Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

متسع للرقص
متسع للرقص
متسع للرقص
Ebook353 pages2 hours

متسع للرقص

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تدور في إطار اجتماعي نفسي ورومانسي، من خلال عرض علاقة معقدة لشقيقتين، تتعرضان للفقد في مقتبل العمر من ثم أزمات نفسية وحياتية متتالية. الرواية تتناول اضطراب القلق المزمن والرهاب الاجتماعي، وتتعرض للعلاج النفسي بالرقص والحركة. كما تتبنى أفكار إيجابية كملاحقة الشغف والتحقق، وتجاوز التجارب السيئة وتصحيح المسار والمضي قدما.
Languageالعربية
Release dateApr 3, 2024
ISBN9785443176994
متسع للرقص

Related to متسع للرقص

Related ebooks

Reviews for متسع للرقص

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    متسع للرقص - هدى عبد المنعم

    مُتَّسَعٌ للرَّقصِ

    رواية

    هدى عبد المنعم

    مُتَّسَعٌ للرَّقصِ : رواية /هدى عبد المنعم.

    القاهرة : كيان للنشر والتوزيع، 2021.

    264 صفحة، 20 سم.

    تدمك : 3-084-820-977-978

    -1 القصص العربية

    أ- العنوان : 813

    رقم الإيداع : 8950 / 2021

    الطبعة الأولي : يونيو 2021.

    جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة ©

    _____________________

    كيان للنشر والتوزيع

    إشراف عام:

    محمد جميل صبري

    نيفين التهامي

    4 ش حسين عباس من شارع جمال الدين الأفغاني– الهرم

    هاتف أرضي: 0235918808

    هاتف محمول: 01000405450 - 01001872290

    بريد إلكتروني: kayanpub@gmail.com

    info@kayanpublishing.com

    الموقع الرسمي: www.kayanpublishing.com

    إن الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعبر بالضرورة عن رأى الناشرين.

    ©جميعُ الحقوقِ محفوظةٌ، وأيُ اقتباسٍ أو إعادةِ طبع أو نشر في أي صورةٍ كانتْ ورقيةً أو الكترونيةً أو بأيةِ وسيلةٍ سمعية أو بصريةٍ دون إذن كتابي من النـاشـر، يعرض صاحبه للمساءلة القانونية.

    مُتَّسَعٌ للرَّقصِ

    رواية

    هُدى عبْد المُنعِم

    إهداء

    أنا حين أتحدث عن أبي، إنما أتحدث عن استقامة ظهري وهنائي واطمئناني.

    الكون على اتساعه لا يضاهي سعة قلبك يا أبي.

    ليت بوسعي أن أشكرك كفاية!

    عنْ تَمَني وطولِ حَبسٍ وتجميـعِ شَتَاتٍ ورِحلةٍ واحتِمَالِ

    الشاعر الأعشى

    مقدمة

    تقدمَت سبيل بحقيبةٍ رياضيةٍ على ظهرها وأخرى ثقيلة تجرها بيدها، تقطعُ ردهةَ المنزل برهبةٍ ووجلٍ للحاق بموعد طائرتها لإسطنبول.

    - جاهزة يا سناء؟

    بُوغتت بالأخيرة منكفئة على مفكرتها وعلى وجهها أماراتُ هلع؛ سَرَت رعشة في ساقها لوهلة، وأفلتت الحقيبة، زائغة العينين:

    - هل قرأتِها؟

    ضب حقائب السفر خلفَ فراغٍ في حجرتها، ما سهَّل وقوع المفكرة بين يدي سناء؛ لتتصفحها متسلية على نحوٍ مختلس، ريثما تستحم سبيلُ وترتدي ثيابها، ثم تلتهمها بنهمٍ والْتِياع. من ثَم ألاحت بها في ظَفرٍ مشوب بهزيمة ساحقة.

