‫مجموع الفتاوى الكبرى ابن تيمية -المجموعة الكاملة 35 جزءا

By Imdad and إمداد

الفتاوى الكبرى كتاب لابن تيمية الكتاب يضم المئات من الفتاوى التي سئل عنها ابن تيمية وأجاب عليها والكتاب مرتب حسب المواضيع الفقهية.

• Language: العربية
• Publisher: Imdad
• Release date: Jun 18, 2024
• ISBN: 9798227830838

Book preview

مجموع الفتاوى الكبرى

تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، أبو العباس

الفهرس

الْجُزْءُ الْأَوَّلُ كِتَابُ تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَةِ

مقدمة

فَصْلٌ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ فَقِيهَيْ الصَّحَابَةِ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ }

فَصْلٌ : جِمَاعُ هَذَا أَنَّكَ أَنْتَ إذَا كُنْتَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَصْلَحَتِكَ

فَصْلٌ : وَهُوَ مِثْلُ الْمُقَدِّمَةِ لِهَذَا الَّذِي أَمَامَهُ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فَهُوَ هَمَّامٌ حَارِثٌ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ

فَصْلٌ فِي وُجُوبِ اخْتِصَاصِ الْخَالِقِ بِالْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ

فَصْلٌ : وَالْعَبْدُ كُلَّمَا كَانَ أَذَلَّ لِلَّهِ وَأَعْظَمَ افْتِقَارًا إلَيْهِ وَخُضُوعًا لَهُ : كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ

فَصْلٌ :وَالسَّعَادَةُ فِي مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

فَصْلٌ : فِي أَلَا يَسْأَلَ الْعَبْدُ إلَّا اللَّهَ

فَصْلٌ :الْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ وَالِاتِّبَاعِ لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ

فَصْلٌ جَامِعٌ :قَدْ كَتَبْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ قَبْلَ بَعْضِ الْقَوَاعِدِ : وَآخِرَ مُسَوَّدَةِ الْفِقْهِ : أَنَّ جِمَاعَ الْحَسَنَاتِ الْعَدْلُ وَجِمَاعَ السَّيِّئَاتِ الظُّلْمُ وَهَذَا أَصْلٌ جَامِعٌ عَظِيمٌ

فَصْلٌ :وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ تَحَرُّكِ الْقُلُوبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَعْتَصِمُ بِهِ فَتَقِلُّ آفَاتُهَا أَوْ تَذْهَبُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ

فَصْلٌ : ذَكَرَ اللَّهُ عَنْ إمَامِنَا إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لِمُنَاظِرِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الظَّالِمِينَ

فَصْلٌ :سَمَّى اللَّهُ آلِهَتَهُمْ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ شُفَعَاءَ كَمَا سَمَّاهَا شُرَكَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ

فَصْلٌ :فِي الشَّفَاعَةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ

فَصْلٌ وَلَفْظُ التَّوَسُّلِ قَدْ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ .

فَصْلٌ : إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدَ تَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ الْوَسِيلَةِ وَ " التَّوَسُّلِ فِيهِ إجْمَالٌ وَاشْتِبَاهٌ يَجِبُ أَنْ تُعْرَفَ مَعَانِيهِ وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ

فَصْلٌ :وَإِذَا تَبَيَّنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ - فِي حَقِّ أَشْرَفِ الْخَلْقِ وَأَكْرَمِهِمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ وَخَاتَمِ الرُّسُلِ وَالنَّبِيِّينَ وَأَفْضَلِ الْأَوَّلِينَ والآخرين وَأَرْفَعِ الشُّفَعَاءِ مَنْزِلَةً وَأَعْظَمِهِمْ جَاهًا عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

فَصْلٌ :وَأَمَّا الِانْحِنَاءُ عِنْدَ التَّحِيَّةِ : فَيُنْهَى عَنْهُ

فَصْلٌ :كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعَبِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ

الْجُزْءُ الْثَّانِي كِتَابُ تَوْحِيدُ الْرُبُوبِيَةِ

مقدمة

فَصْلٌ : فِي تَمْهِيدِ الْأَوَائِلِ وَتَقْرِيرِ الدَّلَائِلِ

فَصْلٌ :قَدْ تَكَلَّمَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ والمتفلسفة وَالْمُتَصَوِّفَةِ ، فِي قِيَامِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ بِالْوَاجِبِ الْقَدِيمِ

فَصْلٌ :ثُمَّ يُقَالُ هَذَا أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا : لَيْسَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ غَنِيًّا قَيُّومًا ؛ بَلْ مُفْتَقِرًا إلَى غَيْرِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ

فَصْلٌ : قَاعِدَةٌ قَدْ كَتَبْت مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي الْكُرَّاسِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا .

فَصْلٌ :ثُمَّ إنَّ الْمُنْحَرِفِينَ الْمُشَابِهِينَ لِلصَّابِئَةِ

فَصْلٌ :وَقَدْ تَفَرَّقَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ - الَّذِي هُوَ غَايَةُ مَطَالِبِ الْعِبَادِ - فَطَائِفَةٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ : يَظُنُّونَ أَنَّ كَمَالَ النَّفْسِ فِي مُجَرَّدِ الْعِلْمِ

فَصْلٌ :حَقِيقَة مَذْهَبِ الِاتِّحَادِيَّةِ - كَصَاحِبِ الْفُصُوصِ وَنَحْوِهِ –

فَصْلٌ :وَأَمَّا الَّذِي يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَأَنَّهُ يُبِيحُ الْفَاحِشَةَ اللُّوطِيَّةَ وَيُحَرِّمُ النِّكَاحَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ

فَصْلٌ :اعْلَمْ - هَدَاك اللَّهُ وَأَرْشَدَك - أَنَّ تَصَوُّرَ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ : كَمَا فِي بَيَانِ فَسَادِهِ لَا يَحْتَاجُ مَعَ حُسْنِ التَّصَوُّرِ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ

فَصْلٌ :حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ : إنَّ وُجُودَ الْكَائِنَاتِ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ وُجُودُهَا غَيْرَهُ وَلَا شَيْءَ سِوَاهُ أَلْبَتَّةَ

فَصْلٌ :وَلَمَّا كَانَ أَصْلُهُمْ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ : أَنَّ وُجُودَ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى وُجُودُ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالْكَافِرِينَ وَالْفَاسِقِينَ وَالْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ وَالنَّجَاسَاتِ وَالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ

فَصْلٌ :فَهَذَا أَحَدُ أَصْلَيْ ابْنِ عَرَبِيٍّ . وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ إنَّ وُجُودَ الْأَعْيَانِ نَفْسُ وُجُودِ الْحَقِّ وَعَيْنُهُ

فَصْلٌ :وَأَمَّا صَاحِبُهُ الصَّدْرُ الْفَخْرُ الرُّومِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ إنَّ الْوُجُودَ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ

فَصْلٌ :وَأَمَّا التلمساني وَنَحْوُهُ : فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَاهِيَّةٍ وَوُجُودٍ وَلَا بَيْنَ مُطْلَقٍ وَمُعَيَّنٍ

فَصْلٌ :وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ : لَا أَعْرِفُهَا لِأَحَدِ مِنْ أُمَّةٍ قَبْلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ وَلَكِنْ رَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَرِسْطُو أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ قَوْلَهُ : إنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ وَرَّدَ ذَلِكَ وَحَسْبُك بِمَذْهَبِ لَا يَرْضَاهُ مُتَكَلِّمَةُ الصَّابِئِينَ

فَصْلٌ :مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ والقونوي وَالتِّلْمِسَانِيّ : مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَادَّ

فَصْلٌ أَنَّ هَذِهِ الْحَقَائِقَ الْكَوْنِيَّةَ

فَصْلٌ :فِي ذِكْرِ بَعْضِ أَلْفَاظِ ابْنِ عَرَبِيٍّ الَّتِي تُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ

فَصْلٌ :فِي بَعْضِ مَا يَظْهَرُ بِهِ كُفْرُهُمْ وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ

فَصْلٌ :وَمِنْ أَعْظَمِ الْأُصُولِ الَّتِي يَعْتَمِدُهَا هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ الْمَلَاحِدَةُ الْمُدَّعُونَ لِلتَّحْقِيقِ وَالْعِرْفَانِ

فَصْلٌ :وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ - الَّذِينَ أَلْحَدُوا فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ - أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ مُؤْمِنًا

فَصْلٌ :وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْرَائِيلَ : الْأَمْرُ أَمْرَانِ : أَمْرٌ بِوَاسِطَةِ وَأَمْرٌ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ إلَى آخِرِهِ

فَصْلٌ :فِيمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين مِمَّا يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ وَالْحُلُولَ الْبَاطِلَ وَهُوَ حَقّ

فَصْلٌ :وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ

فَصْلٌ :وَأَمَّا مَا يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ : فَإِنَّ الذَّاتَيْنِ الْمُتَمَيِّزَتَيْن لَا تَتَّحِدُ عَيْنُ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِ الْأُخْرَى وَلَا عَيْنُ صِفَتِهَا بِعَيْنِ صِفَتِهَا إلَّا إذَا اسْتَحَالَتَا بَعْدَ الِاتِّحَادِ إلَى ذَاتٍ ثَالِثَةٍ

فَصْلٌ :وَجَاءَ فِي أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ الْمُتَّقُونَ نَوْعٌ مِنْ هَذَا

فَصْلٌ :فَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ ثَابِتَانِ بَلْ هُمَا حَقِيقَةُ الدِّينِ وَالْيَقِينِ وَالْإِيمَانِ

فَصْلٌ :وَقَدْ يَقَعُ بَعْضُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْحُلُولِ أَوْ الِاتِّحَادِ

فَصْلٌ :فَإِذَا عُرِفَ الِاتِّحَادُ الْمُعَيَّنُ مِمَّا يُشْبِهُ الْحُلُولَ أَوْ الِاتِّحَادَ الَّذِي فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ تَبَيَّنَ أَيْضًا مَا فِي الْمُطْلَقِ مِنْ ذَلِكَ

فَصْلٌ :فِي الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ إذَا أَقْبَلُوا عَلَى ذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ

فَصْلٌ :وَهُوَ كَمَا يَشْهَدُ رُبُوبِيَّتَهُ وَتَدْبِيرَهُ الْعَالَمَ الْمُحِيطَ وَحِكْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ

فَصْلٌ :فَهَذَا فِيمَا يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ أَوْ الْحُلُولَ فِي مُعَيَّنٍ كَنَبِيِّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ

فَصْلٌ :وَأَمَّا كُفْرُهُمْ بِالْمَعْبُودِ

فَصْلٌ :وَأَمَّا اتِّحَادُ ذَاتِ الْعَبْدِ بِذَاتِ الرَّبِّ بَلْ اتِّحَادُ ذَاتِ عَبْدٍ بِذَاتِ عَبْدٍ أَوْ حُلُولُ حَقِيقَةٍ فِي حَقِيقَةٍ كَحُلُولِ الْمَاءِ فِي الْوِعَاءِ

فَصْلٌ :فَهَذَا نَفْيُ كَوْنِهِ - سُبْحَانَهُ - وَالِدًا لِشَيْءِ أَوْ مُتَّخِذًا لِشَيْءِ وَلَدًا بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْوِلَادَةِ أَوْ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ أَيًّا كَانَ

فَصْلٌ :وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ : فَإِنَّهُمْ لَا يَقْتَصِرُونَ فِي كُفْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ وَلَدَ شَيْئًا أَوْ اتَّخَذَ وَلَدًا أَوْ أَنَّهُ بَشَرٌ مَوْلُودٌ ؛ لِاتِّحَادِ الرَّبِّ بِهِ

الْجُزْءُ الْثَّالِثُ كِتَابُ مُجْمَلِ اعْتِقَادِ السَّلَفِ

مقدمة

فَصْلٌ :فَأَمَّا الْأَصْلَانِ : فَأَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ :الْقَوْلُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمَثَلَانِ الْمَضْرُوبَانِ

فَصْلٌ :وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ الْجَامِعَةُ فَفِيهَا قَوَاعِدُ نَافِعَةٌ

فَصْلٌ :وَأَفْسَدُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْلُكُهُ نفاة الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَا

فَصْلٌ :وَأَمَّا فِي طُرُقِ الْإِثْبَاتِ

فَصْلٌ :وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي - وَهُوَ التَّوْحِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ - الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِيمَانِ بِالشَّرْعِ وَالْقَدَرِ جَمِيعًا

فَصْلٌ :وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا : فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ : بِقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ . وَأَهْلُ الضَّلَالِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ انْقَسَمُوا إلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ

فَصْلٌ :فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَصْلٌ :وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ : الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَتَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ

فَصْلٌ :وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ : الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ خَلْقِهِ مُجِيبٌ

فَصْلٌ :وَمِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَكُتُبِهِ

فَصْلٌ : وَقَدْ دَخَلَ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِرُسُلِهِ : الْإِيمَانُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ

فَصْلٌ :وَمِنْ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ

فَصْلٌ :وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ : أَنَّ الدِّينَ وَالْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ

فَصْلٌ :وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : سَلَامَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

فَصْلٌ :ثُمَّ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا

فَصْلٌ :ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذِهِ الْأُصُولِ : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ

فَصْلٌ :فَلَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ الثَّانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجَبٍ وَقَدْ أَحْضَرُوا أَكْثَرَ شُيُوخِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ وَأَحْضَرُوا مَعَهُمْ زِيَادَةً صَفِيَّ الدِّينِ الْهِنْدِيَّ وَقَالُوا : هَذَا أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ وَشَيْخُهُمْ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَبَحَثُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاتَّفَقُوا وَتَوَاطَئُوا وَحَضَرُوا بِقُوَّةِ وَاسْتِعْدَادٍ غَيْرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ

فَصْلٌ :مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ لِينِ الْكَلَامِ وَالْمُخَاطَبَةِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

فَصْلٌ :مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنِّي أَطْلُبُ تَفْوِيضَ الْحُكْمِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ " فَهَذَا لَا يَصْلُحُ

فَصْلٌ :وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَهُ : أَنَّ الْقَوْمَ مُسْتَضْعَفُونَ عَنْ الْمُحَاقَّةِ إلَى الْغَايَةِ

فَصْلٌ مُعْتَرَضٌ :ذَكَرْت فِي وَرَقَتِك أَنَّك قُلْت لِلشَّيْخِ : فِي نَفْسِي أَنْ تَطْلُبَ لِي الْمَحَاضِرَ حَتَّى يَنْظُرَ هُوَ فِيهَا . فَإِنْ كَانَ لَهُ دَافِعٌ وَإِلَّا فَالْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ مَعْذُورُونَ

فَصْلٌ :وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ وَالْجَمَاعَاتِ لَا يَدَعُونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ

فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ تَكْفِيرُ الْمُسْلِمِ بِذَنْبِ فَعَلَهُ وَلَا بِخَطَأِ أَخْطَأَ فِيهِ كَالْمَسَائِلِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ

فَصْلٌ :أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ

فَصْلٌ : وَلَمَّا أَعْرَضَ كَثِيرٌ مِنْ أَرْبَابِ الْكَلَامِ وَالْحُرُوفِ وَأَرْبَابِ الْعَمَلِ وَالصَّوْتِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ

فَصْلٌ :وَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَتَانِ هِيَ أَصْلَ الدِّينِ ، وَفَرْعَهُ ، وَسَائِرُ دَعَائِمِهِ وَشُعَبِهِ دَاخِلَةٌ فِيهِمَا

فَصْلٌ :قَاعِدَةٌ الِانْحِرَافُ عَنْ الْوَسَطِ كَثِيرٌ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ فِي أَغْلَبِ النَّاسِ

فَصْلٌ :وَأَنْتُمْ أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ وَعَافَاكُمْ اللَّهُ مِمَّا ابْتَلَى بِهِ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ . وَالْإِسْلَامُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَأَجَلُّهَا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ

فَصْلٌ : وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ ، وَالْجَافِي عَنْهُ

فَصْلٌ :وَكَذَلِكَ الْغُلُوُّ فِي بَعْضِ الْمَشَايِخِ

فَصْلٌ :وَمِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ ؛ وَاتِّبَاعُهَا كَمَا جَاءَتْ - بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ يَجِبُ الِاقْتِصَادُ وَالِاعْتِدَالُ فِي أَمْرِ الصَّحَابَةِ وَ الْقَرَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانِهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ

الْجُزْءُ الْرَّابِعُ كِتَابُ مُفَصَّلِ الِاعْتِقَادِ

مقدمة

فَصْلٌ :وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَعْلَمَ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَأَحْكَمَ وَأَنَّ مُخَالِفَهُمْ أَحَقُّ بِالْجَهْلِ وَالْحَشْوِ

فَصْلٌ : وَالْحَاصِلُ : أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَحْكَمَ فِي بِدْعَتِهِ يَرَى أَنَّ قِيَاسَهُ يَطَّرِدُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عِنْدَهُ

فَصْلٌ : وَتَلْخِيصُ النُّكْتَةِ : أَنَّ الرُّسُلَ إمَّا أَنَّهُمْ عَلِمُوا الْحَقَائِقَ الْخَبَرِيَّةَ وَالطَّلَبِيَّةَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَإِذَا عَلِمُوهَا : فَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُمْ بَيَانُهَا بِالْكَلَامِ وَالْكِتَابِ أَوْ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ وَإِذَا أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ الْبَيَانُ

فَصْلٌ :وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْحَشْوِيَّةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا : لَا يَتَحَاشَى مِنْ الْحَشْوِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ . وَالْآخَرُ : تَسَتُّرٌ بِمَذْهَبِ السَّلَفِ

فَصْلٌ :ثُمَّ قَالَ الْمُعْتَرِضُ : قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْحَنَابِلَةِ

فَصْلٌ : الْأَقْوَالُ نَوْعَانِ

فَصْلٌ :فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ بَيِّنَةٌ فِي مُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ

فَصْلٌ : ذَكَرَ اللَّهُ الْحَفَظَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِبَنِي آدَمَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُمْ وَيَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ : فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ

فَصْلٌ : مَذْهَبُ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ إثْبَاتُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى وَقِيَامِ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ

فَصْلٌ : وَأَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ

فَصْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ

فَصْلٌ : وَأَفْضَلُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَدِيجَةُ وَ عَائِشَةُ وَ فَاطِمَةُ

فَصْلٌ : وَأَمَّا نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَصْلٌ : وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَالْخَضِرُ فَهَذَا يُبْنَى عَلَى نُبُوَّةِ الْخَضِرِ

فَصْلٌ : فِي أَعْدَاءِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ هَذَا ؛ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ إيمَانُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ هِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ إيمَانُ نُظَرَائِهِ وَالطَّرِيقُ الَّتِي تُعْلَمُ بِهَا صُحْبَتُهُ هِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صُحْبَةَ أَمْثَالِهِ

فَصْلٌ : افْتَرَقَ النَّاسُ فِي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ثَلَاثُ فِرَقٍ : طَرَفَانِ وَوَسَطٌ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الصَّحَابَةُ و التَّابِعُونَ

الْجُزْءُ الْخَامِسُ كِتَابُ الْأَسْمَاءِ وَالْصِفَاتِ

مقدمة

فَصْلٌ : ثُمَّ الْقَوْلُ الشَّامِلُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْبَابِ : أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ السَّابِقُونَ ؛ الْأَوَّلُونَ لَا يَتَجَاوَزُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ

فَصْلٌ :وَقَدْ قَالَ الْقَائِلُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة والحرورية إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } أَنَّهُ اسْتَوْلَى وَقَهَرَ وَمَلَكَ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ

فَصْلٌ فِي إبَانَةِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ

فَصْلٌ : وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة والحرورية : إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } أَنَّهُ اسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ

فَصْلٌ : وَالْمُبْطِلُ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى وُجُوهٌ

فَصْلٌ : اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ

فَصْلٌ : فَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ : فَوُجُوبُ إثْبَاتِ الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِهِ يَتَبَيَّنُ مِنْ وُجُوهٍ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : مَا مَعْنَى كَوْنِ ذَلِكَ حَقِيقَةً ؟

فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عُلُوِّ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ قُرْبِهِ : مِنْ دَاعِيهِ وَعَابِدِيهِ .

