Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عن الأسى والتأسي: العثور على معنى الأسى مرورًا بمراحل الفقد الخمس
عن الأسى والتأسي: العثور على معنى الأسى مرورًا بمراحل الفقد الخمس
عن الأسى والتأسي: العثور على معنى الأسى مرورًا بمراحل الفقد الخمس
Ebook496 pages3 hours

عن الأسى والتأسي: العثور على معنى الأسى مرورًا بمراحل الفقد الخمس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يصحبنا الكاتبان إليزابيث كوبلر-روس وديڤيد كيسلر في رحلة تأملية للأسى الناتج عن الفَقْد بمراحله الخمس، بدايةً من الإنكار وحتى التقبُّل، وهُما يشيران لكون التعافي ينبع من الأسى، حيث يقولان إن: "الأسى استجابة عاطفية مكثفة إزاء ألم الفَقْد. وهو انعكاس لانكسار صلة ما. والأهم هو أن الأسى رحلة عاطفية وروحانية ونفسية إلى التعافي.
Languageالعربية
PublisherDiwan
Release dateJun 28, 2024
ISBN9789778719390
عن الأسى والتأسي: العثور على معنى الأسى مرورًا بمراحل الفقد الخمس

Related to عن الأسى والتأسي

Related ebooks

Reviews for عن الأسى والتأسي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عن الأسى والتأسي - ديفيد كيسلر

    إهداء المترجم

    إلى محمد أبو الغيط

    «عملتها يا محمد أهو، وهو شيء من أثرك»

    وإلى إسراء شهاب ويحيى محمد أبو الغيط

    «لعل في الكتاب شيئًا من العزاء»

    إلى حفيدتيَّ،

    إيمَّا سايدي وسيلڤيا آنَّا:

    لقد كنتما نِعم السند لأكمل ما بدأت.

    إليزابيث

    إلى صديقيَّ،

    بيري برينسون وواين هاتشيسون:

    الحب لا يموت.

    ديڤيد كيسلر

    الفهرس

    توطئة لطبعة الذكرى العاشرة لصدور الكتاب

    تنبيه من المؤلفَين

    استهلال: «لقد أتممت المطلوب مني»