    - المكتوب هنا حقيقي يا سبيل؟ لا بُد أن يكون كذلك؛ لم تغيري حرفًا فيما جرى تحت ناظريَّ! ماذا عما لم أشهده؟ حدثَ بالفعل؟

    خَطفَت سبيلُ مفكرتها قائلة في عتابٍ شديدٍ اللهجة:

    - هل قرأتِها حقًّا؟ كيف تسمحين لنفسك؟

    - لمَ أخفيتِ عني؟

    لوَّحَتْ سبيل تتظاهر بعدم الاكتراث مُخفية توترها ورَجفَان قلبها:

    - لا أحتاج لإذنك كي أكتب عن حياتي الخاصة. أتبع نصيحة فرح؛ تمرينٌ على الكتابة، وقد فكرتُ أن أبدأ من حيث لا أخطئ.

    هَتَفَت سناء في جزعٍ:

    - أيُّ كتابة وأيُّ تمرين؟ بلا مراوغة! تعرفين قصدي.

    - أعرف! أعرف! هدئي من روعكِ أرجوكِ.

    عضت سناء على شفتها، ثمة غصةٌ عالقة في حلقها وطعمٌ غير مستساغ في فمها.

    - أرجوكِ أنتِ كفاكِ أسرارًا! كيف تفعلين هذا بي وبنفسك؟ لمَ أبقيتِه داخلكِ ينهشُكِ؟ وكنتِ مُبيتة النية على إخفائه للأبد، أليس كذلك؟

    - لا تجتري ما مضى يا سناء، ألقي به وراء ظهرك. أنا أعرفك! دعيه يمر حبًّا بالله.

    **

    قبل ثلاث سنوات

    الفصل الأول

    تصبح المسألة كلها كـحَيَّة لفَّت ذيلها فأغلقت حول نفسها الدائرة.

    عمرو العادلي

    -١-

    بدءًا من اليوم سيكون عليَّ أن أعيشَ حياتي على نحوٍ آخر، أسوأ من ذي قبل، لكن لعله أكثر اتساقًا معي؛ لطالما كنت أحترز منه وأعد العدة لاستقباله، وقد تأخر في الحدوث!

    - مَن الطارق يا سحر؟

    أطلَّ بابا برأسه الذي وخطه الشيب، يستطلع القادم، حيثما يجلس في البهو على مقعده الوثير؛ ليعلو صوته في تهكُّم لاذعٍ مشحون بالغضب حالما وقع ناظراه عليَّ:

    - سبيل! خطوة عزيزة يا آخر العنقود يا سكر معقود. خطيتِ برجليكِ بيت أبيكِ؟ نهارك أسود من قرن الخروب.

    استقبلتني زوجة أبي بحفاوتها المعتادة، وعلى محياها ابتهاج لا يلائم الظرف الذي اضطرني للعودة هنا، بعد كل تلك السنوات التي انقضت.

    - ما هذه الحقائب يا سبيل؟

    ردة فعل سحر إزاء المآسي تخيفني؛ تهوى الدراما، تستقبلها بفرح وجزل لأن ثمة أمر جلل بشأنها، سيسع بالضرورة المجال للكلام والتباحث حوله، ولسانها كعهدي به لا يمل ولا يصيبه التعب. لم تمهلني ريثما ألتقط أنفاسي؛ سألتني غير قادرة على إرجاء حب استطلاعها ورغبتها في الإحاطة علمًا بكل شيء:

    - ستعودين أخيرًا للإقامة عندنا؟!

    أومأتُ مع تحفظي الصامت على نسبها المكان لها، وكأنني أحلُّ ضيفة عليها! فيما تهللتْ أساريرها، وأقبلتْ عليَّ فاتحة ذراعيها تحشرني بين نهديها بالغي الضخامة، لتسري قشعريرة تلقائية في جسدي، وأتسمر مرغمة ونافرة بينما تحتضنني بعشمٍ مفرط، وتطبع بضعة قبلات صوتية لزجة على كلتا الوجنتين.

