Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية
تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية
تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية
Ebook533 pages3 hours

تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

إنَّ نظام تعدد الزوجات هو نظام قائم، وموجود في الشريعة الإسلامية، منذُ قرون. إلَّا أنه مقيَّد ومحدَّد ضمن شروط. وحيث أن العالم الإسلامي بات يشكل ما نسبته ٢٥٪؜ من العالم، من حيث عدد السكان، وكون المسلمون منتشرين في أرجاء الكوكب، بالتالي سنجد الكثير من حالات تعدد الزوجات في دول لا تدين بالشريعة الإسلامية، بل إننا سنجدها تعتبره انتهاكاً لنظامها العام، وعلى هذا الأساس تناولت في كتابي هذا كل ما يمر به الفرد المسلم، الذي يسكن في أوروبا، سواء أكان يحمل جنسية البلد الذي يسكن فيه، أم كان مقيماً. وقد ركزت في دراستي على أحكام المحاكم الأوروبية التي عُرِضت عليها مثل هذه القضايا، وكانت في ست دول، وهي فرنسا، وإنجلترا، وألمانيا، وهولندا، والسويد، وبلجيكا.
Languageالعربية
Release dateJun 9, 2024
ISBN9789778696745
تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية

Related to تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية

Related ebooks

Related categories

Reviews for تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تعدد الزوجات أمام المحاكم الأوروبية - مثنى سرهيد صالح

    تعدد الزوجات

     أمام المحاكم الأوروبية

    مثنى  سرهيد صالح


    مقدمة:

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيِّد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله  الصادق الأمين، ومَن تبعه بإحسانٍ وسار على نهجه إلى يوم الدين.

    وبعد..،،

    قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) ( [1] ) , بيَّنت هذه الآية الكريمة مشروعية التَعَدُّد في الزواج, وكذلك بيَّن الفقهاء المسلمين على مر العصور الشروط الواجبة في التَعَدُّد, ولا يوجد هناك أي نص صريح أو ضمني ينفي التَعَدُّد.

    ليس بالغريب ماتعانيه الجاليات العربية والإسلاميَّة في الدول الأوربية بشكل خاص والغربية بشكل عام مِن منعهم مِن التَعَدُّد في الزواج وإخضاعهم لقوانين البلد الذي يعيشون فيه، وهذا يعد تجاوزاً على الحرية الشخصية وحرية الأديان، هذا وقبل ذلك، فإنَّه يعد تجاوزاً على شريعتنا الإسلامية الغرَّاء...  فمن المعلوم أنَّ الشريعة الإسلامية قد تركت غير المسلمين وما يدينون, ولم تُخضعهم لقوانين الأحوال الشخصية التي يخضع لها المسلمون، فلهم أنْ يُبرموا عقود الزواج بالكيفية التي هم يريدونها, ووفق تعاليم دياناتهم على اختلافها، ومما يزيد الأمر خطورة هو تأثر بعض البلاد الإسلامية بشكلٍ عام والعربية منها بشكلٍ خاص بهذا المفهوم الغربي، فأخذت هذه الدول بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية، وخصوصاً المتعلقة منها بأحكام تَعَدُّد الزَوْجَات.

    لذلك توجب البحث عن التَعَدُّد في البلاد الأوربية وما يواجهه المسلمون مِن مشاكلٍ وعقبات, قد تصل إلى فرض العقوبات في هذه البلاد في حال تزوج الرجل أكثر مِن امرأة، كذلك يجب التطرق للفكر الأوربي حول التَعَدُّد وما تفعله الأنظمة الأوربية بالتأثير على البلاد الإسلامية لإلغاء نظام التَعَدُّد والحد منه تدريجياً مِن خلال الإتفاقيات التي تنادي بحقوق المرأة.

    إنَّ السبب وراء نفور بعض الأوربيين مِن نظام التَعَدُّد قد يعود لجملة مِن الأسباب, مِن ضمنها فهمنا الخاطئ لهذا النظام, والتطبيق الخاطئ له دون التقيد بالشروط التي بيَّنها الشرع لنا, والذي بطبيعة الحال سيعكس صورة سلبية لهذا النظام قد تكون سبباً رئيسياً للنفور منه.