    مقدمة: الأسى الاستباقي

    ١– المراحل الخمس للأسى

    الإنكار ٣١

    الغضب ٣٥

    المساومة ٤٢

    الاكتئاب ٤٦

    التقبل ٥١

    ٢– العالم الباطني للأسى

    خسارتك ٥٥

    الانعتاق ٥٧

    الراحة العاطفية ٦٠

    الحسرات ٦٤

    الدموع ٦٩

    الملائكة ٧٥

    الأحلام ٨٠

    الأشباح ٨٣

    الأدوار ٨٧

    الحكاية ٩١

    الغلطة ٩٦

    السخط ١٠١

    الخسارات الأخرى ١٠٣

    معتقدات الحياة ١٠٨

    الانعزال ١١٢

    الأسرار ١١٦

    العقاب ١٢١

    السيطرة ١٢٦

    التخيلات ١٣٠

    القوة ١٣٤

    الحياة الآخرة ١٣٩

    ٣– العالم الخارجي للأسى

    الذكريات ١٤٩

    الجنس ١٥٣

    جسدك وصحتك ١٦١

    ينبغي فعل الكثير ١٦٥

    الملابس والمقتنيات ١٦٩

    الأعياد ١٧٣

    كتابة الخطابات ١٨٠

    الشؤون المالية ١٨٥

    العمر ١٩٠

    طي الصفحة ١٩٣

    ٤– الملابسات الخاصة

    الأطفال ١٩٨

    تعدُّد الخسارات ٢١١

    الكوارث ٢١٦

    الانتحار ٢٢٢

    مرض ألزهايمر ٢٣٣

    موت الفجأة ٢٣٨

    ٥– الوجه الدائم التبدل للأسى

    ٦– إليزابيث كوبلر–روس: أساي الشخصي

    ٧– ديڤيد كيسلر: أساي الشخصي

    خاتمة: هبة الأسى

    شكر ٢٧٥

    مراجع

    شكر وتقدير

    توطئة لطبعة الذكرى العاشرة

    لصدور الكتاب

    عرفتُ صورًا عديدة للأسى طيلة عمري. ليس ذلك فقط بسبب وفاة أفراد الأسرة والأصدقاء، ولكني عرفته أيضًا في ما انتابني من مشاعر الفقد التي ترافق التغيرات الحياتية التي نواجهها جميعًا، ولا مفر منها. وفي خضم صراعاتي لاستكشاف ذلك الخليط من العواطف الكاسحة التي ترافق الأسى، وجدت نفسي ممتنة بلا حدود لعمل إليزابيث كوبلر–روس (Elisabeth Kübler–Ross)، وخصوصًا في هذا الكتاب، الذي شاركها كتابته ديڤيد كيسلر (David Kessler).

    نحن أمة جاهلة بالأسى، وقد أفنت كوبلر–روس حياتها في مساعدة الناس على التصالح مع الخسارات الصعبة. لقد أذنت لنا أن نأسى. بينت لنا

    د. كوبلر–روس أنه ما من أحد منا إلا وستدهمه فورة المشاعر المدمرة التي تصاحب رحيل أحبائنا. لقد سمحت لنا أن نفرج عن نُواح جمعي على كل الخسارات التي مررنا بها في حياتنا. وتُعلِّمنا في هذا الكتاب، هي وديڤيد،كيف نتأسى.

    نشأتُ في عائلة مرت بكثير من المآسي، ولكن أحدًا لم يناقش ذلك على الإطلاق. مررت بتلك التجارب، بينما أحاول أن أمنطق الخسارات، دون توجيهات، ودون إطار عام يساعدني على فهمها. وعندما صرت راشدة، أدركت أني لا أزال أحاول التعامل مع ما جرى. وفكرت، بيني وبين نفسي، أن ثمَّة طريقة أفضل بالتأكيد.

    في مرحلة ما، بدأ الناس في ذكر اسم إليزابيث كوبلر–روس لي، قائلين إنها كتبت عن المراحل الخمس للأسى. وفي كل مرة يطرأ ذكر الأسى في محادثة، كان اسمها يُذكَر أيضًا. أدركتُ أن الكلام عن الأسى كان مفيدًا. وقد رسخت مؤلفات كوبلر–روس السكينة التي كان يمكن أن تجلبها مثل هذه المناقشات.

    عندما ماتت أمي(1) قبل أربع سنوات، غرقت في أعمق صور الأسى. أتذكر نفسي في سن أصغر، حين كنت أتصور أنه إن وقع مكروه لوالدتي فلن أستطيع النجاة على الإطلاق. لكنها تُوفِّيَت، واضطُرِرت إلى مواجهة ذلك، واضطُرِرت إلى الشعور بذلك بحق. لقد سحقني ذلك. وبعد أسبوعين من ذلك، تُوفِّي خالي(2). ثم تُوفِّي أبي بعد عام ونصف من ذلك. كنت منغمسة في الأسى.

    كانت تلك تجربة مفعمة بوحدة هائلة. شعرت بالانعزال. توقف عالمي، بينما استمر كل ما حولي في طريقه. وفي بحثي عن العزاء، وجدت السكينة لدى غيري ممن مروا بحالة وفاة أو أكثر. وكان إحساسي بالوحدة ينكمش كلما صادفت قصة لشخص آخر مع الأسى. وهذا –تحديدًا– سبب تلك الأهمية البالغة لكتاب كوبلر–روس وكيسلر؛ فبينما نتأسى، أحيانًا لا يكون الرفيق الوفي الوحيد إلا كتابًا.

    وُلِد كتاب الأطفال، الذي كتبته عن الأسى، وعنوانه «What’s Heaven?» (ما الجنة؟)، من فهمي لذلك؛ فعندما تُوفِّيَت جدتي، كان لدى أطفالي كثير من الأسئلة. ودفعتني أسئلتهم إلى إدراك أني كنت كأني طفلة مثلهم تمامًا في فهمي للأسى. شعرت بحاجة إلى التعامل مع الفضول الذي انتابنا جميعًا إزاء الفقد في مختلف أشكاله، بما في ذلك الأسى على فقد حيوان أليف. ظن الناس أن هذا الكتاب لن يحقق مبيعات، لكنه حقق نجاحًا هائلًا، ليثبت تمامًا مدى تعطش ثقافتنا إلى الكلام عن الفقد وعن طريقة تأقلمنا معه.