    - يا ألف أهلًا وسهلًا. بيتك ومطرحك يا حبيبتي، طبعًا تآنسينا وتأخذي بحِسِّنا. عين العقل! يا ما قلت لأبيكِ ليس لكِ سوى بيته وناشدته باستعادتك، لا يصح لفتاة ناضجة مكتملة الأنوثة أن تستمر في العيش في بيت واحد مع زوج أختها. لا أعرف صراحةً كيف تساهل خالد وتقبل هذا الوضع! - مصمصت شفتيها - وسالم أيضًا كان يسترضيكِ وسناء ولا يريد تفريقكما؛ يقول كفى أمكما فارقتكما.

    أطبقت جفني لبرهة في شجن وحنين حالما تطرَّق الحديث لسيرة أمي، في جنات ونعيم. وهززت رأسي في صمت كأنما أستحسن قولها وأوافقها الرأي، أسايرها لأقطع عليها استطرادها بالجدل. أفسحَتْ لي لأتقدمها ثم تبعتني بخطى متلهفة، وسارعتْ باتخاذ مجلسها إلى جوار أبي، تربع ساقيها في حماس رغم شحوم فخذيها وعمرها الذي يتعدى الستين، تحجز الصف الأول كي لا تفوتها فائتة، تلتمع عيناها كطفلة تستمع في تشوُّق لحدوتة مسلية، حريصة على طريقة كلام أرباب الحكمة، كأنها خبيرة بالحياة وعليمة ببواطن الأمور وسابرة لأغوار الأشخاص.

    - اهدأ يا سالم. كل شيء يُحَل بالعقل. بنتنا ونعقَّلها على مهلنا.

    - وهل صار فيَّ عقل بعد ما عملته هذه المجنونة؟ اقتربي يا بنت.

    تقدمتُ بحذر ثم أطرقت متوجسة:

    - هل ستضربني يا بابا؟

    تغضن وجهه وصاح باستنكار:

    - وهل مددتُ يدي يومًا عليكِ يا كلبة؟ ولو أنكِ في حاجة لكسر رقبتكِ على فعلتكِ! أنا غلطان لأنني استئمنت سناء عليكِ.

    - لا يا بابا لا تظلمها، سناء ليس لها دخل، وها أنا ذا تحت طوعك وفي بيتك حتى تعفيها من المسؤولية.

    ضرب بعصاه الأرض وهتف ساخطًا:

    - إذن ماذا دهاكِ؟ هل عدمتِ الأب أم قلتِ لنفسك أبويا العجوز رجله والقبر لا يحل ولا يربط؟

    - بعد الشر، ربنا يطوِّل في عمرك.

    - علام؟ ما أنت صدقتِ جديًا أن زوج أختك هو أبوكِ!

    اغتمَّت عيناي وارتبكت لوهلة باحثة عن رد مناسب.

    - ما عاش ولا كان باسل يأخذ مكانك.

    - حتمًا هو الذي شجعك على عملتك لأن سناء تنفي علاقتها بها.

    ازدردتُ ريقي بصعوبة وترددتُ قليلًا قبل الإجابة:

    - وما دخل باسل أو سناء يا بابا؟ لستُ صغيرة.

    - لستِ صغيرة لكنكِ لستِ جريئة أيضًا.

    - لكن هذا القرار يَخُصُّـنـ... قصدي...

    تلجلجت خشية إثارة حفيظته، فتنهَّد بضيق وطرح سؤاله بتصميمٍ واضحٍ متربصًا بإجابتي:

    - ماذا حدث بينك وخالد؟ أساء إليكِ؟ شتمكِ؟ ضربكِ؟ أهانكِ؟ قولي لي حتى آخذ لكِ حقكِ منه. ما لِك ساكتة؟ ما تردي!

    هززت رأسي نفيًا بوجه خالٍ من التعبير، فاعتدل في مقعده محاولًا انتقاء تعبير لائق:

    - هل بدرتْ منه فاحشة؟ حاول أن...