    تضمَّن البحث فصل تمهيدي وفصلين رئيسيين، وجاء الفصل التمهيدي مقسماً إلى مبحثين, بيَّن المبحث الأول نشأة هذا النظام وما له مِن أثر على المجتمعات عبر التأريخ, فيما تم تخصيص  الثاني منه حول أساس نظام تعدد الزوجات.

    أما الفصل الأول مِن البحث فقد تطرق إلى التكييف الشرعي لنظام التعدد وفق نصوص القرآن والسنَّة والمقصد الشرعي للتعدد, وسيكون الكلام في الفصل الثاني عن رفض نظام التَعَدُّد في أوربا مِن خلال مبحثين, يتطرق المبحث الأول فيه عن سبب الرفض الأوربي لنظام التَعَدُّد   وأنواع التَعَدُّد السائدة في البلدان الأوربية, مستعرضاً بعض أراء مفكري وفقهاء الغرب حول نظام التَعَدُّد, وكذلك تأثير فكرة منع التَعَدُّد على بعض البلدان الإسلامية, ثم الكلام في المبحث الثاني عن التَعَدُّد أمام المَحَاكِم الأوربية والنتائج التي تترتب على التعدد مِن خلال بعض القضايا التي عرضت أمام المحاكم.


    أسباب اختيار الموضوع:

    يرجع اختيار هذا الموضوع لجملة مِن الأسباب:

    تصحيح الفكرة الخاطئة المأخوذة عن هذا النظام الإنساني, وبالأخص عند الدول التي لا تدين بالإسلام, كونها تعتبر هذا النظام نظام خاص بالمسلمين فقط وملازم لهم وأنَّه نظام إسلامي بالدرجة الأساس.

    إيصال رسالة مباشرة لِمَن يعنى بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص أنَّ الدين الإسلامي أكثر مِن غيره حفاظاً على حقوق المرأة, وأنَّ هذا النظام لم يوجَد إلَّا لخدمة الإنسانية بشكلٍ عام والمرأة بشكلٍ خاص.

    الهجرة الكبيرة التي تشهدها بعض الدول العربية, بسبب الأحداث التي توالت عليها في السنين الأخيرة, إذا ما عَلِمنا أنَّ جُل هذه الهجرة كانت لبلدان القارة الأوربية تحديداً, والتي لا تعترف بنظام تعدد الزوجات في قوانينها, وهذا ما سينعكس سلباً على كل مهاجر معدد للزوجات, لما قد يلاقيه مِن عقبات سواء أكان الرجل أو حتى المرأة إنْ كانت زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة.

    معرفة الأساس أو المعيار الذي اعتمده الأوربيون و استندوا عليه في منع وتحريم التعدد, بل وحتى تجريمه في بعض الحالات في المحاكم, والوقوف على هذا الأساس ليتسنى لنا فهمه والمحاولة قدر الإمكان أيصال فكرة الإسلام عن هذا النظام للأنظمة الأوربية والغربية, ذلك مِن خلال الدأب على عقد المؤتمرات والاتفاقيات بين هذه الدول ودول العالم الإسلامي.

    أهمية الموضوع:

    تبرز أهمية الموضوع لما قد يتعرض إليه المسلمون في البلاد الأوربية مِن مضايقات, ذلك مِن خلال التدخل في شؤونهم الخاصة وأحكام شريعتهم مِن قبل هذه الأنظمة الأوربية التي تنادي بالديمقراطية والحرية في الأديان, فهي حتى لم تعمل بمبدأ المعاملة بالمثل كما تفعل شريعتنا السمحاء أمام باقي الديانات الأخرى، فقد تركت شريعتنا الإسلامية غير المسلمين والذي يعيشون على أراضيها يبرمون عقود الزواج بالكيفية التي هم يريدونها, ولم تتدخل فيها لا مِن بعيد ولا مِن قريب، وكذلك لنبيِّن لهم أنَّ الإسلام هو أحرص الديانات على المرأة وحقوقها مِن أنْ تنتهك وتضيع، فضمن لها حياة كريمة وحقوق كاملة مِن نفقة وحضانة وغير ذلك مِن الحقوق التي تترتب على عقد الزواج, خصوصاً في الوضع الراهن, والذي يشهد هجرة غير مسبوقة وبأعداد هائلة مِن المسلمين للدول الأوربية؛ بسبب ما يحدث على أراضيهم مِن أحداث.

