Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي
المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي
المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي
Ebook942 pages7 hours

المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تقدم دار الرافدين مذكرات علّامة الشام محمد كرد علي كاملةً، حيث سرنا في تحقيق هذه الطبعة بخطة قوامها تحرير هوامشه وتحديثها على ضوء مؤلفات جديدة عالجت المسائل كافة التي تناولها، ومطابقة النص مع الطبعة الأولى وموضعته ضمن كتّاب السيرة الذاتية الأوائل في العصر الحديث، بحيث خلت الإشارات إلى عمله المؤسس هذا في وضع لبنات هذا الفن الحديث في كتابة المذكرات، وكذلك موضعته ضمن المشروع الرائد من دار الرافدين في استعادة آثار العلامة العلم والإضاءة على آثار من كان أمّةً في رجُل.وقد أضفنا المجلد الخامس الصادر عن المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بتحقيق ومراجعة قيس الزرلي، كما عززنا المذكرات بمجلد خاص بفهارس جميع الأجزاء، مما يسهل على القارئ والباحث.
Languageالعربية
Release dateJun 10, 2024
ISBN9787641558664
المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي

Read more from محمد كرد علي

Related to المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي

Titles in the series (6)

View More

Related ebooks

Reviews for المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المذكرات للأستاذ العلامة محمد كرد علي - محمد كرد علي

    إن المقولات الخمس المبيّنة هنا بطريقة تجريبية نوعاً ما، ومن خلال تحليل العلاقات بين الكاتب/الراوي والحدث المسرود، تقدم وسيلة تأويلية تاريخية لمذكرات محمد كرد علي لها خمسة وجوه من القراءة. إن وجهات النظر المختلفة هذه، التي تعبّر أيضاً عن سمات مختلفة في شخصية محمد كرد علي، ربما يجب أن تبرز الأهمية التاريخية لهذا العمل السيرذاتي. ألم يبحث الكاتب في هذه المذكرات، عن الدنو من الحدث الصغير والكبير في آن؟ إنطلاقاً من هذه المقاربة، يشكّل المسرود المتعدد الأشكال الذي قدمه محمد كرد علي مصدراً مهماً لتاريخ المجتمع السوري في النصف الأول من القرن العشرين، وكذلك هو مصدر مهم لتاريخ الأفكار والتصورات والعقليات والمعارف التي جرت في هذا الإطار. لاستخلاص إسهامات الرؤى المعتمدة في هذا العمل، سنهتم بالمواضيع المرتبطة بكل موقف سردي من هذه المواقف، ثم بالتفاصيل التي يقدّمها المزجُ بينها، وسنسوق بعض الأمثلة المأخوذة من النص.

    جـ. 1 ــ محمد كرد علي بقلمه:

    في الفصول التي يغلب عليها المواقف «السيرذاتي»، يقدم الكاتب/الراوي نفسه بصفات أليفة ظهرت سابقاً في الأجزاء الأولى من مذكراته، وحتى في المستهل: ظهر بصورة المثقف الملتزم المتصدي لفساد المجتمع (الفصل م10)، وصورة الإنسان الذي يشعر بمرارة وخيبة من معاصريه (الفصول م20، م35، م131، م141)، وصورة المربي الأبوي الذي يركز على رسالة تعليم الشعب البسيط (الفصل م95)، وصورة الإصلاحي العربي الذي ينتقد الاستعمار تارةً ويبدي إعجابه بالحضارة الغربية طوراً (الفصول 23، 33، م120). ولكننا نجد أيضاً في هذه النصوص صوراً جديدة يقدمها عن نفسه: صورة الإنسان الحذر الحريص على عدم تكدير أصدقائه (الفصول م10، م77، م138)، صورة الرجل المولع بالسياسة والذي فضل أن يبتعد عنها لسيطرة الكذب فيها (الفصل م101)، صورة التقدمي المهتم بالمسألة الاجتماعية وبتعليم النساء (الفصل م130)، وأخيراً صورة الرجل المنفتح على الانتقادات (الفصول 29، م103، م117). ولا نستطيع أن نغفل صيغ الردود على الانتقادات التي تعرض لها عندما ظهرت الأجزاء الأولى من المذكرات، من خلال السمات الجديدة للشخصية التي أبرزها محمد كرد علي (ولا سيّما اتهامه بكره المرأة وبالمغالاة والانتهازية السياسية). وهذه التمثلات المختلفة عن شخصه تقترب من الموقف السردي لكاتب «إصلاحي»، كما أوضحنا ذلك سابقاً؛ ويظهر التباين بينها عندما نتكلم أولاً عن صورته الشخصية كما تظهر في المضمون السردي السيرذاتي، وثانياً كما تتجلى في المنظور الخاص المتّبع في معالجة المسائل المجتمعية.

    في الفصول التي يحتل فيها الموقف «السيرذاتي» مكاناً ثانوياً بالنسبة للمواقف الأخرى، يبرز الموضوع المطروق من خلال أمثلة مقتبسة من التجربة الشخصية لمحمد كرد علي، وتدلنا على عادات الكاتب/الراوي في القراءة (الفصل م86) أو على تقديره وسائل النقل والاتصالات الحديثة (الفصلان 13 وم127). وفي حالات أخرى، يبرز الجانب السيرذاتي من نقله حدثاً ساقه بحيادية (مثلاً الفصل 25 المتعلق بـ«المستشرقين المستعربين»، والفصل م63 المتعلق بالمجمع العلمي العربي وبجائزة نوبل)؛ وهكذا يسلّط الضوء على عملية تماه مبتكرة مع الموضوع المعالج، ونستشفّ منه مشروعاً سيرذاتياً ضمنياً (وهنا، الانخراط في مجموعة من العلماء).