    قاطعته محتقنة الوجه. وكأنَّ هذا شيئًا واردًا!

    - لا أسمح له سوى بمصافحة يدٍ سريعة، وللحق خالد متدين ومحترم؛ لم يتجرَّأ يومًا عليَّ.

    تجهَّم وجهه كأنما استنفد محاولاته المستميتة في التماس العذر لي، وتساءل بشراسةٍ وتوعُّدٍ:

    - إذن ماذا يعيب الولد؟

    تحشرج صوتي تحت وطأة الانفعال:

    - يعيبني أنا أنني لا أحبه، وكلما حاولت جاء ذلك بنتيجة عكسية؛ إرغام نفسي عليه جعلني لا أطيق مجرد النظر إليه.

    - أعطِه فرصة ثانية.

    اتسعت عيناي وندت مني شهقة خافتة؛ راعني طلبه، وضايقني أنه بدا جاهزًا ومسبَق التحضير له؛ كان ليقوله في كل الحالات كيفما جاءت إجابتي! لم يحاول الاستماع إليَّ، بالمقابل خرج ردي متعجلًا ومشدوهًا:

    - لن ينفع.

    قال في خشونة متعمدة يغلب عليها طابع الهدوء، يمزج بين هذا وذاك لينجح في استمالتي:

    - اسمعي الكلام يا بنتي ولا تتعبيني معكِ، كلميه الآن.

    - لا أستطيع.

    - تؤ تؤ! أبوكِ يبغى مصلحتك يا سبيل، لا يصح أن تكسَّري كلامه.

    انضمت سحر بدورها للسجال الدائر! أوشكتُ على التهور متعجبة علنًا من صمتها الذي طال على غير عادتها، ونأيها بنصائحها المجانية الفذة عن المشاركة؛ فلم تخيب ظني. لتغتم الرؤية حولي فجأة فيما يضعانني تحت المجهر بالتحديق فيَّ بتحفزٍ واستعداءٍ، شعرت بقواي تخور وساقاي تعجزان عن حملي، تَعطَّلت دماغي وتخدل لساني؛ صار انهزامي وشيكًا فآثرت الانسحاب للغرفة التي لم أشغلها منذ طفولتي، وفيما أحث الخطى إليها لم يزل يطرق مسامعي حوار العجوزين اللذين علقتُ معهما على غير إرادتي.

    - فلتسحب منها السيارة والموبايل وتقطع عنها مصروفها الخرافي لعلها ترتجع. أفرطتَ في تدليلها يا سالم!

    - لو همها الوحيد استعادة هذه الأشياء وسترضخ من أجلها فإنها لا تصلح للزواج! ليست طفلة صغيرة سأمنع عنها الحلوى لتنجز فروضها المنزلية، بالله عليكِ يا شيخة؛ احتفظي بأفكارك النيرة لنفسك.

    - ابنتك ليستْ على ما يرام ولا فارق معك! اللهم بلغت اللهم فاشهد.

    - الله يرضى عليكِ استريحي وأريحي.

    انزويتُ بالغرفة القديمة مُوصِدةً بابها، وارتميت على فراش صغير فشل في احتواء حجم الألم بين جنباتي، شاعرة بالغربة والنبذ والتشرد، وأن هذا العالم الفسيح يُضيِّق خناقه عليَّ، ليس ثمة مكان واحد يشعرني بالانتماء.

    ***

    -٢-

    لم تخرج سبيل لملاقاة شقيقتها حين عرجت عليها في وقت سابق؛ اضطرت سناء للقاء سحر بلا طائل! لا تجيب أيضًا اتصالاتها منذ غادرت بيتها البارحة، تتجنبها لاتخاذها صف خالد ضدها وتشكيلها جبهة مع والدهما لدفعها في طريق الأول من جديد.

