين ممر يمتد أكثر من 21م في الصخر. على طول الممر، تم دفن المئات من تماثيل الأوشابتي الخزفية الزرقاء اللامعة مع المومياوات للعمل كخدم في العالم الآخر. في تلك الأحيان أصابت الدهشة برجش مما رأى:

    «سرعان ما وصلنا إلى القرابين الجنائزية المصنوعة من البورسلين والأواني المعدنية والمرمر واللفائف والحلي، حتى وصلت إلى المنعطف في الممر، حينها ظهرت مجموعة توابيت المومياوات بهذا العدد، ما جعلني أصاب بالذهول».

    بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك صناديق الأواني الكانوبية - وهي صناديق تحتوي على أربعة أوانٍ كانت توضع فيها أحشاء كل شخص متوفى وقت التحنيط. كانت الفكرة أنه عندما يحين وقت البعث، فإن التعاويذ السحرية المنقوشة على الأواني والصناديق ستمكن المتوفى من تجميع جسده ليكون كاملًا في العالم الآخر.

    يفتح الممر على حجرة تبلغ مساحتها 5،18م2، وكانت الأرضية كلها مغطاة بالكامل بتوابيت رائعة. لم يكن بروجش مساعدًا في المتحف، ولم يكن عالمًا عظيمًا، لكنه حضر دروس علم المصريات في القاهرة على يد شقيقه الأكثر علمًا هاينريش. بضوء شمعته الخافت بدأ بروجش يقرأ الأسماء على التوابيت: أمنحتب الأول، وتحتمس الأول وتحتمس الثاني، وتحتمس الثالث، وجميع ملوك الأسرة الثامنة عشرة، أسلاف توت عنخ آمون. وبجانبهم كان ملوك الأسرة التاسعة عشرة رمسيس الأول؛ وابنه، سيتي الأول، الذي اكتشف بلزوني مقبرته قبل خمسة وسبعين عامًا؛ ثم ابن سيتي رمسيس الثاني المعروف باسم رمسيس العظيم. حتى تلك اللحظة، لم يكن أحد قد عثر على مومياوات ملوك مصر العظام، والآن أصبح لدى بروجش نصف دستة، لكن المزيد من الملوك ما زالوا ينتظرونه في المقبرة. كانت هناك حجرة أخيرة تضم ملوك وملكات الأسرة الحادية والعشرين، العائلة المالكة التي ظهرت كتب الموتى الخاصة بها في سوق الآثار. هنا عثر أيضًا على مومياوات الملك بانجم الثاني والملكة حنت تاوي وأفراد آخرين من هذه العائلة المهيبة. كان كل هذا مربكًا جدًّا لبروجش، فكيف تم دفن مومياوات الملوك والملكات من أسرات مختلفة بمكان واحد؟ كان الأمر كما لو تم العثور على جثامين ملوك إنجلترا النورمانديين والتودوريين(2) معًا في نفس قبو الدفن، هو أمر لا تفسير له.

    في النهاية قام علماء المصريات بتجميع خيوط القصة معًا لحل هذا اللغز: في عهد الأسرة العشرين، بعد قرنين من دفن توت عنخ آمون في وادي الملوك، تعرض معظم المقابر في الوادي للسرقة. كشف تفتيش رسمي لوادي الملوك خلال الأسرة الحادية والعشرين عن هذه السرقة بالجملة. وبدلًا من الاستمرار في المحاولات غير المجدية لحماية المقابر المعزولة، تمت إعادة ترميم مومياوات الملوك المتهالكة مع إعادة لفها مرة أخرى ووضع علامات خشبية عليها ووضعها

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1