Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الرأس الحليق
الرأس الحليق
الرأس الحليق
Ebook305 pages1 hour

الرأس الحليق

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في هذا الكتاب صورٌ من عالم الطفولة في انفتاحه على عالم البالغين، لقطاتٌ من حياة أطفالٍ يتلقّون دروسهم الأولى في مدرسة الحياة والبقاء على قيدها، ويُطلّون للمرة الأولى من كوّة واقعهم وأعمارهم على عالم الكبار وآفاق المستقبل الذي ترسمه مرحلة تاريخيّة واجتماعية مهمّة هي الحرب الأهلية الإسبانية: جدّ ولهو وشرب وغناء وأجواء حرب ودويّ قنابل. انتظار أبٍ لن يعود، وهجر منازل، ونزوح عن ديار، واجتياز خطوط. حياة ملاجئ وحياة مناجم وأحلامُ شبابٍ وغرامٌ مراهق
Languageالعربية
PublisherMamdouh Adwan
Release dateJun 5, 2024
ISBN9789933641238
الرأس الحليق

Related to الرأس الحليق

Related ebooks

Related categories

Reviews for الرأس الحليق

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الرأس الحليق - خيسوس فرنانديث سانتوس

    الرّأسُ الحَلِيق

    خيسوس فِرنانديث سانتوس

    قصص

    ترجمها عن الإسبانية:

    بسّام البزّاز

    الرّأسُ الحَلِيق - قصص Cabeza rapada

    تأليف: خيسوس فِرنانديث سانتوس Jesús Fernández Santos

    ترجمها عن الإسبانية: بسّام البزّاز

    تصميم الغلاف: نجاح طاهر

    978 - 9933 - 641 - 23 - 8 :ISBN

    الطبعة الأولى: 2020

    Table

    © 1958 Jesús Fernández Santos

    © Jesús Fernández Santos› heirs

    جميع حقوق الترجمة محفوظة للناشرين دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ودار سرد للنشر. لا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله، على أي نحو أو بأي طريقة دون موافقة الناشرَين الخطية.

    مقدّمة

    في تاريخ إسبانيا المعاصر حدثٌ مفصليّ، له ما قبله وله ما بعده:

    الحرب الأهلي ّ ة الإسبانية (1936-1939).

    لقد شكّل ذلك الحدث العسكري والتاريخي المفصلي حدّاً فاصلاً في تاريخ الأدب الإسباني وتياراته وأغراضه، وحسبُنا أن نقرأ أدب ما عُرف بجيل الـ 27، ثمّ أدب ما عُرف بجيل الـ 45، أو الـ 50، لنكتشف أن أدب الأوّل أدبُ فنٍّ وجمال وأساليب، بينما أدب الآخرين كان أدب دماء ومنافٍ ومآسٍ.

    فعلاً، فقد كان أدب «جيل منتصف القرن» أدباً يعكس حياة مجتمعٍ يتنازعه طرفٌ غالبٌ متجبّرٌ منتشٍ بانتصاره، وطرفٌ آخرُ مهزومٌ تتوزّعه السجونُ والمقابرُ والمنافي، أدباً يصوّر طفولة بائسة وأُسراً مشرّدة أو ممزّقة، أدباً مليئاً بمشاهد الفقر والجوع والبؤس. وهذا ديدن كلّ آداب الحروب وما بعد الحروب: أدب كوارث إنسانيّة وآفات اجتماعية تعصف بالمجتمع وتصيبه في مقتل.

    ***

    في الحديث عن خيسوس فرنانديث سانتوس، نرى أنّ مواصفات أدباء «جيل منتصف القرن» تجتمع فيه، وأنّ «بروفايل» أدباء «جيل أطفال الحرب» ينطبق عليه: فقد ولد في عشرينيات القرن (1926) وظهرت باكورة إنتاجه في خمسينياته (1954) وعالج في أدبه موضوعة الحرب وما جرّته من ويلاتٍ على أضعف حلقات المجتمع والحياة: الأطفال - هناك من ينسب ميله في تصوير عالم الطفولة إلى يُتْمه المبكر، فقد ماتت أمّه وهو ابن سنة ونصف، ومات أبوه وهو في العاشرة من العمر.

    كان هذا موضوعَ أولى رواياته: الأقوياء (Los Bravos) - 1954.

    وكان أيضاً موضوعَ مجموعته القصصية التي نحن بصدد التقديم لها: الرأس الحليق (Cabeza rapada) - 1958.