    منهج البحث:

    تعدد الزوجات كما هو معلوم ليس بالشيء الجديد, لذا اشتملت الدراسة على الإسلوب المقارن والاستقرائي ذلك للأسباب التالية:

    التركيز على نظام تعدد الزوجات مِن الجانب الأوربي, والذي يرى في هذا النظام أنَّه أحد أسباب انحطاط كرامة المرأة في المجتمعات الإسلامية.

    الأخذ بنظر الاعتبار الشرائع السماوية التي سبقت شريعتنا الإسلامية, وماورد فيها مِن نصوص تخص نظام تعدد الزوجات, سواء أكان التوراة أو الإنجيل بالرغم مِن تحريفهما, إلَّا إنَّه لا وجود لنصوص ثانية غيرها في وقتنا الراهن يمكن الاستناد عليها لمحاججة الغرب فيما يخص هذا النظام, وكون هذه النصوص هي التي يستند عليها الغرب في كتابهم المقدس بغض النظر عِن العهدين القديم والجديد.

    التركيز كذلك على مواقف التشريعات المدنية لبعض الدول الإسلاميَّة, والتي سايرت الدول الأوربية في منعها للتعدد وتحريمه, فكانت أكثر تأثراً بالأفكار الأوربية, ما أنعكس سلباً على مجتمعاتنا الإسلاميَّة فيما يخص هذا النظام تحديداً.

    مِن جهة أخرى لجأت إلى التركيز على ما قاله المفسرون فيما يخص آية التعدد, إذ إنَّ هناك لغط كبير عند الكثير مِن الناس في فهم هذه الآية وفهم بعض النصوص, ما أدى إلى سلوك بعض الدول الإسلاميَّة مسلك الدول الأوربيَّة في تحريم التعدد كما ذكرنا, وبالأخص مسألة العدل بين الزوجات, والتي تعتبر الركيزة الأساسية لهذا النظام.

    بقصد ربط أواصر الموضوع بعضها ببعض, فقد عَمدت في هذا البحث إلى التنويع, بأن تناولت الجانب الفقهي مِن جهة ثم أخذت بعض آراء المفكرين والمستشرقين الأوربيين في هذا النظام مِن جهة أخرى, وكذلك تطرقت لنظرة القضاء الأوربي للتعدد, ما دعاني إلى الاستعانة ببعض الأحكام مِن المحاكم الأوربية التي نظرت في مسائل تخص موضوع البحث.

    وللعلاقة الوطيدة بين موضوع البحث والمرأة بالدرجة الأساس, كان لي نظرة في بعض الاتفاقيات التي تخص المرأة وحقوقها, كون هذه الاتفاقيات هي اللبنة الأساسية التي يبني عليها الأوربيون نظرتهم تجاه نظام التعدد.

    الدراسات السابقة:

    سبقني إلى هذا الموضوع عدد مِن الباحثين, وبما أنَّ تعدد الزوجات ليس بالموضوع الجديد, فقد بحث كل باحث عن جزئية معينة ترتبط بمفهوم التعدد, وسبقتني الى ذلك الباحثة رحاب مصطفى كامل بإطروحة دكتوراه تحت عنوان تعدد الزوجات ومدى مشروعية تدخل الزوجة لمنع التعدد, حيث تناولت الباحثة مشروعية تدخل الزوجة لمنع التعدد مِن عدمه, وسبقتني كذلك الباحثة ريم محمد عبد العزيز بارومة, فبحثت في هذا الموضوع مِن منظور اجتماعي, وكانت عبارة عن رسالة ماجستير تحت عنوان تعدد الزوجات وعلاقته بالعنف عند الزوجة الأولى, كما وتناوله الباحث حافظ فايز صالح في رسالة ماجستير تحت عنوان تعدد الزوجات وأثره في القضاء على العنوسة في المجتمع الليبي, وكانت دراسته تطبيقية على المجتمع الليبي فيما يخص قضية العنوسة حصراً, هذا وقد تناوله الدكتور عكاشة محمد عبد العال رحمه الله في إطار القانون الدولي الخاص, وتعتبر إطروحة الدكتور عكاشة محمد عبد العال هي الأقرب لموضوع بحثي, كونها تتعلق بالدول الأوربية أيضاً, فكانت إطروحته تحت عنوان La Polygamie En Droit International Prive إذ إنَّه تناول في بحثه القانونين الفرنسي والإنجليزي بالإضافة إلى القانون المصري فيما يتعلق بمسائل القانون الدولي الخاص وتعدد الزوجات.


