Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

هذا أنا
هذا أنا
هذا أنا
Ebook479 pages3 hours

هذا أنا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب (هذا أنا... حياتي ما بين حلوٍ ومرّ) هو سيرة حياة شخصيّة عاديّة، لكنّها عصاميّة وذكيّة، تخطّت السبعين عامًا من حياتها، وتحمّلت الكثير خلالها؛ لتطوير نفسها، والوصول بها إلى مراتب متقدّمة علميـّاً، وأدبيّاً، ودون مساعدة أحد، حتى تكون في المقدّمة.. ولاقت خلال ذلك الكثير من التشجيع، والإعجاب، في نفس الوقت الذي لاقت به الكثير من المصاعب والشدائد، فهل حقّقت كلّ ما تطمح إليه؟
أحبّت هذه الشخصيّة أن تنقل بعض التفاصيل في حياتها لعلّ في ذلك عبرةً ودروسًا لغيرها، يمكن الاستفادة منها، أو السير على طريقها، وفي هذا متعة لا تقل عن المتعة التي كتبت بها الكاتبة مؤلّفها.
وقد قسّمت الكاتبة حياتها إلى مراحل، لوحظ من خلالها أن غزارة الإنتاج كانت غالبًا في المراحل المتقدّمة من عمرها، وفي هذا إشارة للجميع بأن العمر ليس عائقًا في وجه الإنتاج، بل قد يكون العكس، بأن زيادة الخبرات والنضج يؤديان إلى زيادة الإنتاج.
Languageالعربية
Release dateJun 9, 2024
ISBN9789778699289
هذا أنا

Related to هذا أنا

Related ebooks

Related categories

Reviews for هذا أنا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    هذا أنا - سلمى زكي الناشف

    هذا أنا !

    حياتي ما بين حُلوٍ ومُرّ

    للدكتورة

    سلمى زكي الناشف

    عمّــان، المملكة الأردنيّة الهاشميّة

    كانون الثاني، 2024م


    1952م           1966م             1997م                 2022م

    الزبداني، سوريا        إربد، الأردن          عمّان، الأردن         أنقرة، تركيـا

    ســلمــى زكــي النــاشــف


    قول...

    أتحدث عن نفسي بغير ما هدفٍ سوى شعوري بأن رحلة حياتي هي الأهم من بين رحلاتي، وقد يكون بها عبرةٌ لأحد!

                  سلمى

    إهداء...

    إلى من جبلني بهذه التركيبة، من أفكارٍ

    ومعتقداتٍ وقدرات وإمكانات وغيرها،

    فشكّل شخصيتي، وهم كُثرٌ...

    أُهدي عملي هذا

     سلمى

    شكر وتقدير...

    إلى صديقتي التي ما فتئت في كل مناسبةٍ أن تطلُبَ مني توثيق أحداث حياتي في كتاب، فبها محطاتٌ كثيرة تستحق التوقّف عندها والإضاءة... على حدِّ قولها!

    أقدّم شكري وامتناني...

                        سلمى

    مقدّمة الكتاب

    أصرّت عليّ صديقتي، وهي أصغر مني سنًا، وفي أكثر من مناسبة، وكلّما حدثتها بحديث ما عن موقفٍ في حياتي، أن أكتب ذكرياتي فيها، وأنا على أبواب السبعين عامًا بحيث يجعل هذا العمر حياتي زاخرة بالأحداث، والتي قد يكون من المفيد تدوينها باعتبارها دروسًا في حياتي قد تكون لغيري!

    وجدت بعد فترة ليست بالقصيرة أن صديقتي على حق، ولمَ لا أكتب ذكرياتي في حياتي، ولي من المؤلفات ثلاثة عشر كتابًا، فمن المفيد أن نزيدها آخر، قد ينفع القارئين.

    وقد تكون العبرة الرئيسيّة في الكتاب أنّه لا العمر، ولا كيد الحسّاد، ولا المرض، ولا أي عامل من العوامل يمكن أن يقف عائقًا في سبيل الفكر والإنتاج، فالاستدامة هنا هي استدامة الإرادة في القول والفعل المعبّرين عن الوجود الفعلي للإنسان، واستمراريّته.

    وبناءً عليه قررت البدء في كتابته، وقد استغرقت كتابته مني وقتًا، ولكني بالتأكيد كنت سعيدة عند الانتهاء منه، وأرجو من القرّاء أن يستمتعوا بقراءته كما استمتعت أنا بكتابته!