    وهكذا تدلنا هذه المقولة على أشكال تصور الذات في هذه المذكرات، وتدعونا إلى التفكير في خصائص هذا النوع في الأدب العربي المعاصر: صحيح أنه يندر أن تكون هذه الوقائع المسرودة وقائع ذات طابع حميمي (لم يتكلم محمد كرد علي عن عائلته إلا مرتين أو ثلاثاً، وبشكل تلميحي، في الجزء الخامس هذا)، ولكنها تبقى سيراً ذاتية لأن الكاتب/الراوي، المتماهي مع الشخصية الرئيسية، يضع نفسه في مركز الحدث الذي يرويه (وبخاصة عندما يكثر من استعمال الضمير المتكلم في صيغة المفرد)، ويساهم بالتالي في تشكيل صورة له أمام الناس، وهي الصورة التي اختار نقلها للأجيال اللاحقة. إن هذه السمات المميزة والجديدة نسبياً وقتئذٍ في الأدب العربي تسهم إسهاماً واسعاً في حداثية العمل.

    جـ. 2 ــ شهادة حول التاريخ والبشر في سوريا ومصر إبان النصف الأول من القرن العشرين:

    الأهمية الكبرى التي يعترف بها المؤرخون إزاء المذكرات تكمن في قيمتها كوثيقة وكشهادة على جملة من الأحداث وعدد من الشخصيات التاريخية التي عاصرها الكاتب. وعلى هذا النحو قدّر المؤرخون مذكرات محمد كرد علي لغنى الأحداث الشخصية التي تحتويها ولابتكارها(53). وفي هذا السياق يندرج الجزء الخامس في إطار الأجزاء الأربعة الأولى: فموقف «الشاهد» فيه يغلب في 47 فصلاً. وعلى خلاف نصوص المقولة السابقة، يقيم الكاتب/الراوي مسافة ــ ولو بسيطة ــ مع الشخصيات الأخرى التي تقع غالباً في صميم الحدث المسرود. فيهاجم بعضهم على مساوئهم ومثالبهم؛ وهذا ما فعله مع جميل مردم بك (الفصلان م64، م99)، ومع عادل أرسلان (الفصل م48)، ومع الحاج أمين الحسيني (الفصل م34)، وأحمد أمين (الفصل م80)، ومصطفى المنفلوطي (الفصل م72). وعلى العكس من ذلك يشيد محمد كرد علي ببعضهم، فيمتدح حسني الزعيم (الفصلان م47 وم48)، وعارف توّام (الفصل م66)، وأمين أرسلان (م92)، وأحمد شفيق العظم حسني سبح (الفصل م95)، وحسن الحكيم (الفصل م16) والقاضي فائز الغصين (الفصل م28)، ومحمود سامي البارودي (الفصل م3)، ومارون عبود (الفصل م5). ويحتفي الكاتب/الراوي عموماً بمواهب التجديد التي لدى عدد من الأدباء، ويشيد بالعمل الإصلاحي الذي قام به السياسيون وبالأعمال الخيرية للوجهاء.

    وهذه الشهادات كانت لا مباشرة في بعض الأحيان، ونقلها إلى كرد علي أشخاص آخرون: ويستشهد الكاتب/الراوي بمقاطع من قراءته (ولا سيما بمذكرات فخري البارودي، الفصلين م68 وم105)، وبعدد من الرسائل التي استلمها (وبخاصة رسالة فارس الخوري، في الفصل 4)، أو ينقل أحاديث أجراها مع أصدقائه (الفصلان 17 وم47). يضاف إلى ذلك أن هذه القصص تتعلق في بعض الأحيان بشخصيات نموذجية مغفلة ــ وهذا ما يجعلها مثالية وعالمية ــ تحمل رسالة أو عبرة أخلاقية، على غرار حكايات ابن المقفع أو رسائل الجاحظ: وعندئذٍ ينضاف إلى الشهادة موقف «فلسفي»، فنجد عندئذٍ السمة الخاصة للأدب، أي إن الحدث يُستخدم لتوضيح الرسالة ويدعو إلى الترفع دون أن يفقد طابعه المسلّي.

    وهكذا تدلنا قراءة مذكرات محمد كرد علي، من خلال مقولة «الشاهد»، على شبكة العلاقات المجتمعية للكاتب وعلى طرق توصيل الشهادة وعلى وضع الشخصيات المذكورة. إن القصد الضمني لهذا الموقف السردي (إرادته إصلاح المجتمع، وأيضاً رغبته في تصفية حسابه مع أعدائه السابقين) يُثْري مضمون طرائفه انطلاقاً من رؤية الكاتب الخاصة. عندما يتخلّى محمد كرد علي عن ثيابه كممثل، فإنّه يُثبت مواهبه في المراقبة وفنّه المؤكّد في رسم اللوحات.

    جـ. 3 ــ رؤية خبير للأحداث الراهنة ما بين 1951 و1953:

    انطلاقاً من الموقف السردي «للدعائي»، وجد محمد كرد علي نفسه في موقف صاحب جريدة استلم إدارتها ما بين 1908 و1919، وهي جريدة «المقتبس» (قبل أن يكلف أخاه أحمد بإدارتها نهائياً): لأن الكاتب/الراوي يضطلع برسالة إعلامية ينظر إليها كوسيلة يعلّم بها الرأي العام، فإنه يستند إلى أحداث راهنة (تزامنت مع كتابة نصوصه) ليقدم للقراء تعليقاً من شأنه أن يجعلها قابلة للفهم. وليس من المستغرب أن تندرج الفصول الخاصة بهذا الموقف السردي في خانة نوع من الكتابة يعتبره المؤرخون من «أدب المقالة»(54): إذا فصلنا معظم هذه النصوص عن مذكراته، يمكن أن تتحول إلى مقالات أو أخبار قصيرة أو افتتاحيات صحف يومية. إن اختيار عناوين الفصول في هذه المذكرات اختيار يدلّ، في هذا الصدد، على طول باع الكاتب في الصحافة: فنلمس فيها مهارة خاصة لإيجاد الكلمة المناسبة أو العبارة الجيدة التي تختصر مضمون النص، أو التي ــ بالعكس ــ تطرح لغزاً وتكون بمثابة عنصر يجذب القارئ إليه.