    خطة الدراسة

    تشتمل الخطة على فصل تمهيدي وفصلين وخاتمة.

    الفصل التمهيدي

    التطور التأريخي لنظام تعدد الزوجات و أساس التعدد

    المبحث الأول

    نشأة نظام التعدد وأثره على المجتمعات البشرية

    المطلب الأول: التعدد ليس أمراً مبتدعاً من الشريعة الإسلاميَّة.

    الفرع الأول: المرأة في الحضارات القديمة.

    الفرع الثاني: أنواع الزواج قبل الإسلام.

    المطلب الثاني: التعدد في الشريعة الإسلاميَّة.

    الفرع الأول: الشريعة الإسلاميَّة تُرَغِّب النكاح.

    الفرع الثاني: هَدي الرسول في التعامل مع زوجاته.


    المبحث الثاني

    أساس نظام تعدد الزوجات

    المطلب الأول: التعدد وحقوق الإنسان.

    الفرع الأول: المرأة في ظل العولمة.

    الفرع الثاني: الممارسة الجنسية حريَّة والتعدد محظور.

    المطلب الثاني: التعدد حق للمرأة.

    الفرع الأول: العنف ضد المرأة.

    الفرع الثاني: الإسلام يحافظ على كرامة المرأة.

    الفصل الأول

    تكييف نظام التعدد والمقصد الشرعي منه

    المبحث الأول

    التكييف الشرعي (الفقهي) لنظام التعدد

    المطلب الأول: تفسير النص الشرعي.

    الفرع الأول: تفسير الآية رقم (3) مِن سورة النساء.

    الفرع الثاني: تفسير الآية رقم (129) مِن سورة النساء.

    المطلب الثاني: حكم التعدد وجواز حظره.

    الفرع الأول: التعدد على الإباحة.

    الفرع الثاني: دواعي ومبررات التعدد.

    المبحث الثاني

    المقصد الشرعي لنظام التعدد

    المطلب الأول: ضوابط التعدد

    الفرع الأول: شروط التعدد و حسن العشرة الزوجية.

    الفرع الثاني: القسم.

    المطلب الثاني: حكمة التعدد والفائدة الاجتماعية منه

    الفرع الأول: حكمة التعدد.

    الفرع الثاني: الفائدة الاجتماعية للتعدد.


    الفصل الثاني

    تعدد الزوجات بين الرفض الأوربي وواقع التطبيق

    المبحث الأول

    الرفض الأوربي للتعدد

    المطلب الأول: دوافع الرفض الأوربي للتعدد

    الفرع الأول: سوء الفهم والتطبيق في البلاد الإسلامية.

    الفرع الثاني: شبهات حول التعدد.

    المطلب الثاني: تأثير الفكر الغربي على الفكر الإسلامي

    الفرع الأول: تأثر القوانين الإسلاميَّة بقوانين أوربا.

    الفرع الثاني: اشتراط الزوجة عدم الزواج عليها.

    المبحث الثاني

    التعدد على مستوى القضاء الأوربي وأثره على المجتمع

    المطلب الأول: المشاكل الاجتماعية والقانونية الناتجة عن رفض التعدد

    الفرع الأول: مشكلة العنوسة.

    الفرع الثاني: المشاكل الاخلاقية.

    الفرع الثالث: تنازع القوانين.

    الفرع الرابع: عدم تشديد عقوبة الزنا.

    المطلب الثاني: نماذج من القضاء الأوربي الرافض للتعدد

    الفرع الاول: فرنسا.

    الفرع الثاني: إنجلترا.

    الفرع الثالث: ألمانيا.

    الفرع الرابع: بلجيكا.

    الفرع الخامس: هولندا و السويد.

    الفرع السادس: اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان.