    الحقيقة هي أن الأسى يمكن أن يجعلك تشعر كما لو كنت في سبيلك إلى الجنون. يمكن أن يحولك الأسى إلى كاذب، فتقول إنك على ما يُرام، بينما قلبك متشظٍّ إلى آلاف الشظايا الضئيلة في حقيقة الأمر. لكن الجميع يريدون أن تقول إنك على ما يُرام، فتفعل ذلك. نحن نعيش في ثقافة لا تعرف كيف تأسى. نحن لا نعرف كيف نشعر بالألم، كيف نفهم سيرورته(3). نحن نعيش في مجتمع يريد منا أن نستعيد طبيعتنا بأسرع ما يمكن. يُتوقَّع منا أن نعود إلى العمل فورًا، وأن نداوم على الحركة، وأن نستأنف حياتنا. لكن الأمور لا تمضي على هذا النحو.

    نحتاج إلى وقت لنتجاوز ألم الفقد. نحتاج أن ننغمس فيه، وأن نعرفه حقًّا، لنتعلم كيف نتعايش معه. وهذا هو جوهر الأسى. هو انفتاح على ذلك الألم المذهل الناجم عن الغياب. هو اللحظة التي نكف فيها عن محاولاتنا لطي صفحة الماضي أو لتغيير مقدار ما نشعر به من ألم، ونكتفي أن نطلق له العنان.

    ولكن، ثمة مقاومة طبيعية تواجهنا. أظن أن ثمة خوفًا من أنك إذا بدأت البكاء فلن تستطيع أن تكف عنه أبدًا. ستفكر: ما الذي سأقوم به أبدًا؟ كيف سأنجو دون ذلك الشخص؟ ولكنك تفعلها، وتنجو. لا تظل على حالك، ولكنك تواصل حياتك. تتعلم أن ثمة من مروا بمثل ما مررت به، وتجد الأمل في رحلاتهم. أجد إلهامًا كبيرًا عندما أقابل من نجوا بعد فقد طفل، أو فقد شريك حياة. أقف ذاهلة أمام الشجاعة التي وجدوها بطريقة ما، وأمام القوة التي واصلوا بها حياتهم بعد ما جرى. يمنحني ذلك القوة.

    هذا هو ما علمني إياه الأسى حقًّا. أني أستطيع النجاة. كنت قد اعتدت خوفي من أن يدهسني الأسى إذا صادفني، ومن عجزي عن النجاة من الغرق في فيضانه، وأني إذا شعرت به فعلًا فلن أستطيع معاودة النهوض. لقد علمني أني يمكن أن أشعر به دون أن يبلعني كليةً. لكننا نأتي من ثقافة نظن فيها أن الناس عليهم أن يكونوا أقوياء. أنا مؤمنة بشدة بالهشاشة، ومنفتحة على الأسى. في ذلك قوة؛ فلا يمكن أن تعرف الفرح ما لم تجرب الحزن، والواحد منهما لا يمكن أن يوجد دون الآخر.

    علمتنا كوبلر–روس أنه لا بأس في الهشاشة. وفي هذا الكتاب، قدمت لنا –مع ديڤيد كيسلر– إطارًا لكيفية فعل ذلك، وخارطة طريق إلى النجاة من الأسى. لا يعني ذلك أن كلًّا منا عليه أن يقوم بالمنصوص عليه هنا بالضبط. يمكن أن تنتقي منه ما تريد، وتكتشف سيرورتك الخاصة، ولكن هذا الكتاب يوفر لنا البنية التي تتيح المضي قدمًا في تلك السيرورة. يمر الناس بتلك المراحل، كلٌّ حسب توقيته وبطريقته الخاصة. فتقول كوبلر–روس وكيسلر في هذا الكتاب إن المراحل «تطورت منذ تقديمها لأول مرة، وقد أُسيء فهمها جدًّا في العقود القليلة الماضية؛ إذ لم يكن القصد منها أبدًا المساعدة على حشر العواطف الفوضوية في أطر أنيقة، فهي ردود أفعال إزاء الفقد الذي يمر به كثيرون، ولكن لا يوجد رد فعل مثالي إزاء الفقد؛ لأنه لا يوجد فقد مثالي». أسى كل منا متفرد كحياته. ربما لا يمر أساك حتى بكل المراحل. وأيًّا كانت تجربتك مع الأسى، فستجربه على طريقتك. وأنا أومن بشدة أنه كلما تكلمنا عن ذلك تقدمنا في سيرورة التعافي، وتحسنت حالنا بمرور الوقت.