    يهتم المؤرخ بهذه النصوص أولاً لأن مواضيعها مهمة بالنسبة للأحداث الإقليمية والدولية آنذاك: في العالم الإسلامي، يتوقف محمد كرد علي بخاصة عند الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تمت في مصر بعد الانقلاب الذي قام به الضباط الأحرار (الفصول م36، م69، م109، م129، م144)، وعند تحالفات تركيا مع الغرب (الفصلان م57 وم59)، وسقوط بشارة الخوري في لبنان (الفصل 2) وإصلاحات شاه إيران (الفصل م132) والملك ابن سعود (الفصل م22)، ولكنه لا يتكلم عن الأحداث السياسية الراهنة في سوريا إلا تلميحاً (في الفصل م67 يتكلم عن الإصلاحات العقارية)؛ ويشكل تحرر المستعمرات السابقة من هيمنة الدول العظمى الأوروبية وظهور العالم الثالث مركز اهتمام آخر لمحمد كرد علي (الفصول 7، 18، 34، م65، م75، م111، م118، م128). ويرى أخيراً أن التطور السياسي بعد الحرب في البلدان الغربية وأن الحرب الباردة التي تتعارض هذه البلدان فيها مع الكتلة الشرقية يستحق تعليقات عديدة (الفصول 28، م75، م88، م94، م125، م133). وتجعلنا هذه النصوص نغوص في السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي لسنتي 1951 و1952، وفيهما كتب محمد كرد علي الجزء الخامس من مذكراته، وفي سياق الأشهر الأخيرة لحياته. فهذه المجالات تتيح موضعة الكاتب/الراوي في عصر معين، وتُظهر كيف أنه أصرَّ على معايشة أحداث عصره، حتى رحيله.

    بشكل ما، تستكمل هذه النصوص موقف الشاهد الذي ناقشناه آنفاً(55)، مع التنويه بأننا لم نعد أمام شهادة مباشرة أو شهادة نقلها أحد الأصدقاء حول أحداث معيشة أو أشخاص عرفها كلّ منهما: يقتبس محمد كرد علي مصادره من الصحافة اليومية في سوريا ومصر، كما فعل معاصروه، وقلما يقتبسها من الأخصائيين أو الممثلين السياسيين. ومع ذلك، نرى أنه يلقي على الأحداث نظرة من اختبرها وتميزت بسنوات مارس فيها الصحافة؛ وعلى نحو ما، نستطيع القول إن الكاتب/الراوي يمثل مجدداً في مذكراته دوراً اضطلع به قبل ذلك بأربعة عقود. والأهمية الثانية الكبرى لموقف «الدعائي» بالنسبة للمؤرخ، ترجع إذن إلى الطريقة التي عالج بها محمد كرد علي الأحداث الراهنة في نهاية حياته. وهكذا من خلال بعض التعليقات التي قام بها الكاتب/الراوي يرتبط موقف «الإصلاحي» بموقف «الدعائي»: وفي هذا المنظور، يجب على الأحداث الراهنة ألا تُطلع فحسب (كما ينبغي على الطرائف الشخصية ألا تسلّي فقط)، وإنما تعلّم أيضاً؛ ويترتب على الإنسان النبيل أن يكون قادراً على الاقتباس منها ليشكل حكمه الخاص به.

    جـ. 4 ــ تبدلات الخطاب الإصلاحي العربي والإسلامي في منتصف القرن العشرين:

    إن الموقف السردي للـ«المفكر الإصلاحي» يضع محمد كرد علي بين دورين: دور الممثل الفاعل ودور المراقب، لأنه يتبنى موقفاً نقدياً من المجتمع الذي يعيش فيه؛ فخطابه يشكّل هنا، إلى حدّ ما، استمراراً لعمله السياسي من خلال الكتابة. أما موقف الشاهد فيضعه على مسافة من الأشخاص الذين صوّرهم، ويعطيه موقف المفكّر دوراً رئيسياً ووظيفة تحظى بسلطة اعتبارية، ليس داخل الحدث المسرود ــ الذي يبقى خارجه وإنما عبر خطابه الإصلاحي.

    من بين الموضوعات التي تطرق لها في هذه الرؤية الخاصة، نجد الحجج المفضلة لدى الحركة الإصلاحية الإسلامية التي ارتبط بها محمد كرد علي من خلال تتلمذه على يدي الشيخين طاهر الجزائري ومحمد عبده(56): نعني بها فضح الخرافات والهرطقات والبدع في مصر وسوريا (الفصول 6، 19، م7)، والدفاع عن الدين الإسلامي وعن اللغة العربية اللذين تعرضا للهجمات (الفصول 30، م18، م52، م84، م124). إن الإيديولوجيا الليبرالية التي اقتبسها محمد كرد علي من الكتّاب الغربيين تترجم هنا بالحث على الجهد النافع (الفصل 37)، وعلى احترام الملكية الخاصة (الفصل 23)، والدفاع عن حرية التعبير (الفصل 14)، وتظهر أيضاً في بعض المفاهيم الصحية المجتمعية (الفصل م54). ويلطّف محمد كرد علي المقولة التي تركّز على تفوّق الحضارة الغربية الواردة كثيراً في أعماله (وفي هذا الكتاب في الفصل م90)، بتبني مبدأ حق الشعوب في الحرية (الفصل م126) وبدعم حركة السلم (الفصل م134) أو بنقد بعض الجوانب الاستعمارية (الفصول م9، م85، م120)؛ ولكن الكاتب/الراوي يعود إلى ما وصفه بأنه أمراض مستفحلة في المجتمعات الشرقية، كالفساد والمحسوبية وتوارث الوظائف الدينية والبيروقراطية (الفصول 9، م9، م46، م89، م121، م141). ويتصدى أيضاً لبعض مثالب الطبع أو لتشويهات الشخصية، مثل التملق والضحالة والكذب والنفاق والغطرسة والجشع والغدر بالأصدقاء (الفصول 26، 38، م31، م35، 45، م49، م56، م89، م135).

    إذا أخضعنا الخطاب الإصلاحي الذي يميز عمل محمد كرد علي، نجد أنه هنا خطاب راديكالي تتخلله مثل عليا اشتراكية وتوجيهية. فترى أن الأغنياء في البلدان الإسلامية معروفون بأنانيتهم (الفصول 10، 17، 20، م8، م137)، وأن النظام الدستوري البرلماني منتقد بسبب عدم استقراره المزمن وعجزه عن تحقيق الإصلاحات (الفصول 8، 36، م16). ويؤيد الكاتب/الراوي الإصلاحات الديموقراطية القاضية بتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء ويؤيد أيضاً إلغاء الألقاب الفخرية في مصر (الفصلان 11، م108). ويتناسب هذا الخطاب الجديد عند محمد كرد علي مع التطورات الاجتماعية السياسية في منتصف القرن العشرين: ومرة أخرى يعبّر الكاتب/الراوي عن رغبته في التماشي مع عصره. ولكنه لا يتخلى عن مفاهيمه الأبوية؛ وبعيداً عن النزعات الثورية يستنكر الاغتيالات السياسية (الفصل م50)، ويحذّر من الخطر الشيوعي (الفصل م137) ويصرُّ على ضرورة تطبيق الإصلاحات على مراحل (الفصل م38).