    فَصْل تَمْهِيدِي

    التَطَوُّر التأريخي لنِظَامْ تَعَدُّد الزَوْجَاتْ وأسَاسْ نِظَامْ التَعَدُّد

    تَمْهِيدْ وتَقْسِيم:

    عرفت الشرائع على مر التأريخ نظام تعدد الزوجات ولكن بصور مختلفة وربما بشروط مختلفة, وبالكلام عن تَعَدُّد الزَوْجَاتْ يجب معرفة نِظَامْ التَعَدُّد فِي الشرائع السَمَاوِيَّة التي سبقت شريعتنا وفِي الشَرِيعَة الإسْلاَمِيَّة كذلك, ومعرفة أسَاسْ هذا النِظَامْ وكيفِية تَطَوُّره بمرور الزمن ليصل إلى ما هو عليه اليوم, فتعدد الزوجات قبل قدوم الشريعة الإسلامية لم يكن منظماً تنظيماً صحيحاً, جاءت الشريعة الإسلامية لتنظمه وتضع له القواعد والأسس الصحيحة حفاظاً منها على الأسرة, التي هي اللبنة الأساسية للمجتمع, ونظراً لأنَّ التعدد عرفته جميع الشرائع, فلم يذكر تأريخ معين وثابت لبداية التعدد.

    فالزواج قبل الإسلام لم يكن على شكلٍ واحد, بل ولم يكن للمرأة أيَّة حقوق, فكان لهذا النظام الإنساني الأثر الكبير على المجتمعات البشرية, ذلك بعد أنْ نظَّمت شريعتنا هذا النظام لتحفظ للمرأة حقها وكيانها دون تمييز بينها وبين الرجل, فنظام تعدد الزوجات مرتبط ارتباط مباشر بحقوق الإنسان وليس فيه ما يهين كرامة المرأة, فهي ليست مجبرة على الارتباط بأي رجل سواء أكان متزوج أم لا.

    هناك صلة وثيقة بين نظام تعدد الزوجات وحقوق الإنسان, فكان وجوده لمعالجة الكثير مِن الحالات بطريقة تحفظ للمرأة عفتها وكيانها, فهو حق للمرأة والرجل في نفس الوقت ولولاه لضاعت الكثير مِن حقوق المرأة, فالتعدد يجعلها أماً ولها مَن يعيلها هي وأولادها ويوفر لها بيتاً هي أكثر حاجةً له مِن الاتفاقيات التي تُكتب باسمها وتنادي بحقوقها. لذلك تم تقْسِيم الفصل التَمْهِيدْي إلى:

    المبحث الأول: نشأة نظام التعدد وأثره على المجتمعات البشرية.

    المبحث الثاني: أساس نظام تعدد الزوجات.


    المبحث الأوَّل

    نشأة نِظَامْ التَعَدُّد وأثره على المجتمعات البَشَرِيَّة.

    تمهيد وتقسيم:

    عانت المرأة كثيراً على مر العصور قبل قدوم الإسلام الذي أعاد لها حقوقها, وكان نظام التعدد سائداً قبل قدوم الشريعة الإسلامية لكن بطريقة مذلة ومهينة للمرأة, فكانت شريعتنا الفاصل بين عهد العبودية الذي كانت تعيشه المرأة وعهد العفة والكرامة في ظل حياةٍ كريمةٍ وفَّرها الإسلام للمرأة, هذا وقد أكَّدت جميع المصادر والشرائع التي سبقت الشريعة الإسلامية أنَّ نظام تعدد الزوجات كان موجوداً منذ عهدٍ بعيد, وتثبت ذلك نصوص الكتاب المقدس في الشرائع اليهودية والمسيحية, رغم التحفظ المأخوذ عليها كونها قد حُرِّفت, إلى ذلك سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين.

    المطلب الأوَّل: التَعَدُّد ليس أمراﹰ مبتدعاً مِن الشَرِيعَة الإسْلاَمِيَّة.

    المطلب الثَانِي: التَعَدُّد فِي الشَرِيعَة الإسْلاَمِيَّة.