    قبل بضع سنوات، عندما طرحتُ فكرة مناقشة الأسى في مؤتمر المرأة، نصحني الناس ألا أفعل ذلك؛ لأنه سيزعج الناس، على حد قولهم. وقد رفضت الإنصات لهم، بل وأفضت في الحديث عن وفاة أمي في غرفة بها خمسة عشر ألف شخص. جلست بعدها لأحادث ثلاث نساء فقدن أطفالًا وأزواجًا. لو سقطت إبرة في تلك الغرفة لم تكن لتسمع لها صوتًا. كان الجميع –أي الخمسة عشر ألف شخص– قد مر بتجربته الخاصة مع الأسى، ولكننا كنا قد توحدنا جميعًا في تلك اللحظة. أدركتُ أن تلك طريقة تعافينا. تلك هي طريقة اعتناء بعضنا ببعض. تلك هي طريقة معرفتنا أننا لسنا وحدنا.

    أمدَّني الأسى بالشجاعة. صرت أقوى بالحديث عنه بصراحة، وفي السماح لنفسي بالشعور به بحق. ولكن لأتمكن من ذلك كان عليَّ أن أنصت إلى الرسالة أنه لا بأس من الأسى، بل هو ضروري. في هذا الكتاب المهم، قالت لي

    كوبلر–روس وكيسلر ألا بأس في ذلك. قالوا لنا جميعًا ألا بأس في ذلك.

    كانت إليزابيث كوبلر–روس أمًّا لحركة بدأت في طرح الأسى كموضوع لحوار حقيقي. وعلينا، كثقافة، أن نحمل الشعلة بعدها معًا. علينا أن نتم ما بدأَت. علينا أن ننوح معًا في آن واحد، لنُذكِّر العالم أن الأسى حقيقي، وأنه جزء من الحالة الإنسانية، وأننا سننجو جميعًا.

    ماريا شرايڤر

    تنبيه من المؤلفَين

    ليس ثمة طريقة صحيحة للأسى، ولا وقت صحيح له. نكتب هذا الكتاب آملين في إطلاع القارئ على جوانب الأسى والتأسي. ولا ينبغي استخدام أي كتاب كبديل عن المساعدة من متخصص إذا كان لذلك داعٍ. ونأمل أن يكون هذا الكتاب منارة تشع ضوءًا، وأملًا، وعزاءً؛ لتهدينا في أصعب أوقات حياتنا.

    إليزابيث كوبلر–روس

    وديڤيد كيسلر

    أغسطس ٢٠٠٤

    استهلال:

    «لقد أتممت المطلوب مني»

    في الرابع والعشرين من أغسطس من عام ٢٠٠٤، تُوفِّيت إليزابيث كوبلر–روس. ألقيت نظرة على الساعة بعد أن تنفسَت لآخر مرة، ولاحظت أنها ماتت في الساعة ٨:١١ مساءً. عليَّ أن أقول إني ربما لم أكن لأصدق ذلك لولا أنني رأيته بنفسي. والظاهر أني لم أكن الوحيد؛ فكثيرون أجمعوا على أنهم ظنوها خالدة بطريقة أو بأخرى. كانت تقول دومًا إنها حين «تنتقل وترتقي» فسيكون ذلك مدعاة للاحتفال؛ لأنها ستكون حينها «ترقص في السُّدُم بين النجوم».

    أما نحن، أقرب المقربين إليها، فقد رأينا ذلك فقدًا. سأفتقد تلك المرأة المشاكسة، والمرحة، والطيبة، والعبقرية التي أمضيت وقتي معها لسنوات. أرى خسارتي إليزابيث بمنزلة حزن مُركَّب. لقد كانت امرأة مُركَّبة، ولذلك، لا مفاجأة في أن يشكل الأسى، الذي شعرت به لرؤيتي إياها تُحتضَر يومًا بعد يوم، جزءًا بعد جزء، تحديًا هائلًا. كانت تبدو أحيانًا متعبة حين نكتب، لكنها كانت تُستنفَر فجأة إذا افتقد شيء ما في كتابتنا السلاسة المطلوبة.