فَصْلٌ : فِي تَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْقُرْبِ وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ وَلَا تُغْلِطُهُ الْمَسَائِلُ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُحَاسِبُهُمْ لَا يَشْغَلُهُ هَذَا عَنْ هَذَا

فَصْلٌ : وَأَمَّا قُرْبُ الرَّبِّ مِنْ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَقُرْبُ قُلُوبِهِمْ مِنْهُ

فَصْلٌ : وَهَذَا التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةُ يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى الْجَهْمِيَّة الْنُّفَاةِ

فَصْلٌ :وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّك تَعْلَمُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا غَابَ عَنَّا إلَّا بِمَعْرِفَةِ مَا شَهِدْنَاهُ فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَشْيَاءَ بِحِسِّنَا الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ وَتِلْكَ مَعْرِفَةٌ مُعَيَّنَةٌ مَخْصُوصَةٌ ثُمَّ إنَّا بِعُقُولِنَا نَعْتَبِرُ الْغَائِبَ بِالشَّاهِدِ فَيَبْقَى فِي أَذْهَانِنَا قَضَايَا عَامَّةٌ كُلِّيَّةٌ

فَصْلٌ :إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَقَوْلُ السَّائِلِ : كَيْفَ يَنْزِلُ ؟ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : كَيْفَ اسْتَوَى ؟ وَقَوْلُهُ : كَيْفَ يَسْمَعُ ؟ وَكَيْفَ يُبْصِرُ ؟ وَكَيْفَ : يَعْلَمُ وَيُقَدِّرُ ؟ وَكَيْفَ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ ؟

فَصْلٌ : وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ - مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ - حَدِيثَ النُّزُولِ وَمَا كَانَ نَحْوَهُ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا فِعْلُ الرَّبِّ اللَّازِمِ

فَصْلٌ : شَهَادَةُ التَّوْحِيدِ وَوَصْفُ تَوْحِيدِ الْمُوقِنِينَ

فَصْلٌ : وَإِذَا عُرِفَ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ مُطْلَقًا

فَصْلٌ : نِزَاعُ النَّاسِ فِي مَعْنَى حَدِيثِ النُّزُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ الْمُضَافَةِ إلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

الْجُزْءُ السادس

فَصْلٌ : تَقَرُّبُ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ

فَصْلٌ : قَدْ كَتَبْت قَبْلَ هَذَا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الْمُرَتَّبِ : الْكَلَامُ فِي قُرْبِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ وَذَهَابِهِ إلَيْهِ وَ قُرْبِ الرَّبِّ مِنْ عَبْدِهِ وَتَجَلِّي الرَّبِّ لَهُ وَظُهُورِهِ وَمَا يَعْتَرِفُ بِهِ الْمُتَفَلْسِفَةُ مِنْ ذَلِكَ

فَصْلٌ : فَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُخَالِفُ فِيهِ عَاقِلٌ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ مُدْرَكٌ وَهُوَ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِقْرَارِ بِاَللَّهِ

فَصْلٌ : إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : كُلُّ مَا قَامَ دَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ كَانَ مُتَشَابِهًا جَوَابٌ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ النِّزَاعُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ وَالزَّائِغِ وَالْقَوِيمِ

فَصْلٌ : فِي جُمَلِ مَقَالَاتِ الطَّوَائِفِ وَ " مَوَادِّهِمْ

فَصْلٌ : قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ لَهَا وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ

فَصْلٌ : مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ طَرِيقَةَ اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هِيَ الْمُوَصِّلَةُ إلَى الْحَقِّ دُونَ طَرِيقَةِ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فَنَقُولُ : لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَمْرَيْنِ :

فَصْلٌ :إذَا تَبَيَّنَ هَذَا : تَبَيَّنَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْقُولُ وَأَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْحَقِّ أَتْبَعُهُمْ لَهُ وَأَعْظَمُهُمْ لَهُ مُوَافَقَةً " وَهُمْ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ مَلَاحِدَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ : إنَّ اتِّصَافَهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ إنْ أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ اُسْتُكْمِلَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا بِذَاتِهِ وَإِنْ أَوْجَبَ لَهُ نَقْصًا لَمْ يَجُزْ اتِّصَافُهُ بِهَا

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ قَامَتْ بِهِ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إلَيْهَا وَهِيَ مُفْتَقِرَةً إلَيْهِ فَيَكُونُ الرَّبُّ مُفْتَقِرًا إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقَائِلُ : إنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ مُرَكَّبٍ وَالْمُرَكَّبُ مُمْكِنٌ مُحْتَاجٌ وَذَلِكَ عَيْنُ النَّقْصِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ قَامَتْ بِهِ الْأَفْعَالُ لَكَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالْحَادِثُ إنْ أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ عَدِمَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ نَقْصٌ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ لَهُ كَمَالًا لَمْ يَجُزْ وَصْفُهُ بِهِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا نَفْيُ النَّافِي لِلصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ ؛ فلاستلزامها التَّرْكِيبَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ

فَصْلٌ : وَقَوْلُ الْقَائِلِ : الْمُنَاسَبَةُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهَا التَّوَلُّدُ وَالْقَرَابَةُ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : الرَّحْمَةُ ضَعْفٌ وَخَوَرٌ فِي الطَّبِيعَةِ وَتَأَلُّمٌ عَلَى الْمَرْحُومِ فَهَذَا بَاطِلٌ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : الْغَضَبُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ

فَصْلٌ : وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ الضَّحِكَ خِفَّةُ رُوحٍ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : التَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ كَانَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ لَكَانَ نَقْصًا

فَصْلٌ : وَأَمَّا مُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ وَقَوْلُهُمْ : لَيْسَ الْخَلْقُ أَهْلًا أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ رَسُولًا كَمَا أَنَّ أَطْرَافَ النَّاسِ لَيْسُوا أَهْلًا أَنْ يُرْسِلَ السُّلْطَانُ إلَيْهِمْ رَسُولًا

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ : إنَّ عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُتَقَرَّبَ إلَيْهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ وَحِجَابٍ وَالتَّقَرُّبُ بِدُونِ ذَلِكَ غَضٌّ مِنْ جَنَابِهِ الرَّفِيعِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُمْ أَيُّمَا أَكْمَلُ ؟ ذَاتٌ تُوصَفُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِدْرَاكَاتِ مِنْ الذَّوْقِ وَالشَّمِّ وَاللَّمْسِ ؟ أَمْ ذَاتٌ لَا تُوصَفُ بِهَا ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : الْكَمَالُ وَالنَّقْصُ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ }

فَصْلٌ : فِي الْقَاعِدَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَلِيلَةِ فِي " مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ

فَصْلٌ : قَالَ الْقَاضِي : قَالَ : أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا . غَفُورًا

فَصْلٌ : وَلَا خِلَافَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ كَانَ مُتَكَلِّمًا بِالْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِهِ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالرِّضَا

فَصْلٌ : فِي الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى

فَصْلٌ : وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى

فَصْلٌ : فِي الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ فِي الْإِرَادَةِ وَ الْمَحَبَّةِ

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَ الْبَصَرُ وَالنَّظَرُ

فَصْلٌ : وَ الْأَفْعَالُ نَوْعَانِ : مُتَعَدٍّ وَلَازِمٌ

فَصْلٌ : وَالْمُنَازِعُونَ الْنُّفَاةِ

فَصْلٌ : وَصْفُهُ تَعَالَى بِالصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ

فَصْلٌ : فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّازِي فِي ( الْأَرْبَعِينَ ) فِي مَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ

فَصْلٌ : قَالَ الرَّازِي : الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ قِصَّةُ الْخَلِيلِ

فَصْلٌ : فِيهِ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمُبْطِلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ ؛ لَا تَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْمُبْطِلِ

فَصْلٌ : وَقَدْ سَلَكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ النُّظَّارِ - أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ - أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ وَأَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ وَرَأَوْا أَنَّ هَذَا غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ وَسَمَّوْا الْجَوَابَ الَّذِي أَجَابُوا بِهِ الْفَلَاسِفَةَ عَنْ حُجَجِهِمْ الْجَوَابَ الْبَاهِرَ

فَصْلٌ : وَأَمَّا حُجَّتُهُمْ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الْعُمْدَةُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ فَتَقْرِيرُهَا : لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَكَانَ إمَّا أَنْ يَخْلُقَهُ فِي نَفْسِهِ . أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ لَا فِي مَحَلٍّ .

فَصْلٌ : وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ

فَصْلٌ : وَقَدْ ذَكَرْنَا أَصْلَيْنِ :أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ الْحُجَجِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ وَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ وَخَالَفُوا بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ .

فَصْلٌ : قَالَ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى النُّورُ الْهَادِي يَجِبُ تَأْوِيلُهُ قَطْعًا

فَصْلٌ : الْمُقْتَضِي لِكِتَابَةِ هَذَا : أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ كَانَ قَدْ سَأَلَنِي لِأَجْلِ نِسَائِهِ مِنْ مُدَّةٍ : هَلْ تَرَى الْمُؤْمِنَاتُ اللَّهَ فِي الْآخِرَةِ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنَّا مَحَبَّةُ مَا لَا نَعْرِفُهُ وَلَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ إذَا كَانَ حُبُّ اللِّقَاءِ ؛ لِمَا رَآهُ مِنْ النَّعِيمِ فَالْمَحَبَّةُ حِينَئِذٍ لِلنَّعِيمِ الْعَائِدِ عَلَيْهِ لَا لِمُجَرَّدِ لِقَاءِ اللَّهِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ فَاَلَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ وَعَائِشَةُ أَنْكَرَتْ الرُّؤْيَةَ

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ هَذَا ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَا يَثْبُتُ لِلَّهِ صِفَةٌ بِحَدِيثِ وَاحِدٍ عَنْهُ أَجْوِبَةٌ .

