Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

بديعة، شال الأمنيات الأزرق
بديعة، شال الأمنيات الأزرق
بديعة، شال الأمنيات الأزرق
Ebook224 pages1 hour

بديعة، شال الأمنيات الأزرق

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

بعد انتظار دام ساعتَين، تناول فيهما هاشم وجبة غداء لا يعرف من مكوناتها العديدة إلّا البطاطا المسلوقة، تقدمت صوبه فتاة دنماركية بلباس أزرق يتدلى المسدس على فخذها اليُمنى المكتنزة، سألته عن اسمه وطلبت منه مرافقتها إلى السيارة، وحين استقر (هاملت العراقي) على المقعد المخصص وانطلقت السيارة إلى وجهتها، غفا

Languageالعربية
Release dateJun 14, 2024
ISBN9789198830774
بديعة، شال الأمنيات الأزرق

Related to بديعة، شال الأمنيات الأزرق

Related ebooks

Related categories

Reviews for بديعة، شال الأمنيات الأزرق

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    بديعة، شال الأمنيات الأزرق - حسين السكاف

    ما يشبه المقدمة

    صورتانِ

    1

    رُؤيا النهار:

    السيدة التي ضَيّعت خصلات شَعرها وسط سرب الزرازير،

    هبطتْ معتذرة لريشةٍ سوداء كانت بين أصابع كفّها اليُمنى،

    وحين انتبهت إلى كفِّها اليسرى،

    وجدتني موشوماً بين السبابة والإبهام،

    غمزتني دون ابتسامة،

    وأهدت الكفَّ لفم تمساح.

    في الليل تهرب الرؤيا،

    تحت وطأة الكوابيس.

    2

    حاولتُ رسمَ دمعتي الساخنة حين سقطت، دون أن أدري لماذا. وحين اكتملت اللوحة، رأيت وجهكِ.

    طليتُ اللوحة بالأبيض، وحاولت رسم سخونة الدمعة التي سقطت مني دون أن أعرف سبب سقوطها.

    وحين اكتملت اللوحة، رأيت جسدكِ الذي أحفظ كل معالمه.

    طليت اللوحة بالأبيض المحمر. حاولت رسمَ وجهكِ الذي سقط مني لسببٍ أعرفه.

    وحين اكتملت اللوحة،

    وجدتُ الدمعة الساخنة تحاول إحراق اللوحة.

    احترقت اللوحة..

    وضاعت الذكرى..

    لم أعد أتذكر شيئاً؛

    غير أن الدمعة قد أحرقت شيئاً ما..

    شيئاً لا أعرفه!

    1

    الجندي هاملت

    رائحة المكان لطيفة جدّاً وهادئة. هذا ما شعر به هاشم وهو يأخذ مكانه أمام المحقق الدنماركي، الذي رحب به وطلب منه الجلوس أمامه. بدا التعب والقلق واضحاً على حركات جسده وملامح وجهه، فلم تهتدِ روحه إلى النوم منذ أول أمس، حين اجتاز الحدود ووصل إلى شرطة العاصمة، حيث يجب عليه تسليم نفسه.

    شغلت امرأة ثلاثينية الكرسي المجاور، رحبت به، وقدمت إليه نفسها أنها ستقوم بالترجمة بينه وبين المحقق، شارحة له نقطة مهمة جدّاً، وهي أنه لا رأيَ لها في كل ما سيقوله هو أو المحقق.

    بحركة مسرحية لا تخلو من الدعابة أفرغ المحقق كيساً من القماش على الطاولة بعد أن رفعه إلى مستوى وجهه ومسكه من طرفه السفلي ليقلبه متقيئاً ما يحتويه على الطاولة. إنها مجرد أوراق: بطاقة شخصية، شهادة جنسية، هوية نقابة الفنانين، وثلاث أوراق نقدية مجموعها خمسة وعشرون دولاراً.

    نظر المحقق في البطاقة الشخصية، ثم فتح ملفّاً بلاستيكيّاً يحتوي على ورقتَين، ونظر فيهما، وسرعان ما نظر إلى هاشم وسأله عن اسمه، فأجاب بعد أن سمع صوت المترجمة:

    - هاملت.

    - ولكن أوراقك تقول عكس هذا!»

    سأل المحقق بشيء من الدهشة، فأجابه الشاب بثبات واضح:

    - اسمي هاملت.

    - طيب... طيب.

    قال المحقق، وأضاف:

    - هل تعرف شخصاً اسمه هاشم ملاك توفيق؟

    - هذا أنا.

    أجاب الشاب فوراً، فسأله المحقق مرة أخرى:

    - إذنْ مَن هو هاملت؟

    - أنا.

    ثم قال بتردد وصوت خافت لا ينقصه الانكسار:

    - أنا هاشم ملاك توفيق، الذي حولني مَنْ اغتصب أمي إلى هاملت.