    المطلب الأوَّل

    التَعَدُّد ليس أمراﹰ مبتدعاً مِن الشَرِيعَة الإسْلاَمِيَّة

    تعدد الزوجات نظام قائم قبل قدوم الشريعة الإسلاميَّة, فقد عرفت الشرائع السَمَاوِيَّة التي سبقت شريعتنا الإسْلاَمِيَّة نِظَامْ تَعَدُّد الزَوْجَاتْ، ولم تُنكر أيَّة شريعة هذا النِظَامْ، إلَّا إنَّه لم تكن هناك قيود كالتي فرضتها شريعتنا الإسلامية, فكان للشخص أنْ يتزوج ما شاء مِن النساء ومِمَّن شاء, إ نَّ نِظَامْ تَعَدُّد الزَوْجَاتْ كان موجوداً فِي الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة، وقد أجازته للرجل بل وَذُكِرَ أنَّها حَدَّدته وقيَّدته بأربع زوجات، ومنعته بالنسبة للمرأة, ونجد أنَّ الشريعة اليهودية هنا قد سايرت الشريعة الإسلامية مِن حيث العدد المسموح به مِن النساء, وبصرف النظر عن كون هذا التَعَدُّد مكروهاً أو غير مرغوب فِيه في ذلك الوقت، لكِنَّه بقي فِي كل الأحوال مجاز, وإنْ كانت الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة قد ا شترطت أنْ يكون للزوج مسو غ شرعي للتَعَدُّد قبل الإقدام على الزواج مِن ا مرأةٍ أخرى، و ا شترطت عليه كذلك القدرة المالية والعدل بين نساءه ( [2] ) .

    كل هذا يدلُّ دلالةً صريحة وواضحة على جواز أنْ يتزوج الرجل ب ا مرأةٍ ثانية وثالثة, وإنْ كان رديئاً كما هو مذكور سلفاً, إلَّا إنَّه لم يصل لدرجة التحريم والمنع، فلم نجد نصوصاً تحرِّم هذا النظام تحريماً واضحاً في الشرائع القديمة, كلها كانت مجرد اجتهادات مِن رجال الدين والبطاركة, حيث إنَّ بعض البطاركة قال بعزل الكاهن الذي يباشر عقد الزواج ما بين شخصين كان أحدهما قد تزوج قبله مرتين، فالعقوبة هنا على الكاهن ولا عقوبة على الرجل أو المرأة، ولم يذكر شيء بخصوص العقد وإبطاله, كما أنَّه ومِن خلال النص نجد كلمة (مرتين), أي مسموح للرجل أن يتزوج اثنتين ولا يسمح له بالزيادة عنهما ( [3] ) .


    الفرع الأول

    تعدد الزوجات في الحضارات القديمة

    أولاً: تعدد الزوجات في الحضارة البابلية

    بالرجوع إلى الحضارة البابلية نجد أنَّ التَعَدُّد كان موجوداً أيضاً, إلَّا إنَّ الزوج كان يستخدم سلطة تعس ً فِية ضد زوجته الأولى، لكن هذا لم يمنع وجود التَعَدُّد, وإنْ كان قد قُي ً د ببعض الشروط التي في أصلها مقاربة إلى حدٍ ما للشروط التي جاءت بها الشريعة الإسلاميَّة, مثل وجوب أنْ تكون ا مرأته عاقراً أو مريضة مرض يصعب معه معاشرتها جنسياً.  ( [4] )


    ثانياً: تعدد الزوجات فِي عهد الفراعنة

    عرفت حضارة الفراعنة التَعَدُّد لكن بدرجة أقل, فقد كان حِكراً على الطبقات الغنية مِن الفراعنة الذين كانوا يعتبرونه مفخرة ويتباهوا بكثرة الأولاد وممنوعاً عمَّن هم دونهم, رغم ذلك نجد أنَّ الفراعنة قد سايروا الشريعة الإسلامية في شرط الكفاية المالية, ولو بصورة غير مباشرة بحكرهم التعدد على الطبقات الغنية مِمَّن له كفاية مالية يستطيع الإنفاق على زوجتين وتحمل عبء أكثر مِن أسرة ( [5] ) .