    ومن الجدير بالذكر أن الأحداث المذكورة هنا هي أهم الأحداث في حياتي، والتي لها مغزى، وهناك الكثير غيرها ممّا تركته بغير ذكرٍ، وأنّ هذا الكتاب موجّه لكافة الفئات العمريّة والثقافيّة والعلميّة، فهو موجّه إلى أستاذ الجامعة وطالبها، وأستاذ المدرسة وتلميذها، وربّة البيت المثقّفة وغير المثقّفة، والعامل في مكان عمله، وغيرهم والسبب أنّه يحتوي على المزيج من الخواطر، والقصص القصيرة، والطويلة، والمقالات العلميّة والأدبيّة والثقافيّة، والأبحاث العلميّة، والخبرات الحياتيّة وغيرها، فهو كتاب يشمل من كل روضٍ زهرة، ومن كل بستانٍ قطفة، فهو زاخرٌ بالتنوّع والاختلاف، ممّا لا يمكن أن يؤدّي إلى ملل القارئ أو سهوه.

    ومما يجدر ذكره أن غالبيّة الصور من تصويري.

    والله الموفّق

                     سـلمى


    الفصل الأوّل

    مرحلة الرضاعة والحضانة


    مرحلة الرضاعة والحضانة

    وتمتد هذه المرحلة منذ ولادة الإنسان وحتى عمر الثلاث سنوات بحسب علماء النفس، أي هي بالنسبة لي الممتدة من عام 1951 وحتى نهاية 1954م، وما أعرفه عن هذه المرحلة من حياتي قليل، ولكنني أعرف مدى حب والداي لي فيها، وتضحيتهما الكبيرة من وقتهما وجهدهما ومالهما في سبيل تأمين حياة مريحة كريمة لي ولأخوتي.

    وُلدت ذات يوم ثلاثاءٍ ربيعي مشمسٍ جميل بتاريخ 10-4-1951م في مدينة الزبداني في سوريا، حيث أكرم السوريون وفادة اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا فلسطين عام النكبة 1948م بأوامر من جيش الاحتلال الإسرائيلي على أمل العودة بعد أيام إلى بلادهم وذلك باحتوائهم في سوريا، وكان والداي منهم، ثم غدر الإسرائيليون بهم، فلم يعودوا حتّى يومنا هذا!

    وقد كانت والدتي رحمها الله كثيرة الحديث لي عن هذه المرحلة من حياتي، فأنا الطفلة الهادئة الذكيّة والمطيعة، وأنا الملاك الذي أرسله الله لها في سلّةٍ من السماء - كما كانت تصفني-، فقد أفادتني أنني لم أكن نهائيّـًا أتذمر أو أبكي إلا حين أحتاج رضعةً أي عندما أكون جَوْعى، أو مبلّلةً أحتاج إلى تغيير، وفيما عدا ذلك، فإننّي أستغرق في نومٍ عميقٍ هادئ طوال الوقت، حتى أنّهم كانوا يتركونني نائمةٍ ويذهبون في عملٍ مهمٍ طارئ أو مستعجل ليعودوا فيجدونني كما تركوني، أغطّ في نومٍ عميق لا أصحو منه إلا لحاجة، تُقضى لي فأعود للنوم، فقد كنت كما وصفتني أنّني مثالًا للهدوء الذكي.

    كما كانت تحدّثني عن شكلي فتصف شعري بسبائك الذهب الملتفّة، فقد وصفته لي بأنه أشقر اللون، ناعمٌ كالحرير، ملتف بشكل بسيط، وكما وصفت خدودي بالتفاح المنتفخ الجميل، وبأنّني الأكثر بياضًا في لوني من البقيّة، رحمك الله يا غاليتي!

    كانت تقول لي: كم كنت أستغرب منك جدًّا وأنت تعانقينني بشدّة وتضمينني إلى صدرك وتقولين لي ولم يتجاوز عمرك السنتين يا عيني، يا قلبي، يا روحي، يا عمري، يا حبيبتي، يا ماما وتعانقينني بشدّة، لم أكن أعرف من أين كنت تأتين بهذا الكلام، فلا أحد يردّده غيرك!

    كما روت لي بأنني سرت أولى خطواتي وعمري ستة أشهر فقط.