    اعترى المحقق بعض الضيق والانزعاج بعد أن سمع ترجمة ما قاله الشاب، لكنه احتفظ بابتسامته. رمق الشاب الذي أمامه بنظرة فاحصة وعميقة منتبهاً إلى حركات جسده ويدَيه المرتعشتَين، دعك فروة رأسه، وقال دون أن يرفع نظره عنه:

    - أعتقد أنك بحاجة إلى فنجان قهوة.

    هزَّ هاشم رأسه موافقاً، فقال المحقق بعد أن سكبَ له القهوة وناوله الفنجان:

    - بينما تشرب قهوتك، أريد منك الاسترخاء والهدوء، فلا أحد هنا يكرهك، بل كلنا نريد لك الأفضل؛ لأنك بعد أن تنهي قهوتك ستحدثني عن أمرَين في غاية الأهمية؛ هما: لماذا هربتَ من بلدك؟ وكيف وصلتَ إلى هنا؟

    تسمّر نظر هاشم على وجه السيد المحقق الذي لاحظ حالة الجمود التي اعترت الشاب، فسأله هل يريد أن يقول شيئاً، فأطرق هاشم، ونظر صوب الأرض وفنجان القهوة بين راحتَيه،

    ثم قال متمتماً:

    - إن الشعور بمرارة الكرامة المهدورة يجعل العمر الطويل عذاباً أليماً. فمَن يحتمل ضربات الزمان وإهاناته، وظلم المستبد، ووقاحة المتكبر المتعجرف، وآلام حب قُوبل بالازدراء، وبطء العدالة وغطرسة الحكام؟!

    أمسكت المترجمة كتف هـاشم، وهزَّته قليلاً وهي تسـأل

    بابتسامة واضحة:

    - هل تتمتم شيئاً من المسرحية يا هاملت؟

    هزَّ هاشم رأسه متأسفاً، وقال بصوت واضح:

    - بل من الواقع الذي يشبه في حقيقته، المسرحية.

    ثم صمت قليلاً، واستمر متمتماً:

    - هكذا أمكن لضمائرنا أن تجعلنا جميعاً جبناء، وفقدت عزائمنا لونها الطبيعي البراق، وعلاها شحوب المرض الذي كستها به همومنا. وكم من أعمال مجيدة عظيمة قد تحول مجراها...

    قاطعه المحقق، مشيراً إلى ضرورة التوقف عن الهذر، وطالبه أن يحدثه بوضوح كي يدوّن ما يمكن أن يفيده في التحقيق. التفت هاشم إلى المترجمة، ثم حوَّل نظره إلى المحقق، وقال:

    - حين كنت في السادسة عشرة من عمري، قررت أن أدخل قسم الفنون المسرحية في معهد الفنون الجميلة؛ حبّاً في التمثيل. ونصحني مَن سبقوني إلى ذلك القسم بأن أتدرب على مقطع من مسرحية (هاملت)، وفعلتُ ذلك، بل وحفظت نص المسرحية كاملاً عن ظهر قلب؛ خوفاً من أن تسألني لجنة الاختبار عن أي شيء آخر غير المقطع الذي اخترتُهُ. ولكن قبل أن يحين موعد الاختبار، قُرعَت طبول الحرب وأُعلن (البيان رقم واحد). شعرتُ حينها أن أحلامي بدأت تتبدد بعد أن آمنت بالعملية المسرحية، وصارت الدنيا مبنية داخل مخيلتي على شكل مسرح كبير. تأجَّلَ موعد الاختبار ثلاثة أشهر، مرّت كأنها الدهر كاملاً؛ ليس بفعل الترقب وانتظار دخول قاعة المسرح والوقوف أمام اللجنة، بل بفعل سيول النعوش المغطاة بعلم الدولة، والتي تضم داخلها شباباً في عمر الزهور، وغياب اللون الأزرق من السماء، وانتشار اللون الكاكي في الشوارع والمقاهي والمتنزهات. الفتيات الجميلات اتشحن بالسواد، وصارت المآذن تنعق عشرات المرات في اليوم الواحد لتعلن أسماء الأرواح الحالمة التي أزهقتها رصاصة غبية أو شظية همجية. ثلاثة شهور كانت كافية لقتل الفرح وتحوّل الضحكات إلى تشنجات هستيرية، وكلما أصادف نعشَ قتيل، أودعه كما ودّع مرسيليو زميله جندي المراقبة: «وداعاً أيها الجندي الأمين»، ثم أضيف رسالتي الخاصة: «وداعاً أيها التعِس، ليس مهمّاً إن تركتَ وراءك حبيبة، المهم أن تحتفظ بطعم القُبلة الأولى لتنير لك ظلمة القبر، ولتقدمها فيما بعد إلى الرب دليلاً على طهارتك وحرمانك». أقول كلماتي تلك في سريرتي؛ نعم في سريرتي لأنني كنت خائفاً من الأعين التي تراقب كل شيء، والآذان التي تسمع حتى النوايا. ثلاثة أشهر كانت كافية لتعلمني كيف أكون جباناً بامتياز.

