Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

بدرية
بدرية
بدرية
Ebook375 pages2 hours

بدرية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

رواية مشوقة ومثيرة للكاتب السوري ناصر محمد ناصر، تأخذ القارئ في رحلة عبر عوالم مختلفة وتبعث فيه الدهشة والتأمل. تصف الرواية حكاية شخصية تحمل نفس الاسم، بدرية، التي تواجه تحديات الحياة وتكافح للوفاء لذاتها واكتشاف ما يحمله المستقبل لها.

تنتقل القصة بين مختلف الأزمنة والأماكن، ترسم لنا لوحات ملونة وتعيد بناء تفاصيل متشابكة من حياة بدرية. تجد الرواية نفسها في مرحلة الطفولة، حين تكون بدرية صبية بريئة وفضولية، وفي مرحلة الشباب، حين تواجه تحديات النضج والعثور على هويتها الحقيقية، وأخيرًا في مرحلة النضج المكتسب، حين تكون بدرية امرأة قوية ومستقلة.

تشد الرواية القارئ بأسلوبها السردي الممتع والمشوق، وتجعله يشعر بالتعاطف والتركيز على شخصية بدرية وتحدياتها الشخصية. تعتمد الرواية على التفاصيل والوصف الدقيق، مما يجعل القارئ يعيش ويتفاعل مع كل مشهد وحدث في الرواية.

تبرز قوة الكتابة لناصر محمد ناصر في قدرته على إيصال المشاعر والأفكار بشكل عميق ومؤثر. يستخدم الكاتب لغة جميلة وصورية، تأخذنا إلى عوالم مختلفة وتثير الفضول والتساؤلات في آن واحد.

بدرية، رواية تعكس الروح الإبداعية للكاتب وقدرته على إنشاء قصة تجذب القارئ وتثير اهتمامه. إذا كنت تبحث عن رواية مشوقة تتناول قضايا النمو الشخصي والتحديات الحياتية، فإن "بدرية" ستكون خيارًا مثاليًا لك. استعد للانغماس في عالم بدرية واستكشاف ما يخبئه المستقبل لها.

   

 

 

Languageالعربية
Release dateJun 13, 2024
ISBN9798227682246
بدرية
Author

ناصر محمد ناصر

Nasir Mohammad Nasir, born in 1964 in the city of Palmyra, Syria, is a versatile writer known for his poetry, short stories, and novels. With a passion for literature from an early age, Nasir has become a prominent figure in the literary scene, captivating readers with his unique storytelling style. Growing up in the historically rich city of Palmyra, Nasir draws inspiration from the cultural heritage and ancient tales that surround him. His deep understanding of human emotions and experiences is beautifully reflected in his works, which often explore themes of love, loss, identity, and the complexities of the human condition. Nasir's literary repertoire includes a wide range of genres, from thought-provoking poetry to captivating short stories. His ability to craft vivid imagery and evoke powerful emotions through his words has garnered critical acclaim and a dedicated readership. Notably, Nasir is currently working on a forthcoming novel titled "Badriyah." While its details are yet to be revealed, readers can anticipate a compelling narrative filled with intriguing characters and a profound exploration of the human psyche. Nasir Mohammad Nasir's contributions to the literary world have earned him recognition and praise, both locally and internationally. His works have been celebrated for their literary depth, cultural significance, and their ability to resonate with readers from diverse backgrounds. With his profound storytelling skills and a knack for capturing the essence of human experiences, Nasir continues to leave an indelible mark on the literary landscape, inviting readers into his imaginative world and offering literary gems that inspire, entertain, and provoke thought.

Read more from ناصر محمد ناصر

Related to بدرية

Related ebooks

Related categories

Reviews for بدرية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    بدرية - ناصر محمد ناصر

    بدرية

    رواية

    ناصر محمد ناصر

    2024

    رواية

    بدرية

    ناصر محمد ناصر

    This is a work of fiction. Similarities to real people, places, or events are entirely coincidental.

    بدرية

    First edition. 2024.

    Copyright © 2024 ناصر محمد ناصر.

    Written by ناصر محمد نصر.