    أمّا والدي رحمه الله فقد أفادني أنني ولدت طفلة جميلة جدًّا ولكن بشفة عليا مشقوقة، الأمر الذي فاجأهم، فتنقّل بي الوالد من طبيب إلى آخر في الزبداني ودمشق، إلى أن علم ولحسن الحظ بوجود طبيب فرنسي زائرٌ في حلب، قدم خصيصًا لإجراء هكذا عمليّات فحملني من الزبداني وعمري لا يتجاوز الأيام وقطع مسافة طويلة ليصل إلى حلب، حيث أجرى لي الطبيب العمليّة، وأفاد الطبيب والدي بأنها عمليّة بسيطة جدًّا بالنسبة لغيرها، ودأب الوالد والوالدة على رعايتي ومراجعة الطبيب إلى أن تعافيت، وأنا في كل هذا الملاك النائم، لا أعلم شيئًا! ولم تؤثر هذه الندبة عليّ أبدًا طيلة حياتي، بل على العكس كانت تذكّرني دائمًا باهتمام والداي ورعايتهما لي.

    ومن الطرائف التي كانت ترويها لي والدتي أنّه عندما كانت تذهب صباحًا إلى عملها كمدرّسة في إحدى مدارس الزبداني الحكوميّة، وكنت أنا رضيعة، كانت تعدّ لي الطعام المهروس في صحنٍ صغير وتطلب من العاملة في البيت أن تطعمني إياه في ساعة محدّدة هي العاشرة صباحًا حتى لا أجوع لأنها تعود ظهرًا، وكانت تجدني في أشدّ حالات الجوع عندما تعود، وأبدأ أنا في البكاء بمجرّد أن أراها، وتستغرب هي ذلك، إلى أن اتفقت هي والوالد أن يعود الوالد إلى البيت في نفس الفترة المحدّدة لإطعامي، ليرى ما الذي يحدث، وفي اليوم المحدّد الذي اتفقوا عليه، أتى أبي رحمه الله إلى البيت في الساعة المعيّنة، وهاله ما رأى، كانت العاملة تطعم ما في الصحن إلى حفيدتها وبوجود ابنتها أم الحفيدة وأخوتها! كانت يوميًّا تستقبل زيارة ابنتها وأحفادها بنفس الوقت المحدّد لإطعامي، وتقوم بإطعامهم ما يتوفّر لها! لا أذكر ماذا كان الإجراء الذي اتخذوه وقتها ولكني أعتقد أنّه تمّ تسريح العاملة من العمل.

    وفيما يلي بعض صوري المتوفّرة والمأخوذة لي في تلك الفترة - والمشار لي بالسهم - والتي لم يكن فيها أي وسيلة تصوير سوى كاميرات يتم تحميض أفلامها عند المصوّر مدة أيّام حتى يستطيع الفرد رؤية الصور، يودعها لديه ثم يعود لأخذها، ولم تكن ملوّنة، بل أبيض وأسود فقط، وظهرت بعد سنوات الأفلام الملوّنة، ولم يكن يمتلك الكاميرات حينها إلا المحظوظين من العائلات أو الأفراد، وكانت الكاميرا لوالدي من نوع كوداك الأصلية منذ أن كان شابًّا في الثلاثينات، واحتفظ بها بعد زواجه لترافقه في كافّة زياراته ليصوّر بها فقد كان التصوير من هواياته المُحبّبة.

    لا أذكر الكثير حقيقة عن هذه الفترة من عمري، لذا سأكتفي بما وجدته من صور أدرجتها هنا وهي قليلة ومن معلومات قليلة أعرفها أيضًا عن نفسي من خلال ما رواه لي الوالدين.

    الفصل الثاني

    مرحلة الطفولة الأولى

    مرحلة الطفولة الأولى

    وتمتد هذه المرحلة من عمر الثلاث سنوات وحتى الخمس منها، وأكتفي بالحديث هنا عن الأعوام 1955- 1956م، حيث أنني تحدثت سابقًا عن سنة 1954م وحتى نهايتها، أي من بداية شهر كانون الثاني (1) 1955 وحتى نهاية شهر كانون الأوّل (12) 1956م، وسأسير على نفس النمط لاحقًا عندما أنتقل من مرحلة إلى أخرى.