    من المهم بمكان أن نشير إلى أن الخطاب الفلسفي والأخلاقي لمحمد كرد علي ممزوج بجميع المواقف السردية الأخرى، بحيث إن كل فصل من فصول الجزء الخامس للمذكرات يتضمن رسالة إصلاحية. ورأينا كيف أن الطرائف الشخصية أو الأحداث الراهنة يمكن أن توظّف لرسالة كهذه يخلفها للأجيال القادمة. وينطبق الأمر إلى حدّ ما على الخطاب ذي الطابع الأكاديمي.

    جـ. 5 ــ مساهمة في نشر المعارف القائمة على محمول قشيب:

    إن تحليل الفصول التي يسيطر عليها الموقف السردي «للعالِم» يكشف أولاً عن الاختصاصات المفضلة لدى محمد كرد علي، والتي أظهر فيها كفاءة عالية؛ ونعني بها التاريخ والأدب، وهما مجالان أكاديميان ارتبطت بهما المقالات والمحاضرات الست التي أعيد نشرها في الجزء الخامس من هذه المذكرات (الفصول 5، 24، 25، 39، م1، م2) وتشغل 115 صفحة من المدونة (من أصل 247)، أي 47% من المجموع. ووجودها في مدونة المذكرات يمنحها قيمة المنتخبات، وتشير إلى أن الكاتب أراد أن ينبّه المقمشين وكتّاب السير في المستقبل إلى أهميتها داخل عمله: وفعلاً إنها تساهم في رسم صورة العالم التي أراد محمد كرد علي أن يتركها للأخلاف.

    إلى هذه المقالات والمحاضرات تُضاف فصول أقصر تنتمي أيضاً إلى التاريخ والأدب (الفصلان 35، م112)، وعلم الاجتماع أيضاً بشتى فروعه: علم الاجتماع السياسي (الفصول 21، 32، م21، م71، م107) وعلم الاجتماع الديني (الفصلان م6، م76) وعلم الاجتماع الثقافي (الفصول م25، م44، م51، م55، م114) {وعلم الاجتماع دخل إلى مصاف العلوم في النصف الأول من القرن العشرين}. ويبدو أن محمد كرد علي ــ وهو عصامي بامتياز ــ قد تولع بهذا العلم الحديث الذي كان ابن خلدون السبّاق فيه، وذلك بتأثير من صديقيه لوشاتيلييه (أستاذ علم الاجتماع الإسلامي في الكوليج دي فرانس ما بين 1902 و1925 ومؤسس «مجلة العالم الإسلامي» عام 1906) وغوستاف لوبون (مؤلف كتاب «حضارة العرب»، 1883) ومن إدمون ديمولانس، مؤلف الكتاب الشهير «سر تقدّم الأنكلوساكسونيين» (الذي ترجمه إلى العربية أحمد فتحي زغلول عام 1899) الذي استشهد به محمد كرد علي كثيراً في مقالاته الأولى. إلى جانب ذلك، الشرح الذي يقترحه كرد علي عن تأخر البلدان العربية بسبب قابليتها الثقافية والعرقية (الفصل م26)، يعتبر اليوم شرحاً انتقاصياً، كان شائعاً في علم الأعراق في بداية القرن العشرين. في ما يتعلق بالأحداث الراهنة المذكورة في خواتيم بعض الفصول المخصصة للمسائل التاريخية (الفصول 1، 3، م19، م42)، يدل على ذلك على تصور حداثي نسبياً للاستمرار التاريخي، وللتاريخ الفوري الذي يتبلور في الزمن الحاضر.

    مع أن موقف «العالِم» هذا يدّعي أنه محايد وموضوعي، يشير مزجه هنا مع مواقف سردية أخرى إلى الجانب الذاتي عند محمد كرد علي. فمن جهة، يغلب الخطاب العقائدي، الإصلاحي الإسلامي أو العروبي، يغلب في غالب الأحيان الخطاب الأكاديمي. وهذا ما يتجلى في الفصول التي تعالج المسائل الدينية (الفصول 19، م14، م18)، والاستعمار (الفصل م85) وردود الأفعال المحافظة التي أثارتها بداية المسرح في سوريا (الفصل م96). ومن جهة أخرى، يخضع الخطاب الأكاديمي لتدخلات عديدة قام بها الكاتب/الراوي، مستخدماً ضمير المتكلم ليعبر عن رأيه أو ليسهب في سرد طرائف شخصية. وهذا المزج بين المجالين الأكاديمي والخاص (وهو مزج ظاهر في الفصول 25، م3، م5، م63، م72، م119، م142) قد يفسّر على أنه شكل من التورط الشخصي، لا بل التماهي مع الموضوع المطروق؛ ورأينا ذلك سابقاً عندما تكلم عن «المستعربين من علماء المشرقيات». ونستطيع تطبيق هذا التحليل على مسألة الشوام الذين هاجروا إلى مصر (وهي تجربة عاشها محمد كرد علي ما بين 1900 و1908)، ومسألة روايات المنفلوطي (وسعى الكاتب/الراوي إلى التمايز عنها ليرد على الانتقادات التي تعرضت لها مذكراته)، أو مسألة «تصورات الشيوخ» (وهي مسألة تخصه مباشرة). وراء التماهي الممكن مع موضوع الحدث المسرود، أليس الهدف من حضور الكاتب/الراوي داخل الخطاب الأكاديمي هو للتذكير بالإسهام العلمي لمحمد كرد علي في شتى العلوم المطروقة؟ بالإضافة إلى الإشارة لمصادر النصوص التي نشرها أو قرأها في محاضراته، فإن وجود المقاطع التي استشهد بها من كتبه الأخرى، وهنا تلميح لكرد علي بكتابه التاريخي المرجع «خطط الشام» (الفصلان 25، م119) أو بجريدة «المقتبس» (الفصلان م95، م117) أو إلى مقالاته عن اليمن (الفصل 1)، دليل على ذلك.