    انتهت المدة، وتقدمت للاختبار، وتجاوزته بنجاح، وباشرتُ الدراسة في قسم المسرح. يبدأ الصباح هناك من فوهة مكبر صوت عملاق نُصب على أحد الجدران، وهو يبث سموم الموسيقى العسكرية وأصوات المطربين وهم يمجدون الحرب وصانعها، الديكتاتور قاتل أبي وسارق الفرح من بين

    ثنايا روحي.

    أنا هاملت، يتيم البهجة، وحامل الحزن منذ الخطوة الأولى لتحقيق الحلم، ومثلما صار المسرح عالمي، صار قتل الديكتاتور همي، يجب أن أقتل عمّي، أنا هاملت، أرجو أن لا تنسى هذا.

    أشار بإصبعه إلى المحقق وأضاف:

    - كنتُ أقتله كل ليلة، وفي كل مرة أقتله بصورة مختلفة عن سابقتها، مرة أغرقه في مغطس الحمام، وأخرى أطلق عليه الرصاص في حفلٍ مكتظ بالبنادق والخناجر، ومرة أقدم إليه الشراب المسموم، حتى أنني تقمصت في أحد مناماتي شخصية الطبيب الخاص بالديكتاتور، ورأيت (سيادته) يناديني شاكياً من مغص معوي، فحقنته بحقنة شرجية مليئة بالتيزاب، أقصد حامض النتريك، تصور أنني شاهدتُ مؤخرة الديكتاتور، هل تريد أن أصفها لك؟

    يقهقه هاشم قليلاً، ثم يستدرك:

    - لا يهم، المهم أنني رأيتها كاكية اللون مطرزة بوشم دائري، يشكل دورانها المتجعد رسوم رصاصات صغيرة متراصة. أعرف أن هذه الصور مقرفة جدّاً، المهم أنني كنت أقتله كل ليلة، حتى تلبست الحالة بشكل كامل واقتنعت بأنني قاتله لا محال. وفي أحد الصباحات كتبتُ مقتبساً بعض ما كان يفكر فيه هاملت ليقتل عمه الملك، فكتبت مضيفاً إليه بعض كلمات من عذاباتي اليومية:

    «الآن أستطيع أن أفعل فعلتي، سأسكب السم في أذنه،

    أو أطلق عليه الرصاص عن بُعدٍ وهو يتبختر بين الجموع مزهوّاً بمسدسه وقامته،

    في الشارع، أو ربما في مكانٍ آخر

    أجل أفعلها الآن، فيذهب بعد ذلك إلى السماء

    وهكذا أنال ثأري، ما أجدرني أن أتدبر هذا الأمر،

    وغدٌ قتل أبي، قتل فرحي وأحلامي،

    سأبعث، أنا، ابنه الوحيد، بذلك الوغد إلى السماء.

    ***

    سأتربص به، وأقتله ببشاعة،

    هنالك أورده حتفه، حتى ترتفع رجلاه إلى السماء

    وتكون روحه ملعونة مظلمة

    مثل جهنم، التي ستؤويه».

    - كتبتُ ذلك على ورقة استللتها من علبة السجائر، وصارت تعويذتي التي أقرؤها كلما ضاق صدري واسودت أمنياتي. عام ونصف وأنا أقرأ تلك الورقة، وأقتل (عمي) الديكتاتور كل ليلة، حتى صارت الورقة مصدر لعنة عليَّ حين وقعتْ بين يدَي صديق لي، كان يسألني في كل مرة عن الورقة حالما أنظر فيها، وفي كل مرة أخبره أنه مقطع من مسرحية أتدرب عليها، ولكنه حين كان يجالسني في مقصف المعهد، استطاع أن يخطف الورقة لثوانٍ وينظر إليها، حين تركتُ أشيائي على الطاولة لأجلب إليَّ ما أشربه، وحين تأكد من خطورة النص، هرب محتفظاً بالورقة، وقدمها في اليوم التالي مرفقة بتقرير مخابراتي إلى أجهزة الأمن الخاص بالمعهد. وفي ليلة حالكة صاخبة بعويل النساء النائحات وعواء الكلاب قُبض عليَّ من قبل أزلام (عمي) الديكتاتور.

    رفع المحقق يده عن قمة رأسه بعد أن دعك فروته، وقال مشيراً إلى السيدة المترجمة، ضارباً بِكَفَّيْهِ طاولة المكتب التي أمامه:

    - نكتفي بهذا، وبعد يومَين سيكون لنا لقاء.

    ثم قال بشكل مفاجئ كأنه تذكر شيئاً مهمّاً:

    - هناك شيء مهم لم أدونه، يخص عائلتك، أريد معرفة أفراد عائلتك عددهم وأسماءهم.

    لم يجب هاشم، ووقف صامتاً كأنه لا يريد الإجابة، فأخبرته المترجمة أن ذلك في غاية الأهمية، وعليه أن يجيب إذا أراد

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1