    تنبهت سناء لصوت الشخير المتصاعد بجوارها، رنت إلى زوجها الذي غلبه النوم ولا يزال الهاتف في يده، كان لتوه يشاهد الفيديوهات المقترحة على يوتيوب واحدًا تلو الآخر بلا ملل. نقلت بصرها بين هاتفيهما مستقِرة على محاولة أخيرة.

    لربما ترد سبيل لو ظنتْ أن باسل هو المتصل! هي مدللته.

    - باسل، هلا أعرتني هاتفك؟ باسل! هل نمت بهذه السرعة؟

    سارعت بالتقاط الهاتف فيما يُعرَض الفيديو في منتصفه، قبل أن تعتم الشاشة ولا تعرف كلمة المرور لفتحها. فلترد سبيل مبدئيًّا؛ وستؤنبها أو تحايلها لئلا تغلق الخط سريعًا في وجهها وتستمر في الكلام معها. بئسًا! لم تتلقَ المكالمة أيضًا. شرعت في كتابة رسالة نصية عبر تطبيق الواتس آب منتحلة شخصيته، سبيل تحبذ التواصل عبر المراسلة عوضًا عن التحدث. راجعت نص الرسالة في توتر متعشمة إجادتها لأسلوب زوجها في الحديث إلى أختها كطفلة صغيرة لا تكبر، تمامًا كما رآها أول مرة وآواها في بيته كابنته البِكر، ولم تكن آنذاك قد بلغت الثامنة بعد. مرت بعض دقائق وسناء قيد الانتظار حتى اطَّلعتْ أختها على الرسالة ولم ترد أيضًا.

    يا لدماغك الناشفة يا سبيل!

    قطبت بغتة حالما لفت نظرها المحادثة الأخيرة التي أجراها باسل عبر التطبيق، تتبع رقم مسجل باسم رجل، غير أن الصورة كانت لامرأة! اعتدلت في رقدتها تتفقد المحادثة المبتورة في أولها وتعيد قراءتها أكثر من مرة، شاعرة بلوثة في عقلها وباحثة عن خطأ ما أو ربما تفسير، تهاوى ضغطها وانقبض صدرها؛ تبدو جليًّا آثار الحذف عدا ما تم إرساله في اليوم السابق، وقد كان ما خلفه وراءه كافيًا جدًّا ليسرق أنفاسها وينشِّف ريقها ويفوِّر دمها، احتشدت الدموع في عينيها فيما تحدق بالغافي بمحاذاتها كطفلٍ وديع.

    هل هذا يحدث لي بالفعل؟!

    حملت هاتفه معها خارج الفراش وسارت مترنحة إلى الردهة، لتهوي على أقرب مقعد كمن تلقت لطمة على وجهها أفقدتها توازنها، اجتاحتها غيرة جنونية لم تعرف طريقًا إليها من قبل.

    مَن هذه؟ لماذا يكلمها بهذه الطريقة؟ لماذا يكلمها من الأساس؟ في حياته امرأة أخرى!

    تتذكر جيدًا هذا التوقيت الذي أجرى فيه المحادثة؛ الثامنة مساءً بعد مغادرة سبيل بأمتعتها وقبل أن ينزل للسهرة اليومية مع أصحابه، كان منعكفًا على حاسوبه منهمكًا في العمل الذي يصحبه للبيت كما خُيِّل إليها؛ ألحَّت عليه بالحديث كي تبلغه بما جرى، فلم يرد عليها؛ لتدعه وشأنه وترجئ الكلام لوقتٍ لاحق؛ مفترضة حسن النية، لا ينقصه ثرثرة امرأة فيما يعمل، بينما يتضح لها الآن أنه كان غارقًا حتى أذنيه في الدردشة مع واحدة.. غيرها!