    مقدمة

    ذكر الشيخ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المولود سنة 954 للهجرة والمتوفى سنة 1021 للهجرة في كتابه إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن (الطبقات الصغرى) تحقيق محمد أديب الجادر (الجزء الرابع) صفحة 344 في معرض حديثه عن الشيخ محمد شمس الدين، الملقب شكاس:

    شكاس

    أحد خلفاء الشيخ علوان الحموي بمدينة تدمر، صوفي فاضل ومسلك كامل، جليل المقدار جميل الآثار، رفيع المنار، ذو هيبة ووقار، وكان له مسبحة من خيط، جعله عقدا عقدا، ويأتي كل سنة من بلده تدمر إلى زيارة قبر الشيخ.

    وكان إذا تكلم خفض صوته ويأمر من يتكلم عنده بخفض الصوت، ويقول: خفض الصوت من الأدب.

    ومن كراماته أنه كان جالسا تحت نخلة في مدينة تدمر، فقدمت قافلة عطاشا، فجاء رجل منهم إليه وقال هل عندكم ماء؟ قال: دونكم الإبريق، ولم يكن فيه شيء، فأخذ الإبريق فوجده مملوءا فشربه، وجاء آخر فوجده مملوءا؛ فشربه، وآخر وآخر حتى شرب منهم نحو سبعين رجلًا.

    وكان يقرئ الأطفال فإذا استحق أحدهم التأنيب يقول له: تعال فقد تعين تأنيبك فتحصل له بركة، مات الشيخ شكاس في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري. 

    الفصل الأول

    المرآة تقاوم الشمس صيفا والريح والمطر والبرد شتاء، مصلوبة على الجدار مثل جميع الشهداء، لا شيء يستر عريها أو يحمي ضعفها، هشة وقوية في نفس الوقت، تعبرها الفصول والسنون ولا تعبر أحدا، صامدة في مكانها لا تتزحزح.

    الكل يأتي، يذهب، وحدها تبقى هي والجدار وإطارها الخشبي الأحمر العتيق.

    تصافحها الشمس عندما تشرق عن يسارها وتعانقها مودعة عندما تميل للغروب.

    مجهول عدد الذين تسمروا قبالتها، مجهول جنسهم فخلاف البشر تسمر قبالتها قطط، كلاب، جمال، ماعز، أشجار، جدران، أبواب، نوافذ عالية مطلي زجاجها بالأزرق ورقصت ثياب فوق حبال الغسيل وداعبتها سنين طويلة.

    المرآة لم تتسمر أمام أحد، لم تنحن، لم تقدم فروض الطاعة والولاء والعرفان لأحد.

    تنتمي المرايا لعريها الشاذ فقط، للحقيقة الوقحة الكامنة في قلبها وروحها، للفجاجة المتأصلة في جوهرها.

    المرايا تعطي ولا تأخذ، الذين أدركوا ذلك وكفوا عن كل محاولات التجمل نجوا بأنفسهم وانتظروا فقط ما تقوله مراياهم لهم.

    المرايا تنزف مافي جوفها كالينبوع ولا تتلقى شيئًا، تظل تفعل ذلك إلى أن يكسرها الغباء في لحظة جنون فيضيع كل شيء.

    الذين ابتسموا، كشروا، عدلوا ما اعوجّ من قسماتهم، ما انزاح من ثيابهم كثر أما هي فلم تبتسم، لم تغضب، لم تحزن وليست مضطرة أن تصحح أي شيء.

    وجه (الهزاز) مرآة كبيرة مستديرة، لها عينان واسعتان وأنف وفم، المرآة ترى نفسها فيه، شيء ما عكس قوانين الفيزياء.

    تمد المرآة أصابعها، تتلمس وجه الهزاز، أنفه، خديه، عينيه، ثم بغتة تسحب ذراعها كأن شيئًا حادا لامسها فخشيت أن يجرحها.

    دار حول نفسه، تفحص المكان بناظريه، حركات متوجسة تعلمها من القطط والكلاب والذئاب والضباع.

    مد سبابتة، مررها على السطح الصقيل من الأعلى إلى الأسفل، حاول إزالة بقع الغبار والصابون، شعر بحد الزجاج على رؤوس أنامله، سحب _ بحركة ارتدادية سريعة _ يده ثم راح يتأمل وجهه.

    تقدم ثم تراجع أكثر من مرة.