    وهكذا فإن الموقف العلمي الذي تبناه محمد كرد علي يسيطر كميّاً على الجزء الأخير من مذكراته، مما يُظهر التوجه الجديد، وهو نقل المعارف في هذا الجزء بالمقارنة مع الأجزاء الأخرى منها. إلى ذلك، إذا أضفنا الطابع الشخصي الذي فرضه الكاتب/الراوي على خطابه العلمي ــ كما أظهرنا ذلك للتو ــ يتبيّن لنا أن المشروع السيرذاتي يتخذ هنا شكلاً غير متوقع: أي شكل عمل أكثر جدية يرسم عودة كرد علي إلى الأسلوب الأكاديمي الذي وسم أعماله السابقة. لنذكر أيضاً أن نصوص هذا الجزء تتّسم بتوثيق أكبر؛ فكثيراً ما يذكر الكاتب/الراوي مصادره، أتعلق الأمر بأسماء الشهود الذين نقلوا له الأحداث، أو بمصادر الكتب أو المقالات التي استوحى منها.

    في خاتمة هذا التقديم، نستشف بضعة عناصر للإجابة على المسائل التي يطرحها هذا العمل المركّب والمبتكر. قبل كل شيء نلاحظ أن تحليل المسيرة السيرذاتية والتأثيرات الأدبية العديدة للكاتب يتيح تحديد موقع المذكرات داخل مجمل أعمال محمد كرد علي، في استمرارها وانقطاعها في آن. فمع أنه يلجأ إلى أنواع أدبية مطروقة سابقاً، كما هو الحال في الأحداث المسرودة في السيرة أو السيرة الذاتية أو التاريخ أو الفلسفة والأخلاق، وأيضاً كما نجد في المقالات الحديثة أو التبسيط العلمي، نرى أن كاتب هذه المذكرات قد قام بعمل مجدّد، عندما لاصق فصولاً متغايرة، وعندما استخدم ضمير المتكلم مراراً (وأكّد عليه).

    وهذا التغاير يطرح مسألة الهوية والوحدة في الكتاب: هل يتعلق الأمر بشهادة، أو بسيرة ذاتية، أو بتجميع متنافر لفصول مستقلة عن بعضها، أو بعمل متماسك بالنسبة لمشروع أدبي أو لميثاق سيرذاتي طرح في المستهل؟ إن تحليل مكانة الراوي داخل الحدث المسرود، خوّلنا إبراز التعايش والتمازج بين مواقف سردية مختلفة في كل فصل من هذه المذكرات، بالإضافة إلى المطابقات مع المشروع السيرذاتي الأول، رداً على انتقادات عدد من المعاصرين؛ كذلك بيّن هذا التحليل وجود مشاريع غير مفصح عنها. بالمقارنة مع الأبعاد الذاتية أو الهادفة إلى رد الاعتبار ــ والتي تخللت الأجزاء السابقة ــ يسجّل هذا الجزء عودة إلى أشكال أكثر أكاديمية، من خلال المواضيع المطروقة، والمقالات والمحاضرات المنشورة سابقاً، وذكر مصادر عديدة في المراجع التي استخدمها في متن النص أو في الحواشي التي تذيّله. إن الجزء الخامس هذا من المذكرات يُظهر، أكثر مما سبق، كنموذج مصغّر لمجمل أعمال محمد كرد علي، ويبرز مواهبه الأدبية العديدة ويحظى بقيمة المنتخبات.

    أخيراً إن ذكر الأحداث أو الطرائف التاريخية بنبرة شخصية يطرح مسألة صدقية النص أو صراحة كاتبها. في هذا الصدد، أبرز تحليل المقاطع التي تحيل إلى مذكرات كرد علي، وتحليل المواقف السردية الأخرى المعتمدة، أبرز الرؤى ووجهات النظر والأطياف التي يمكننا بها أن نقرأ هذا العمل، وأظهر المناخل العديدة التي يمر بها خطاب محمد كرد علي، حسب مقاربة نقدية ومقارنة. لأن الكاتب قد اعترف بأنه لم يمارس مهنة المؤرخ في مذكراته، ندعو القارئ إلى ألا يأخذ بحذافير المعلومات المتضمنة في هذا العمل: ذلك أن أهميته الأدبية والتاريخية تتمّ على مستويات أخرى. إن مذكرات محمد كرد علي ــ إنْ أُخذت كموضوع دراسة ــ تبدو وكأنها تسهم في تاريخ النوع السيرذاتي في بلاد الشام، للأسباب التي ذكرناها آنفاً (لا سيما الجانب المتعدد للعمل، وشتى تأثيراته، والمكانة المتميزة التي شغلها الراوي). وكمصدر تاريخي، تكمن أهمية هذا الكتاب ليس فقط في غنى طرائفه (وهي شهادة عن الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في سوريا إبان النصف الأول من القرن العشرين)، وإنما في مضامينها الصحفية والفلسفية والعلمية، وفي طريقة عرضها. وهكذا يمكن استخدام مذكرات محمد كرد علي كمصادر لدراسة تاريخ العقليات والتصورات (لا سيما تلك المتعلقة بأشكال التعبير الشخصية)، وتاريخ شبكات الحلقات العلمية في سوريا، وتاريخ الصحافة ومعالجة الأوضاع الراهنة في العالم العربي، وتاريخ التيار الإسلامي الإصلاحي، وتاريخ العلوم والمعارف في فترة الاحتلال (الانتداب) وما بعدها. آمل أن يُيسّر نشر هذا الكتاب عمل الباحثين لاحقاً، وأن يكون بمثابة كتاب ممتع لجميع القراء.

    قيس الزرلي

    دمشق، آب 2008

    مصادر البحث بالعربية(57)

    1) الكتب

    -أرسلان، الأمير شكيب، سيرة ذاتية، بيروت دار الطليعة للطباعة والنشر، 1969.

    -الألوسي، جمال الدين، محمد كرد علي، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، آفاق عربية، 1986.