    لقد أحبت التعليم، وكانت تود دومًا أن تقوم بالمزيد. كانت ذات ذهن متقد في ما يتعلق بعملها. وأنا سعيد لأنها استمتعت به. وقد رحلت الآن، وأنا أفتقدها بفظاعة. لكني أعرف أنها وجدت في موتها الحرية التي لم تجدها أبدًا في حياتها. لم تعد بعد الآن حبيسة غرفتها، ولا فراشها، ولا جسدها الذي كف عن القيام بعمله.

    عندما بدأت كتابة هذا الكتاب مع إليزابيث، قالت لي: «ستُضطَر إلى الانغماس في أساك الشخصي، إذا انتهى هذا الكتاب إلى ما ينبغي أن يكون عليه.»

    قلت مطيعًا: «بالطبع»، بينما تراودني ومضات لذكريات خسارات قديمة. ظننت أني أتلقى توجيهات لأعيد النظر فيها. ثم سألتها بفضول بعدها: «هل ستمرين بأساك الشخصي كذلك؟»

    أجابت: «طبعًا. لقد انتابني الأسى الاستباقي لزمن طويل حتى الآن، وأتوقع أني لن أعاني ذلك بعد الآن.» ومن هنا، وُلِدت مقدمة هذا الكتاب.

    بينما نكتب مختلف أقسامه، تأملت فعلًا في خساراتي الشخصية، وكيف لي ألا أفعل؟! فالتفكير في الأسى أثار أساي أنا نفسي. وبينما أجلس إلى إليزابيث، كانت عواطفها تثور في أجزاء مما نكتب أيضًا. كانت دموعها علامة على أنها تزور جروحًا قديمة أيضًا. يُقال إنك إن لم تُبقِك الكتابة ساهرًا فلن تبقي غيرك ساهرًا على الإطلاق. وفي أثناء تأليف هذا الكتاب، كثيرًا ما شعرت أنه إذا لم يدفعنا إلى البكاء، وإن لم يساعدنا على التعافي من أسانا، فلن يساعد غيرنا أيضًا.

    كنت دومًا أترك إليزابيث بعد كل جلسة كتابة وأنا أعرف أنها قد تكون الجلسة الأخيرة. كان ذلك هو عملنا: أن نداوم، وأن نعرف أن الحياة غير مضمونة. تكرر دخول مرض إليزابيث مراحل الخطر مرات ومرات في سنواتها الأخيرة، فكنت منتبهًا دومًا إلى مدى هشاشة احتمالية بقائها في دنيانا. كنت أفترض أن هذا الكتاب سيُنشَر، وأنها سترى آخر مؤلفاتها إلى جوار ما قبله على الرف. رأينا دومًا ثلاثًا من كتبها مرتبطة بعضها ببعض على نحو ما. كان «عن الموت والاحتضار» (On Death and Dying)(4) أول أعمالها، وكان البداية لكتب كثيرة. كان «دروس الحياة» (Life Lessons) أول كتاب لنا معًا، وكدنا نسميه «عن الحياة وعيشها» (On Life and Living). ثم ها نحن ذا قد كتبنا آخر كتبها بعنوان «عن الأسى والتأسي» (On Grief and Grieving).

    لم تعش لترى الكتاب منشورًا. قبل شهر من وفاتها، أمضينا يومين نعمل معًا. وبعد إجابة أسئلتها النهائية عن الكتاب، سألتني: «هل هذا كل ما تحتاج؟ إذن، هل أتممت المطلوب مني؟»

    أجبتها بالإيجاب على مضض. لم أحب قط وقت لحظة انتهاء عملنا معًا، ولكن كل أشرطة المحادثة كانت قد نُسِخت ولم يعد لديَّ مزيد من الأسئلة. في اليوم السابق، كنت قد جمعت مادة القراءة، وفي ذلك اليوم، كنت قد أنهيت بالكاد قراءة الفصول الأخيرة عليها. عرفت أني لن أقرأ عليها الفصول بعد تلك اللحظة إلا إذا طرأت تغييرات أو تنقيحات في اللحظات الأخيرة.