    وأعتبر هذه المرحلة الذهبيّة في حياتي حيث بدأ انفتاحي الذكي على العالم من حولي، وكنت مقبلةً عليه بكل حواسي، وبرغبة شديدة مني في التعلّم، مع الفرح والحبور، ومحبّة الوالدين ورضاهما، وجميع من حولي، من أطفال أو أقارب.

    كنت في الثالثة من عمري حينما انتقل والداي من سوريّا، وبالذات من الزبداني إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة التي أحْسَنَت وِفادتنا، بكرم أخلاق أهلها وحكّامها، واختار أهلي مدينة إربد للسكن فيها بسبب هدوئها، واستواء أرضها وسهولة التنقّل فيها، وعشت فيها أيّامي من عمر الثلاث سنوات وحتى الثامنة عشرة حينما انتقلت بعدها إلى مدينة عمّان الأردنيّة لإكمال دراستي الجامعيّة الأولى عام 1969م في الجامعة الأردنيّة الأم التي لم يكن في الأردن سواها حينذاك.

    وعودة إلى هذه المرحلة من حياتي، فقد وضعتني والدتي وبمباركة من والدي في مدرسة راهبات الورديّة في مدينة إربد في الأردن عندما كنت في سن الثلاث سنوات وحتى دخولي الصف الأول الابتدائي، حيث كان والدي يعمل مرشدًا لوقاية النباتات في مديريّة زراعة إربد التابعة لوزارة الزراعة في الخمسينيات وما بعدها، وكانت والدتي تعمل مشرفة اللغة العربيّة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقد أثار اهتمام والدتي بمدى التزامنا بموعد الباص حين يأتي ليـقلـّنا إلى الروضة حيث نكون في انتظاره أمام باب البيت على رصيف الشارع وليس بداخله في الطابق الأول حيث نسكن، وكذلك الترتيب والنظافة الفائقة التي كانت تجمّلنا بها، والأكل النظيف الشهي الموضوع فيما يسمى السفرطاس وهي كلمة تركيّة، تتكوّن من شقين، الأوّل يعني السفر وكلنا يعرف معناه وهو الانتقال من مكان إلى آخر، والثاني الطاس ويعني الوعاء، والذي كنا نحمله معنا، أثار إعجاب الراهبات أنفسهن، حيث عبّرن لوالدتي عن ذلك في أكثر من موقف، حين كن يزرنها في الأعياد والمناسبات المختلفة مشيدين بمدى قدرتها على التنسيق بين وظيفتها وواجباتها تجاه أطفالها وبيتها، بشكلٍ متكاملٍ، وبحيث يظهرون بأفضل مظهر وأكمله ودون تذمرٍ منها أو ضجر. 

    لا أذكر الكثير أيضًا عن هذه المرحلة من حياتي، فما أذكره منها بشكل عام أنها كانت حياة هادئة، سعيدة، مريحة، أنعم بها بدفء الأسرة ومحبتها، التي تنعم بدورها باحترام الآخرين من أصدقاء ومعارف.

    وكان أبي كما ذكرت سابقًا يعمل مفتشًا لوقاية النباتات في مديريّة زراعة إربد، وكانت الوالدة تعمل مديرة لإحدى مدارس وكالة الغوث في إربد، والتي تدرّجت في وظيفتها لتصبح مراقبة التفتيش في لواء إربد ولم تكن إربد مُحافَظَة بعد.

    الفصل الثالث

    مرحلة الطفولة الثانية المتأخّرة


    مرحلة الطفولة الثانية المتأخّرة

    وتبدأ من عمر ست سنوات وحتى عمر الثانية عشرة، وبالنسبة لي فالسنوات التي تمثّل هذه المرحلة من حياتي هي الواقعة بين السنوات 1957- 1963م، وأبرز أحداثها ما يلي:

    تميّزت هذه المرحلة من عمري بالفرح والحبور، فأهلي يحبونني، فأنا الأولى في صفي في الفصلين من كل سنة، أي بشهادتين، من الصف الأوّل الإبتدائي وحتى السادس، هكذا كان نظام المدارس، مع تعليقات ممتازة من المعلّمات والمديرات، وأنا مطيعة لوالديّ، ممّا زاد من رضاهما علي، وكنت محبوبة من صديقاتي، ومعلماتي، وأشترك في كافّة الأنشطة باختيار معلماتي لي، أو تطوعي أنا للمشاركة، كما كنت أعشق مادتي الرياضة والفن، بالطبع إلى جانب بقيّة المواد التي تفوّقت فيها.