    فنحن، إذاً، بصدد جيلٍ أدبيّ كامل له اسمه الذي به يتسمّى، ومواصفاته التي بها يتّصف، وأعضاؤه الذين ينتمون إليه، من روائيين وقصصيين وشعراء. مع ذلك فقد تميّز فرناندث سانتوس عن أقرانه بأنّه ضمّ إلى الأدب شغفه بالسينما. لذلك تضيف كتب الأدب إلى سيرته الحياتية والعمليّة والإبداعية صفات «الناقد السينمائي ومخرج الأفلام الوثائقيّة»، ويتوزّع إنتاجه بين الروايات (12) ومجموعات قصصية (8) وأفلام وثائقية (100 تقريباً).

    تميّز فرنانديث سانتوس عن زملائه في تيّار «الواقعيّة الاجتماعية» أيضاً بأنّه التفت إلى الجانب الإنساني من المأساة، ولم يلتفت إلى السياسة التي أوجدت تلك المأساة. وهذا هو ما نراه في «الرأس الحليق»، حيث الموضوع الرئيس هو الفقر والوحدة التي تعصف بأفراد مستضعفين محرومين يوحّدهم الخوف والألم والمرض والموت، من دون التطرّق إلى الجُناة. إنّه يتكلّم عن الضحيّة ولا يخوض في الحديث عن الجلّاد، ولطالما اختلط الدَّوْران أوقات الحروب.

    تضمّ هذه المجموعة القصصية، التي تحمل عنوان القصّة الأولى فيها، أربع عشرة قصّة، يشبّهها أحد النقّاد بـ«الصور الفوريّة». منها ما هو قصير فعلاً، كالصورة الفوريّة، لأنه يقع في صفحات قليلة، ومنها ما هو طويل يستغرق صفحات ومشاهد عديدة حتى يوشك أن يصنّف في خانة القصة الطويلة أو الرواية القصيرة.

    أبطال جميع هذه «الفلاشات» هم من الأطفال: أطفال يتلقّون دروسهم الأولى في مدرسة الحياة والبقاء على قيدها، ويطلّون للمرة الأولى من كوّة واقعهم وأعمارهم على عالم الكبار وآفاق المستقبل الذي ترسم حدوده تلك المرحلة التاريخيّة والاجتماعية التي كانت إسبانيا تجتازها آنذاك: جدّ ولهو وشرب وغناء وأجواء حرب ودويّ قنابل. انتظار أبٍ لن يعود، وهجر منازل، ونزوح عن ديار، واجتياز خطوط. حياة ملاجئ وحياة مناجم وأحلام شباب وغرام مراهق.

    وفرنانديث سانتوس من فوق يحرّك كلّ تلك الخيوط بلغة بسيطة واضحة وجمل قصيرة معبّرة وتحليل للنفس الغضّة والعقل الطري.

    ولطالما وردتْ هذه القصّة في كتب المطالعة والنصوص الأدبية المقررة للمدارس المتوسطة والثانويّة نموذجاً لوضوح اللغة ودقة التحليل وبساطة العرض: شيء من قبيل «أيام» طه حسين، أو «عبرات» المنفلوطي و«نظراتِـ»ـه.

    ***

    يتحدّث أصدقاء خيسوس فرنانديث سانتوس عن تواضع صديقهم وخجله وروحه الساخرة.

    وتصفه زوجه بأنّه لم يُحسن الترويج لنفسه كما فعل سواه من أدباء إسبانيا وكتّابها.

    نأمل أن نكون، بترجمتنا هذه المجموعة القصصية إلى العربية -سبقتها ترجمة إلى الإيطالية (1964) وإلى الفرنسية (1990)– قد روّجنا لواحد من أدباء إسبانيا الذين أحسنوا عرضَ حقبةٍ مؤلمة من تاريخ أمّتهم، وأجادوا في تصوير أحاسيس شريحة هشّة مستضعفة من شرائح مجتمعهم.

    المترجم

    الرّأسُ الحَلِيق

    كان الهواءُ معتدلاً والأوراق اليابسة تملأ قارعة الطريق، ترتفع إلى السماء وتهوي ثانيةً من كؤوس الأشجار. كانَ هو صبيّاً يافعاً لم يُتِمّ العاشرة، حليقَ الرأس داكنَ الوجه من عرقٍ ولفحِ، يكسو ساقيه سروالٌ طويلٌ من قماشٍ صفيق. كنتُ أنا وهو نسيرُ في ذلك الطريقِ الواسع، يُهدْهدنا حفيفُ أشجارِ الأوكالبتوس الكثيفة، وتلفّنا دوّاماتُ الغبار والأوراق التي غزتْ كلّ مكان: زوايا الدكّات والطرقات... صغيرة حُمْرٌ وبنّيةٌ كأوراق شجيرة الكستناء أو شجرة البتولا. كانت الأوراق تملأ كلّ حيّز، وتلتصق بنا كما الروحُ بالجسد.