    لم تكن مهيأة لاكتشافٍ من هذا النوع أبدًا. باسل في الثانية والأربعين؛ تُراها أزمة منتصف العمر التي يقولون عنها؟ أم أنها مغفلة ومضحوك عليها منذ البداية؟ هل كان ذلك يحدث دائمًا تحت ناظريها الآمنين؟ فقد جرت بينه وفتاته تلك المحادثة الخليعة فيما تجلس هي على مقربة منه! ولِكَم من الوقت تراه استمر ذلك التلاعب بها؟ وأين عساها كانت فيما يقع؟ في المطبخ؟ تطهو الطعام الذي يحبه وتعدُّ له قالب حلوى؟ أم تصحب ولديهما للمدرسة أو النادي؟ أم في الشارع؟ تبتاع فاكهته ومسلياته المفضلة وتتبضع لأغراضه الشخصية وحاجيات منزلهما الذي يتشاركان سقفه ولا تعرف عائله حق المعرفة! هل تعرفه تلك المرأة بأكثر مما تعرف هي شخصًا عاشرته لستة عشر عامًا؟ هل يبوح للأولى بما يضن به عليها؟ هل يتبادلان الأسرار والضحكات واللذات والمشاعر؟ تشعر بطعم غير مستساغ في حلقها وتوشك على التقيؤ، لماذا حقَّر من شأنها أمام تلك المرأة لتتفرج عليها هازئة ومتشفية؟ وربما تشهِد صديقاتها على ربة البيت البلهاء التي جار عليها الزمن وأقرب المقربين!

    استدعى تفكيرها أبسط التفاصيل التي تحرص عليها من أجله وكأنما كانت تسدي بها معروفًا لغريمتها؛ ملابسه التي ترسلها للتنظيف الجاف وتكدسها في خزانة ملابسه، هل يرتديها في زهو ويتهيأ لملاقاتها بها؟ معجون الحلاقة الذي تشتريه بعطره المفضل؛ يزيل به لحيته النابتة فلا تجرح صاحبته وهو يعانقها بحميمية فترَت في زواجهما؟ ماذا عن زر قميصه الذي خيطته إلى مكانه أول أمس؟ هل انتزعته فتاته فيما تُقبِّله بشغفٍ لا يقبِّل زوجته به؟ لماذا يستغفلها؟ انتابتها مهانة عظيمة وشعور بالوهن والهوان والإنكار.

    هل يفعل هذا بي حقًّا؟ باسل خائن ومعسول اللسان ويجيد المغازلة! أليس كما ادَّعى لها أنه لا يُحسِن التعامل مع الجنس الناعم؟ ليُخفِض سقف توقعاتها وتَكُف عن المطالبة. البيه رومانسي! على مدى كل تلك السنوات التي مضت آخذة ريعان شبابها في ذيلها؛ كان باستطاعته أن يحيل حياتها الرتيبة المملة إلى جنات ونعيم ويطيِّرها من السعادة، لكنه لم يفعل وحسب! سحق مشاعرها وأصابها بالقهر والبؤس، وردها في كل مرة خائبة الرجاء ومكسورة الخاطر ومفطورة الفؤاد، وهو قادر على غير ذلك؟ موفرًا وقته ومجهوده للأخريات!

    انطرحت بحِمْلِها من الأسى والغليان وصوابها الذي طار، على الأرض الباردة قرب المقعد المكدس بالقطن، ثم ارتمت بجذعها على حاشيته تحتضنها بلوعة وجزع، وتنشب أظفارها فيها كأنها شخص لا جماد، وتجهش بالبكاء بصوت مكتوم كي لا توقِظ النائمين. شعورٌ طاغٍ بالذعر والرجفة يتلبسها كما الأطفال، حين يكونون في حاجة لشخصٍ كبيرٍ يعرف ماذا يفعل بالنيابة عنهم؛ لأنهم حمقى وشديدو الضعف ومتناهو الصغر.

    تحاملت على نفسها وسارت قاصدة غرفة صغيرتها الخالية منها، بثغر مرتعش كالرُّضع الحزانى، اختارت التوقيت الأسوأ على الإطلاق للمغادرة؛ تاركة ظهر أختها مكشوف ودموعها جارية، تراجعت قبل بلوغ مقبض

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1