    وفي كل مرّة كنت أحصل على الدرجة الأولى كان أبي يكافئني بهدية، من ألبوم للطوابع، إلى خاتم ذهب، إلى أسوارة ذهب، إلى تخت مزركش، أو إلى مرافقته لرحلة داخل الأردن، وغيرها.

    وفيما يلي نسخة عن كل شهادة دراسيّة حصلت عليها في هذه الفترة، والتي لا زلت أحتفظ بالنسخ الأصليّة لها!

    ومن الأمور الطريفة التي ما زلت أذكرها تمامًا، هو أنّ قراءتي للقرآن الكريم كانت سليمة تمامًا وخالية من أيّة عيوب، وأنا في الصفوف الثاني والثالث والرابع الإبتدائي، فكانت المرحومة معّلمة مادّة القرآن الكريم -والتي ما زلت أذكر اسمها، وشكلها- في أحيان كثيرة تطلب مني أن أقف مكانها خلف الطاولة، وأذكر تمامًا أنني بالكاد كنت أرى الطالبات لصغر قامتي بحكم سني، وأن أقرأ أجزاء من السورة المحدّدة لنا لقراءتها أو حفظها، أمام الطالبات ليعيدوا القراءة من بعدي، وهكذا إلى نهاية الحصة، في الوقت الذي تجلس فيه على طرف البنك العلوي لتشرف على جميع الطالبات، وفي أحيان كثيرة كنت أنظر إليها أثناء إعادة الطالبات لما قرَأْتُ فأراها وقد استغرقت في النوم!!

    ومن الأمور التي أذكرها أيضًا وأنا في الصف الثاني الإبتدائي أن المديرة -وما زلت أذكر اسمها للآن- اختارتني لأمثل أحد الأدوار في مسرحيّة في إحدى الاحتفالات الرسميّة في المدرسة والتي دعت إليها المسؤولين والأهالي وعُرضت بشكل متقن جدًّا ومنظّم، حيث فُوجِئتُ بطلبها، ومَنَحني ذلك الاختيار، ومن المديرة بالذات وليس من إحدى المعلّمات ثقة كبيرة ما زلت أذكر طعمها! كما منح والداي السعادة عندما أخبرتهما بذلك.

    كما أذكر لحظات فوزي بجائزة لم أكن أتوقّعها وأنا في الصف الرابع الإبتدائي، وفي عام 1960م، ففي أحد الأيّام وأنا في المدرسة، وكنت أتصفّح مجلّة وحي العروبة التي كانت من أوائل المجلات الأردنيّة وأقلّها التي تصدر حينها، فوجئت باسمي كوني الفائزة في مسابقة للمجلة، كنت قد حللت اللغز وأرسلت الإجابة من خلال المدرسة، ولم أتوقّع الفوز، وسررت جدًّا، وعندما غادرنا المدرسة ووصلت للبيت أبلغت والداي اللذان شعرا بالفخر، ولكني وللأسف عندما طلبت منهم مرافقتي لمدرسة وحي العروبة وهي مكان إصدار المجلّة لاستلام الجائزة رفضا وقالا لي اذهبي وحدك، وكان الرفض مفاجئًا وقاسيًا لأنني لم أعتد رفضهما أي طلبٍ لي، ولكنّي تماسكت، وأبلغتهما أنني سأذهب وحدي.

    وبالفعل توجّهت إلى حيث العنوان الموضوع في المجلّة، وبالطبع لم يكن حينها موجود GPS أو هواتف نقّالة نعرف من خلالها الطريق، أو إنترنت وغيرها من وسائل التكنولوجيا الموجودة حاليًّا، ولا أذكر كيف وصلت، وعندها توّجهت إلى مكتب المدير، وأيضًا لا أذكر كيف عرفته، ولكنني عندما وصلت لبابه، قرعت الباب ودخلت، فوجدت شخصًا وقورًا يجلس على طاولة، وحيدًا في مكتبه، وأذكر نظرات الاستغراب التي بدت على وجهه حينها، من هذه الطفلة؟ ولماذا هي وحيدة؟ وماذا تريد؟ ولم تطل دهشته فقد بادرته بقولي له أنني فلانة وقد كسبت الجائزة في حل الأحجية، فلم يكن منه إلا أن مدّ يده إلى يمينه ليتناول مرزومة كتب قصصيّة ثم يكتب الإهداء عليها، ويضع الختم ويناولني إياها، لم يسألني أي سؤال أو يطلب مني إثبات أو أي شيء من هذا القبيل، شكرته، وغادرت، ولم يغادرني إلى الآن أدبه وحسن تعامله!