    كانت تلك الساعة الخامسة إلا بضع دقائق من اليوم الأخير لعملنا معًا، وطلبت مني إرسال رسالة إلى محررنا، ميتشيل إيڤرز، في «Scribner»، وهو قطاع النشر لدى دار النشر، سايمون آند شوستر (Simon & Schuster). وجهت كلامها إلى مسجل الصوت الخاص بي قائلة: «مرحبًا ميتشيل. إنها الآن الخامسة عصرًا وقد انتهينا. آمل أن تستمتع بالعمل على هذا المشروع بقدر استمتاعنا بكتابته. لقد انتهينا مما علينا.»

    قلت: «ولكن، يا إليزابيث، لقد أتممنا المطلوب منا اليوم فقط، ولم نتم كل المطلوب منا. لا يزال عليَّ أن أقرأ عليك الكتاب بعد تسليمه وتحريره للحصول على موافقتك النهائية.»

    كررت مرة أخرى قولها: «لقد أتممت المطلوب مني.»

    كانت إليزابيث تكرر دومًا قولها «أنصت إلى المحتضرين، وسيخبرونك بكل ما عليك معرفته عن وقت موتهم. ومن السهل أن يفوتك ذلك.»

    شعرت إليزابيث أنها «أتمَّت المطلوب منها» أيضًا بعد مساعدتي في كتابي الأول المعنون «احتياجات المحتضرين» (The Needs of the Dying)، بل إنها ذكرت على الغلاف أنه قد «حان الآن أن تواجه موتها». وبعد كتاب «دروس الحياة»، قالت إنها أتمت المطلوب منها، ولكننا انخرطنا بالفعل في كتاب آخر بعده.

    أبدت إليزابيث استعدادها للموت عدة مرات، ولكن واصلت الحياة.

    قالت: «أعرف بالغريزة أني إن توقفت عن الغضب والقلق من حالتي واستسلمت فسيكون وقت موتي قد حان. أنا في منتصف الطريق إلى هناك. والدرسان، اللذان أنصح بهما، هما الصبر وتعلُّم تلقي الحب. علمتني تلك السنوات التسع الأخيرة الصبر، وكلما زاد ضعفي وطالت ملازمتي للفراش، تعلمت أكثر كيف أتلقى الحب.»

    واصلت قائلة: «لقد رعيت غيري طيلة عمري، ولكني نادرًا ما رعيت نفسي. عرفت حين وصلت أخيرًا إلى حالة التقبل هذه أن في إمكاني المغادرة، والرحيل إلى مكان آخر يتجاوز هذه الحياة وقيودها. أنا لا أدَّعي فهمي معاناتي، وينتابني الغضب إزاء ﷲ بسببها. بلغ من غضبي من ﷲ بسبب ملازمتي لكرسي لتسع سنوات أني قلت بوجود مرحلة سادسة، هي «مرحلة الغضب من ﷲ». عادة، يكون الغضب من ﷲ مجرد جزء من مرحلة الغضب نفسها. إنْ ذلك إلا جزء من أساي الاستباقي نفسه. أعرف أن لديه خطة بالفعل. أعرف أنه قدَّر اللحظة المناسبة لرحيلي، وأني –حين تأتي تلك اللحظة– سأرحب بها، ثم سأغادر جسدي بالطريقة نفسها التي تتحول بها الشرنقة إلى فراشة. سأمر بالتجربة التي شرُفت بتدريسها طيلة كل هذه السنوات.»

    عرفتُ بالحدس أن هذا سيكون كتابها الأخير، ولكن، عندما قالت إنها أتمت المطلوب منها، فكرتُ ببساطة أنها تقصد الانتهاء من كتابة الكتاب، لا أنها أتمت المطلوب منها في الحياة. وعلى نحو مشابه، لم يخطر ببالي أن الأسى، الذي دعتني إلى استكشافه واختباره، ستكون هي محوره.