    تمرّ أشباحُ السيارات سوداً برّاقة، ومن خلفها أنوارٌ تركّزت حمرة لونها حتّى عادت زرقة. لم يكن الطقس بارداً، لكنّنا اقتربنا من نار أوقدها حارس البناء، فأشاعتْ في الجوّ رائحة ذكيّة تذكّر بمرجٍ أخضر فسيح. وأمضينا عند النار برهةً نملأ الرئتين من ذلك الأريج. عاود الصبيّ السّعال. سألتُه: «هل تشعر بألم؟».

    - قليلاً.

    - يمكننا أن نظلّ هنا لوقتٍ أطول!

    وجلسنا. وبدتْ تلك الأشجارُ شامخةً وهي تموجُ فوقنا، بينما رشقاتُ المطر تعصف في قمّتها عصفاً يشتدّ تارة ويفتر أخرى. في الطرف الآخر من نافورة الماء المتدفق، راح الناس يغذّون السيرَ وقد التصقت ثيابهم بأجسادهم، وراح العشّاق يخطرون وقد ائتلفوا أزواجاً أزواجاً.

    عاود الصبيّ الشكوى.

    - أتشعر بألم؟

    - قليلاً...

    حشر يده في قميصه. كانت بشرته البيضاء الملطاء تشبه يد مَن اعتاد العمل في الماء شتاءً. إنّه يخاف من طارئ يطرأ أو من جديد يجدّ، وكنتُ مثله خائفاً، لكنّي كنتُ أجاهد لتهدئته: «لا عليك! ستمرّ النوبة كما مرّت أمس».

    - وإن لم تمرّ؟!

    - هل تؤلمكَ كثيراً؟

    كان الحارس ينظر إلينا مرتاباً، لكنّه لم يقل شيئاً حين اتكأنا على صندوق العدّة. كان يقلي سمكاً في مقلاة صغيرة، فتنبعث، على ضوء النار البرتقالي، رائحة الزيت التي تمتزج برائحة الخشب المشتعل.

    - لا يبدو الصبيّ على ما يرام...

    - إنّه البرد وحسب...

    لم يتفوّه الصبي بكلمة، بل كان ينظر إلى النار بعينين وسنانتين.

    - أرى أنّه مريض...

    ما عاد الصبيّ متجهّم الملامح. بصق على النار وأطرق ساكتاً.

    - سيُصاب بنزلة برد إن جلس هناك.

    نهضتُ وأمسكتُ بذراعه وهو شبه نائم: «هيّا... هيّا بنا!».

    أخذتُه ورحنا نبتعد عن النار وعن نظرات الحارس. رحتُ أدعكُ رأسه المقشور الناعم بيدي وأنا أكلّمه لبثّ الحماس فيه: «لا بأس عليك يا فتى... فما بكَ من سوء!».

    إنّه لا يثق بما أقول، وقد زاد صوتُ ذلك الرجل من خلفنا الحال سوءاً:

    - يحسُن أن يعاينه الطبيب!

    - كنّا عند الطبيب أمس.

    فعلاً: ذهبنا إلى المستشفى ونحن لا نعرفُ أحداً، وانتظرنا في طابور اصطفّ في صالة طويلةٍ بيضاء تنتهي بكوّة زجاجية معتمة، وفي أطرافها بوّابتان لا تفتأان تنفتحان وتنغلقان. كان الناس يجلسون على دكّاتٍ مصفوفةٍ على طول الحائط منتظرين، بعضهم يتحادثون، والآخرون صامتون وقد سمّروا أعينهم في الحائط المقابل. تفتح ممرّضة أحد البابين لتنادي على «آخر»، بينما يسمع عبارة «وداعاً دكتور» من مريضٍ خرج للتو.

    نسيتْ امرأةٌ شيئاً فعادتْ إلى غرفة الطبيب، ثمّ خرجتْ منها مسرعة، من دون أن تنظر إلى أحد ومن دون أن تلقي بعبارة الوداع. كانت تردّد: «سيموت، سيضيع منّي!...». وصوّبَ الجميعُ نظراتهم إلى الأرض فكأنهم ما عادوا يحتملون نظرة الآخرين إليهم، بينما راح شابٌّ شاحب الوجه يصبّ اللعنات بصوت خفيض.

    راح الطبيبُ يفحص الصبيّ بسمّاعته ويوجّه نظرته إليّ. أعطانا ورقة فيها عنوان، وطلب منّا الذهاب إليه في اليوم التالي.