الْجُزْءُ السابع كتاب الأيمان

مقدمة

فَصْلٌ : وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي صِحَّتِهَا ، مِثْلُ قَوْلِهِ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ }

فَصْلٌ : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَفْظُ الْكُفْرِ وَ النِّفَاقِ

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ لَفْظُ الصَّالِحِ وَ الشَّهِيدِ وَ الصِّدِّيقِ : يُذْكَرُ مُفْرَدًا

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَعْصِيَةِ وَ الْفُسُوقِ وَ الْكُفْرِ

فَصْلٌ : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ ظُلْمُ النَّفْسِ

فَصْلٌ : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَفْظُ الصَّلَاحِ وَ الْفَسَادِ :

فَصْلٌ : فَإِنْ قِيلَ : مَا ذَكَرَ مِنْ تَنَوُّعِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

فَصْلٌ : وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ

فَصْلٌ : قَالَ الَّذِينَ نَصَرُوا مَذْهَبَ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يَدُلُّ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَعْمَالِ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }

فَصْلٌ : وَأَمَّا إذَا قُيِّدَ الْإِيمَانُ فَقُرِنَ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ

فَصْلٌ : وَعَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ فِي الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْكَلَامِ يَقْتَضِي مُغَايَرَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَعَ اشْتِرَاكِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُمَا وَالْمُغَايَرَةُ عَلَى مَرَاتِبَ أَعْلَاهَا أَنْ يَكُونَا مُتَبَايِنَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ وَلَا جُزْأَهُ وَلَا يُعْرَفُ لُزُومُهُ لَهُ

فَصْلٌ : فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَلَفْظُ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ بِلَفْظِ الْبِرِّ وَبِلَفْظِ التَّقْوَى وَبِلَفْظِ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ

فَصْلٌ : وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ نَمَطِ " أَسْمَاءِ اللَّهِ وَأَسْمَاءِ كِتَابِهِ وَأَسْمَاءِ رَسُولِهِ وَأَسْمَاءِ دِينِهِ

فَصْلٌ : الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ غَلَطِ الْمُرْجِئَةِ

فَصْلٌ : فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ

فَصْلٌ : وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَاَلَّذِي يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ

فَصْلٌ : وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إسْلَامًا بِلَا إيمَانٍ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ إذَا عُرِفَ تَفْسِيرُهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَقْوَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ

فَصْلٌ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَا ذَكَرَوهُ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ الصَّلَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ إيمَانًا وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ إبَاءِ إبْلِيسَ حِينَ عَصَى رَبَّهُ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ : أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ

فَصْلٌ : تَضَمَّنَ حَدِيثُ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِسْلَامِ و الْإِيمَانِ و الْإِحْسَانِ

فَصْلٌ : فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ : قَوْلُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِمُطْلَقِ الذُّنُوبِ وَيُخَلِّدُونَ فِي النَّارِ

فَصْلٌ : ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي اسْمِ الْمُؤْمِنِ وَالْإِيمَانِ نِزَاعًا كَثِيرًا ، مِنْهُ لَفْظِيٌّ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ مَعْنَوِيٌّ

فَصْلٌ : إذَا عُرِفَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ

فَصْلٌ : وَالتَّفَاضُلُ فِي الْإِيمَانِ بِدُخُولِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فِيهِ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ هَذَا وَعُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْحُبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْأُمُورَ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فَقَوْلُهُ : { أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك }

فَصْلٌ : قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ : أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ؛ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ ؛ وَهُوَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

فَصْلٌ : لَفْظُ الْإِسْلَامِ يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ

فَصْلٌ : مَعْلُومٌ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ.

فَصْل : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : هَلْ تَكُونُ صِفَةُ الْإِيمَانِ نُورًا يُوقِعُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَيَعْرِفُ الْعَبْدُ عِنْدَ وُقُوعِهِ فِي قَلْبِهِ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : هَلْ يَكُونُ لِأَوَّلِ حُصُولِهِ سَبَبٌ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : فَالْأَسْبَابُ الَّتِي يَقْوَى بِهَا الْإِيمَانُ إلَى أَنْ يَكْمُلَ عَلَى تَرْتِيبِهَا ؟ هَلْ يَبْدَأُ بِالزُّهْدِ ؟ أَوْ بِالْعِلْمِ ؟ أَوْ بِالْعِبَادَةِ ؟ أَمْ يَجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ : فَبِالِاجْتِهَادِ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْإِيمَانُ : هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؟

فَصْلٌ : الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ سُنَّةٌ

الْجُزْءُ الْثَّامِنُ كِتَابُ الْقَدَر

فَصْلٌ فِي قُدْرَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَوْلُ السَّائِلِ : قَوْله تَعَالَى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ }

فَصْلٌ : وَ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فَقَوْلُهُ فِيمَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآيَاتِ فِي الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فَقَوْلُهُ إذَا جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }

فَصْلٌ : قَدْ ذَكَرْت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : مَا لَنَا فِي جَمِيعِ أَفْعَالِنَا قُدْرَةٌ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : الزِّنَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَعَاصِي مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا

فَصْلٌ : وَمَنْ قَالَ : إنَّ آدَمَ مَا عَصَى

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : مَنْ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ؟

فَصْلٌ : لِأَنَّهُ مَا وُجِدَ فِي الْأَمْرِ وَلَوْ وُجِدَ بِالْفِكْرِ وَهَذَا مِثْلُ مَا لَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِهِ

فَصْلٌ : تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ

فَصْلٌ : فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى }

فَصْلٌ : إذَا عُرِفَ هَذَا ، فَنَقُولُ : الصَّوَابُ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَمُوسَى

فَصْلٌ : فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ آدَمَ حَجَّ مُوسَى لَمَّا قَصَدَ مُوسَى أَنْ يَلُومَ مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي مُصِيبَتِهِمْ

فَصْلٌ : وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ : الَّذِينَ يَسْلُكُونَ إلَى اللَّهِ مَحْضَ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمُنَزَّلَيْنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِينَ يَنْتَهُونَ إلَى الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ

فَصْلٌ : قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ هَلْ هِيَ مَعَ فِعْلِهِ أَمْ قَبْلَهُ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا السُّؤَالُ : عَنْ تَعْلِيلِ أَفْعَالِ اللَّهِ .

فَصْلٌ : حَدَّثَنِي بَعْضُ ثِقَاتِ أَصْحَابِنَا : أَنَّ شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَادَ شَيْخَنَا أَبَا زَكَرِيَّا بْنَ الصِّرْمَيْ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ فَسَأَلُوهُ الدُّعَاءَ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَاضِي الْمَعْلُومِ الْمُتَيَقَّنِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ

فَصْلٌ : وَسَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مُتَّفِقُونَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ مَأْمُورُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ

فَصْلٌ : وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مَعَ إيمَانِهِمْ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ كَمَا أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ

فَصْلٌ : إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ : أَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ كَيْفَ يَكُونُ الْعَبْدُ مُخْتَارًا لِأَفْعَالِهِ وَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَيْهَا ؟

فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ السَّائِلُ : لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ * * * عَلَى الْإِرَادَاتِ لَمَقْسُورُ

فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ :لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ * * * عَلَى الْإِرَادَاتِ لَمَقْسُورُ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : وَمِنْ هُنَا لَمْ يَكُنْ لِلْفِعْلِ فِي * * * مَا يَلْحَقُ الْفَاعِلَ تَأْثِيرٌ

فَصْلٌ : وقَوْله تَعَالَى { وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }

فَصْلٌ : وَقَوْلُهُ : وَكُلِّ شَيْءٍ ثُمَّ لَوْ سَلِمَتْ * * * لَمْ يَكُ لِلْخَالِقِ تَقْدِيرُ

فَصْلٌ : وَقَوْلُهُ : أَوْ كَانَ فَاللَّازِمُ مِنْ كَوْنِهِ * * * حُدُوثُهُ وَالْقَوْلُ مَهْجُورُ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ :وَلَا يُقَالُ عِلْمُ اللَّهِ مَا يُخْتَارُ * * * فَالْمُخْتَارُ مَسْطُورُ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَالْجَبْرُ إنْ صَحَّ يَكُنْ مُكْرَهًا * * * وَعِنْدَكَ الْمُكْرَهُ مَعْذُورُ

فَصْلٌ : إذَا عُرِفَ هَذَا ، فَالسَّالِكُونَ طَرِيقَ اللَّهِ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْجِهَادِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ

فَصْلٌ : فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ ، فَمِنْ الْكَسْبِ مَا يَكُونُ وَاجِبًا مِثْلَ الرَّجُلِ الْمُحْتَاجِ إلَى نَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ لَمْ يَطْلُبُوا رِزْقًا

فَصْلٌ :وَالرِّزْقُ يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ .

الْجُزْءُ الْتَاسِعُ كِتَابُ الْمَنْطِقِ

مقدمة:

فَصْلٌ : وَهَذَا الْمَقَامُ لَا أَذْكُرُ فِيهِ مَوَارِدَ النِّزَاعِ فَيُقَالُ : هُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْمُخْتَلِفِ بِالْمُخْتَلِفِ

فَصْلٌ : قَوْلُهُمْ : إنَّهُ لَا يُعْلَمُ شَيْءٌ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ إلَّا بِالْقِيَاسِ

فَصْلٌ : وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا جِنْسَ الدَّلِيلِ إلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيلِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : الِاسْتِدْلَالُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ طَرْدًا وَعَكْسًا

فَصْلٌ : وَقَدْ احْتَجُّوا بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دُونَ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ قِيَاسُ الشُّمُولِ وَأَنَّ قِيَاسَ التَّمْثِيلِ دُونَ الِاسْتِقْرَاءِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا ( الْمَقَامُ الرَّابِعُ ) : وَهُوَ قَوْلُهُمْ : إنَّ الْقِيَاسَ أَوْ الْبُرْهَانَ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالتَّصْدِيقَاتِ فَهُوَ أَدَقُّ الْمَقَامَاتِ .

فَصْلٌ : فِي ضَبْطِ كُلِّيَّاتِ الْمَنْطِقِ وَالْخَلَلِ فِيهِ .

فَصْلٌ : النَّاسُ فِي مُسَمَّى الْقِيَاسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ

فَصْلٌ : الْفَسَادُ فِي الْمَنْطِقِ : فِي الْبُرْهَانِ وَفِي الْحَدِّ .

فَصْلٌ : قَدْ كَتَبْت فِيمَا تَقَدَّمَ مُلَخَّصَ الْمَنْطِقِ الْمُعَرَّبِ الَّذِي بَلَّغَتْهُ الْعَرَبُ عَنْ الْيُونَانِيِّينَ

فَصْلٌ : وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اسْمَ الْعَقْلِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى عَرَضًا قَائِمًا بِالْعَاقِلِ

فَصْلٌ : وَالرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ

فَصْلٌ : وَلَكِنَّ لَفْظَ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ عِدَّةِ مَعَانٍ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : هَلْ لَهَا كَيْفِيَّةٌ تُعْلَمُ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ : هَلْ هُوَ جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَيْنَ مَسْكَنُهَا مِنْ الْجَسَدِ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَيْنَ مَسْكَنُ الْعَقْلِ فِيهِ ؟

فَصْلٌ : ثُمَّ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْقَلْبَ لِلْإِنْسَانِ يَعْلَمُ بِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا خَلَقَ لَهُ الْعَيْنَ يَرَى بِهَا الْأَشْيَاءَ وَالْأُذُنَ يَسْمَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ كَمَا خَلَقَ لَهُ سُبْحَانَهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَمْرِ مِنْ الْأُمُورِ وَعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ .

الْجُزْءُ الْعَاشِرُ كِتَابُ عِلْمِ الْسُلُوكِ

مقدمة

فَصْلٌ : وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالرِّضَا عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُلُّهَا مَأْمُورٌ بِهَا

فَصْلٌ : مَحَبَّةُ اللَّهِ بَلْ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ وَأَكْبَرِ أُصُولِهِ وَأَجَلِّ قَوَاعِدِهِ

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ أَصْلَ كُلِّ عَمَلٍ دِينِيٍّ فَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَغَيْرُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْمَحَبَّةَ وَيَرْجِعُ إلَيْهَا

فَصْلٌ : فِي مَرَضِ الْقُلُوبِ وَشِفَائِهَا

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ مَرَضُ الْقَلْبِ هُوَ نَوْعُ فَسَادٍ يَحْصُلُ لَهُ يَفْسُدُ بِهِ تَصَوُّرُهُ وَإِرَادَتُهُ فَتَصَوُّرُهُ بِالشُّبُهَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ حَتَّى لَا يَرَى الْحَقَّ أَوْ يَرَاهُ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَإِرَادَتُهُ

فَصْلٌ : وَمِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ الْحَسَدُ

فَصْل : فَالْبُخْلُ وَالْحَسَدُ مَرَضٌ يُوجِبُ بُغْضَ النَّفْسِ لِمَا يَنْفَعُهَا بَلْ وَحُبَّهَا لِمَا يَضُرُّهَا وَلِهَذَا يَقْرِنُ الْحَسَدَ بِالْحِقْدِ وَالْغَضَبِ

فَصْل : فِي مَرَضِ الْقُلُوبِ وَشِفَائِهَا

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ : فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْبَابَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ تفاضلا عَظِيمًا وَهُوَ تَفَاضُلُهُمْ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَهُمْ يَنْقَسِمُونَ فِيهِ : إلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ

فَصْل : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : لِمَ كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَشْفِ الضُّرِّ ؟

فَصْل : وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : هَلْ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطِيئَةِ بِمُجَرَّدِهِ مَعَ التَّوْحِيدِ مُوجِبٌ لِغُفْرَانِهَا وَكَشْفِ الْكُرْبَةِ الصَّادِرَةِ عَنْهَا

فَصْلٌ : الْفَنَاءُ الَّذِي يُوجَدُ فِي كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ يُفَسَّرُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ .

فَصْلٌ : الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّكْلِيفُ الشَّرْعِيُّ

فَصْلٌ : وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْبِدَعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُلُومِ وَالْعِبَادَاتِ فِي هَذَا الْقَدَرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْأُمَّةِ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ

فَصْل : ثُمَّ الْمُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ وَضَعُوا طُرُقَ الرَّأْيِ وَ الْكَلَامِ و التَّصَوُّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : كَانُوا يَخْلِطُونَ ذَلِكَ بِأُصُولِ مِنْ الْكِتَابِ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا الْبَابَ قَوْلُهُمْ : فُلَانٌ يَسْلَمُ إلَيْهِ حَالُهُ أَوْ لَا يَسْلَمُ إلَيْهِ حَالُهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ النِّزَاعُ فِيمَا قَدْ يَصْدُرُ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْفُقَرَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ مِنْ أُمُورٍ يُقَالُ : إنَّهَا تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ

فَصْلٌ : فِي الْعِبَادَاتِ و الْفَرْقُ بَيْنَ شَرْعِيِّهَا وَبِدْعِيِّهَا .

فَصْل : وَهَذِهِ الْخَلَوَاتُ قَدْ يَقْصِدُ أَصْحَابُهَا الْأَمَاكِنَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَلَا مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ؛ إمَّا مَسَاجِدُ مَهْجُورَةٌ وَإِمَّا غَيْرُ مَسَاجِدَ

فَصْلٌ : وَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ أَجْمَعِينَ قَدْ أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَا أُوتُوهُ وَأَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ وَبِهُدَاهُمْ

فَصْلٌ : وَأَهْلُ الْعِبَادَاتِ الْبِدْعِيَّةِ يُزَيِّنُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ وَيُبَغِّضُ إلَيْهِمْ السُّبُلَ الشَّرْعِيَّةَ حَتَّى يُبَغِّضَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فَلَا يُحِبُّونَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَلَا ذِكْرَهُ وَقَدْ يُبَغِّضُ إلَيْهِمْ حَتَّى الْكِتَابَ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : هَلْ الْأَفْضَلُ لِلسَّالِكِ الْعُزْلَةُ أَوْ الْخُلْطَةُ ؟

فَصْلٌ : وَمِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَأَعْظَمِ الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي مَوَاقِيتِهَا

فَصْلٌ : وَكَمَا أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْعِلْمِيَّةَ بِصِحَّةِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَسْبَابِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْعِلْمِ

فَصْلٌ : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ : افْنَ عَنْ الْخَلْقِ بِحُكْمِ اللَّهِ وَعَنْ هَوَاك بِأَمْرِهِ وَعَنْ إرَادَتِك بِفِعْلِهِ لِحِينَئِذٍ يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً لِعِلْمِ اللَّهِ

فَصْلٌ : فَأَمَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَشَيْخُهُ حَمَّادٌ الدباس وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ أَهْلَ الِاسْتِقَامَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - : بِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ السَّالِكُ مُرَادًا قَطُّ وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ مَعَ إرَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سِوَاهَا بَلْ يَجْرِي فِعْلُهُ فِيهِ فَيَكُونُ هُوَ مُرَادُ الْحَقِّ .

فَصْلٌ : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ : وَإِنْ كُنْت فِي حَالِ الْحَقِيقَةِ وَهِيَ حَالُ الْوِلَايَةِ : فَخَالِفْ هَوَاك ، وَاتَّبِعْ الْأَمْرَ فِي الْجُمْلَةِ وَاتِّبَاعُ الْأَمْرِ عَلَى قِسْمَيْنِ "

فَصْلٌ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ النَّحَّاسِ ؛ وأظني سَمِعْتهَا مِنْهُ أَنَّهُ رَأَى الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ فِي مَنَامِهِ وَهُوَ يَقُولُ : إخْبَارًا عَنْ الْحَقِّ تَعَالَى : مَنْ جَاءَنَا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ الْبَعِيدِ وَمَنْ تَصَرَّفَ بِحَوْلِنَا أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وَمَنْ اتَّبَعَ مُرَادَنَا أَرَدْنَا مَا يُرِيدُ وَمَنْ تَرَكَ مِنْ أَجْلِنَا أَعْطَيْنَاهُ فَوْقَ الْمَزِيدِ

فَصْلٌ : قَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَآثَارُ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى جِنْسِ الْمَشْرُوعِ الْمُسْتَحَبِّ فِي ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ

فَصْلٌ : فِي الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يُحَقِّقُ هَذِهِ الْأُمُورَ أَنَّ الْمُحِبَّ يَجْذِبُ وَالْمَحْبُوبَ يُجْذَبُ

فَصْل قَدْ كَتَبْت فِي كُرَّاسَةِ الْحَوَادِثِ فَصْلًا فِي جِمَاعِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ

فَصْل : قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ : الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ

فَصْلٌ : فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَكَيْفَ تَزْكُو بِتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَ فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ .

فَصْلٌ : وَبِهَذَا تَبَيَّنَ : أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي بِهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْهَامِّ وَالْعَامِلِ وَأَمْثَالِهَا إنَّمَا هِيَ فِيمَا دُونَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا الْفِعْلُ

الْجُزْءُ الْحَادِي عَشْرَ كِتَابُ التَّصَوُّفِ

مقدمة

فَصْلٌ : وَأَمَّا حَالُ أَهْلِ الصُّفَّةِ هُمْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا فِي الصُّفَّةِ أَوْ كَانُوا يَكُونُونَ بِهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ تَابِعِي التَّابِعِينَ قَاتَلَ مَعَ الْكُفَّارِ أَوْ قَاتَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَصْحَابَهُ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ . فَهَذَا ضَالٌّ غَاوٍ ؛ بَلْ كَافِرٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا تَفْضِيلُ أَهْلِ الصُّفَّةِ عَلَى الْعَشْرَةِ وَغَيْرِهِمْ فَخَطَأٌ وَضَلَالٌ

فَصْلٌ : وَأَمَّا سَمَاعُ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ : { مَا مِنْ جَمَاعَةٍ يَجْتَمِعُونَ إلَّا وَفِيهِمْ وَلِيٌّ لِلَّهِ }

فَصْلٌ : وَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُمْ صِنْفَانِ

فَصْلٌ : وَالشُّرُوطُ الَّتِي تَشْتَرِطُهَا شُيُوخُ الْفُتُوَّةِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا لَفْظُ الْفَتَى فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْحَدَثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ }

فَصْلٌ : وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِقَ مِمَّا يُخْلَقُ مِنْهُ الْبَشَرُ ؛ وَلَمْ يُخْلَقْ أَحَدٌ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ نُورٍ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمُؤَاخَاةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

فَصْلٌ : وَالشَّيْخُ عَدِيُّ بْنُ مُسَافِرِ بْنِ صَخْرٍ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَهُ أَتْبَاعٌ صَالِحُونَ وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ فِيهِ غُلُوٌّ عَظِيمٌ يَبْلُغُ بِهِمْ غَلِيظَ الْكُفْرِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : نَحْنُ فِي بَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَقْتِ حُلُولِهِ عِنْدَنَا حَلَّتْ الْبَرَكَةُ .

فَصْلٌ : قَدْ كَثُرَ تَنَازُعُ النَّاسِ : أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَوْ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ ؟ ؟

فَصْلٌ : وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ النَّاسَ فِيهِمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ فَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُمَا

فَصْلٌ : وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ نِفَاقٍ

فَصْلٌ : وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى طَبَقَتَيْنِ سَابِقُونَ مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ مُقْتَصِدُونَ .

فَصْلٌ : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ الْمُقْتَصِدِينَ وَالسَّابِقِينَ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ .

فَصْلٌ : وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالرُّسُلِ إيمَانًا مُجْمَلًا

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا إذَا كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }

فَصْلٌ : وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ شَيْءٌ يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنْ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُبَاحَاتِ

فَصْلٌ وَلَيْسَ مَنْ شَرْطِ وَلِيِّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لَا يَغْلَطُ وَلَا يُخْطِئُ

فَصْلٌ : وَ الْحَقِيقَةُ حَقِيقَةُ الدِّينِ

فَصْلٌ : وَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَسَائِرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بأنبياء وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ السُّعَدَاءَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ

فَصْلٌ : وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ تُشْتَبَهُ عَلَيْهِمْ الْحَقَائِقُ الْأَمْرِيَّةُ الدِّينِيَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ بِالْحَقَائِقِ الْخِلْقِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ الْكَوْنِيَّةِ

فَصْلٌ : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَ الْأَمْرِ وَ الْقَضَاءِ وَ الْإِذْنِ وَ التَّحْرِيمِ وَ الْبَعْثِ وَ الْإِرْسَالِ وَ الْكَلَامِ وَ الْجَعْلِ : بَيْنَ الْكَوْنِيِّ الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ وَقَضَاهُ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَمِيعِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَلَمْ يَبْقَ إنْسِيٌّ وَلَا جِنِّيٌّ إلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ

فَصْلٌ : الْخَارِقُ كَشْفًا كَانَ أَوْ تَأْثِيرًا إنْ حَصَلَ بِهِ فَائِدَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي الدِّينِ كَانَ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا دِينًا وَشَرْعًا

فَصْلٌ : كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ : كَلِمَاتٌ كَوْنِيَّةٌ وَكَلِمَاتٌ دِينِيَّةٌ .

فَصْلٌ : الْعِلْمُ بِالْكَائِنَاتِ وَكَشْفُهَا لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ

فَصْلٌ : تَكَلَّمَ طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ فِي خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ وَعَظَّمُوا أَمْرَهُ كَالْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ

فَصْلٌ : تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ خَتْمِ الْوِلَايَةِ : بِكَلَامِ مَرْدُودٍ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ

فَصْلٌ : قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : مَسْأَلَةٌ : وَمُثْبِتُو النُّبُوَّاتِ حَصَلَ لَهُمْ الْمَعْرِفَةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِثُبُوتِ النُّبُوَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ فِي دَلَائِلِ الْعُقُولِ خِلَافًا لِلْأَشْعَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ : لَا تَحْصُلُ حَتَّى تَنْظُرَ وَتَسْتَدِلَّ بِدَلَائِلِ الْعُقُولِ

فَصْلٌ : فَلَمَّا نَهَيْتهمْ عَنْ ذَلِكَ أَظْهَرُوا الْمُوَافَقَةَ وَالطَّاعَةَ وَمَضَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ عَنْهُمْ الْإِصْرَارَ عَلَى الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ وَإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُ شِرْعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَطْلُبُونَ الْإِيقَاعَ بِهِمْ

فَصْلٌ : وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ غُلُوِّهِمْ فِي الشُّيُوخِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا فَسَادُ الْأَوْلَادِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْمَوْتَى مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ

فَصْلٌ : فَأَمَّا مُؤَاخَاةُ الرِّجَالِ النِّسَاءَ الْأَجَانِبَ وَخُلُوُّهُمْ بِهِنَّ وَنَظَرُهُمْ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ مِنْهُنَّ

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : لِمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنْتَ شَرْعِيٌّ .

فَصْلٌ : وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ . وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا لِبَاسُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يُلْبِسُهَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْمُرِيدِينَ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : أَنْتَ لِلشَّيْخِ فُلَانٍ وَهُوَ شَيْخُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لِرِضَا الْمَشَايِخِ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ }

فَصْلٌ : قَدْ كَتَبْت فِيمَا تَقَدَّمَ : الْكَلَامَ فِي الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ

فَصْلٌ : فِي الْكَوْنِ يَقَظَةً وَمَنَامًا

فَصْلٌ : وَكُلُّ مَنْ تَابَ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ

فَصْلٌ : فِي أَنَّ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ يَكُونُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ .

فَصْلٌ : وَ الْمَقْصُودُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ يَكُونَانِ مِنْ كِلَا النَّوْعَيْنِ

فَصْلٌ : وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قُبْحِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ الرَّسُولُ .

فَصْلٌ : وَ أَيْضًا أَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَسْتَغْفِرُوا مِمَّا فَعَلُوهُ

فَصْلٌ : وَ أَيْضًا فَمِمَّا يَسْتَغْفِرُ وَيُتَابُ مِنْهُ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَوْ قَالَهَا أَوْ فَعَلَهَا عُذِّبَ .

الْجُزْءُ الْثَّانِي عَشَرَ كِتَابُ الْقُرْآنِ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً

مقدمة

فَصْلٌ :وَ الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا عَامًّا مُؤْتَلِفًا لَا تَفْرِيقَ فِيهِ وَلَا تَبْعِيضَ وَلَا اخْتِلَافَ

فَصْلٌ : التَّفْرِيقُ وَالتَّبْعِيضُ

فَصْلٌ : وَالسَّبَبُ الَّذِي أَوْقَعَ هَؤُلَاءِ فِي الْكُفْرِ بِبَعْضِ مَا أَنْزَلَهُ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْقَعَ الْأَوَّلِينَ فِي الْكُفْرِ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ هَذَا الْأَصْلُ ظَهَرَ بِهِ اشْتِقَاقُ الْبِدَعِ مِنْ الْكُفْرِ

فَصْلٌ : وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إنْكَارَ التَّكْلِيمِ وَالْمُخَالَّةِ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ " فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ - كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ - بِقَتْلِهِ

فَصْلٌ : فَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي الصفاتية الَّذِينَ نَصَرُوا أَنَّ اللَّهَ لَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَبَصَرٌ وَحَيَاةٌ بِالْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ

فَصْلٌ : ثُمَّ تَنَازَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُرُوفِ الْمَوْجُودَةِ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ . وَسَبَبُ نِزَاعِهِمْ أَمْرَانِ

فَصْلٌ : فَهَذَانِ الْمُتَنَازِعَانِ اللَّذَانِ تَنَازَعَا فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى آدَمَ

فَصْلٌ : وَلَفْظُ الْحَرْفِ يُرَادُ بِهِ حُرُوفُ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ قَسِيمَةُ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ

فَصْلٌ :فِي بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَلَامُ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ كَلَامًا لِغَيْرِهِ لَا جِبْرِيلَ وَلَا مُحَمَّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا

فَصْلٌ : فَإِنْ قِيلَ : مَا مَنْشَأُ هَذَا النِّزَاعِ وَالِاشْتِبَاهِ وَالتَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ ؟

فَصْلٌ : وَإِذَا عُرِفَ الْأَصْلُ الَّذِي مِنْهُ تَفَرَّعَ نِزَاعُ النَّاسِ فِي مَسْأَلَةِ كَلَامِ اللَّهِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : أَنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُوسَى سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْهُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَتَقُولُونَ إنَّ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً وَتَسْمَعُونَهُ مِنْ وَسَائِطَ بِأَصْوَاتِ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : تَقُولُونَ إنَّ الْقُرْآنَ صِفَةُ اللَّهِ وَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ

فَصْلٌ : قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ }

فَصْلٌ : وَ مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ

فَصْلٌ : فَلَمَّا كَانَ فِي الْأُمَمِ كُفَّارٌ وَمُنَافِقُونَ يَكْفُرُونَ بِبَعْضِ الرِّسَالَةِ دُونَ بَعْضٍ

فَصْلٌ : ثُمَّ إنَّ فُرُوخَ اللَّفْظِيَّةِ النَّافِيَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَنَّ حُرُوفَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَرْوِي عَنْ مُنَازَعِيهَا

فَصْلٌ : وَصَارَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ غَلَّطُوا مَذْهَبَ اللَّفْظِيَّةِ وَزَادُوا فِيهِ شَرًّا كَثِيرًا

فَصْلٌ : وَصَارَ أُولَئِكَ الَّذِينَ غَلَّطُوا مَذْهَبَ اللَّفْظِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَفْظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَيَقُولُونَ : التِّلَاوَةُ هِيَ الْمَتْلُوُّ وَ الْكِتَابَةُ هِيَ الْمَكْتُوبُ

فَصْلٌ : وَمَنْ تَأَمَّلَ نُصُوصَ الْإِمَامِ أَحْمَد فِي هَذَا الْبَابِ وَجَدَهَا مِنْ أَسَدِّ الْكَلَامِ وَأَتَمِّ الْبَيَانِ وَوَجَدَ كُلَّ طَائِفَةٍ مُنْتَسِبَةٍ إلَى السُّنَّةِ قَدْ تَمَسَّكَتْ مِنْهَا بِمَا تَمَسَّكَتْ ثُمَّ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهَا مِنْ السُّنَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا ظَهَرَ لِبَعْضِهَا فَتُنْكِرُهُ . وَمَنْشَأُ النِّزَاعِ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالِاضْطِرَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ فِي هَذَا الْبَابِ يَعُودُ إلَى أَصْلَيْنِ . مَسْأَلَةِ تَكَلُّمِ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ وَسَائِر كَلَامِهِ . وَ مَسْأَلَةِ تَكَلُّمِ الْعِبَادِ بِكَلَامِ اللَّهِ .

فَصْلٌ : وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَدْرَكَ مِنْ دَرَجَاتِ الْكَلَامِ وَأَنْوَاعِهِ بَعْضَ الْحَقِّ . وَكَذَلِكَ الْأَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ تَكَلُّمُنَا بِكَلَامِ اللَّهِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا نُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَد عَلَى خَلْقِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَمَوْجُودَةٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ

فَصْلٌ : وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى أَصْلِ مَقَالَةِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَسَائِر أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَسْأَلَةِ تِلَاوَتِنَا لِلْقُرْآنِ

فَصْلٌ : وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ اللالكائي فِي أُصُولِ السُّنَّةِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ ؛ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ : قُلْت لَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : إنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي الْقُرْآنِ فَكَيْفَ أَقُولُ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ أَحْمَد إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ النَّاسِ فَبُطْلَانُ هَذَا يَعْلَمُهُ كُلُّ عَاقِلٍ بَلَغَهُ شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِ أَحْمَد وَقَائِلُ هَذَا إلَى الْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ الَّتِي يَفْتَرِي بِهَا عَلَى الْأَئِمَّةِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى جَوَابِهِ

فَصْلٌ : شُبْهَةُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ وَجَدُوا النَّاسَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَ أَسْمَاءُ الْمَخْلُوقَاتِ . فَإِنَّ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ تَكَلَّمُوا فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ وَالْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ : هَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ زَجْرُهُمْ وَرَدْعُهُمْ ؟

فَصْلٌ : وَأَمَّا تَكْفِيرُ قَائِلٍ هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ بِسَبَبِ عَدَمِ ضَبْطِهِ اضْطَرَبَتْ الْأُمَّةُ اضْطِرَابًا كَثِيرًا فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا

فَصْلٌ : فَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَصَرٌ فِي مَسْأَلَةِ الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَحْكَامِ وَحُكْمُهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَة فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِر أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ .

فَصْلٌ : إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فِي اسْمِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ الْمِلِّي وَفِي حُكْمِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ وَمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاضْطِرَابِ

فَصْلٌ : إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ ، فَيُقَالُ : هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي نَقْرَؤُهُ وَنُبَلِّغُهُ وَنَسْمَعُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ وَنَزَلَ بِهِ مِنْهُ رُوحُ الْقُدُسِ

فَصْلٌ : وَالْقُرْآنُ الَّذِي بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ مُتَوَاتِرٌ

فَصْلٌ : الْكَلَامُ فِي الْقُرْآنِ وَ الْكَلَامِ هَلْ هُوَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ أَمْ لَيْسَ بِحَرْفِ وَصَوْتٍ مُحْدَثٌ

الْجُزْءُ الْثَّالِثِ عَشَرَ كِتَابُ مُقَدِمةِ الْتَفْسِيرِ

مقدمة

فَصْلٌ : فِي الْفُرْقَانِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ

فَصْلٌ : وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ وَيُسَوِّي بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُتَمَاثِلَةِ

فَصْلٌ : وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ إذَا عُرِفَ تَفْسِيرُهُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُ قَدْ عُرِفَ تَفْسِيرُهُ

فَصْلٌ : وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ وَلَا عَدْلٌ بَلْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ إلَّا جَهْلٌ وَظُلْمٌ وَظَنٌّ

فَصْلٌ : فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ فِي كُتُبِ الْأَنَاجِيلِ الَّتِي عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ صُلِبَ

فَصْلٌ : وقَوْله تَعَالَى فِي هَذِهِ : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }

فَصْلٌ : فَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا الظَّنُّ الرَّاجِحُ فِي نَفْسِ الْمُسْتَدِلِّ الْمُجْتَهِدِ . و الثَّانِي الْأَدِلَّةُ - الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَمَارَاتٍ - الَّتِي تَعَارَضَتْ وَعَلِمَ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الَّتِي أَوْجَبَتْ ذَلِكَ الظَّنَّ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا . الثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ

فَصْلٌ : وَالْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةُ مُشْتَرِكُونَ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ

فَصْلٌ : جِمَاعُ الْفُرْقَانِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَطَرِيقِ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ وَطَرِيقِ الشَّقَاوَةِ وَالْهَلَاكِ

فَصْلٌ : وَأَهْلُ الضَّلَالِ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا

فَصْلٌ : وَهَؤُلَاءِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضَلَالِهِمْ مُشَارَكَتُهُمْ لِلْفَلَاسِفَةِ وَتَلَقِّيهمْ عَنْهُمْ

فَصْلٌ : أَوَّلُ التَّفَرُّقِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَافْتِرَاقِ الْمُسْلِمِينَ

فَصْلٌ : ثُمَّ حَدَثَ فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ الْقَدَرِيَّةُ فَكَانَتْ الْخَوَارِجُ تَتَكَلَّمُ فِي حُكْمِ اللَّهِ الشَّرْعِيِّ

فَصْلٌ : وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْبَاطِنِ الْعِلْمُ الَّذِي يَبْطُنُ عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ فَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا بَاطِنٌ يُخَالِفُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ . و الثَّانِي لَا يُخَالِفُهُ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُمْ إلَخْ

فَصْلٌ : قَوْله تَعَالَى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ }

فَصْلٌ : وَأَمَّا إدْخَالُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ أَوْ بَعْضِ ذَلِكَ فِي الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ .

فَصْلٌ : فِي أقْسَامِ الْقُرْآنِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُقْسِمُ بِأُمُورِ عَلَى أُمُورٍ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتِهِ أَوْ بِآيَاتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَإِقْسَامُهُ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عَظِيمِ آيَاتِهِ .

فَصْلٌ : وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَقْسَمَ بـ ( الصَّافَّاتِ ) ؛ و ( الذَّارِيَاتِ ) و ( الْمُرْسَلَاتِ ) ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ

فَصْلٌ : يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ

فَصْلٌ : الْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ وَخِلَافُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ

فَصْلٌ : الِاخْتِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى نَوْعَيْنِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ مُسْتَنَدَيْ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ لَا بِالنَّقْلِ

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ ؟

فَصْلٌ : إذَا لَمْ تَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا وَجَدْته عَنْ الصَّحَابَةِ فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ التَّابِعِينَ كَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ

فَصْلٌ : لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِهِ الَّذِي هُوَ الْهُدَى وَالشِّفَاءُ وَالنُّورُ وَجَعَلَهُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَأَحْسَنُ الْقَصَصِ وَجَعَلَهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لِأَهْلِ الْعَقْلِ وَالتَّدَبُّرِ وَلِأَهْلِ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَلِأَهْلِ الِاسْتِمَاعِ وَالْحَالِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنْ : إجْرَاءِ الْقُرْآنِ عَلَى ظَاهِرِهِ

فَصْلٌ : فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ وَفِي كَمْ يُقْرَأُ وَفِي مِقْدَارِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ الْمَشْرُوعِ .

الْجُزْءُ الْرَّابِعِ عَشَرَ كِتَابُ الْتَفْسِيرِ

فَصْلٌ :أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ

فَصْلٌ :فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ . { قَوْلُهُ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } فَإِنَّهُ فِي التَّفْسِيرِ الْمَرْفُوعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَ اللَّهِ }.

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَالسَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

فَصْلٌ : وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ النُّفُوسِ بِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ إلَى الرَّبِّ

فَصْلٌ : وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بَلْ وَجَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ عِبَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى فُقَرَاءُ إلَيْهِ مَمَالِيكُ لَهُ وَهُوَ رَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ وَإِلَهُهُمْ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ

فَصْلٌ : إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ وَكُلَّ مَخْلُوقٍ فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَيْسَ فَقِيرًا إلَى سِوَاهُ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَغْنِيًا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِ رَبِّهِ

فَصْلٌ : فَالْعَبْدُ كَمَا أَنَّهُ فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ دَائِمًا فِي إعَانَتِهِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَإِعْطَاءِ سُؤَالِهِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ إلَيْهِ فِي أَنْ يَعْلَمَ مَا يُصْلِحُهُ وَمَا هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ وَيُرِيدُهُ

فَصْلٌ : وَالْعَبْدُ مُضْطَرٌّ دَائِمًا إلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

فَصْلٌ : وَقَدْ ذَكَرْت فِي مَوَاضِعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ مِنْ تَقْرِيرِ أُصُولِ الْعِلْمِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ }

فَصْلٌ : الْمَثَلُ فِي الْأَصْلِ هُوَ الشَّبِيهُ وَهُوَ نَوْعَانِ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ شَبَهًا مُعَيَّنًا أَوْ عَامًّا كُلِّيًّا

فَصْلٌ : قَسَّمَ اللَّهُ مَنْ ذَمَّهُ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ إلَى مُحَرِّفِينَ وَأُمِّيِّينَ

فَصْلٌ : لِمَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَنِّ وَالْأَذَى وَمِنْ الرِّيَاءِ وَمَثَّلَهُ بِالتُّرَابِ عَلَى الصَّفْوَانِ إذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

فَصْلٌ : فِي الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ ( سُورَةِ الْبَقَرَةِ )

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }

فَصْلٌ : وَشَهَادَةُ الرَّبِّ وَبَيَانُهُ وَإِعْلَامُهُ يَكُونُ بِقَوْلِهِ تَارَةً وَبِفِعْلِهِ تَارَةً

فَصْلٌ : وَقَوْلُهُ : { قَائِمًا بِالْقِسْطِ }

فَصْلٌ : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

فَصْلٌ : وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَلَاثَةَ أُصُولٍ

فَصْلٌ : وَقَوْلُهُ : { هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

فَصْلٌ : وَإِثْبَاتُ شَهَادَةِ أُولِي الْعِلْمِ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَهُ بالوحدانية يَشْهَدُ بِهَا لَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيَشْهَدُونَ بِمَا شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةُ اللَّهِ تَتَضَمَّنُ بَيَانَهُ لِلْعِبَادِ وَدَلَالَتَهُ لَهُمْ وَتَعْرِيفَهُمْ بِمَا شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ أَنَّهُ شَهِدَ

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَهَادَتِهِ لِلْعِبَادِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ صَادِقًا فَهَذَا مَعْلُوم بِالْفِطْرَةِ الضَّرُورِيَّةِ لِكُلِّ أَحَدٍ

فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا }

فَصْلٌ : وَمِنْ شَهَادَتِهِ مَا يَجْعَلُهُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الْعِلْمِ وَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسُنُ مِنْ ذَلِكَ

فَصْلٌ : قَوْله تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } فِي النِّسَاءِ وَفِي الْحَدِيدِ أَنَّهُ { لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ }

فَصْلٌ : قَدْ كَتَبْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْكَلَامَ عَلَى جَمْعِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ الْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ وَبَيْنَ الْبُخْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } فِي النِّسَاءِ وَالْحَدِيدِ وَضِدُّ ذَلِكَ الْإِعْطَاءِ وَالتَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةِ لِلتَّوَاضُعِ

فَصْلٌ : قَوْلُ النَّاسِ : الْآدَمِيُّ جَبَّارٌ ضَعِيفٌ أَوْ فُلَانٌ جَبَّارٌ ضَعِيفٌ

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وَبَعْضُ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْحِكَمِ الْعَظِيمَةِ .