    كانت إليزابيث، وهي الخبيرة الأسطورية بالموت والاحتضار، أكثر من صادفت حيوية على الإطلاق. لقد أحبت أن نناديها إليزابيث. وكان تقديمها باعتبارها «إليزابيث كوبلر–روس» أكثر رسمية من أن تحتمل. كانت تشير إلى نفسها باعتبارها «عبيطة سويسرية»، ولكن تلك المرأة البسيطة والعادية قامت بأشياء استثنائية في حياتها. في تعاملها مع الاحتضار، أعطت صوتًا لكل من لم يكن في استطاعته التعبير عن نفسه. لقد تخطت كل الحدود، ولا يقتصر ذلك فقط على استكشاف ما يمر به المحتضرون، بل امتد إلى دعوتهم إلى الكلام، إلى أن يكونوا معلمين لنا.

    أتذكر أول مرة كان يُفترَض أن أقابلها فيها، في مصر، في المؤتمر الدولي عن الوفاة والاحتضار. لم يحدث ذلك الاجتماع قط؛ لأنها أصيبت بسكتة دماغية منعتها عن القيام بالرحلة. وبعد شهور من ذلك، اتصلت لأطمئن عليها، وقلت: «آمل أن تتقاطع طرقنا بطريقة أو بأخرى.»

    كان ردها: «ماذا عن الثلاثاء؟»

    كانت امرأة عادتها ألا تكل حتى تحقق أهدافها. كان ذلك بالضبط ما تحتاج إلى القيام به في بداية مسيرتها المعنية في مجال من الحياة نفر الجميع من استكشافه. وبدلًا من الوفاة المُعقَّمة، والمعزولة، في ممر بمستشفى بعيد، كان حلمها للمحتضرين بسيطًا: وفاة طبيعية في رفقة الأحباء، وفي محيط شبيه بالبيت، مثل ما كان عليه الموت العادي قبل قرن من الزمان.

    في أول كتبنا معًا، «دروس الحياة»، كان ثمة فصل عن الغضب. قلت لإليزابيث: «لا يمكن أن يكون لدينا فصل عن الغضب دون أن تفصحي عما تشعرين به إزاء تعرضك للانتقاد لغضبك الشديد حين عرفت أنك تُحتضَرين.»

    ردت بقولها: «الناس يحبون مراحلي. لكنهم فقط لا يريدون أن يمروا بإحداها.» ولكنها كانت بشرية كأي شخص آخر.

    وبينما تواجه موتها، اتصلت بي لتقول ببساطة: «تعالَ!» وعلى مدار أربعة أيام، جلسنا، أنا وأطفالها، وصديقة مقربة أخرى هي بروك، إلى جوار فراشها، نتساءل عما ستكون عليه النهاية حقًّا، أو ما إذا كانت ستفاجئنا بتعافيها مرة أخرى بعد كل ذلك. وبينما امتدت الساعات إلى أيام، أُتيح لنا مشاهدة تلك المرأة، التي كتبت أكثر من عشرين كتابًا عن الاحتضار، وهي تُحتضَر هي نفسها بوضوح. أما من كانوا يقدسونها فقد كانت كهرباء الترقب تسري في الهواء من حولهم، كأن شيئًا مدهشًا قد يحدث قرب وفاتها، أو كأن هذه الخبيرة بالموت والاحتضار ستكون تجربة موتها لا نظير لها.

    لا أعرف ماذا كانوا يتوقعون، هل كانوا يتوقعون موسيقى سماوية أو ظهور أقواس قزح غامضة؟ لكن، لم يحدث شيء من ذلك. لم يتضمن موتها أي إجراءات استثنائية؛ فهذا يخالف طبيعتها. انطوى موت إليزابيث بدلًا من ذلك على كل المتع العادية التي وصفتها بشغف كبير لسنوات: كانت في غرفتها في المنزل، وبعيدة عن المستشفى، مع ورود كثيرة، ونافذة فسيحة، وحولها أحباؤها وأحفادها وأطفالي يلعبون معًا على الأرض قرب فراشها. في عادية موتها، حققت السكينة والتقبل، وكان ذلك هو شكل الموت الذي طالما حلمت به قبلها لكل المحتضرين على مدار عقود.