    -إلياس، جوزيف، تطوّر الصحافة السورية في مائة عام (1865 ــ 1965)، بيروت، دار النضال، مجلّدان، 1983.

    -أمين، أحمد، حياتي، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1952.

    -البارودي، فخري، مذكّرات البارودي: ستون سنة تتكلّم، دمشق، بيروت، مطابع دار الحياة، جزآن، 1950.

    -بروكلمان، كارل، تاريخ الأدب العربي، 6 أجزاء، ترجمة عبد الحليم النجّار ورمضان عبد التوّاب، جامعة الدول العربية، دار المعارف، 1977.

    -الجاحظ، عمرو بن بحر، كتاب التربيع والتدوير، تحقيق وفهرسة وتقديم شارل بلات، دمشق، المعهد الفرنسي للدراسات العربية، 1955.

    -جبري، شفيق، محاضرات عن محمد كرد علي، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، 1957.

    -حلاّق، عبد اللّٰه يوركي، من أعلام العرب في القومية والأدب، حلب، مطبعة الإحسان، 1977.

    -حنّا، عبد اللّٰه، تاريخ الفلاّحين في الوطن العربي، الجزء الثالث، دمشق، منشورات الاتّحاد العام للفلاّحين، دار البعث للطباعة والنشر، 1985.

    -الخطيب، عدنان، المجمع العلمي العربي، مجمع اللغة العربية بدمشق، في خمسين عاماً، دمشق، مطبعة الترقي، 1969.

    -خليل، خليل أحمد، موسوعة أعلام العرب المبدعين في القرن العشرين، جزآن، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001.

    -الخوري، كوليت (تنسيق وتحقيق وتعليق)، أوراق فارس الخوري، الجزء الأوّل، دمشق، مطابع دار البعث للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 2007.

    -الدستور السوري، دمشق، دار اليقظة العربيّة للتأليف والترجمة والنشر، 1950.

    -الدهّان، سامي، محمد كرد علي: حياته وآثاره، دمشق، مطبوعات المجمع العلمي العربي، 1955.

    -دي طرازي، فيليب (الفيكنت)، تاريخ الصحافة العربية، الجزء الرابع، بيروت، المطبعة الأميركانية، 1933.

    -الزركلي، خير الدين، الأعلام، الطبعة الثانية، 1954 ــ 1959.

    -زيدان، جرجي، مذكرات جرجي زيدان، نشر وتحقيق صلاح الدين المنجّد، بيروت، دار الكتاب الجديد، 1968.

    -الشهابي، قتيبة، دمشق تاريخ وصور، دمشق، وزارة الثقافة، 1986.

    -صالح، نبيل (تحرير وإشراف عام)، رواية اسمها سورية: مئة شخصية أسهمت في تشكيل وعي السوريين في القرن العشرين، ثلاثة أجزاء، المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق، 2007.

    -صقّال، فتح اللّٰه ميخائيل، من ذكريات حكومة الزعيم حسني الزعيم، وخواطر وآراء، القاهرة، دار المعارف، 1952.

    -ــ ثلاثون سنة في خدمة الإحسان (1929 ــ 1959)، هديّة مجلة الكلمة لقرائها، حلب، مطبعة الضاد، 1960.

    -الصوّاف، محمد شريف بن عدنان، معجم الأسر والأعلام الدمشقية، دمشق، بيت الحكمة، 2003.

    -ضيف، شوقي، الترجمة الشخصية، القاهرة، دار المعارف، فنون الأدب العربي، الفنّ القصصي، الطبعة الثالثة، 1979 {1956}.

    -طلاس، مصطفى (إشراف)، المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري، 5 مجلدات، دمشق، مركز الدراسات العسكرية، 1992.

    -العِطري، عبد الغني، أعلام ومبدعون، دمشق، دار البشائر، 1999.

    -ــ عبقريات، دمشق، دار البشائر، 1997.

    -العظم، خالد، مذكرات خالد العظم في ثلاثة مجلّدات، بيروت، الدار المتحدة للنشر، 1972.

    -العقيقي، نجيب، المستشرقون، 3 أجزاء، القاهرة، دار المعارف، الطبعة الرابعة، 1981.

    -عويدات، جميل، أعلام نهضة العرب في القرن العشرين، عمّان، مطابع الدستور التجارية، 1994.

    -عيّاش، عبد القادر، معجم المؤلفين السّوريّين في القرن العشرين، دمشق، دار الفكر، 1985.

    -العيد، يوسف، جولات في العالم الجديد، بوينس أيرس، مطبعة رستم إخوان، 1959.

    -الفتّيح، أحمد، تاريخ المجمع العلمي العربي، دمشق، مطبعة الترقّي، 1375 هـ/1956 م.

    -قاسمية، خيرية، حياة دمشق الاجتماعية كما صوّرها المعاصرون أواخر العهد العثماني، دمشق، مطبعة الداودي، 2000.

    -قاسمية، خيرية (نشر وتحقيق)، مذكّرات عوني عبد الهادي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2002.

    -قدامة، أحمد، معالم وأعلام في بلاد العرب، القسم الأوّل (القطر السّوري)، الجزء الأوّل، دمشق، مطابع ألف باء، 1965.

    -كرد علي، محمد، غرائب الغرب، جزآن، القاهرة، المطبعة الرحمانية، 1910 و1923.

    1 ـرسائل البلغاء، القاهرة، دار الكتب العربية الكبرى، 1913.

    2 ـخطط الشام، 6 أجزاء، دمشق، المطبعة الحديثة، 1925 ــ 1928.

    3 ـأمراء البيان، جزآن، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1937.

    4 ـالمذكرات، 4 أجزاء، دمشق، مطبعة الترقّي، 1948 ــ 1951.

    5 ـغوطة دمشق، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، 1949.

    6 ـالمعاصرون، نشر محمد المصري، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية، 1980.

    7 ـكنوز الأجداد، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1984 {1950}.

    8 ـدمشق مدينة السحر والشعر، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية المعدلة، 2008 {1944}.

    -مجموعة مؤلّفين، محمد كرد علي مؤسّس المجمع العلمي العربي، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية، 1977.

    -مراد، رياض عبد الحميد، فهارس المقتبس، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1977.