    المرآة تشده عندما يبتعد وتبعده عندما يقترب كأن لسان حالها يقول له: لا تبالغ بالقرب فلا تراني ولا تبتعد كثيرا فلا أراك.

    المرآة مشطور زجاجها إلى قسمين، قسم يرى عينه اليمنى وجزءا كبيرا من جبينه فيه، وقسم يرى من خلاله خديه وفمه وقطعة من رقبته.

    المرايا لا تبوح بأسرارها لأحد، لا تثرثر، ترى، تسمع ثم لا تتكلم.

    قلة هم الذين اكتشفوا حكمة المرايا وقلة هم الذين قلدوها وسلكوا مسلكها.

    نفخ خديه، أغلق فمه، تعجب من ضخامة وجهه واتساع عينيه، نفث الهواء المحبوس داخل فمه، تنهد، طبقة من البخار حجبت انعكاس صورته المفتتة، أخذ نفسا طويلا آخر.

    كرر نفخ خديه وحبس الهواء داخل فمه عدة مرات، مد لسانه، حرك رأسه يمينا ويسارا.

    حاول التخلص من الانشطار الذي انتقل من المرآة إلى وجهه والتصق فيه لكنه لم يستطع.

    تساءل وهو يحدق بذهول في الزجاج: أوجهه المشطور أم المرآة؟

    وضع سبابتيه في فمه، شد شدقه بقوة نحو اليمين ونحو اليسار، انفتح فمه مثل باب خوخة كبير، رأى أسنانه القوية البيضاء، سقف حلقه، لسانه الأحمر الذي يشبه في حركته السريعة والمتواترة ذيل حرباء مبلل بالماء ولزج.

    للمرآة عين ثاقبة، نظر حاد، التقطت _ عبر عصور طويلة _ أدق التفاصيل، أشياء لم ينتبه إليها أحد.

    خدش على هذا الجبين أو ذاك، شعرة بيضاء برزت فجأة هنا، لدغة حشرة هناك، تجعد طفيف في بشرة أحدهم.

    احمرار إحدى العينين أو كلتيهما معا، انتفاخ في هذا الجفن أو ذاك، قبلة على خدين أو شفتين، نعاس خفيف، نعاس ثقيل، فرح، غضب، حزن لم يشأ صاحبه أن يبديه.

    المرآة ترى، تقرأ، تسمع، تنصت ثم تصمت.

    خزنت صور الكثيرين، منهم من غاب وصارت تنتظره وتشتاق إليه ومنهم من لا يزال يلمس أهدابها كل يوم وتصحو على صورته.

    تحافظ المرآة على اتزانها، لا أحد يستطيع قراءة ما تخفي فالأسرار أمانة والمرايا لا تخون الأمانة.

    الصمت مستودع ضخم، بئر ليس له قرار.

    الأسرار كتل من الأفعال سقطت في جوف الصمت وجوف المرايا، محفوظة، أرشيف ضخم لكل ما جرى وما سوف يجري.

    وحدها المرايا تقرأ وتفهم لغة المرايا والذين حاولوا استنطاقها أصيبوا بالجنون.

    أخرج أصابعه من فمه، حاول استعادة تعابير وجهه، ضرب خديه برفق كي يزيل الانحناءات والإنكسارات ويصحح ما تجعد منه.

    الخطوط الحمراء والزرقاء التي تركتها أصابع شقيقه سلطان على خده الأيسر بدت له أكبر من جبل محمد بن علي وجبل هيان (الياء مشددة) مجتمعين، أغمض عينيه.

    محمود لا يحزن بل يضحك فقط.

    يضحك بعد كل صفعة تباغت وجهه (المربع) من منافسيه في الشارع أو في البرية، يبتسم بعد كل ركلة تجعل جسده القصير القوي يتدحرج مثل كرة من المطاط.

    (الهزاز) كالنابض، ما إن يضربه أو يحركه أحد حتى ينتفض ويصبح أمر إيقافه حينذاك صعبا جدا.

    تساءل عبد الهادي العمرة وكان يشرب الشاي في الصيف الماضي على رصيف عواد السموري بحضور أحمد الغجري وعلي فليحان وابراهيم العنود: من الذي يهتز؟ هو. أم الشخص الذي يقع بين يديه؟

    كانوا يتحدثون عن صراع الهزاز الأخير مع أبناء العبوشي.