    قالت إليزابيث مرة: «ليس الموت إلا انتقال من الحياة إلى وجود آخر، حيث لا مزيد من الألم أو العناء. تساعدني تلك المعرفة، في خساراتي وأساي، لأعرف أن من يهمني أمرهم على ما يُرام، أني سأراهم مرة أخرى، وأن من أحبهم الآن سأعتني بهم بعد رحيلي، سأضحك معهم وأتبسم لهم. وإذا كانوا لا يؤمنون بالحياة بعد الموت فسأنظر إليهم بينما أصنع حركات مضحكة بوجهي، وسأقول: «ها ها، نحن هنا وعلى ما يُرام.» أعرف أن الشيء الوحيد الذي يدوم إلى الأبد حقًّا هو الحب، وأني سأفتقد أشياء كثيرة في الحياة التي عشتها والأشخاص الذين فقدتهم.»

    نفتقدك أيضًا يا إليزابيث.

    ديڤيد كيسلر، نوفمبر ٢٠٠٤

    مقدمة:

    الأسى الاستباقي

    الترقب يحفز الحواس، ويحسن الاحتفالات بأعياد الميلاد، والأعياد عمومًا، والعطلات. ولكن الترقي –للأسف– يمكن أن يضخم كذلك احتمالية الفقد أو حقيقته. وفي حدود معرفتنا، نحن الجنس الوحيد الذي فطن إلى حتمية موته هو نفسه. ومعرفتنا أننا وكل من نحب سنموت يومًا ما تخلق القلق.

    نرى ذلك في وقت مبكر من الحياة؛ ففي الطفولة، ندرك في مرحلة ما أننا سنموت، ولا يقف إدراكنا عند هذا الحد، فندرك أيضًا أن كل المحيطين بنا سيموتون يومًا ما. وتلك بداية أسانا الاستباقي: الخوف من المجهول، والألم الذي سنمر به يومًا ما. يحضر ذلك في أغلب قصص طفولتنا وأفلامها كما لو كانت تُعِدُّنا لذلك بصورة نموذجية.

    «أم بامبي أُصيبت بطلق ناري!»

    بكت فتيات عديدات لآبائهن عندما عُرِض الفيلم لأول مرة. كانت تلك هي اللحظة التي أدرك فيها كثيرون من جيلنا أن أيًّا ممن نهتم لشأنهم قد يموت. أما لدى أطفالنا فقد تمثل ذلك في موت والد سيمبا في فيلم «الأسد الملك» (The Lion King). نتوقع للحظات في عمر مبكر أننا قد نفقد والدينا. الفكرة راسخة في أذهاننا، لكن الإنكار يساعدنا، فنقول لأنفسنا إن ذلك سيحدث لوالدي شخص آخر، مثل بامبي أو سيمبا، لا لوالدينا نحن.

    يحدث أسى استباقي أعمق بعد سنوات من ذلك، حين يتعرض أحد أحبائنا لمرض عضال، أو حين نتعرض نحن أنفسنا لذلك. يكون الأسى الاستباقي «بداية النهاية» في أذهاننا. نعيش حياتنا حينها متنقلين بين عالمين: العالم الآمن الذي اعتدناه، والعالم غير الآمن الذي قد يموت فيه أحد أحبائنا. نشعر بذلك الحزن وتلك الحاجة اللاواعية إلى إعداد أنفسنا لذلك.

    يكون الأسى الاستباقي، عمومًا، أكثر صمتًا من الأسى الذي يلي الفقد. لا نفصح عن مكنوناتنا غالبًا بالقدر نفسه. نبقي ذلك الأسى سرًّا في صدورنا. لا نريد سوى أقل القليل من التدخل الفعال. تكون الحاجة إلى الكلمات قليلة أو معدومة، فيتخذ ذلك في أكثر الأحيان هيئة شعور يمكن تخفيفه بلمسة يد أو بالجلوس في صمت في صحبة الغير. نركز غالبًا في حالة الأسى على الفقد الذي وقع في الماضي، أما في حالة الأسى الاستباقي فننشغل بالفقد المقبل.

    عندما يُضطَر أحد أحبائنا إلى المرور بالأسى الاستباقي استعدادًا لمفارقته النهائية لهذا العالم، نُضطَر أيضًا إلى المرور به. قد لا ندرك ذلك في حينه. وقد يتخذ ذلك شكل شعور غريب في قاع بطننا، أو وجع في القلب ينتابنا قبل أن يموت من نحب. نظن أن مراحل الاحتضار الخمس تحدث للمحتضر وحده، ولكن كثيرًا ما يمر محبوه أيضًا بها قبل موته كذلك. ينطبق ذلك

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1