    -مردم بك، خليل، يوميّات الخليل، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1980.

    -الملّوحي، مهيار، معجم الجرائد السورية، 1865 ــ 1965، دمشق، الأولى للنشر والتوزيع، 2002.

    -النفزاوي، محمد ناصر، محمد كرد علي وقضية الولاء السياسي، تونس، دار الجنوب للنشر، 1993.

    2) المقالات

    -الأثري، محمد بهجة، «المذكرات»، مجلة المجمع العلمي العربي العراقي، المجلّد الأوّل، سنة 1950، ص349 ــ 356.

    -أمين، أحمد، «مذكرات الأستاذ محمد كرد علي»، مجلّة الثقافة، المجلّد الثاني، الرقم 452، سنة 1949، ص 6 ــ 9.

    -الحمصي، عبد المالك، «ذكرى مرور ثلاثة وعشرين عاماً على وفاة مؤرّخ الشام ومؤسّس مجمع اللغة العربية المرحوم محمد كرد علي»، مجلّة التمدّن الإسلامي، المجلّد 43، دمشق، أيّار/مايو 1976، ص 342 ــ 346.

    -الخطيب، عدنان، «قصة المذكرات»، في كتاب: محمد كرد علي، مؤسّس المجمع العلمي العربي، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية، 1977.

    -«محمد كرد علي، الرائد المجمعي الأوّل في الوطن العربي»، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1979.

    -رضا، محمد رشيد، «محاربة الوهم للعلم»، مجلّة المنار، المجلّد الثامن، سنة 1905، ص 315 ــ 317، و«أنباء سورية المزعجة»، في المجلة نفسها، ص 346 ــ 348.

    -السكاكيني، وداد، «مذكرات خالدة»، مجلة المجمع العلمي العربي، المجلّد الرابع والعشرون، سنة 1949، ص 115 ــ 118.

    -«حول المذكرات»، مجلّة الكتاب، المجلّد 11، الجزء 5، أيار/مايو 1952، ص 610 ــ 612.

    -فتّوح، عيسى، محمد كرد علي، علامة الشام ومؤسّس المجمع العلمي العربي (1876 ــ 1953 م)، مجلة اللغة العربية بدمشق، المجلّد الثامن والستّون، الجزء الرابع، تشرين الأوّل/أكتوبر 1993 م.

    -كرد علي، محمد، «أثر المستعربين من علماء المشرقيات في الحضارة العربية»، مجلّة المجمع العلمي العربي، دمشق، المجلّد السابع، الجزء العاشر، تشرين الأول/أكتوبر 1927، ص 433 ــ 456.

    -«جبار بني العبّاس ليس بالمستهتر الماجن»، مجلّة الهلال، المجلّد السادس، السنة الثامنة والأربعون، نيسان 1940، ص1099 ــ 1103.

    -«مجالس أناتول فرانس»، مجلّة المجمع العلمي العربي بدمشق، المجلّد الحادي عشر، سنة 1931، ص 321 ــ 333 و393 ــ 405.

    - «مميزات بني أمية»، مجلّة المجمع العلمي العربي بدمشق، المجلّد السادس عشر، سنة 1941، ص 408 ــ 421 و450 ــ 455.

    - «تصورات الشيوخ»، مجلّة الشرطة، رقم 5، السنة الأولى، أيار/مايو 1953، ص 10 و33.

    - «سوانح»، المجمع العلمي العربي بدمشق، المجلد السادس والعشرون، الجزء الأوّل، كانون الثاني 1951، ص 15 ــ 26.

    - «سوانح»، مجلّة المجمع العلمي العربي بدمشق، المجلّد السابع والعشرون،، الجزء الرابع، تشرين الأوّل 1952، ص 504 - 519.

    -مجموعة مؤلّفين، حفل تذكاري بمناسبة انقضاء خمسين سنة على وفاة مؤسّس المجمع الأستاذ محمد كرد علي، مجلّة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلّد التاسع والسبعون، الجزء الأوّل، كانون الثاني/يناير 2004، ص 3 ــ 38.

    -اليافي، عبد الكريم، «محمد كرد علي وأثره في الحركة الأدبية ببلاد الشام»، الكاتب العربي، رقم 3، سنة 1982، ص 54 ــ 76.

    القسم الأول

    الفصول الرئيسية

    اليمن الخضراء

    وصفت اليمن بالخضراء لالتفاف أشجارها ونضرة أرضها وخصب تربتها. {قال القدماء}: إن أهلها يزرعون أربع مرات في السنة ويحصدون كل زرع في ستين يوماً، والحبة تنبت من خمسين إلى أربعمائة حبة. ولئن عزّت أنهارها فما عزّت أمطارها، {ترسل السماء عليها} الغيث المدرار بالعدان في الصيف. يقول ابن الفقيه:(58) إن فيها من أنواع الخصب وغرائب الثمر وطرائف الشجر ما يستصغر معه ما ينبت في بلاد الأكادسرة والقياصرة، وإذا تفاخرت الروم وفارس بالبنيان وتنافست، لقد عجزوا عن مثل غمدان ومأرب وحضرموت وغيرها من القصور والمصانع(59).

    ويزيد في مكانة اليمن أنها أصل العربية نزلها ولد يعرب بن قحطان. وكان يعرب على رواية {معظم} المؤرخين أول من تكلم بالعربية حين تبلبلت الألسن ببابل. وأطلقوا على سكان اليمن اسم العرب العاربة وعلى غيرهم العرب المستعربة. وأي شرف لليمن أعظم من أن يكون أبناؤها أول من حملوا اسم العرب وأن يكون بلدهم موطن هذه الأمة الأول.

    إن تاريخ اليمن في الإسلام والجاهلية مما يفاخر به. كان أبناء اليمن في الفتح العربي وبعده في عهد بني أمية وعهد بني العباس وفي أدوار الدول الخالفة أمة رشيدة قوية الشكيمة، صلبة العود، {عُرفت بخصالها وشدة ذكائها}، ويكفي في عزّتها وشمم نفوس أهلها أنها ظلت خلال استيلاء الترك العثمانيين عليها تجاذبهم حبل السلطة أكثر من ثلاثمائة سنة لم تفتر عن مناجزتهم حاربتهم حرباً لا هوادة فيها منذ يوم فتحها السفاح سنان باشا التركي إلى أن عقد إمام اليمن يحيى بن حميد لديه مع قائد الترك عزت باشا سنة 1329 هـ (1327 رومية)(60) معاهدة لم تُبق للدولة العثمانية بعدها في ولاية اليمن سوى امتيازات ضئيلة وهذه قُضِي عليها عُقبى الحرب العالمية الأولى بانسلاخ الولايات العربية بأسرها عن الدولة العثمانية وجلاء الترك عن اليمن بأمر السلطان سنة 1918(61).