    تابعوا صامتين شرب الشاي ومراقبة الماعز وهي تعود من مرعاها قبيل المغرب ولم يرد عليه أحد.

    عندما مر بهم الهزاز بعد عدة دقائق أحمد الغجري نصح عبد الهادي العمرة أن يقوم ويرى بنفسه من الذي يهتز، محمود الشكاس أم الشخص الذي يقع بين يديه؟

    الهلع الذي أظهره عبد الهادي العمرة جعل الضحكات تتناثر حوله مثل قذائف من العيار الثقيل فشعر بالإهانة، انسحب من مجلسهم دون أن يودعهم.

    العراك مهنة اتخذها وأتقنها الهزاز منذ نعومة أظفاره.

    في العاشرة من عمره هاجمه أربعة فتيان دفعة واحدة، كان في البساتين، أدموه وأدماهم.

    حمله (ساير الحلاوة) على ظهر حمارته ومشى به عدة كيلومترات ثم رماه على الأرض بعد أن قرع باب بيتهم (كتلة من اللحم والدم) فقد أدماه أولاد حمادة العموري في الوادي الأحمر إثر خلافهم معه على منصة نصبها في البرية لصيد الضباع.

    هذه الحادثة كادت أن تتسبب بصراع مرير بين عدة عائلات في تدمر لولا تدخل العقلاء في اللحظة الأخيرة والهدوء والصبر اللذين أبداهما سلطان.

    يومها نام محمود (الهزاز) عشرين ساعة متواصلة، كان سلطان وبدرية خلالها يتناوبان الجلوس عند رأسه، ينظران إلى وجهه، يضعان آذانهما عند أنفه ليتأكدا إن كان حيا.

    في اليوم التالي أفاق الهزاز كأن شيئًا لم يحدث.

    عاد بعد أسبوع واحد يشاكس أولاد حمادة العموري وأولاد العبوشي في البرية، ويتحين الفرص للانتقام منهم.

    شاهد ارتعاش جفنيه في المرآة فكرر العملية محاولا التقاط نفسه من داخلها والاحتفاظ بها هنا في رأسه بعيدا عن كل المخلوقات.

    الدموع تدحرجت رغما عنه، سالت على خديه المنتفخين، تركت عندما جفت سرابين أبيضين خافتين من الملح.

    تراجع ثم استدار.

    خطواته داخل الدار دائما بطيئة وثقيلة فهو يمشي ويضغط بكامل ثقله على الأرض كأنه يعارك التراب.

    دخل الحمام، خلع ملابسه قطعة قطعة، وضعها على المصطبة الحجرية عن يمينه.

    محمود لا ينزع ملابسه الخارجية، لا يبدلها، لا صيفا ولا شتاء رغم اعتراض بدرية وتنبيهات سلطان المستمرة، ينتظر حتى تتمزق وتسقط عن جسده من تلقاء نفسها.

    بنطاله الأزرق السميك، الذي يرتديه عادة عمال التنظيفات، أهدته له عمته بهيجة زوجة عبد الرزاق العطية، رئيس عمال النظافة المكلفين برفع القمامة من حارتهم ونقلها إلى وادي (القشايش) شمال شرق تدمر.

    أما القميص الأصفر فقد أعطته إياه الحاجة أمونة البرغوثي زوجة محمود الجمعة، صاحب الدكان الوحيدة في شارعهم وهي شقيقة أمه بالرضاع وكانت كثيرة الزيارات لهم وكثيرة السؤال عنه خاصة بعد وفاة والدته وكان ما يزال طفلا في الخامسة من عمره.

    أمونة البرغوثي امرأة ضئيلة الحجم نحيفة وقصيرة لكنها كتلة من الحيوية والنشاط، توزع خبرتها في نسج المفارش الصوفية والقطنية وسجادات الصلاة على كل نساء تدمر.

    تركها زوجها مع ستة أطفال وذهب للعمل في السعودية ثم لم يعد، بعضهم قال أنه مات، بعضهم قال أنه دخل السجن بعد مشاجرة بينه وبين رجل هناك.

    منذ سنتين فقط أتاها من يؤكد خبر موته، فقد سقط من فوق سقالة خشبية كان يعمل عليها، رمى القادم حقيبة صغيرة كان زوجها قد اشتراها من دكان فرج الحمادة قبل سفره بيومين فقط وفيها ثيابه وبعض أوراقه الثبوتية.