    ثالثاً: تعدد الزوجات فِي حضارتي فارس والصين

    أباحت شريعة (زرادشت) الفارسية تَعَدُّد الزَوْجَاتْ وكذلك السراري والخليلات, إلَّا إنَّ هذه الحضارة قد أباحت التَعَدُّد دون شروط أو قيود, فكان بإمكان الرجل الزواج مِن أُمِّه أو أُخته أو ا بنته وحتى الجمع بين الأختين, وكان التَعَدُّد موجوداً فِي الصين أيضاً, إلَّا إنَّه كان يُفرَض بطريقة مُذلة ومُهينة للمرأة, ومِن أمثلة ذلك ارغام الشقيقات على الارتباط بزوجٍ واحد ( [6] ) .

    رابعاً: تعدد الزوجات في القانون الروماني

    تعدد الزوجات كان موجوداً أيضاً في القانون الروماني لكن بدون تنظيم, ويـذكر أنَّه فِي القانون الروماني القديم تحديداً حوالي سنة (530م) أنَّه – القانون الروماني – كان يَفرِض عقوبة الإعدام بحق الم ُ ع َ د ً د، وبالرغم مِن ذلك لم يمنع هذا القانون تَعَدُّد الخليلات ولم يصف هذه العلاقة بأنَّها زنا، إلَّا إذا كان الفعل مع ا مرأة متزوجة، فالتَعَدُّد هنا موجود فعلاً لكن مِن غير تنظيم، وقد جاء على لسان أحَّد فلاسفة روما قوله ساخراً (النساء يتزوجن مِن أجل أنْ يُطَلَّقن) فقد أصبحت المرأة كأنَّها بضاعة رخيصة ت ُ باع وت ُ شترى, بل وت ُ ستباح كرامتها وتُذل وتُهان ( [7] ) , جدير بالذكر أنَّ هناك بعض القوانين والتي لا ترتبط بالقانون الروماني رغم ا نتسابها للمسيحية قد أباحت نِظَامْ التَعَدُّد ولم تعتبره مِن موانع الزواج, فقد ظل هذا النِظَامْ سائداً فِي بروسيا حتى سنة 1249م، وعند السلافِيين الشماليين لا يزال معمولاً به ومباحاً حتى وقتنا الحاضر, كما هو الحال عليه فِي بلغاريا و أ يرلندا, حيث كان الرؤساء وإلى عهدٍ قريب يمارسون تَعَدُّد الزَوْجَاتْ.

    هذا وإنَّ الشَرِيعَة المَسِيحِيَّة تَكره التَعَدُّد بصفة عامة, حتى وإنْ كان هذا التَعَدُّد متعاقباً, كأن يكون بعد انفصال الزوجين لأي سبب كالموت أو الطلاق، وهذا ما تسير عليه الطائفة الأرثوذكسية مِن الروم, بل يبدو أنَّ عند النصارى إجماعٌ تام على تحريم التَعَدُّد رغم عدم وجود نص يحرِّم التعدد, والغريب فِي الأمر أنَّ المسيح عليه السلام لم يَذكر شيئاً يمنع أو يُحَرِّم التَعَدُّد, ولم يأتِ بخلاف ما كان موجوداً فِي الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة التي سبقت الشَرِيعَة المَسِيحِيَّة, فقد جاء على لسان السيد المسيح قوله (لا تَظُنُّوا أنِّي جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل) ( [8] ) ، وهذا يعني أنَّ المسيح جاء ليكمل ما جاء فِي الشَرِيعَة التي سبقت شريعته – الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة – والتي أباحت تَعَدُّد الزَوْجَاتْ والنصوص كثيرة (وإتَّخذ لامك لنفسه امرأتين) ( [9] ) ، وقيل إنَّها كانت أول حالة تَعَدُّد زوجات فِي الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة، وكذلك فِيما ذكر عن زوجات نبينا داود (لو كانت زوجات داود وسراريه غير كافِيات, كان أُعطي داود المزيد) ( [10] ) , ونبينا يعقوب عليه السلام عندما أراد الولد وتوقفت زوجته عن الإنجاب (ولما رأت ليئة أنَّها توقفت عن الولادة ,أخذت زلفة جاريتها وأعطتها ليعقوب زوجة) ( [11] ) .