    {2} اغتبط العرب لما تمّ لليمن استقلالها الذي سعت إليه أحقاباً واستبشروا بخلاص العرب كلهم من حكم العثمانيين، وفرحوا بحقن دماء اليمانيين ومن كانت ترسلهم الدولة لحربهم من {الأتراك والعرب} (من الشام والأناضول). وكانت الدولة تزيد في إرهاق سكان اليمن كلما صدوا جيوشها عن ديارهم.

    وكان يُرجى لليمن باستقلاله التام أن يبدأ بالأخذ بمذاهب المدنية وينزع عن ثوبه البالي القديم، ويسارع للخروج من ظلمة البداوة إلى فجر الحضارة وبخاصة لأن اليمانيين لا ينقصهم شيء من الحافزات إلى الرُّقي. بيد أن دولة اليمن رأت سلامتها بعد الذي شاهدت من {لماءة} الدخيل عليها أن تسد حدودها من البحر والبر والجو لتحول دون وصول الغرباء إليها، متناسية أن الأمة لا تعيش إلا بالأخذ من غيرها وإعطائه، وأن {ميزان} الاقتصاديات لا يُشترى إلا بانتظام الاستيراد والإصدار، ومن {المستحيل} أن تظل اليمن على عزلتها في مثل هذا العصر عصر تمازج الشعوب واختصار المسافات بين البلدان. ولعل هذه العزلة المضرة مما جنى على اليمن فأخّرها عن اللحاق بجاراتها مصر والشام والعراق، {وما برحت} اليمن {تتجاهل} أن هذه الأقطار أخذت من المدنية الغربية بالصغير وبالكبير وظلت مع هذا مسلمة عربية.

    قدر العارفون مساحة اليمن بمائتين وستة وخمسين ألف كيلومتر. وقدر أرباب الإحصاء من الغربيين سكانها بأربعة ملايين ونصف مليون، ويقدرهم العارفون من العرب بأكثر من ذلك. هذا والجهل فاشٍ في هذا الشعب سواء فيه تهامة(62) والجبال {ويتساوى في كلمته} الزيدية والشوافع، ويكفي للدلالة على انحطاط {هذا الشعب أن أهل اليمن} إلى اليوم يعمدون إلى الرُّقى والتعاويذ في شفاء أمراضهم مع وجود أطباء من أهل اليمن ومن الطارئين عليها من الطليان. وكان المأمول أن تربو نفوس اليمن على العشرين مليوناً لولا أضرار «القات» {وهو} حشيش مخدر يمضغونه {ويدّعون} أنه يسهل الهضم عليهم، فساءت {به} صحتهم {ودخل العقم على} نسلهم. وزاد في ذلك إهمال الحكومة شؤون الصحة العامة حتى ادعى من زار اليمن من الأطباء العارفين أن {هذا القطر} مستنبت الأمراض. وهناك عوامل تدخل في باب الأعمال الإدارية ولا تسوّغها قوانين العصر الحاضر، مثل أخذ رهائن من القبائل بالمئات واعتقالهم في السجون حتى لا تخرج عن طاعة الدولة القائمة.

    {3} يود كل عربي لليمن عهد رخاء يناسب طبيعتها وغناها، ودوراً في المدنية يلائم ماضيها الباهر. لا جرم أن إمام اليمن عارف بطرق إصلاح {مملكته} وأنها إذا استوفت شروط القوة الحربية وهي متخلفة في القوتين المادية والثقافية، وأنه ليس من علاج لمداواة أمراض {ذلك القطر العظيم} إلا استدعاء مستشارين ومعلمين من {الأقطار العربية} ومن أوربا {بمقياس واسع} فإذا فعل لا يمضي جيل أو جيلان حتى {تتم} لليمن {سعادتها} ويتكرر حكم التاريخ. أما قالوا إن اليمن سبقت بابل ومصر إلى الحضارة ومنها هاجر أجداد الفراعنة ومنها كان أجداد البابليين و{إن اليمانيين حملوا إلى مصر} وبابل وآشور الصناعات والعلوم وأساليب التجارة. واستنبط أرباب الأخبار أن اليمانيين أو الحميريين هم الذين نقلوا المدنية إلى شواطئ آسيا وأفريقية وأوربا، ووصفوا اليمانيين بأنهم كانوا {أميل} بمدنيتهم إلى التجارة {منهم} إلى الغزو والغارة. وكان معظم الأذواء(63) من أمرائهم يتّجرون فإذا كان لأحدهم مطمع في السيادة غلب على الأرض التي نزلها.

    وبعد فإن أدوار الممالك كأدوار الأشخاص لا بدّ من المبالغة في تشخيصها حتى يصف لها أُساتها الأدوية الناجعة، وخير دواء لليمن ولا شك نشر العلم على الطرق الحديثة والأخذ بأساليب الحضارة الجديدة وبذلك فقط تستعيد عظمتها الغابرة وتغدو حقاً «العربية السعيدة» على ما كان القدامى يسمونها.

    لبنان

    أحب لبنان لأنه قطعة جميلة من وطني {وأحب لبنان لأنه تابع في الأخذ بمذاهب العلم قبل غيره من سكان الديار الشامية وكان من أبنائه نوابغ رفعوا رأس العرب}، وأحب اللبنانيين وأقدر إقدامهم على الهجرة لكسب المال وتلقف المدنية الحديثة، لا أعطي {اللبنانيين} أكثر من استحقاقهم، ولا يحول حبي المكان والمكين دون التصريح بأمور قد لا ترضي فريقاً من {أهل الحل والعقد في لبنان وكانت} السلطة {أدخلت} فيه {كرهاً} أقاليم ما كانت منه، ولا أحب أهلها أن يندمج

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1