    - هل هو أخوك؟

    - كلّا.

    لم نذهب في اليوم التالي إلى ذلك العنوان.

    تكوّر الفتى... لا بدّ أنّه يتألم من ذلك الوخز الذي يعاوده في جنبه. كان يتصبّبُ عرقاً وقد اشتدّت عليه الحمّى ولمعت جبهته من حبّات العرق الصغيرة تلك.

    وانثالت عليّ الأفكار: «إنّ مرضه شديد ولا مال لديه. كيف لحالته أن تتحسّن؟! إنّه مصدورٌ. لو أنّه استعطى المارّة جميعاً فلن يجمع أكثر من عشر بيزيتات! إنّه هالكٌ لا محالة. إنّه لا يعرف أحداً. سيموت. هكذا يموت البشر. سيموت ولو صادفه أجود محسني الأرض».

    جمعنا ثلاث بيزيتات وقرّرنا أن نتناول القهوة ونتدفأ.

    - ستزيلُ الحرارةُ عنك الألم.

    كان المقهى معتماً، خالياً من البشر. وزّعت كراسيّه على الزوايا، بينما شغل المشرب، الذي امتدّ بين جدارين، إحدى الزوايا في قاع المقهى. أمّا النادل العجوز المقلوب فما كان يزحزحه من جلسته إلا خدمة زبون جيّد. ثلاثة فلاحين يلعبون الدومينو، بينما علت نغمات التانغو بين صفير قِدْر الضغط، ووَقْع ضرب قطع الدومينو على المرمر.

    مكثنا في المقهى قدر ما استغرق منّا تناول القهوة. وحين خرجنا كان كلّ شيء على حاله: العجوز خلف المشرب يعاين قدميه المنتفختين، والآخران يلعبان، والثالث يدوّر مفتاح الراديو. وبدا وكأنّ صوت الموسيقا والضوء يوشكان على الانطفاء. كانت رؤيتهما للمرة الأخيرة تترك في البال ذكرى مريرة وحزينة.

    في الشارع، تحت الأشجار، عاود الصبي الشكوى وطلب الجلوس. كنّا نطأ العشبَ في الظلام. بحث عن شجرةٍ ظليلة غليظة الجذع. أسند ظهره إليها وأجهش بالبكاء. ومن جديد مسحتُ بيدي على رأسه المكوّر، وحين خفضتُها سقطتْ عليها دمعة. كان دمعه ينهمر على ركبتيه وعلى قبضتيه المطبقتين على التراب.

    - لا تبكِ!

    - سأموت!

    - لن تموت، لن تموت!

    حَفلة

    كانت أصواتُ الرجالِ تقطع الطريق العام فتصل إلى ما وراء النهر. لقد صار المحصولُ في البيوت، وقد آن لهم أن يحتفلوا بنهاية موسم الحصاد في الحانة. وراح الأولادُ ينظرون، من خلال الشبابيك المغبرّة وشقوق الباب، إلى آبائهم وهم يغنّون ويرقصون على وقع أصوات الزجاجات. حتّى الرعاة نزلوا من الشعاب ليشهدوا عراك الديكة، ولم ينسَ الرئيس أن يدعوَ الشابّين الوحيدين العاملين في منجم الفحم الواقع في ظاهر القرية. نفخ أحدهما، ويدعى «تشانا»، صدره وصاح: «أسمِعونا غناء أرض الفلّين!(*)».

    فانطلق أصغر الرعاة سنّاً يشدو بعضاً من أغاني تلك الديار. راح الأولادُ في الخارج يضحكون، بينما راح الآباء، وهم في العتمة الدافئة المضاءة بقنديل، يستمعون إلى غناء الراعي ويتابعون كلّ مقام من مقامات صوته باهتمام من يمارس طقساً من الطقوس. وأخيراً حلَّ صمتٌ قطعه الرئيس هاتفاً: «بورك صوتك ودام لتغنّي هكذا بعد مئة عام في السماء!».

    «إنّك أعظم من رومانونِس!(**)»، صاح آخر.

    وعلا ضحك الأولاد ثانية في أجواء الليل. لقد عملوا كالكبار طوال الصيف، وارتدوا بدلات قديمة ورثوها، وستراتٍ تبلغ منتصف سيقانهم، وسراويل اهترأت وبليَت، واحترقت وجوههم الطفوليّة وأجسادهم الغضّة بشمس الحصاد، وتشقّقت شفاههم الطريّة بالنسمة الساخنة التي تُنضج الزرع نهاية شهر تموز.

    وإذا كان للكبار أن يكفّوا مع انتهائهم من الطعام، فقد كان

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1