فَصْلٌ : وَلَفْظُ الْحَسَنَاتِ و السَّيِّئَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فَصْلٌ : وَالْمَعْصِيَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ تَكُونُ عُقُوبَةَ الْأُولَى . فَتَكُونُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ سَيِّئَاتِ الْعَمَلِ

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ السَّيِّئَاتُ الَّتِي يَعْمَلُهَا الْإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ مِنْ جَزَاءِ سَيِّئَاتٍ تَقَدَّمَتْ - وَهِيَ مُضِرَّةٌ –

فَصْلٌ : وَلَيْسَ لِلْقَدَرِيَّةِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِالْآيَةِ لِوُجُوهِ

فَصْلٌ : وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ : أَنَّ فِي الْآيَةِ إشْكَالًا أَوْ تَنَاقُضًا فِي الظَّاهِرِ حَيْثُ قَالَ { كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ . فَقَالَ { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } .

فَصْلٌ : وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ }

فَصْلٌ : وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ سَبَبًا لِشَيْءِ مِنْ الْمَصَائِبِ

فَصْلٌ : وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ قَوْلَهُ { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ }

فَصْلٌ : وَكَانَ فِيمَا ذَكَرَهُ إبْطَالٌ لِقَوْلِ الْجَهْمِيَّة الْمُجْبِرَةِ وَنَحْوِهِمْ ، مِمَّنْ يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ قَدْ يُعَذِّبُ الْعِبَادَ بِلَا ذَنْبٍ . وَأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ الْعِبَادَ بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ ، بَلْ بِمَا يَضُرُّهُمْ . فَإِنْ فَعَلُوا ما أمرهم به حَصَلَ لهم الضَّرَرُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوهُ عَاقَبَهُمْ.

فَصْلٌ : فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَتْ الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي مُقَدَّرَةً ، وَالنِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ مُقَدَّرَةً . فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ ، الَّتِي هِيَ النِّعَمُ ، وَالسَّيِّئَاتِ ، الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ ؟ فَجَعَلَ هَذِهِ مِنْ اللَّهِ ، وَهَذِهِ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ ؟ . قِيلَ : لِفَرُوقِ بَيْنَهُمَا :

فَصْلٌ : فَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَبْدُ عَلِمَ أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، فَشَكَرَ اللَّهَ ، فَزَادَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَمَلًا صَالِحًا ، وَنِعَمًا يُفِيضُهَا عَلَيْهِ .

فَصْلٌ : الْفَرْقُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْحَسَنَةَ يُضَاعِفُهَا اللَّهُ وَيُنَمِّيهَا ، وَيُثِيبُ عَلَى الْهَمِّ بِهَا

فَصْلٌ : وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا اضْطَرَبَ فِيهِ النَّاسُ ، فَاسْتَدَلَّتْ الْقَدَرِيَّةُ الْنُّفَاةِ وَالْمُجْبِرَةُ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُضِلَّ شَخْصًا : جَازَ أَنْ يُضِلَّ كُلَّ النَّاسِ

فَصْلٌ : وَالْمَقْصُودُ هُنَا : الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }

فَصْلٌ : الْفَرْقُ الْخَامِسُ : أَنَّ مَا يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي يَعْمَلُهَا كُلَّهَا أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ

فَصْلٌ : وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي التَّرْكِ

فَصْلٌ : وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى عَمَلٍ وُجُودِيٍّ بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ

فَصْلٌ : وَأَمَّا السَّيِّئَاتُ : فَمَنْشَؤُهَا الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ

فَصْلٌ : فَالْغَفْلَةُ وَالشَّهْوَةُ أَصْلُ الشَّرِّ

فَصْلٌ : وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ تَفَضَّلَ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَمْرَيْنِ ، هُمَا أَصْلُ السَّعَادَةِ

فَصْلٌ : الْفَرْقُ السَّادِسُ : أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَا يُبْتَلَى بِهِ الْعَبْدُ مِنْ الذُّنُوبِ الْوُجُودِيَّةِ

فَصْلٌ : وَمِمَّا ذَكَرَ فِيهِ الْعُقُوبَةِ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ

فَصْلٌ : الْفَرْقُ السَّابِعُ : مِنْ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَاتِ الَّتِي تَتَنَاوَلُ الْأَعْمَالَ وَالْجَزَاءَ

فَصْلٌ : الْفَرْقُ الثَّامِنُ : أَنَّ السَّيِّئَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ النَّفْسِ

فَصْلٌ : وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }

فَصْلٌ : وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ { فَمِنْ نَفْسِكَ } أَيْ أَفَمِنْ نَفْسك ؟ وَأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا }

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا }

فَصْلٌ : وَدَلَّ قَوْلُهُ : { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِدَالُ عَنْ الْخَائِنِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُجَادِلَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ خَائِنَةً

فَصْلٌ  سُورَةُ الْمَائِدَةِ

فَصْلٌ : قَوْلُهُ : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ }

فَصْلٌ : قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا } الْآيَةَ

فَصْلٌ : وَهَذَا الَّذِي جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ دِينُ الْإِنْسَانِ

فَصْلٌ : قَوْله - تَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ }

فَصْلٌ : الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي آيَةِ الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ { فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا }

فَصْلٌ : ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ يَشَاءُ فِي قِصَّةِ مُنَاظِرَةِ إبْرَاهِيمَ وَفِي قِصَّةِ احْتِيَالِ يُوسُفَ

فَصْلٌ : قَالَ تَعَالَى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

الْجُزْءُ الْخَامِسِ عَشَرَ كِتَابُ الْتَفْسِيرِ

فَصْلٌ : حُجَّةُ إبْلِيسَ فِي قَوْلِهِ : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }

فَصْلٌ : قَالَ سُبْحَانَهُ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ : { إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ }

فَصْلٌ : فِي قَوْلِهِ : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ }

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

فَصْلٌ : قَوْلُهُ : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ }

فَصْلٌ : وقَوْله تَعَالَى { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }

فَصْلٌ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ }

فَصْلٌ :فِي قَوْله تَعَالَى { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }

فَصْلٌ : وقَوْله تَعَالَى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ }

فَصْلٌ : قَوْلُ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ : { هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }

فَصْلٌ : وَفِي قَوْلِ يُوسُفَ : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }

فَصْلٌ : وَاخْتِيَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَلِأَهْلِهِ الِاحْتِبَاسَ فِي شِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ بِضْعَ سِنِينَ لَا يُبَايِعُونَ وَلَا يُشَارُونَ ؛ وَصِبْيَانُهُمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ قَدْ هَجَرَهُمْ وَقَلَاهُمْ قَوْمُهُمْ وَغَيْرُ قَوْمِهِمْ .

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا }

فَصْلٌ فِي قَوْله تَعَالَى { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ }

فَصْلٌ : فِي آيَاتٍ ثَلَاثٍ مُتَنَاسِبَةٍ مُتَشَابِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَخْفَى مَعْنَاهَا عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ . قَوْله تَعَالَى { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } { إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ } وقَوْله تَعَالَى { إنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } { وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى } .

فَصْلٌ : اللِّبَاسُ لَهُ مَنْفَعَتَانِ : إحْدَاهُمَا : الزِّينَةُ بِسَتْرِ السَّوْأَةِ . وَالثَّانِيَةُ : الْوِقَايَةُ لِمَا يَضُرُّ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ عَدُوٍّ .

فَصْلٌ :{ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمَّا طَرَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاطِمَةُ وَهُمَا نَائِمَانِ فَقَالَ : أَلَا تُصَلِّيَانِ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُرْسِلَهَا . فَوَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى فَخْذِهِ وَيُعِيدُ الْقَوْلَ وَيَقُولُ : { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } } .

فَصْلٌ : سُورَةُ مَرْيَمَ مَضْمُونُهَا : تَحْقِيقُ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنَّ خَوَاصَّ الْخَلْقِ هُمْ عِبَادُهُ فَكُلُّ كَرَامَةٍ وَدَرَجَةٍ رَفِيعَةٍ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ وَتَضَمَّنَتْ الرَّدَّ عَلَى الْغَالِينَ الَّذِينَ زَادُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ حَتَّى نَسَبُوا إلَيْهِ عِيسَى بِطَرِيقِ الْوِلَادَةِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُفْرِطِينَ فِي تَحْقِيقِ الْعِبَادَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْكَرَامَةِ وَجَحَدُوا نِعَمَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ الْمُصْطَفِينَ .

فَصْلٌ : سُورَةُ طَه مَضْمُونُهَا تَخْفِيفُ أَمْرِ الْقُرْآنِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُتُبِهِ فَهِيَ سُورَةُ كُتُبِهِ –

فَصْلٌ : فِي طَرِيقَتَيْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ

فَصْلٌ : فِي قَوْله تَعَالَى { إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } .

فَصْلٌ : وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ جَاءَ أَيْضًا فِي غَيْرِ الرَّفْعِ بِالْيَاءِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ قَالَ تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ }

فَصْلٌ : سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ سُورَةُ الذِّكْرِ وَسُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ الذِّكْرُ

فَصْلٌ : سُورَةُ الْحَجِّ فِيهَا مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَلَيْلِيٌّ وَنَهَارِيٌّ وَسَفَرِيٌّ وَحَضَرِيٌّ وَشِتَائِيٌّ وَصَيْفِيٌّ ؛ وَتَضَمَّنَتْ مَنَازِلَ الْمَسِيرِ إلَى اللَّهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَنْزِلَةٌ وَلَا قَاطِعٌ يَقْطَعُ عَنْهَا .

فَصْلٌ : فِي مَعَانٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ سُورَةِ النُّورِ

فَصْلٌ : وَالْمُؤْمِنُ مُحْتَاجٌ إلَى امْتِحَانِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَاحِبَهُ وَيُقَارِنَهُ بِنِكَاحِ وَغَيْرِهِ قَالَ تَعَالَى : { إذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } الْآيَةُ .

فَصْلٌ : وَكَمَا عَظَّمَ اللَّهُ الْفَاحِشَةَ عَظَّمَ ذِكْرَهَا بِالْبَاطِلِ وَهُوَ الْقَذْفُ فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }

فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَقَالَ فِيهَا{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ }

فَصْلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } إلَى قَوْلِهِ : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ }

فَصْلٌ : فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ : { وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ

فَصْلٌ : أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ثَلَاثٌ : الْكُفْرُ ثُمَّ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ثُمَّ الزِّنَا كَمَا رَتَّبَهَا