    وأذكر قصّة طريفة في هذه المرحلة من حياتي، أنّه كانت لي صديقة عزيزة، وبرغم صغرنا، حيث أننا لم نتجاوز الصف الثالث الإبتدائي، فقد كانت تبوح لي بأسرار بيتها وما يجري من أمور خاصّة في العائلة من مثل خلافاتهم أو مرض أمّها أو من تحب أكثر من أخواتها وغيرها من الأمور، وفي أحد الأيّام اختلفنا أنا وهي، والسبب أنني كنت عريفة الصف، وعريفة الصف هي من تقوم بغياب المعلّمة بالحفاظ على النظام والهدوء في الصف، ويتم اختيارها بصفتها الأولى في الصف، وذات أخلاق حميدة، وبالمناسبة فقد كنت عريفة الصف في جميع دراستي الإبتدائيّة، وغالب الإعداديّة والثانويّة، وقلّما تكون طالبة أخرى في الصف غيري هي العريفة.

    وفي أحد الأيّام حاولت ضبط الصف ولكنّها كانت هي المزعجة ولم تمتثل لي بالهدوء، فسجّلت اسمها للمعلّمة من ضمن المشاغبات، وأخذت عقوبتها مع الأخريات!

     أثّر الخلاف عليّ جدًّا، فلم أكن اتوقّع ردّة فعل المعلّمة، ولم أكن أريد لها أن تأخذ أيّة عقوبة، وبدا عليّ التأثّر وأنا في البيت، فسألتني والدتي لماذا أنت حزينة، فأجبتها باختلافنا، وبالتفصيل، فأجابتني بأنّني المخطئة وأن الصديقات لا يفعلن هكذا بصديقاتهن، وأنّه يتوجّب على مصالحتها والاعتذار لها، لاحظ مقدار التربية في تعامل أمّي معي، لم تجعلني أثور عليها، أو أعتقد أنها المخطئة، بل أدانتني أنا! وعلّمتني مفهوم التراجع عن الخطأ، والاعتذار!

    كانت صديقتي تسكن في بيت كبير من أعرق البيوت في إربد، له حديقة كبيرة مفتوحة على ثلاثة شوارع رئيسيّة، وكنت أزورها باستمرار ونلعب في الحديقة ونمرح، وعزّت عليّ نفسي أن أبدأ بالحديث معها، وأن أكون أنا المبادرة في ذلك، وطفقت أفكّر ماذا عساي أن أفعل؟ وكيف أعيد الصداقة لسابق عهدها، واستغرقني ذلك وقتًا، وأنا حزينة لبعدها عني، إلى أن أتتني فكرة أن أكتب لها رسالة وأضعها تحت شجرة ممتدة على رصيف الشارع، وفعلًا كتبت رسالة مصالحة واعتذار، ووضعتها وأنا على رصيف الشارع تحت الشجرة بأن مددت يدي من تحتها!

    وفي اليوم التالي في المدرسة، ظللت طوال الوقت أراقبها، وأنتظر منها أن تكلّمني أو تبتسم لي، وأنا في وادٍ وهي في آخر، وطال بي الانتظار، ولم يحدث شيء، وجاء وقت مغادرة المدرسة، وغادرنا، وللأسف لم يحدث أي تغيير على وضعنا!

    عدت حزينة مرّة أخرى إلى البيت، فلم تفلح خطّتي، لم تسألني والدتي بداية عن أي شيء، وكأنها تنتظر مني أن أبادرها بالحديث، وبعد يومين، كانا بالنسبة لي مظلمين، سألتني ماذا حدث معك أنت وصاحبتك، هل تحادثتم؟ أجبتها يبدو أن صديقتي لا تريد محادثتي، ورويت لها ماذا فعلت وأنني انتظرت إجابتها، وأنّها لم تجبني، وهنا انطلقت في ضحكةٍ مجلجلة أثارت استغرابي ودهشتي، لماذا تضحك،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1