    لقد ذُكرت كلمة (زوجة) هنا لتكون دلالة واضحة على زواج سيدنا يعقوب مِن امرأةٍ أخرى وهو متزوج مِن ليئة، وكذلك ما ذُكر فِي حق إسماعيل (فذهب عيسو إلى إسماعيل وأخذ محلَّة بنت إسماعيل بن إبْرَاهِيم, أخت نبايوت زوجةً على نساءه) ( [12] ) , ونرى فِي كتابات أبناء الكنيسة أنَّهم اعتبروا المرأة التي تتزوج بعد سن الستين امرأة فاسقة, كأنَّهم حددوا سن زواج المرأة والذي إنْ تجاوزته عُدَّت امرأة فاسقة، رغم أنَّها لم ترتكب أيَّة جريمة أو معصية سوى أنَّها أرادت أنْ تكون كباقي مثيلاتها مِن النساءِ, في المقابل تكون عقوبة الرجل إذا تزوج فِي سن الشيخوخة عقوبة دينية, ولم يكن منع التَعَدُّد موجوداً فِي العصور الأولى للمسيحية، فقد ظهر وتنامى فِي القرون الوسطى تأثراً بالآراء الفقهية الكنسية، وهذا ما آلت إليه القوانين المَسِيحِيَّة المعاصرة, وتعد بعض الكنائس الأفريقية إستثناءًا مِن ذلك حيث أصرًت على إباحة التَعَدُّد، بل وصل بها الحد إلى الانفصال عن الكنيسة الأم ومِن هذه الكنائس الكنيسة الحبشيَّة ( [13] ) , بقي لنا أنْ نذكر فِي نقطة أخيرة أنَّ الزواج فِي بدايات ظهور المَسِيحِيَّة غير مفضَّل عند النصارى، بل على العكس مِن ذلك كان التبتل أفضل واعتبره رجال الدين أنَّه الأقرب للوصول إلى الرب، حتى أنَّهم فضلوا العازب على المتزوج, بل وجعلوه أعلى درجةً وأرفع مكانةً كونه لم يتزوج وقَوِيَ على كبح جماح شهواته, وهناك الكثير مِن النصوص التي أكَّدَتْ ذلك ( [14] ) , فالزواج يكون هنا لدرء معصية لمن لم يستطع كبح جماح شهواته، وليست غايته إنشاء حياة مشتركة, وحجتهم فِي ذلك أنَّ الشخص إذا تزوج سينشغل بزوجته وأولاده عن ربه وبذلك سيغضب الرب منه ( [15] ) .


    الفرع الثاني

    أنواع الزواج قبل الإسلام

             جاء فِي المصادر المَسِيحِيَّة الأولى التوراة تحديداً أنَّها أجازت التَعَدُّد للرجال وحرﱠمته على النساء، وهي نصوص تؤكد أنَّ التَعَدُّد مباح فِي الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة, حيث جاء بنصٍ صريح فِي التوراة" (وإذا كان لرجلٍ امرأتان, أحدهما محبوبة والأخرى مكروهة, فولدتا له بنين, المحبوبة والمكروهة, فإنْ كان الابن الأكبر للمكروهة, فِيوم يقسم لبنيه ما كان له, لا يحل له أنْ يُقدِّم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر, بل يُعرف ابن المكروهة بكراً ليعطيه نصيب اثنين مِنْ كل ما يوجد عنده, لأنَّه هو أول قدرته, له حق البُكُورِيَّة) ( [16] ) .

    كما وعرف أنبياء الشَرِيعَة اليَهُودِيَّة نِظَامْ تَعَدُّد الزَوْجَاتْ، فعلى سبيل المثال نبي الله إبْرَاهِيم عليه والسلام كان له زوجتان الأولى سارة والثانية هاجر، وهذا ما ذُكر فِي التوراة، ونفس الحال ينطبق على نبينا يعقوب, حيث ذُكر أنَّ له زوجتين أيضاً هما ليئة وراحيل، وفِي قولٍ آخر أربع، وذُكر فِي التوراة أيضاً أنَّ موسى عليه الصلاة والسلام لهُ أكثر مِن زوجة فقد جاء فِي التوراة (وتَكَلَّمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشيَّة التي اتخذها, لأنَّه كان قد اتخذ امرأةً كوشيَّة.... وأمَّا الرجل موسى فكان

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1