    أتمت عدتها عليه ثم تزوجت الحاج محمود الجمعة.

    الكنزة القطنية ذات اللون البرتقالي وجدها بين ثياب شقيقه سلطان بداية الخريف، تركتها له بدرية عندما رأته متشبثا بها.

    القميص فيه زران فقط في الأعلى والأسفل أما باقي الأزرار فمقطعة.

    يضطر محمود _ كثيرا _ لربط بنطاله أو قميصه بسلك معدني كي لا يسقط عنه.

    في القميص أيضا عدة ثقوب بعضها كبير وبعضها صغير، بعضها تم رتقه وبعضها لم يسعفه الحظ فظل فاغرا فاه مثل قط يتثاءب.

    الثقوب في ثياب محمود كتب تؤرخ لمعارك كثيرة دارت بينه وبين الآخرين، انتصارات وهزائم.

    بدرية ابنة عمه وزوجة شقيقه سلطان، امرأة في السابعة والعشرين من عمرها بيضاء البشرة، شعرها أشقر، بناتها الثلاث يماثلنها في جمال العينين الزرقاوين الواسعتين والفم الناعم المستدير والخدين المنتفخين مع الغمازتين، كما يماثلنها في امتلاء الجسد والميل نحو البدانة والقامة المتوسطة.

    روعة عمرها عشر سنوات في الصف الثالث الابتدائي، ذكية، لماحة وكثيرة الحركة، رويدة تصغرها بسنتين وهي خجولة وقليلة الكلام.

    روان عمرها ست سنوات، تشبه روعة كثيرا وتحاول تقليدها في كل ما تقول وتفعل.

    في مشيته يبدو محمود مثل ضبع ضخم، يتمايل يمنة ويسرة دافعا كتفه الأيمن أولا إلى الأمام ثم يتبعه بالأيسر وكأنه يتدحرج.

    يصرخ منافسوه بهلع عند رؤيته: (الهزاز.. الهزاز) ويحذرون بعضهم البعض، فيتأهبون لمنازلته.

    بعضهم يهرب مؤثرا السلامة وبعضهم ينتظر ليرى ماذا سيفعل الهزاز.

    عندما يطبق بيديه على رقبة أحدهم يكز على أسنانه، يعض شفتيه، يبدأ جسده بالاهتزاز والارتعاش.

    يظل يضغط ويهتز إلى أن يترك خصمه كتلة من اللحم والعظم ممددة على الأرض مثل خرقة بالية يجاهد صاحبها لالتقاط أنفاسه.

    سلطان وهو يهوي بكفه الثقيلة على وجه محمود لم يقل شيئًا، كان غاضبا لسبب لا يعرفه أحد، اكتفت بدرية أن وضعت كفها الأيمن على فمها، شهقت ثم انسحبت. سقط محمود على الأرض أولا، تكوم ثم تدحرج مثل قنفذ ميت.

    عندما أفاق وجد نفسه مرميا في بيت المؤونة الداخلي وثيابه مبللة.

    حاول أن يخمن الوقت فلم يفلح.

    النور المتسلل من الباب الخشبي خفيف باهت والنافذة معتمة، زاد من عتمتها الستارة البيضاء المنسدلة.

    الستارة كيس طحين تم فتحه واستخدامه، الكتابات المسجلة عليها تركت للخارج.

    دق سلطان فيها مسامير فولاذية من الجانبين في الأعلى وترك الطرف الأسفل حرا كي يتحرك مع الريح.

    الستارة اسودت بمرور الأيام وبفعل معانقتها دخان التنور القريب منها.

    يشتعل التنور مرتين في الأسبوع لصنع الخبز، الأولى يوم السبت والثانية يوم الثلاثاء.

    أيام الخميس يشعل بعد صلاة العشاء لتوضع فيه (برمة[1]) هريسة الحنطة مع اللحم.

    يشعل التنور أيضا صباح الجمعة إذا كان الغداء كبة مشوية.

    يستخدم الجيران تنانير بعضهم البعض إذا كانت محماة وجاهزة لصنع الخبز، فما إن تنتهي إحداهن من خبزها حتى ترسل لجاراتها تسألهن إذا كانت واحدة منهن تريد أن تخبز فالتنور مازال ساخنا والأحسن ألا تذهب حرارته هدرا.

    لعله المغيب أو ربما هو الصباح الباكر تساءل (الهزاز) بينه وبين نفسه ثم تلمس رأسه وتأوه، الصداع شديد والألم لم يفارقه بعد.

    بحث عن ثياب جافة في كيس ملابسه المرمي في الزاوية الجنوبية الغربية من بيت المؤونة.

    الهزاز له حجرة خاصة به لكنه يفضل النوم والتمدد في بيت المؤونة حيث تنعشه الرائحة المنبعثة من أوعية السمن البلدي وأكياس الطحين وصفائح الزيت وعبوات المكدوس والمخلل والخميرة، تلك الرائحة التي تفوح من تحت الطاولات الخشبية العتيقة ممزوجة برائحة الجص والطين.

    طرد القط الأحمر الذي جاء يتمسح به مع تهديد صادق بالويل والثبور، لو عدت ثانية سأركلك برجلي يا خنزير.

    القط أخذ التهديد على محمل الجد فهو يعرف أن الهزاز إذا قال فعل فاستدار وانطلق مسرعا نحو الإيوان ومن هناك تسلق الجدار الطيني مستندا أولا إلى برميل عتيق فمه للأسفل ثم صعد إلى السطح.

    اجتاز القط الأحمر سطح الإيوان ثم سطح حجرة المؤونة، ومن سطح الزريبة المنخفض انزلق بخفة ورشاقة نحو حوش عايد الكناوي. يزور القط الأحمر كل بيوت الحارة ويتفقدها واحدا واحدا، يقوده أنف شديد الحساسية ورشاقة تحسده عليها كل العجائز البدينات.

    بعد بيت عايد الكناوي يقفز نحو بني مكيرش ثم يخرج للشارع متبخترا، عندما لا يعترض طريقه أحد يتسلل نحو دار بني نهية ثم بني صالح الحسن، ثم يعود ويقف أمام الحجة جوزة في الحوش وهي تهرس لحم الضأن بالجرن الحجري استعدادا لصنع الكبة.

    وجد محمود في الكيس بنطالا عتيقا لونه خمري وقميصا أسود اللون بكمين طويلين وكنزة صوفية خفيفة مع سروال وقميص نصف كم داخلي.

    تغسل بدرية ثيابه بعد أن تنتهي من غسل ثياب سلطان وأولادها.

    تجلس خلف الطشت في الإيوان الداخلي، تسحب الستارة كي لا يراها أحد، تخلع ثوبها المنزلي وتبقى بقميص نومها القصير الشفاف، تشمر عن فخذيها العاجيين الممتلئين، تضع تحتها كرسيا خشبيا مستطيل الشكل يرتفع عن الأرض عشرين سنتمتر.

    تضع بدرية قربها الببور وصفيحة معدنية لغلي الثياب البيضاء وعلبة كبريت وزجاجة كاز وعلب مسحوق الغسيل بمختلف أشكاله واستخداماته.

    تحرك الثياب والمياه الساخنة في الصفيحة بعصا غليظة ابيض لونها من كثرة استخدامها في غمس ونشل الثياب.

    الحمام ضيق فطوله وعرضه لا يزيدان عن متر ونصف المتر، يستطيع الواقف في وسطه لمس الجدران الأربعة دون أن يتحرك من مكانه.

    سقفه منخفض، معلق فيه صنبور رشاش معطل منذ زمن بعيد وقد تآكل من الصدأ.

    المصطبة مبللة بالماء، حمل ثيابه، علقها على المسامير التي دقت في الباب من الداخل وصارت تستخدم بدل المشجب.

    أغلق الباب، زكمت أنفه الرطوبة ورائحة الصابون.

    فك أزرار قميصه الأزرق، عندما وصل إلى الزر الأخير لامست كفه قضيبه، ترك القميص وراح يفك أزرار بنطاله، أنزال سرواله المبلل حتى الركبتين، شد شعر عانته، شعر بألم شديد أسفل بطنه تركها وتابع خلع بنطاله.

    علق البنطال بجانب الثياب الجافة، تأكد مرة أخرى من

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1